مدخل لقانون البيئة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: قانون البيئة والتنمية المستدامة
Livre: مدخل لقانون البيئة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 10:17

1. تعريف قانون البيئة

أولا: تعريف قانون البيئة

تمهيد:

       إن الاهتمام الدولي بالبيئة و بالتحديد حمايتها من التدهور الناجم سواء على نشاطات الإنسان ، أو الانتهاكات الأخرى يكون أساسا من اهتمام الدول الأعضاء في المجتمع الدولي من منظمات دولية أو اقليمية تنشط في إطار حماية البيئة. ومنه كان التفكير الفعلي في إيجاد آليات قانونية مؤسساتية ، أو تشريعية كفيلة بالتصدي لهذه الانتهاكات دون المساس باستمرارية النشاطات التنموية. بمعنى آخر الاهتمام بالتنمية المستدامة في إطار المحافظة على البيئة ، و مراعاة حق الأجيال القادمة في بيئة نظيفة دون المساس بحقهم في التنمية.

      وسنتطرق في هذا الموضوع إلى تعريف قانون البيئة من جهة ، و ونتطرق الى فروع هذا القانون من جهة أخرى.

تعريف قانون البيئة

     أن التطرق الى تعريف قانون البيئة يقتضي أولا التطرق إلى مفهوم البيئة بشكل عام ثم محاولة الربط بين البيئة والقانون في عنصر موحد.

1ـ مفهوم البيئة

       يستخم مصطلح البيئة في العديد من العلوم والمجالات المختلفة ، ويكون تغير المفهوم تبعا لتغير الموضوع الذي يستخدم فيه، فيقال البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية والبيئة الاقتصادية والبيئة السياسية ، وغيرها من المجالات.

أـ تعريف البيئة في اللغة

      البيئة في اللغة هي إسم للفعل تبوأ أي نزل أو أقام أو استقر.ويلاحظ المتدبر للقرآن الكريم وجود المصطلح في العديد من الآيات القرآنية ومنها قوله تعالى" وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء" سورة يوسف الآية 56.

أما مصطلح بيئة في اللغة الفرنسية  (environnent) فقد ورد في معجم لاروس بأنها مجموعة العناصر الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية سواء كانت طبيعية أو اصطناعية والتي يعيش فيها الإنسان والحيوان والنبات وكل العناصر الأخرى.

ب ـ تعريف البيئة اصطلاحا:

     تعرف البيئة بأنها الوسط او المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان بحيث يتأثر ويؤثر فيه بكل ما يستعمله من عناصر طبيعية كالجبال ومسطحات مائية من بحار ومحيطات ، أو بيئة بشرية أسهم الإنسان في وجودها من عمران وشبكات طرق ومصانع وسدود وغيرها.

ج ـ المفهوم القانوني للبيئة

      المشرع الجزائري في تعريفه للبيئة قام بحصر مدلول البيئة ضمن العناصر الطبيعية وذلك ضمن القانون الإطار 03ـ10 المؤرخ في 19 جويلية 2003 في نص المادة 03 من هذا القانون ، بأن البيئة تتكون من الموارد الطبيعية الحيوية واللاحيوية مثل الأرض والهواء والماء وباطن الأرض والنبات و الحيوان.

بمعنى أن المشرع الجزائري حصر مدلول البيئة في العناصر الطبيعية دون العناصر التي يدخل الإنسان في وجودها. هذا الذي أدى بنصوص قانونية بسد هذا الفراغ من خلال إدخال العناصر الغير طبيعية بفعل الإنسان في مفهوم البيئة ، وهو ما تجلى في نصوص القانون 90ـ29 المعدل والمتمم المتعلق بالتهيئة والتعمير ، وكذا القانون 98ـ04 المتعلق بحماية التراث الثقافي و قوانين أخرى.

2ـ مفهوم قانون البيئة

       لم يكن مصطلح قانون البيئة معروفا في سلم أولويات المجتمع الدولي أو الوطني ، ولكن بدأ يعرف هذا القانون بعد تجلي آثار التدهور البيئي بسبب التقدم الصناعي والانفجار السكاني والحروب وما نتج عنها من تلوث لعناصر البيئة وصولا الى ما أصبح يعرف الاحتباس الحراري العالمي. ومن خلال ذلك يمكن اعتبار بدأ التأريخ لقانون بيئي بإنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للبيئة سنة 1972 في استوكهولم بالسويد ، ثم قمة الارض في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992 ، وقمة جوهانسبورغ للتنمية المستدامة بجنوب افريقيا سنة 2002 ومن خلال كل هذه المؤتمرات وما تلاها أبرمت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية البيئية صادقت الدول عليها وأدمجت في تشريعاتها الداخلية و بذلك أسس فعليا للقانون البيئي.

