المحاضرة الخامسة

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: مقياس فلسفة العلوم
كتاب: المحاضرة الخامسة
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Saturday، 23 November 2024، 3:35 AM

1. تمهيد

  إن المتتبع لتطور الأفكار الفيزيائية سيجد أن الفيزياء الكلاسيكية –كما سبق وأن عرضناها في المحاضرة السابقة-منذ نشأتها مع غاليللو ونيوتن قامت على جملة من المفاهيم التي لا يمكن تطبيقها إلا على مستوى المجال العادي المألوف متناسية المجال الماكروفيزيائي الممثل في عالم المجرات والمجال الميكروفيزيائي والذي يمثله عالم الذرات والالكترونات،فكان هذا النقص عاملا في ظهور ثورة علمية جديدة مثّلتها الفيزياء الحديثة والمعاصرة على حد سواء،والتي مثّلت النظرية النسبية جانبا مهما لا يمكن إنكاره،كرد فعل على فيزياء نيوتن وعجزها عن تفسير الكثير من الظواهر الفيزيائية والفلكية،لذا فإن الإشكال المطروح:ماالمقصود  بالنظرية النسيبية؟وما هي مفاهيمها الفلسفية التي انبثقت عنها؟وكيف تمكنت من تجاوز الفيزياء الكلاسيكية عامة والنيوتونية خاصة؟

1.1. المنظومات المرجعية وأنواعها

 لقد قلبت النظرية النسبية المفاهيم والتصورات الفيزيائية القديمة رأسا على عقب،ومن بينها المنظومات المرجعيةsysteme de references أو منظومة الإحداثيات كما يحبذ البعض تسميتها.

يقصد بالمنظومات المرجعية تلك المرتكزات التي يتم الاستناد عليها لتحديد شيئ من الأشياء في المكان والزمان أو هما معا،مثلا لتحديد نقطة ما في قاعة الدرس نستعمل إحداثيا الطول والعرض،فنقول إن الطالب يقع على مسافة كذا من الجدار الذي يمثل طول الغرفة وعلى مسافة كذا من الجدار الآخر الذي يمثّل العرض،مع العلم أننا عندما نحدد هذه القياسات فإننا نكون بحالة سكون لا حالة حركة،أما إذا كنا في حالة حركة فعلينا أن نأخذ في اعتبارنا سرعتنا بالإضافة إلى سرعة وسكون واتجاه ذلك الشيئ.

وهنا يمكن التمييز بين نوعين من المنظومات المرجعية،منها المنظومات المرجعية الغاليلية نسبة إلى غاليللو،لأنه أقام فيزياءه على مبدأ العطالة،أما إذا كان المتحرك يتحرك بسرعة متسارعة تزيد وتنقص فإن هذه المنظومة ستكون غير غاليلية،وانطلاقا من هذه الثنائية المرجعية انبثقت النسبية الخاصة التي تدرس الحوادث في إطار المنظومة المرجعية الغاليلية،والنسبية العامة التي تدرس الحوادث في إطار المنظومات المرجعية غي الغاليلية[1].



[1]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص339.

1.2. تجربة مايكلسون ومورللي

لقد أدى ظهور النظرية الموجية في تفسير الضوء  إلى تمكن ماكسويل من الاعتقاد بأن الموجات الضوئية تنشر حولها مجالا مغناطيسيا مما يجعل منها أمواجا كهرطيسية تموج عبر الأثير  الذي يعم الفضاء وجميع الأمكنة.كما انتهى العلماء في طبيعة الكهرباء إلى اكتشاف الالكترونات التي هي عبارة عن حبات مشحونة بالكهرباء السالبة تسري في التيار الكهربائي،كل هذه الأمور مهّدت لتجربة مايكلسون ومورللي.

كان هدف هذه التجربة دراسة تأثير حركة الأرض على سرعة الضوء حيث توصل مايكلسونMichelson(1853-1931) إلى أن سرعة أشعة الشمس لا تتغير،إنها دوما 300ألف كم /ثا،سواء كان الملاحظ الذي يقسها متحركا يتحرّك في اتجاه الشمس أو الاتجاه المعاكس[1].

