النقد التاريخي
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | دراسات نقدية للكتابات التاريخية |
Livre: | النقد التاريخي |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Saturday 23 November 2024, 11:36 |
1. نشاة النقد التاريخي
نشأة النقد التاريخي:
النقد التاريخي أو النقد الأعلى فرع من التحليل الأدبي الذي يحقق في أصول النص، وعند استعماله في الدراسات الكتابية فهو يحقق كتب الكتاب المقدس. وفي الدراسات الكلاسيكية يركز النقد العالي الحديث في القرن التاسع عشر على الجمع النقدي والترتيب الزمني لنصوص المصادر.
وسواء كان كتابيا أو كلاسيكيا أو بيزنطيا أو عن العصور الوسطى فإنه يركز على مصادر الوثيقة ليحدد من كتبها وكيف وأين كتبت. وعلى سبيل المثال يتعامل النقد العالي مع المشكلة السينوبتية وعلاقة متى ومرقس ولوقا ببعضهم البعض. وفي بعض الحالات يؤكد النقد العالي الفكرة التقليدية للكنيسة عن مؤلف رسائل بولس، وفي حالات أخرى يتعارض مع التقاليد الكنسية ومع الأناجيل أو حتى كلمات الكتاب المقدس كما في رسالة بطرس الثانية. ومن القضايا المركزية للنقد العالي الفرضية الوثائقية.
يعتقد أن أول من درس الكتاب المقدس في ضوء النقد العالي هو الباحث الهولندي دسيدريوس إراسموس (1466؟ - 1536).يستخدم النقد العالي مع النقد السفلي أو النصي الذي يحاول تحديد ما قاله النص الأصلي قبل تغييره بالخطأ أو العمد. فبعد أن يقوم النقد النصي بالعمل وتقديم فكرة جيدة عن النص الأصلي يأتي عمل باحثي النقد العالي ويقارنون النص مع كتابات مؤلفين آخرين.
تعامل النقد العالي مع نص الكتاب المقدس على أساس أن الكاتبين كانوا بشرا في عصر معين وأصحاب أغراض بشرية مختلفة، وليس كنص إلهي معصوم عن الخطأ. ويستخدم النقد النصي لتفسير النصوص الكتابية على أساس الأدلة داخل النص فقط. ومن الأمثلة تعامل الطبعات المختلفة لدائرة المعارف البريطانية مع مسألة سفينة نوح. ففي الطبعة الأولى في 1771 تعومل مع القصة على أنها صحيحة وقدم الشرح العملي التالي: "برهن بوتيو وكيرشر هندسيا على أساس أن الذراع قدم ونصف بأن السفينة كانت واسعة بما يكفي لكل الحيوانات التي افترض دخولها فيها... وأن عدد أنواع الحيوانات الموجودة أقل مما تخيل ولا يصل إلى مئة حيوان من ذوات الأربع". لكن الموسوعة تقول في طبعتها الثامنة عن قصة نوح: "يمكن تذليل الصعوبات المتعلقة بالاعتقاد أن كل أنواع الحيوانات عاشت في السفينة باعتماد اقتراح المطران ستيلينغفليت والذي وافق عليه ماثيو بول وآخرون بأن الطوفان لم يشمل كل الأرض المسكونة". وفي الطبعة التاسعة في 1875 ليس هناك محاولة للتوفيق بين قصة نوح والحقائق العلمية بل قدمت القصة بدون تعليق. أما في طبعة 1960 فنجد التالي: "قبل أيام "النقد العالي" وانتشار النظرات العلمية الحديثة عن أصل الأنواع كان هناك الكثير من النقاش بين المتعلمين واقترحت عدة نظريات عبقرية وغريبة حول عدد الحيوانات في السفينة".
يُعرّف بأنّه ممارسة قائمة على العلم، يتمُّ من خلال هذه المُزاولة فحص وتدقيق النّص؛ بهدف الوصول إلى الحقيقة التاريخيّة بشكلٍ حياديٍّ بعيدًا عن الذاتيّة، فإذا كان الناقد بحاجة إلى معرفة التأثير والتأثر للعمل الأدبي أو معرفة مراحل تطور فن من فنون الأدب، أو إذا قام بمحاولة جمع خصائص أمة من الأمم في آدابها فلا يسعفه في ذلك إلا انتهاج المنهج التاريخي في النقد، مع العلم أنّه لا يستقل بذاته عن المنهج الفني في النقد؛ فالنقد التاريخي مجاله محيط العمل الأدبي.
حدَثَ إبّان الثورة الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر تطوّرًا واسعًا في النقد، وثورة عمِلت على خفت الأصوات التي تنادي بضرورة الرجوع للقواعد الرومانية واليونانية أثناء التحكيم على العمل الأدبي، فشرع النقّاد وغيرهم من المؤرخين يأخذون بمبدأ يقول إنَّ الأدبَ تعبير عن المجتمع الذي استعارته" مدام دي ستايل" من الألمان، وقد ظهر هذا المبدأ في مؤلفاتهم كالكتاب الذي ألّفه ميشليه بعنوان "في تاريخ فرنسا" حيث تحدّث فيه عن بيئة الشعب الفرنسي ونشأته وتطوره، أمّا في الأدب فقد قام فلمان بإخضاع دراسته للعمل الأدبي للعوامل السياسية والاجتماعية والبيئية والجنس المحيطة بالعمل الأدبي، وهو بذلك منح المذهب التاريخي في النقد أن يظهر بوضوح وينهض، ومن جهة أخرى كانت العلوم الطبيعية تتطوّر ولها قوانينها الثابتة، ممّا جعل الأدباء ينادون بأن يكون للنقد قوانين ثابتة؛ فهو علم كغيره من العلوم فكان ذلك بدايةً لجعل النقد علمًا له قوانينه، وتاليًا سيتمّ الحديث عن أبرز روّاد النقد التاريخي.
