1. أسس وخصائص القانون الإداري
لقد اختلف الفقه حول الأساس أو المعيار المميز لقواعد القانون الإداري ، لذلك ظهرت مدرستان أساسيتان هما مدرسة المرفق العام و مدرسة السلطة العامة للإجابة على هذا التساؤل الذي يدور حول الأساس الذي يعتمد عليه في تحديد قواعد هذا الفرع من فروع القانون العام . كما تتميز قواعد القانون الإداري بكونها ذات خصائص متميزة تجعلها تختلف عن قواعد الفروع الأخرى .
أولا : الاختلاف في أساس القانون الإداري:
لاشك أن وضع أساس للقانون الإداري يساهم في تحديد ولاية القاضي الإداري الذي يختص بتطبيق قواعد هذا القانون ، خاصة بالنسبة للدول التي تبنت النظام القضائي المزدوج كفرنسا و الجزائر و المغرب و مصر .
و عليه ، فإن وضع الأساس للقانون الإداري سيكون له فائدة عملية كبيرة بحيث ينجر عن توظيف هذا الأساس و تطبيقه معرفة اختصاص إما جهة القضاء العادي أو جهة القضاء الإداري ، خاصة و أن قواعد الاختصاص النوعي تعد من النظام العام لا يجوز مخالفتها .
و لقد اختلف الفقه في فرنسا بشأن تحديد أساس للقانون الإداري يمكن الاعتماد عليه لمعرفة حدود ولاية القضاء الإداري و تطبيق المبادئ و الأحكام المتميزة و التي لا مثيل لها في مجال روابط القانون الخاص و يمكن حصر اختلافهم في معيارين ، هما معيار المرفق العام و معيار السلطة العامة .
1- معيار السلطة العامة :
يعتبر موريس هوريو (Maurice Hauriou ) رائد هذه المدرسة ، التي أطلق عليها اسم مدرسة تولوز و تبعه في هذه الفكرة بعض الفقهاء مثل الفقيه برتملي .
و انطلق القائلون بهذا المعيار من مسلمة أن للدولة إرادة تعلو إرادة الأفراد و من ثمة فإن لها أن تستعمل أساليب السلطة العامة كان تنزع ملكية فرد أو تعلق محلا أو طريقا أو تفرض تلقيحا أو أن تنظم حركة مرور أو أن تقيد حرية ، فهي إن قامت بهذا النوع من الأعمال وجب أن تخضع لمبادئ و أحكام القانون الإداري كما تخضع في منازعاتها المترتبة عن هذه الأعمال أمام القاضي الإداري .
و قد اصطلاح أصحاب مدرسة السلطة العامة على تسمية هذا النوع من الأعمال بأعمال السلطة ، و حسب أنصار هذه المدرسة فإن الإدارة لا تخضع فقط لأحكام القانون الإداري و إنما أيضا لأحكام القانون الخاص ، و ذلك عندما تنزل إلى مرتبة الأفراد و تباشر أعمالا مدنية أو أعمال الإدارة العادية (Acte de gestion) .
لقد وجه لهذه النظرية انتقادان أساسيان ، أولهما أن ما ذهبت إليه إلى خضوع الإدارة تارة إلى أحكام القانون العام و تارة لأحكام القانون الخاص من شأنه أن يؤدي إلى ازدواجية الطبيعة القانونية للشخص المعنوي .
كما وجه الفقيه جون ريفيرو انتقادا إلى هذه المدرسة مؤكدا أن السلطة العامة ىتصلح كفكرة لتحديد ولاية القاضي الإداري و قواعد القانون الإداري و ذلك بسبب أن أعمال السلطة في حد ذاتها تبنى على جانبين أو مظهرين :
فأحيانا يظهر الجانب السلطوي في عمل الإدارة بشكل جلي و مثله أن تعمد الإدارة إلى نزع ملكية فرد أو تنظيم حركة مرور أو غلق طريق أو فرض تلقيح أو إعلان حالة الطوارئ أو حصار أو خطر للتجول . غير أن الجانب السلطوي قد يبدو خفيا أو بصورة سلبية فتظهر الإدارة في وضعية أقل حرية من الأفراد ، فهي مثلا إذا أرادت التوظيف لجأت إلى تنظيم مسابقة لانتقاء أفضل الكفاءات ، و هي إن أرادت التعاقد لجأت إلى إشهار و إعلام الغير ، كما أنها من جهة ثالثة ليست حرة في التصرف في أموالها أو مستهلكتها.
2- معيار المرفق العام :
يقول بهذا المعيار كل من ليون دوجي و جيز ، و يرون أن الدولة ليست شخصا يتمتع بالسلطة و السيادة و السلطان كما ذهب إلى ذلك أصحاب مدرسة السلطة العامة ، بل هي مجموعة مرافق عامة تعمل لخدمة المجتمع و إشباع حاجات أفراده .