ونتج عن هذه التجربة إخفاق مايكلسون ومورللي في إثبات الأثير ،مما برهن على أن هناك شيئ حتى لو وُجد فسوف يظل دائما دون اكتشاف سواء من حيث المبدأ أو التطبيق في العلم فإنه يتحول لا جدوى منه على الإطلاق[2].

ميكلسون ومورلي

[1]  المرجع السابق،ص340.

[2] صلاح عثمان:الاتصال واللاتناهي بين العلم والفلسفة،مرجع سابق،ص188.

2. عوامل نشأة النظرية النسبية

لقد قامت النظرية النسبية على جملة من العوامل والدوافع التي أدت إلى ظهورها،ويمكن إيجازها فيما يلي:

3. النسبية الخاصة the special relativity المفهوم والخصائص

3.1. البرت اينشتاين

يعتبر ألبرت أينشتاينAlbert Einstein(1879-1955) العالم الألماني الفيزيائي الشهير صاحب النظريات الخاصة والعامة للنسبية ونظرية المجال الموحد.

   اهتم اينشتاين بالقوانين العامة للفيزياء ما جعله يجد نفسه أمام العديد من المشكلات الفلسفية كان لها أثر واضح في تفكيره وتناوله للأمور،إذ أننا نجده خلافا للغالبية يُقبل على كتب الفلاسفة للاستفادة من أفكارهم ومنطقهم،حيث أُعجب بهيوم وأرنست ماخ وكانط وهنري بوانكاريه وغيرهم[1].

   صاغ اينشتاين منهجا جديدا متحررا من افتراضات سابقيه من العلماء محاولا بذلك تغيير الأفكار الفلسفية عن الزمان والمكان،وهي أفكار لم يستطع أن يتحداها أحد منذ أزمنة سحيقة،حيث كان العلم منذ أرسطو في عصرنا القريب يؤمن بأن الزمان موجود وجودا مطلقا،وكذلك المكان،وبعبارة أخرى كان لا يدور بخلد أحد أن طولا من الأطوال أو مدة من المدد،يمكن أن يختلفا باختلاف الأشخاص ،فهما معطيان ثابتان مطلقان[2].

   ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا الحالي اعتبر أحد أكبر أعمدة العلم الفيزيائي في القرن العشرين مما أحرزته البحوث المستفيضة  فيما يخص طبيعة المكان والزمان والحركة والكتلة والطاقة وفي طبيعة الضوء هل هي موجية أم جسيمية.

   قدم أينشتاين عدة نظريات وآراء بدت غريبة ،ثم ظهرت قيمتها العلمية فيما بعد وأثبتت تجارب الفيزيائيين والرياضيين صحتها وأهميتها،ومن أهمها:

      -النظرية النسبية الخاصة.

       -النظرية النسبية العامة.

       .نظرية المجال الموحد-        



[1]  عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،ص106.

[2]  المرجع السابق،ص 107.

3.2. ما المقصود بالنظرية النسبية الخاصة؟

يقصد بمفهوم النسبية التخلص من فكرة المطلق أو الثبات أو الدوام،التي لم تعد نافعة إلا لطوائف العوام الذين لا يملكون إلا التصورات المسبقة والتي تمنعهم من فهم ما يقوله اينشتاين،وحيث يتراءى لهم لأن معظم الأشياء على سطح الأرض دائمة وثابتة من وجهة نظر أرضية[1].

   أراد اينشتاين أن يثبت أن النظريات الفيزيائية تكون منسجمة إذا وفقط إذا أمكن إجراء تعديلات خاصة في الآراء التقليدية عن المكان والزمان،وقد ضمّن آراءه في النظرية الخاصة للنسبية،وسميت بالنظرية الخاصة  لأنه تنطبق على مجال المجموعات المتحركة بسرعة ثابتة،وكتن ذلك من خلال بحثه في موضوع الديناميكا الكهربية للأجسام المتحركة[2].



 عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص108.[1]

[2]  المرجع نفسه،ص109.