    يعرف القانون البيئي بأنه فرع من فروع القانون العام نظامه القانوني مقرر لحماية البيئة والمحافظة عليها فوظيفة هذا القانون تتمحور حول منع الأضرار البيئية في حالة وقوعها، أو باتخاذ تدابير احترازية تمنع وقوع هذه الأضرار.

فالقانون البيئي ينظم الوسائل التي يتم بها توفير الحماية القانونية للبيئة سواء من حيث المؤسسات المسؤولة عن هذه الحماية ، أو النصوص القانونية المقررة لها.وعليه فيكون تعريف القانون البيئي بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تهدف الى حماية البيئة والمحافظة عليها من خلال ادارة وتنظيم نشاط الإنسان ، وتحديد السلوكيات التي تشكل تهديدا للبيئة ومنه تجريم هذه السلوكيات والبحث عن عقوبات لها.كما أن هذا القانون يستند في نصوصه دائما على مجموعة المبادئ المقررة في في المعاهدات والاتفاقيات و الاعلانات الدولية ، و دساتير وتشريعات وأعراف وأحكام قضائية داخلية. ومن أهم هذه المبادئ نذكر مبدأ التنمية المستدامة، مبدأ الحيطة ، مبدأ الملوث يدفع ، مبدأ الإنصاف ... اخ من المبادئ الأخرى.

2. فروع قانون البيئة

      إن الأهمية البالغة التي أصبح يحضى بها القانون البيئي في المجال الدولي والداخلي حتمت عليه أخذ منحنيات جديدة في إطار اختصاصاته، وعلى هذا الأساس نتج ولادة فروع جديدة للقانون البيئي ، وكل فرع من هذه الفروع يهدف الى تحقيق الاستدامة البيئية والحد من العوامل والمؤثرات المضرة بالبيئة.

     وسنتناول في هذا المجال مجموعة من فروع قانون البيئة.

1ـ القانون الدولي للبيئة

         ان الاهتمام الدولي بالبيئة العالمية حتم على المجتمع الدولي الدفاع عن الطبيعة من خلال المحاولات الجادة بداية من القرن التاسع عشر ، إذ بدأ الاهتمام بتنظيم المجاري المائية و الأنهار والبحيرات خاصة مع إبرام معاهدة باريس سنة 1814 والتي احتوت على المبادئ القانونية التي تنظم استخدام مياه نهر الراين بين الدول التي يمر بها. ونتيجة  لجهود المنظمات الدولية الفاعلة في مجال حماية البيئة بعقدها لمؤتمرات دولية وإقليمية متعددة نشأ القانون الدولي للبيئة وهو فرع من فروع القانون الدولي العام الذي يشمل على مجموعة من القواعد القانونية الاتفاقية والعرفية التي تنظم وتضبط سلوك أشخاص المجتمع الدولي ، بهدف حماية البيئة العالمية من ماء و هواء ومناخ وحيوانات وطيور من المخاطر المحدقة بها نتيجة للتطورالعلمي والتكنلوجي.

 

ـ مفهوم القانون الدولي للبيئة

         عرفه الفقه بأنه تلك المعايير والقوانين المنصوص عليها من قبل النظام القانوني الدولي والتي تتولى عملية التغيرات البيئية بشكل مباشر ، أو غير مباشر التي يتسبب فيها النشاط البشري بشرط اقرار المجتمع الدولي بأنها ذات تأثير ضار على البيئة.

      يقوم هذا القانون على مجموعة من القواعد القانونية التي تجد مصادرها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية اضافة الى العرف الدولي ، والمبادئ العامة للقانون ، وقرارات القضاء الدولي في مجال حماية البيئة ، وتحديد المسؤولية الدولية عن تلوثها.

    تمتاز قواعد القانون الدولي للبيئة مقارنة مع الفروع الأخرى للقانون الدولي بحداثتها ، وذلك بسبب إهتمام المجتمع الدولي بالقضايا البيئية مؤخرا نتيجة للانتهاكات المتكررة عليها بسبب التقدم الصناعي وظهور مشاكل بيئية خطيرة مثل الاحتباس الحراري وتغير المناخ ، ومشكلة تلوث المياه ونفوق الحيوانات والاسماك.

