1. أركان الحق
1.2. محل الحق
الفرع الأول: محل الحقوق العينية (الأشياء و الأموال).
إن مدلول الشيء أعم و يعني كل كائن يشغل حيزاً في الطبيعة، فكل مال هو شيء، و لكن ليس كل شيء بمال، فالمال في القانون هو الحق ذو القيمة المالية أياً كان نوعه و محله، سواء أكان حقاً عينياً أو شخصياً أو ذهنياً وهذه الحقوق ذات القيمة المالية أما الأشياء فهي محال هذه الحقوق. و قد ينص القانون على إخراج بعض الأشياء عن التعامل لاعتبارات تتعلق بالنظام العام والآداب العامة والصحة العامة. و تنقسم الأشياء إلى (عقارات ومنقولا) و إلى (مثلية و قيمية) و إلى (مملوكة و غير مملوكة).
أولا: تقسيم الحق إلى أشياء و أموال.
أ: تقسيم الشيء إلى عقار و منقول.
تقسم الأشياء من حيث ثباتها و حركتها إلى عقارات Chose Immobilière و منقولات Chose mobilièreبحيث يقوم (هذا التقسيم) على أساس معيار مادي يعتمد على اختلاف طبيعة الأشياء. فثبات بعض الأشياء واستقرارها في مكانها، و حركة البعض الآخر أو قابليته للحركة يبرر اختلاف القواعد التي تحكم كل نوع منها[1]. والنتيجة الرئيسية المترتبة على هذا التقسيم أن كل منهما يخضعان إلى قواعد خاصة تنظمه (النظام القانوني) (مثلا من حيث قواعد الملكية/ التصرف/ الاختصاص القضائي). و ينقسم العقار بدوره إلى عقار بطبيعته Immobilière par nature: و هو الشيء الثابت المستقر في الأرض بحيث لا يمكن نقله أو تحويله منها دون تلف فيه أو تغيير في هيئته. و إلى عقار بالتخصيص Immobilière par destination: وهو في الحقيقة منقول بطبيعته[2]، إلا أن القانون عده عقاراً بالتخصيص لأن مالكه يضعه في عقار مملوك له رصداً على خدمة ذلك العقار و استغلاله و يكون ثابتاً فيه، مثل: الآلات الحاصدة الرابطة Moissonneuses-lieuses أو الآلات الحاصدة الدارسةMoissonneuses-batteuses وهي الآلات المخصصة للزراعة ولا يمكن الحركة بها خارج الأرض الزراعية. أما المنقول فينقسم إلى ثلاث أنواع: منقولات بطبيعتها Chose mobilière par nature و هي الأشياء المادية التي يمكن نقلها و تحويلها من مكانها دون تلف فيها أو تغيير في هيئتها. و نجد في التشريعات الأخرى ما يسمى بـ منقولات بحسب المآل Chose mobilière par destination و هي تقابل فكرة العقار بالتخصيص إذ هي عقارات بطبيعتها و لكنها تعتبر منقولات بحسب المآل قانوناً و تطبق عليها أحكام المنقول لأنها مرشحة و معدة لأن تفصل عن الأرض بعد قليل من الزمن و تصبح منقولاً بإرادة الطرفين المتعاقدين كنقل الأشجار إذا بيعت إلى مزارع آخر. المنقولات المعنوية: و تشمل الحقوق التي ترد على منقولات بطبيعتها: كالالتزامات و الأسهم في الشركات، أو على أشياء غير مادية Chose immatérielle: كالمؤلفات العلمية و الأدبية و غيرها[3]، أو على عناصر معنوية éléments incorporelles: و هي قابلة للتعريف و لا معنى مادي لها كالعملاء Clients، أو حقوق أخرى مثلا حق الإيجار.
ب: تقسيم الشيء إلى قيمي و مثلي.