4. ماهي مبادئ النظرية النسبية الخاصة؟

تقوم النظرية النسبية الخاصة لاينشتاين على جملة من المبادئ والأسس هي:

4.1. نسبية السرعة

يقوم هذا المبدأ على أن السرعة نسبية وليست مطلقة،فسرعة أي جسم كيفما كانت حالته،إنما تقاس بالنسبة إلى جسم آخر ،وسواء اعتبرنا الجسم الأول هو المتحرك أو عكسنا الأمر،واعتبرنا الثاني هو المتحرك،فالنتيجة ستكون واحدة مادامت المنظومة المرجعية الخاصة بكل منهما مرجعية غاليلية (حركة مستقيمة ومنتظمة)،وهذا يعني أنه ليس هناك أي جسم ثابت في الفضاء ثباتا مطلقا،وأن لاوجود للأثير ولا للمكان المطلق،لذا فإن سرعة أي جسم يمكن أن تُحدد بقيم مختلفة باختلاف المنظومات المرجعية من حيث الحركة والسكون

 مثال ذلك:

    سرعة السيارة المتحركة يمكن أن تُحدد بقيم مختلفة باختلاف المنظومات المرجعية سواء في حالة الحركة أو السكون [1].



[1] محمد عابد الجابري مرجع سابق،ص344.

4.2. ثبات سرعة الضوء

لقد أدرك اينشتاين أن سرعة الضوء تتأثر بحركة الأرض،إذ أنه إذا كانت سرعة الضوء ثابتة بالنسبة لحركة الأرض،فلابد أن تكون ثابتة أيضا بالنسبة لحركة الشمس،أو القمر أو النجوم أو أي جسم آخر متحرك في الكون،ومن ذلك استنبط اينشتاين تعميما أوسع،وأكد أن قوانين الكون واحدة لكل الأجسام المتحركة بسرعة مننظمة،وهذا القول هو روح النظرية النسبية الخاصة والتي تم جمعها في منطوق قانون واحد مفاده أن"كل ظواهر الطبيعة وكل قوانينها واحدة لكل الأجسام التي تتحرك بسرعة منتظمة بالنسبة إلى بعضها البعض" [1].

  لكن اعتبار سرعة الضوء ثابتة لاتزيد ولا تنقص  تؤدي إلى نتائج لا يستسيغها حدسنا العام،ومصدر الغرابة هنا مثلا:أن نعتبر أن سرعة أشعة الضوء المنبثقة من إحدى السفن الفضائية تساوي 300الف كم/ثا ،سواء كانت هذه السفينة جاثمة على الأرض أو كانت تبتعد عنا أو تقترب منا بسرعة 50 الف كم/ثا  [2]،ولقد أوضحت تجربة مايكلسون ومورلي أن ظاهرة انتشار الضوء لا تتناقض على الإطلاق مع مبدأ نسبية الحركة،بل توجد معه في تناسق واتساق كاملين[3].

  ويزداد الأمر غرابة عندما ندخل ميدان التطبيق،تطبيق هذه السرعة الثابتة التي يتميز بها الضوء على الزمان والأطوال والكتلة،ففي هذي الحالة تتغير القياسات والنتائج ،فالملاحظون الذين يقومون بقياساتهم من منظومات مرجعية تسير بسرعة مقاربة لسرعة الضوء يقيسون الأشياء والحوادث بطريقة خاصة،فلكل منهم زمانه الخاص ولا يستطيعون الاتفاق على تزامن الحوادث ،فلاوجود للتآني بالنسبة إليهم ،علاوة على أن كلا منهم يبدو للآخر منكمشا من جهة حركته أو أثقل من المادة 



[1] عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص155.

[2]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص344.

[3] عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص 116.

 الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص 345[4]

4.3. نسبية الكتلة وتقلص الأطوال وتباطؤ الزمن

توصل العلم لورانتز قبل اينشتاين بعشرة أعوام إلى أن التقلص في جميع الأجسام يكون في اتجاه سرعتها ،وكلما كان الجسم سريعا زاد تقلصه أي انكماشه،ولو طُبق هذا الكلام على قطار طولي يزيد أو ينقص تبعا لسرعته ،ولنفرض أن طوله عندما يكون واقفا 300م،فإذا سار بسرعة100كم في الساعة،لنفرض أن هذا القطار أمكنه السير بسرعة خيالية تبلغ 1000 كم في الثانية ،فإن النقص في طوله يصل إلى 1,7 ملليمتر،وإذا استرسلنا في الخيال لنقول إنه إذا بلغت سرعته تلت سرعة الضوء ،فإن النقص في الطول يزيد إلى17 متر،وأخيرا يدلنا الحساب أن طول القطار يتلاشى تماما إلى أن يصبح صفرا،إذا سار بسرعة الضوء[1].