2ـ القانون الجنائي للبيئة

     يلعب القانون الجنائي دورا مهما في مجال حماية البيئة من خلال تجريمه للأفعال السلبية التي تلحق الضرر بالبيئة .

       ويعرف القانون الجنائي للبيئة بأنه القانون الذي يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية التي تشكل اعتداء غير مشروع على البيئة، كما يهتم هذا القانون ببيان العقوبات المقررة للأعمال الغير مشروعة التي تمس بالبيئة وبجماليتها.

أو هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية المقررة لحماية البيئة سواء على المستوى الدولي من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية أو على المستوى الداخلي من خلال القوانين و المراسيم والتنظيمات الداخلية وتهدف كل هذه القواعد إلى التصدي للانتهاكات على البيئة وذلك بسن مجموعة من العقوبات على مرتكبي الجرائم البيئية.

القانون الإداري للبيئة.

     القانون الإداري بشكل عام هو ذلك القانون الذي يخاطب الإدارة، بمعنى أنه يستمد قواعده من السلطات الإدارية في الدولة ويحدد الاختصاصات التي تمارسها كل هيئة إدارية ويحدد الأحكام تعاملها مع الأفراد.

أما القانون الإداري للبيئة فهو فرع من فروع القانون الإداري يتشكل من مجموعة القواعد القانونية واللوائح و القرارات الصادرة عن الجهات المعنية في الدولة،  والهدف الرئيسي من هذا القانون هو تنظيم الهيئات و المؤسسات الإدارية البيئية ، كما يحد هذا القانون صلاحيات و أنشطة المؤسسات البيئية ومسؤوليتها إزاء حماية البيئة . كما يهدف هذا القانون إلى المحافظة على الثروات الطبيعية ، وحماية البيئة البشرية ، والتصدي لجميع أشكال التلوث .ويأخذ القانون الإداري للبيئة مجموعة كبيرة من المجالات المختلطة من خلال قانون الصحة وقانون تسيير النفايات و قانون التهيئة والتعمير ، وقانون الغابات و قوانين أخرى.

فيديو لمحاضرة في قانون الدولي للبيئة باللغة الانجليزية 

3. خصائص قانون البيئة

         قانون البيئة مثله مثل القوانين الأخرى يتميز بمجموعة من الخصائص تميزه عن القوانين الأخرى فهو قانون حديث النشأة ، كما أنه قانون نشأ دوليا، ويمتاز بطبيعته المختلطة، و بطابعه الوقائي .

1ـ قانون حديث النشأة

      فقانون البيئة لم يظهر إلا في مرحلة حديثة مقارنة بالقوانين الأخرى ، فبداية هذا القانون كانت بتبلور مجموعة من المبادئ المتمثلة في أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، و نصوص في تشريعات وطنية وذلك في النصف الثاني من القرن العشرين ، ولكن المتابع لهذا القانون البيئي يلاحظ السرعة الكبيرة في تطوره فمثلا في الجزائر لم يصدر قانون خاص بالبيئة إلا في سنة 1983 رغم أن حماية البيئة هي هدف أساسي في مجموعة كبيرة من التشريعات الداخلية كقانون الصحة العمومية وقانون العقوبات.

2ـ قانون دولي النشأة

      تعتبر خاصية النشأة الدولية من أهم الخصائص التي تميز قانون البيئة على القوانين الأخرى فالقانون البيئي بشكله الحالي نشأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة بعد استعمال الولايات المتحدة الأمريكية السلاح النووي ضد اليابان للمرة الأولى في الحرب سنة 1945 وانتشار مخاوف التلوث الإشعاعي واسع الانتشار ، كما أن انعقاد مؤتمر أستوكهولم بالسويد سنة 1972 حيث كان أول مؤتمر دولي تصدرت البيئة جدول أعماله . إضافة إلى ذلك فان النزاعات المثارة بين الدول خاصة في مجال المياه المشتركة مثل البحيرات والأنهار ، أو مناطق الصيد البحري أنتجت  مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ولاتي كانت بداية لنشأة القانون البيئي.ضف الى ذلك فان المشاكل البيئية لا تعترف بالحدود خاصة في مجال التلوث البيئي وعليه يستوجب هذا القانون الاتفاق الدولي.