الأشياء المثلية هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء و التي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد، أو المقياس أو الكيل، أو الوزن[4]. فالأشياء المثلية تفترض بالضرورة انتماءها إلى نوع واحد، أي التي لها نظائر متماثلة في الأسواق من نفس جنسها أو مقارب لها في القيمة، كتبادل الزرابي المصنوعة من الصوف مع الزرابي المصنوعة من القطن وعادة ما يتم هذا النوع من التبادل في إطار التجارة المقايضة[5]. أما الأشياء القيمية choses tangible، نسبة إلى القيمة، فهي ما لا يوجد لها نظير في السوق بحيث لا يمكن أن يحل محلها في الوفاء شيء آخر، وأهمية التقسيم تتمثل أساسا في المقاصة الجبرية القانونية بالنسبة للشيء المثلي عكس القيمي، و هذا الأخير ينتقل بمجرد الانعقاد البيع أما المثلي أن يكون مقابله مضمون، كما أن الشيء القيمي يتوقف محل الوفاء على رضا الدائن[6]، بينما هو العكس بالنسبة للأشياء المثلية.
ج: الأشياء القابلة للاستهلاك و الأشياء غير قابلة للاستهلاك (الاستعمالية).
الأشياء القابلة للاستهلاك Choses consomptibles هي التي ينحصر استعمالها بحسب ما أعدت له، في استهلاكها أو إنفاقها[7]، الأشياء غير قابلة للاستهلاك فهي ما يتحقق الانتفاع بها باستعمالها مراراً مع بقاء عينها كالسيارة. فهذا الأخير يحتمل استعمالات أخرى، أما الأشياء القابلة للاستهلاك يمكن استعماله إلا مرة واحدة، يمكن أن يكون استهلاك مادي كأكل الطعام أو استهلاك قانوني كالتصرف بالشيء عن طريق البيع[8]. هذا التقسيم له مبررات عملية لأن هناك بعض العقود لا يمكن أن ترد إلا على الأشياء التي لا تستهلك باستعمالها، كعقد الإيجار و عقد الإعارة (عارية الاستعمال) Prêt a usage و حق الانتفاع. كما أن هناك من العقود ما لا يتصور وقوعه إلا على الأشياء الاستهلاكية كما في القرض (القرض الاستهلاكي)، فالقرض في أصله يرد على النقود[9].
ثانيا: تقسيم المال إلى عام و خاص.
تنقسم الأموال بالنسبة لمالكها إلى (أموال عمومية وأموال خاصة)، فالأموال الخاصة هي تلك الأموال المملوكة ملكية خاصة للأفراد أو للأشخاص المعنوية أو الاعتبارية الخاصة كالشركات التجارية أو المدنية، أما الملكية العامة هي ملك للمجموعة الوطنية[10] و تشتمل الأملاك على مجموع الأملاك و الحقوق المنقولة والعقارية التي تحوزها الدولة و جماعتها الإقليمية في شكل ملكية عمومية (الدومين العام)[11] و هي الأموال المخصصة للمنفعة العمومية (المصلحة العامة[12]) أو لتخصيصها لاستعمال الجمهور: مثل السكك الحديدية، الحدائق العمومية، الطرق، الشوارع (و هي غير قابلة للتصرف ولا للتقادم و لا للحجز[13])، أو خاصة (الدومين الخاص)[14]: هي أموال تملكها الدولة بوصفها شخصاً اعتبارياً عادياً لأنها غير مخصصة للمنفعة العمومية مباشرة بل للاستثمار العمومي كمصدر من مصادر الموارد المالية، أو للتجهيز العمومي، أو أن تتصرف فيها تصرف الأشخاص في ملكهم الخاص على أساس القانون الخاص.
الفرع الثاني: محل الحقوق الشخصية)[15]] Personal right/Droit personnel.
ذكرنا سابقاً أن الحق إذا كان عينياً فمحل يكون شيئاً مادياً يقع عليه الاختصاص المباشر لصاحب الحق وتقوم العلاقة بصورة مباشرة بين الحق و صاحبه، و لذلك استقصينا ما يتعلق بالمال و الشيء. أما فيما يتعلق بالحق الشخصي، فإن محله يتصل بالأداء الذي يلتزم به المدين إزاء الدائن صاحب الحق، و هذا الأداء قد يكون التزاماً بنقل حق عيني أو القيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين.