فالدولة من وجهة نظر القائلين بهذا المعيار عبارة عن جسم خلاياه المرافق العامة ، و يقصد بالمرافق العامة مشروعات عامة تتكون من أشخاص و أموال تهدف إلى إشباع حاجة كمرفق الدافع و السكك الحديدية و التعليم و الصحة .
إن فكرة المرفق العام وفق نظرة أصحاب مدرسة المرفق العام هي جوهر القانون الإداري ، و إليها ترجع جميع موضوعاته و يتحدد وفقا لها نطاق اختصاصاته و ولايته ، فالموظف العام ما كان ليخضع لقواعد خاصة تربطه بالإدارة الحكومية لو لا فكرة المرفق العام .
و لقد كان لقرار بلانكو الصادر في 08 فيفري1873 عن محكمة النازع الفرنسية بالغ الأثر في إظهار فكرة المرفق العام و علاقتها بالقانون الإداري إذ اعتمد عليها في حيثيات القرار المذكور لتثبيت اختصاص مجلس الدولة و اخضاع الإدارة لأحكام خاصة غير مألوفة في مجال روابط القانون الخاص .
لكن هذه النظرية كذلك لم تسلم من النقد ، و ذلك خاصة بعدها عرف بأزمة المرفق العام التي ظهرت عند إصدار محكمة التنازع الفرنسية لقرارها في قضية (Back D’éloka) في 22 جانفي 1921 ، و قد تعلق هذا الحكم بنزاع حول ناقلة بحرية في ساحل العاج تعرضت لحادث تسببت في غرق مسافر و إلحاق الضرر بمجموعة عربات ، و لما رفع الأمر إلى المحاكم العادية تمسك ممثل الإدارة بعدم الاختصاص . فعرض الأمر على محكمة التنازع فأقرت بالصيغة المدنية للنزاع و باختصاص القاضي العادي بالنظر فيه ، و أسست قرارها هذا على أن الشركة كانت تقوم بوظيفة النقل طبقا لذات الشروط الاختصاص للقاضي الإداري يجعل الاختصاص ينعقد لجهات القضاء العادي . و انطلاقا من هذا القرار انتهى الفقهاء إلى أن المرفق العام لم يعد شكلا واحدا ، بل و بحكم التطور الذي حدث في المجتمع الفرنسي و غيره تعددت المرافق من مرافق إدارية إلى مرافق اقتصادية نتجت عن تدخل الدولة في المجال الصناعي و التجاري ، و إذا كان من المنطقي إخضاع المرافق الإدارية لأحكام القانون الإداري ، فإنه من غير المعقول تطبيق الأحكام ذاتها بالنسبة للمرافق الاقتصادية بحكم طبيعة هذا النوع من النشاط .
و لقد كان لقرار بلانكو الصادر في 08 فيفري1873 عن محكمة النازع الفرنسية بالغ الأثر في إظهار فكرة المرفق العام و علاقتها بالقانون الإداري إذ اعتمد عليها في حيثيات القرار المذكور لتثبيت اختصاص مجلس الدولة و اخضاع الإدارة لأحكام خاصة غير مألوفة في مجال روابط القانون الخاص .
لكن هذه النظرية كذلك لم تسلم من النقد ، و ذلك خاصة بعدها عرف بأزمة المرفق العام التي ظهرت عند إصدار محكمة التنازع الفرنسية لقرارها في قضية (Back D’éloka) في 22 جانفي 1921 ، و قد تعلق هذا الحكم بنزاع حول ناقلة بحرية في ساحل العاج تعرضت لحادث تسببت في غرق مسافر و إلحاق الضرر بمجموعة عربات ، و لما رفع الأمر إلى المحاكم العادية تمسك ممثل الإدارة بعدم الاختصاص . فعرض الأمر على محكمة التنازع فأقرت بالصيغة المدنية للنزاع و باختصاص القاضي العادي بالنظر فيه ، و أسست قرارها هذا على أن الشركة كانت تقوم بوظيفة النقل طبقا لذات الشروط الاختصاص للقاضي الإداري يجعل الاختصاص ينعقد لجهات القضاء العادي . و انطلاقا من هذا القرار انتهى الفقهاء إلى أن المرفق العام لم يعد شكلا واحدا ، بل و بحكم التطور الذي حدث في المجتمع الفرنسي و غيره تعددت المرافق من مرافق إدارية إلى مرافق اقتصادية نتجت عن تدخل الدولة في المجال الصناعي و التجاري ، و إذا كان من المنطقي إخضاع المرافق الإدارية لأحكام القانون الإداري ، فإنه من غير المعقول تطبيق الأحكام ذاتها بالنسبة للمرافق الاقتصادية بحكم طبيعة هذا النوع من النشاط .