3ـ القانون البيئي ذو طبيعة مختلطة

      من الملاحظ أن القانون البيئي هو قانون مختلط فنجد أن بعض نصوصه تكرس مبادئ دولية موجودة في معاهدات واتفاقيات دولية ، ونصوص أخرى تكرس مبادئ داخلية تحويها القوانين الداخلية ، كما أن القانون البيئي في صورته الداخلية نجد أن أحكامه تتصل بالقانون الدستوري و المدني وأخرى بالقانون الإداري و الجنائي، والقانون المالي و قوانين أخرى . لكن الواقع يفيد بأن القانون البيئي أقرب إلى القانون العام وذلك لوجود الدولة طرفا في القضايا البيئية بصفتها مصدرة القواعد القانونية ، كما أنها صاحبة التجريم والعقاب من خلال القانون الجنائي للبيئة ، وكذلك التزام الدول بتطبيق الاتفاقات الدولية البيئية من خلال إدراجها ضمن القواعد القانونية الذي يكفلها الدستور.

4ـ القانون البيئي ذو طابع وقائي

      لما أكتشف المجتمع الدولي الأضرار والانتهاكات على البيئة بسب الحروب و استنزاف الموارد الطبيعية ، أصبح يقر بضرورة التصدي لهذه الانتهاكات قبل وقوعها ، أي بشكل احترازي وهذا طبقا لمبادئ ذات طابع وقائي استباقي ، ومن أهم هذه المبادئ يمكن ذكر مبدأ الحيطة الذي نص عليه صراحة إعلان ريو ضمن المبدأ 15 الذي ينص" يجب أن تأخذ الدول على نطاق واسع النهج التحوطي حسب قدراتها" ، ومن خلال القوانين الداخلية فإن القانون 03ـ10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نص صراحة على هذا المبدأ من خلال نص المادة 02 منه " تهدف حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة إلى:

ـ الوقاية من كل أشكال التلوث و الأضرار الملحقة بالبيئة وذلك بالحفاظ على مكوناتها...."

4. مصادر قانون البيئة

مصادر قانون البيئة 

       قانون البيئة كغيره من القوانين يستمد قواعده من مصادر عديدة من أهمها المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و التشريعات الداخلية ، إضافة الى ذلك فهناك مصادر أخرى ساهمت في نشأة القانون البيئي تتمثل في إعلانات المبادئ الصادرة عن المؤتمرات الدولية الخاصة بحماية البيئة كإعلان أستوكهولم و إعلان ريو ، وكذلك الأعراف الدولية و المبادئ العامة للقانون ، والقضاء الدولي.

1ـ المصادر الدولية لقانون البيئة

        تقريبا فإن نفس مصادر القانون الدولي العام هي مصادر القانون البيئي بحيث أن المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي تنص" وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن (أ)ـ الإتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة .(ب) ـ العادات الدولية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الإستعمال. (ج)ـ مبادئ القانون العامة التي أقرتها الدول التابعة لهيئة الأمم المتحدة.(د)ـ أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.وهو مصدر احتياطي مقارنة بالمصادر الأخرى.

      من المصادر الأكثر أهمية نجد المعاهدات الدولية ، حيث يمكن ملاحظة أنها تضع مضامين واضحة والتزامات قانونية محددة على أطراف المعاهدة ، كما أن مخالفتها تستوجب المسؤولية الدولية وفق القواعد القانونية المقررة دوليا. وأبرز المعاهدات البيئية تلك المتعلقة بتغير المناخ و مكافحة التصحر ، وحماية التنوع البيولوجي، وحماية البيئة البحرية من التلوث.

العرف الدولي هو أيضا مصدر مهم للقانون البيئي ، ومن أهم الأعراف الدولية في مجال حماية البيئة نجد مبدأ واجب الدول في عدم السماح بإستخدام أراضيها لإلحاق الضرر بالدول الأخرى وهذا المبدأ كرس في العديد من المؤتمرات الدولية الخاصة بحماية البيئة ، ومنها مؤتمر ريو بالبرازيل سنة 1992.