أ - الالتزام بنقل حق عيني (المادة 165 من القانون المدني): و هو التزام شخص (المدين) بنقل حق عيني إلى آخر (الدائن)، مثل التزام البائع بنقل ملكية عقار إلى المشتري في عقد البيع.
ب - الالتزام بعمل معين (المادة 168-172 من القانون المدني)-الأعمال الايجابية-: و قد يكون محل الحق الشخصي في سلطة الاقتضاء هو التزام المدين بعمل يمكن إجباره على القيام به، بشرط أن ينصب على التزام القيام بعمل ممكن، مشروع، معين أو قابل للتعيين. كالتزام المقاول بانجاز بناء سكني و التزام المحامي بالترافع في دعوى معينة. و يمكن أن يكون موضوع الحق عملاً تستوجب طبيعته أو الاتفاق قيام المدين به شخصياً، مثلا المحامي. و يعتبر كذلك حقاً شخصياً الالتزام بتسليم شيء معين، كالتزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري صاحب حق شخصي (بعد انتقال الحق العيني/ كالملكية) ملزم بتسلمه (المادة 168 من القانون المدني).
ج - الالتزام بالامتناع عن القيام بعمل (المادة 173 من القانون المدني)-الأعمال السلبية-: قد تكون الأعمال سلبية عندما يلتزم المدين بالامتناع عن القيام بعمل معين لمصلحة الدائن، كأن يبيع صاحب مصنع مصنعه لآخر و يلتزم في عقد التنازل (البيع) بعدم إقامة مصنع جديد آخر من نفس النوع و في نفس المكان أو كأن يتفق تاجر مع مستورد أو المورد على أن يورد له دون غيره بضاعة معينة من البضائع و عدم توريدها لتاجر آخر لمدة معينة (عقد توزيع استئثاري Contrat de distribution exclusive) أو استعمال علامة تجارية License exclusive. أو كأن يلتزم العامل المطلع على المهارة الصناعية بأن لا ينافس صاحب المصنع (المستخدم) لمدة معينة بعد انتهاء عقده (عقد العمل).
الفرع الثالث: الحقوق المعنوية أو الفكرية (غير المادية) .
ذكرنا سابقاً أن الحقوق المالية قد يكون موضوعها نتاجاً ذهنياً يبتكره الشخص، كالتأليف و الشعر و اللحن والاختراع، فتخول صاحبها مجموعة من الامتيازات التي تثبت للمبتكر على نتاجه تسمى (حقوق المؤلف أو الأدبية أو المعنوية أو الذهنية). وقد ظهرت هذه الطائفة من الحقوق نتيجة التطور الثقافي و التكنولوجي والاقتصادي و الصناعي و هي حقوق ذهنية أو فكرية أو أدبية أو معنوية لا تندرج تحت طائفة الحقوق العينية و لا تحت طائفة الحقوق الشخصية، لأنها لا ترد على شيء مادي[16]. فمحل الحقوق المعنية لا يدرك بالحس بل بالفكر، و الاستئثار فيها يرد على أشياء معنوية غير مادية ذات كيان خارجي عن الشخص، رغم أن الشخص هو الذي أوجدها. فهو يتضمن جانبين المالي المتمثل باستغلال هذا الحق مالياً، و جانباً معنوياً وثيق الصلة بشخص صاحبه. وبالتالي فهي من نوع خاص وأخضعها المشرع الجزائري لأحكام قانون خاص.
المطلب الثالث: إقرار القانون بوجود الحق أو الحماية القانونية للحق.
إن قواعد القانون في تنظيمها لعلاقات الأشخاص في المجتمع إذا قررت حقاً لأحد الأطراف تقرر بالضرورة واجباً على الطرف الآخر المقابل تلزمه فيه باحترام هذا الحق و منع الاعتداء عليه ، فالحق إذن اختصاص قانوني مزود بوسائل حماية مختلفة تكفل احترام المصلحة التي يهدف إلى تحقيقها و اختلف الفقهاء حول اعتبار الحماية القانونية التي يزود بها الحق عنصراً من عناصر الحق، و على كل حال فإن الوسائل التي تتحقق بها الحماية القانونية للحق متعددة و مختلفة وفرها القانون لصاحب الحق، منها وسيلة قانونية بدون دعوى (كحق المطالبة أمام الجهات الإدارية، أو حق الدفاع الشرعي للسلامة الجسدية، أو الحق في الحبسDroit de rétention[17][18])، ووسيلة قانونية بدعوى (أي طلب شخص حقه من آخر أمام القضاء).