ثانيا : خصائص القانون الإداري:
للقانون الإداري مجموعة من الخصائص تبرر وجوده كقانون مستقل عن بقية فروع القانون الأخرى و بصفة خاصة استقلاليتة عن القانون الخاص ، من أهم هذه الخصائص يذكر الفقهاء الخصائص التي سنأتي على تفصيلها :
أ- القانون الإداري قانون حديث :
بحيث يعتبر القانون الإداري قانون حديث مقارنة بالقانون المدني ، فيعتبر هذا الأخير إرثا لتقاليد عريقة . فالمفاهيم الأساسية التي استعملها المشرع الفرنسي لإعداد القانون المدني ، يرجع تحريرها إلى القانون الروماني Le droit Romainو هذا هو السبب في دقة المصطلحات المستعلمة في القانون المدني التي تمكن انطلاقا من تعاريف واضحة القيام بتفكير دقيق .
أما القانون الإداري فلم ينشأ كفرع مستقل له أسسه و خصائصه و مصادره و استقلاله إلا في القرن التاسع عشر و بالتحديد في الربع الأخير منه ، لأن نظرية القانون الإداري في مفهومها الفني الضيق لم تنشأ إلا بنشأة القضاء الإداري الذي تحقق وجوده بصورة واضحة و لأول مرة في حكم بلانكو الشهير السالف الذكر .
ب- القانون الإداري قانون قضائي أساسا :
يتميز القانون الإداري بأنه قانون قضائي أساسا ، فبالرغم من وجود تقنيات جزئية لهذا القانون فإن نظريات هذا القانون هي من ابتكار القضاء الإداري و خاصة مجلس الدولة الفرنسي .
و بما أن القانون الإداري قانون حديث ، فإن القضاء الإداري حديث ، فإن القضاء الإداري يجد نفسه في حاجة إلى قواعد قانونية يحكم على أساسها في النزاع المعروض عليه ، و من ثمة عليه أن يجتهد و يبتكر النظريات القانونية لإيجاد الحلول للمنازعة المرفوعة أمامه .
و من بين النظريات التي ابتكارها القضاء الإداري الفرنسي يمكن أن نذكر نظرية مسؤولية الإدارية ، نظرية المبادئ العامة للقانون .
ج- القانون الإداري غير مقنن :
و يقصد بهذه الخاصية أن القانون الإداري غير مقنن في مجموعة واحدة مثل القانون المدني و القانون الجنائي و القانون التجاري .
إلا أن عدم تقنين القانون الإداري في مجموعة واحدة لا ينفي وجود التقنين الجزئي لمواضيع هذا القانون مثل قانون الوظيفة العمومية و قانون الجماعات المحلية (البلدية و الولاية) ، قانون الصفقات العمومية ، قانون الجمعيات ، قانون الانتخابات .
و بالرغم من ذلك يبقى القانون الإداري قانون غير مقنن في مجموعة واحدة ، و قد يرجع ذلك لأسباب عديدة :
- أن القانون الإداري سريع التطور لكونه قانون الإدارة العمومية التي تتطور بتطور الظروف المحيطة بها سواء كانت هذه الظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية .
- هذا التطور السريع يؤدي إلى التغيير السريع في النصوص القانونية مما يصعب عملية الجمع و ترتيب النصوص القانونية خاصة التنظيمية منها .
- تشعب مواضيع القانون الإداري و كثرتها ، بحيث أن بعض مواضيع القانون الإدارة تحتاج إلى عدد كبير من النصوص القانونية .
تجب الإشارة إلى أن عدم التقنين للقانون الإداري سلبيات و إيجابيات ، فمن أهم
فمن أهم إيجابيات عدم تقنين هذا القانون تكريس حرية القاضي الإداري و السلطة التقديرية الممنوحة له في مجال ابتكار إنشاء القاعدة القانونية الإدارية .
وكذلك من شأن عدم تقنين القانون الإداري أن يراعي طبيعة هذا القانون الذي يتسم بالتطور السريع جدا .
أما السلبيات التي يمكن أن تنجم عن خاصية عدم تقنين القانون الإداري فتتمثل أساسا في الجهل بقواعده ، خاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الثقافة القانونية المحدودة .
د- القانون الإداري ، قانون سريع التطور :
يمتاز القانون الإداري بأنه قانون يتطور بسرعة متأثرا بتطور الظروف المحيطة و المتحكمة في الإدارة العمومية .
فالقانون الإداري شديد الحساسية للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في الدولة .