من المصادر الاحتياطية للقانون البيئي نجد القضاء والفقه الدوليين ، وفي مجال حماية البيئة نجد ان قضاء محكمة العدل الدولية و محاكم التحكيم كان لهما دور مهم في بلورة مبادئ القانون الدولي للبيئة من خلال مجموعة القضايا البيئية التي طرحت عليها ، وعلى هذا الأساس تم التأسيس لمبدأ الأنصاف والعدالة بين الأجيال ، وبدأ تقييم الأثر البيئي ومبادئ أخرى. ومن أهم القضايا البيئية التي طرحت على محكمة العدل الدولية نجد قضية مذيق كورفو في النزاع الذي ثار بين بريطانيا وألبانيا، وقضية التجارب الفرنسية في المحيط الهادي التي أثيرت من قبل أستراليا ونيوزيلندا . أما الفقه فدوره محدود في مجال تكوين قواعد القانون الدولي البيئي بسبب هيمنة المصادر الأخرى عليه، إضافة إلى ذلك الاعتماد على المؤتمرات الدولية وإعلانات المبادئ التي عقدت تحت مضلة الامم المتحدة.

2ـ مصادر الوطنية لقانون البيئة

       اذا كانت المعاهدات الدولية هي المصدر الرئيسي لقانون البيئة على المستوى الدولي ، فإن التشريع يحتل مكانة مهمة بالنسبة لمصادر هذا القانون على المستوى الداخلي.

أـ التشريع

      التشريع يشمل كل نص قانوني يهدف بشكل مباشر أو غير مباشر الى حماية البيئة وفي النظام القانوني الداخلي التشريع ثلاثة أنواع هي: التشريع الأساسي، التشريع العادي، التشريع الفرعي.

ـ التشريع الأساسي(الدستور)

        بالنسبة للدساتير الجزائرية المتعاقبة منذ 1963 فإن التركيز على حماية البيئة لم يكن بالشكل المطلوب فدستور 1963 لم ينص على حماية البيئة مطلقا عكس دستور 1976 الذي جعل من حماية البيئة إحدى اختصاصات المجلس الشعبي الوطني في مجال التشريع خاصة في مجال الصحة العمومية والنظافة و الحفاظ على الثروة الحيوانية. نفس المسار انتهجه دستور 1989 و 1996 في مجال حماية البيئة.

المعاهدات

         طبقا لدستور الجزائري وبالتحديد نص المادة 132 من دستور 1996 فإن المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون ، بمعنى أن المعاهدات التي أبرمتها الجزائر في المجال البيئي والتي صادق عليها الرئيس تصبح ملزمة للإدارة الجزائرية ، وهي تسمو على القانون.

ـ التشريع العادي

       هو مجموعة القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية طبقا للاختصاصات المخولة لها في الدستور ويلعب التشريع العادي بما فيه القانون والقانون العضوي دورا مهما في تنظيم الإدارة البيئية في الجزائر وهو مصدر مهم لقانون البيئة .

اللوائح و القرارات الإدارية التنظيمية

        ويقصد بها التشريع الذي يصدر عن السلطات التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية وتسمى المراسيم الرئاسية ، و الصادرة عن الوزير الأول تسمى المراسيم التنفيذية، كذلك يصدر عن الوزراء قرارات تسمى قرارات وزارية ، أو قرار وزاري مشترك إذا صدرت بمشاركة وزيرين أو أكثر.و القرارات الصادرة عن الوالي و رئيس المجلس الشعبي البلدي.

إضافة إلى كل هذه المصادر توجد المبادئ العامة للقانون وهي مصدر مهم للقانون البيئة.  

5. مبادئ قانون البيئة

مبادئ قانون البيئة

      يرتكز قانون البيئة على مجموعة من المبادئ التي تشكل أحكامه القانونية وتتمثل هذه المبادئ في

مبدأ التنمية المستدامة، مبدأ الاحتياط، مبدأ الملوث يدفع، مبدأ المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة، مبدأ تقويم الأثر البيئي.

1ـ مبدأ التنمية المستدامة

        هذا المبدأ صيغ من قبل لجنة برونتلاند سنة 1987 على أثر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعني التنمية المستدامة حسب اللجنة العالمية للبيئة والتنمية بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. إضافة الى ذلك صيغ هذا المبدأ في إعلان ريو ضمن المبدأ الثالث الذي يقر بضرورة إعمال الحق في التنمية على نحو يكفل احتياجات الأجيال الحاضرة والقادمة، مع ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية عند وضع السياسات الاقتصادية و البرامج التنموية، ترشيد استخدام الموارد الطبيعية غير المتجددة، البحث عن بدائل صديقة للبيئة خاصة مصادر الطاقة، التسيير الأمثل للنفايات وجعلها مصدر للثروة بإعادة تدويرها.  