[1] المادة 683 من القانون المدني تنص أنه: "كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار، و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول".
[2] المادة 683 الفقرة 2 من القانون المدني تنص أنه: "غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه، رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص ".
[3] هي التي تكون محل الحقوق المذكورة في العنصر: "3 – الحقوق المعنوية أو (غير المادية)" صفحة أربعة (04) من هذه الوثيقة.
[4]Art.686 du code civil Algérien : « les choses fongibles sont celles qui peuvent être remplacées les unes par les autres dans un paiement et qu’il est d’usage, dans les rapports d’affaires de déterminer d’après le nombre, la mesure, le volume ou le poids ».
[5] المادة 2 من القرار الوزاري المشترك (بين وزير التجارة و الوزير المنتدب للميزانية آنذاك) المؤرخ في 14 ديسمبر 1994، الذي يحدد كيفيات ممارسة تجارة المقايضة الحدودية مع النيجر و المالي. أنه: " تكسي تجارة المقايضة الحدودية طابعا استثنائيا و تستهدف تموين السكان المقيمين في ولايات أدرار و إيليزي و تامنغست لا غير".
[6] بحيث ليس للمدين بشيء قيمي أن يوفي التزامه بتسليم غير هذا الشيء المعين بالذات دون رضا الدائن حتى لو كان البديل مساوياً في القيمة للشيء المستحق محل الالتزام الأصلي أو كانت له قيمة أعلى. أنظر إلى المادة 276 من القانون المدني.
[7] المادة 685 من القانون المدني.
[8] و هنا يكون الاستهلاك القانوني نسبياً لأنه يقتصر على من استعمل الشيء دون غيره.
[9] بحيث أن المقترض لا يفترض فيه رد عين ما تسلمه منها، و إنما الأصل أن المقترض يستعمل المبلغ المقترض للوفاء بحاجاته على أن يرد للدائن المبلغ الذي اقترضه منه و لكن من حيث الكمية، دون أن يلتزم بأن يرد نفس هذا المبلغ عينا. لأن القرض تمليك مال أو شيء مثلي لآخر على أن يرد مثله قدراً و نوعاً و صفة إلى المقترض عند نهاية مدة القرض (المادة 450 من القانون المدني).
[10] المادة 17 من الدستور تنص أن "الملكية العامة هي ملك للمجموعة الوطنية و تشمل باطن الأرض، و المناجم، و المقالع، و الموارد الطبيعية للطاقة، و الثروات المعدنية الطبيعية والحية، في مختلف مناطق الأملاك الوطنية البحرية و المياه، و الغابات. كما تشمل النقل بالسكك الحديدية، و النقل البحري، والبريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية، و أملاكاً أخرى محددة في القانون". فالعبارة المجموعة الوطنية تعني تعود ملكيتها للجماعة (الأفراد و الدولة) و يقتصر حق الدولة فيها على الإشراف و الحفظ و الصيانة لمصلحة الناس جميعاً بوصفها و ممثلة (والنابعة أيضا) عن الجماعة.
[11] المادة 12 من القانون رقم 90-30 المؤرخ في أول ديسمبر 1990، الذي يتضمن قانون الأملاك الوطنية.
[12] المادة 688 من القانون المدني.
[13] المادة 4 من القانون رقم 90-30 المؤرخ في أول ديسمبر 1990، الذي يتضمن قانون الأملاك الوطنية.
[14] المادة 17 من القانون رقم 90-30 المؤرخ في أول ديسمبر 1990، الذي يتضمن قانون الأملاك الوطنية.
[15] Ou droit de créance.
[16] المادة 687 من القانون المدني.
[17] المادة 200 من القانون المدني.
[18] المادة 143 من القانون المدني.