[1]  المرجع السابق نفسه،ص348

4.4. تمدد الكتلة وتحولها إلى طاقة

  وبما أن الحركة نسبية والزمان والمكان يختلفان باختلاف المنظومات المرجعية التي يرتكز عليها مختلف الملاحظين والراصدين للحوادث،فإن كتل الأجسام تختلف كذلك باختلاف سرعة هذه الأجسام،والمبدأ الأساسي في هذا المجال هو التالي:

  "تتوقف كتلة جسم ما على حركته،فهي تزداد،فهي تزداد بازدياد السرعة،وإذا قاربت سرعة ذلك الجسم سرعة الضوء مالت كتلته إلى اللانهاية".

  لكن اينشتاين أوغل في استنتاجاته الخاصة بنسبية الكتلة حتى وصل إلى أن كتلة الجسم المتحرك تزيد بزيادة حركته،ولما كانت الحركة صورة من صور الطاقة (طاقة حركية)،فالكتلة المتزايدة للجسم المتحرك هي إذن طاقته المتزايدة ،وبكلمة واحدة:الطاقة هي الكتلة،لينتهي إلى المعادلة التالية:

الطاقة =الكتلة .مربع سرعة الضوء

                                   2 E=M .C

 ومن هنا نخلص إلى أن نظرية النسبية تربط بين الكتلة والطاقة ربط لا انقسام له،فالطاقة لها كتلة مهما كان نوع هذه الطاقة فالحرارة مثلا لها وزن،فالجسم يزن أكثر عندما تنخفض ،وعندما يشع ما فإنه يفقد جزءا من كتلته،وكتلة جسم ما  مهما صغرت تتحول إلى طاقة عظيمة وهكذا ينهار مبدأ حفظ الطاقة الذي كان موجودا في الفيزياء الكلاسيكية،وتصبح الكتلة شكلا من أشكال الطاقة وحسب،وبهذا الاعتبار تصبح الذرة مثلا عبارة عن طبقة مكثفة في نقطة صغيرة من الحيز الذي تشغله،وهذا الطاقة يمكن أن تنطبق على شكل ضوء وحرارة يعمّان المنطقة المحيطة بها ،فلو فرضنا أن جسما كتلته غرام واحد وتحول كله إلى طاقة فإنه سيعطينا ما يعادل الطاقة الحرارية والضوئية التي يمكن ان نتحصل عليها بإحراق 3000 طن من الفحم الحجري[1].

  من هذا المبدأ يتسنى لنا الاختلاف الكبير الذي أحدثه أينشتاين ،فقبل نظرية النسبية كان العلماء يعتبرون الكون وعاء فيه عنصران متميزان هما "المادة والطاقة":العنصر الأول ساكن،ويمكن لمسه ،ومن أكبر خصائصه أن له كتلة ،والعنصر الآخر عنصر فعال ونشيط،فجاء أينشتاين وأعلن أن الكتلة والطاقة متعادلتان،فما الكتلة إلا طاقة مركزة،وبعبارة أخرى إن المادة مكونة من الطاقة ،والطاقة مكونة من المادة،وكل منهما حالة عارضة موقوتة بظروف معينة،فحين تتحرك المادة بسرعة الضوء نسميها طاقة  أو إشعاعا،وإذا همدت الطاقة يمكن إدراك كتلتها فنسميها مادة.

  كما تمكننا معادلة الطاقة من شرح كيف تشع الشمس والنجوم والحرارة والضوء ملياران من السنين الضوئية دون أن تنفذ كتلتها في حدود شحنة حركتها المتصلة وسرعتها الزائدة،وهكذا دمج أينشتاين بين قانون بقاء الكتلة والطاقة[2].



[1]  الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص 348.

[2]

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

5. نتائج المحاضرة

من نتائج النسبية الخاصة:

-لاوجود للأثير الذي تتحرك فيه الأجسام

-لا يوجد مكان مطلق ولازمان مطلق ولا حركة مطلقة.

-سرعة الضوء ثابتة وسرعة الضوء لا تؤثر عليه لا بالزيادة ولا بالنقصان.

-الحركة نسبية  والسرعة نسبية لأنها مرتبطة بالحركة،والحركة ما هي إلا تغير للجسم.