2ـ مبدأ الاحتياط

       ظهر مبدأ الاحتياط بمناسبة إعلان ريو سنة 1992 ضمن المبدأ الخامس عشر والذي يقوم على أساس الوقاية من المشكلات البيئية قبل وقوعها وسبب تفعيل هذا المبدأ هو خطورة معالجة الأضرار البيئية الغير قابلة للزوال مثل أضرار الإشعاعات. ويكون ذلك باتخاذ الإجراءات الإستباقية الكفيلة بحماية البيئة وعدم الانتظار حتى يقع الضرر. ويقوم هذا المبدأ على:

احتمال وقوع أضرار بيئية نتيجة ممارسة نشاط معين، احتمال خطورة الأضرار أو غير قابلة للمعالجة، وجود شك حول سلامة النشاط أو المنتوجات على البيئة، البحث عن بدائل الممكنة للنشاط أو المنتج المضر بالبيئة.

3ـ مبدأ الملوث يدفع

       كان أول ظهور لهذا المبدأ على المستوى الدولي سنة 1972 ضمن قائمة التوصيات التي وضعها المجلس الخاص بوضع المبادئ التوجيهية للسياسات البيئية، كما كرسه إعلان ريو ضمن المبدأ السادس عشر الذي ينص" يجب على السلطات الوطنية أن تسعى لضمان تحمل المسؤولين للتبعات تلويث البيئة " .ويمتاز هذا المبدأ كونه مبدأ اقتصادي يضمن توزيع تكاليف حماية البيئة حيث يتحمل الملوث للبيئة مسؤولية الأضرار البيئية ، هو مبدأ قانوني ينسجم مع فكرة العدالة والإنصاف، كما يكرس سياسة العقاب من خلال فرض العقوبات المالية و الجزائية على الملوث للبيئة.

مبدأ المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة.

     هذا المبدأ هو حجر الأساس الذي تقوم عليه التنمية المستدامة أقره إعلان ريو ضمن المبدأ السابع " يقع على الدول في حالة تدهور البيئة مسؤوليات مشتركة وإن كانت متباينة.." إذ يقوم هذا المبدأ على فكرة المسؤولية المشتركة بين الدول في حالة الضرر البيئي ، غير أن هذه المسؤوليات تتباين وتختلف تبعا لاختلاف درجة تطور الدول من حيث حجم الأنشطة المؤثرة على البيئة ، وتكمن أهمية هذا المبدأ بالنسبة للقانون البيئي:

يكرس هذا المبدأ ضرورة التعاون الدولي في مجال حماية البيئة ، للمبدأ بعد أخلاقي متعلق بالعدالة بفرض عنصر التفاوت بين الدول فكل دولة تحاسب بقدر مسؤولياتها اتجاه الانتهاكات البيئية. يمنح هذا المبدأ أولوية خاصة للبلدان النامية من ناحية المساعدات التنموية . ويعتبر بروتوكول كيوتو باليابان سنة 1997 من ابرز الاتفاقيات الدولية التي كرست آليات قانونية لتنفيذ هذا المبدأ في مجال حماية البيئة، فقد صادق غلى هذا البروتوكول 141 دولة من بينها 34 دولة صناعية باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تصادق عليه ، وبموجب هذا الاتفاق تلتزم الدول الصناعية بتخفيض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكاربون بنسبة 5.2 % ويلتزم الاتحاد الأوروبي بتقليص الإنبعاثات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 8% في حين لم يضع هذا البروتوكول اي التزام بالنسبة للدول النامية.

مبدأ تقويم الأثر البيئي

       جاء هذا المبدأ ضمن المبدأ السابع عشر من إعلان ريو للبيئة والتنمية و الهدف منه هو  تحديد التأثيرات البيئية للمشروع قبل دخوله فعليا في الاستغلال ، إذ يعتبر من الأدوات القانونية والعملية التي تهدف الى الوقاية من كل أشكال التلوث بشكل استباقي ، وتكمن أهمية تبني الدول لمبدأ تقيم الأثر البيئي من أنه يعد وسيلة لتنفيذ مبدأ الاحتياط مما يتيح المجال لتفادي المشاكل البيئية أو التخفيف منها ، إضافة إلى ذلك فان هذا المبدأ يحدد التأثيرات المترتبة على جميع مراحل إقامة المشروع من البداية الى النهاية ، أما الهدف الحقيقي من هذا المبدأ هو ضمان حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية ، و الحفاظ على صحة الإنسان وحمايتها.