1.1. رواد النقد التاريخ
ظهر العديد ممن ينادون بالنقد التاريخي، وبأنّه علم كغيره من العلوم التجريبية له قوانينه التي يجب أن يُتّخذ بها وتطبق على الأدباء جميعًا، ومن أبرز النقاد الذين تمثلوا النقد التاريخي ونهضوا به في البداية هم :
:أ-سانت بيف
كان من أوائل الدّاعين إلى دراسة الأديب دراسة علميّة دقيقة، من خلال أحوال طبيعتة وخصائصه الجسمية، وبيئته وعادات مجتمعه ومبادئهم وأخلاقهم، كذلك أصدقائه والفترة التي بدأ فيها الكتابة ومَن أثنى على كتابته، وأعدائه ومَن بخّس في كتابته، والفترة التي ضّعُف فيها فهو يبحث ويدقق في أبسط التفاصيل وأدقها، وبعدها يصنّف ويرتِّب الأدباء إلى فصائل وطبقات تبعا لنتائج بحثه، فمن يشتركون وتجمعهم خصائص معينة دون غيرهم يجعلهم في فصيلة أو طبقة واحدة، وهذا يوضح مدى تأثره بالعلوم التجريبية فهو يصنع ما يصنعه عالم النبات حيث يقسم عالم النباتات النبات إلى فصائل ويضع الصفات والقوانين الخاصة بكل فصيلة، وقد برزهذا النهج في مؤلفيْه" أحاديث الاثنين" و "أحاديث الاثنين الجديدة" وبهذا يمكن تسمية دراسة بيف بِـ "التاريخ الطبيعي للأدب".
ب-هيبولت تين:
يعدُّ تين من أكبر تلامذة سانت بيف الذين ساروا على نهجه وأكّدوا عليه، فقد صيّر طريقة أستاذه إلى الحتمية المُلزمة وأكد على ضرورة وجود قوانين عامة تُطبّق على كلّ الأدباء دون استثناء ودون اعتبار لشخص ونفسيّةالكاتب والأديب فهو يهملها - وهذا ما يحدث في العلوم الطبيعية- وهذا ما فعله أثناء دراسته في "تاريخ الأدب الإنجليزي" فالفرد جزء من مجتمعه ولا بد في دراسته من الرجوع إلى مجتمعه والبيئة التي نبت فيها والعوامل التي أثرت فيه والتي حصرها تين في ثلاثة عوامل، وهي: الجنس، فلكلّ جنس خصائصه التي تميزه عن غيره من الأجناس الأخرى، والبيئة، فالبيئات متعددة ومختلفة في جغرافيتها وخصائصها، والزمان، فلكلّ حقبة وعصر أحداث ومجريات تختلف عن غيرها.
:ج-برونتيير
قام برونتيير بمحاولة تطبيق نظرية النشوء والارتقاء لدارون على الأدب والأدباء وعلته في ذلك أنّ الأديب جزء من الكائنات، ولهذا ستخضع لهذه النظرية فطبّق ذلك على ثلاثة أنواع من الأدب: الشعر الغنائي والمسرح والنقد الأدبي، منذ نشأتهم والتطور الذي طرأ على هذه الأنواع بتطور الزمن والبيئة.
1.2. صفات الناقد التار يخي
صفات الناقد التاريخي:
لن يستطيع المؤرخ أن يصل إلى درجة الاقتدار في التعامل مع التاريخ ووثائقه ، إذا لم يمارس النقد بقواعده العلمية ، لأن الاكتفاء بالاعتماد على جهود الآخرين وتعاملهم مع الوثائق لا تنمي القدرات ، ومقابل ذلك هناك من المؤرخين الذين يمتلكون المهارات الكافية للتعامل مع النصوص سوءاً تعامل معها بنفسه منذ البداية أم اعتمد على ما قام به غيره، وهناك بعض الصفات التي لابد من توفرها في الناقد ومن أهمها ما يلي:
الأهلية العلمية والكفاءة: بأن يتخصص الناقد بنقد الأعمال في مجال تخصصه وأن يمتلك الثقافة الواسعة في مختلف الميادين والتي تؤهله لإعطاء رأيه بكل ثقة.
الأمانة والصدق والحياد والموضوعية في تعامله مع النصوص التاريخية في إطار تخصصه الدقيق.
العدالة والإنصاف: يصدر أحكامه بكل شفافية ونزاهة بعيداً عن التعصب والميل والهوى ، بأن يعلل أحكامه ويفسر رأيه بناءً على أسس علمية غير خاضعة لعاطفته أو ميوله الشخصية.
-التزام الأدب: يجب ان يكون النقد بعيداً عن الإساءة بالآخرين.
-أن يمتاز الناقد بقوة الفطنة والانتباه.
-ان يكون محباً للنقد التاريخي متمتعاً بالصبر ومواجهة الصعوبات.
-أن يمتاز بهدوء الطبع والأناة .
-ان يتمتع بحاسة نقدية قادرة على التأليف بين معطيات معينة واستنتاج الحقائق منها.
-أن يكون مدقق منقب، حيث يحاول تفسير النص، وأن يلم أولاً بلغة الأصل الذي يدرس، ويجيد فهم هذه اللغة كما عرفت واستعملت في العصر الذي عاش فيه راوي الرواية.
-أن يكون عارفاً بعلوم الأوائل.
-إن منهج النقد التاريخي، عند المؤرخ، يستند إلى عمليتين كبرى: هي النقد الخارجي، والنقد الداخلي، فالنقد الخارجي يبحث في أصالة الوثيقة وعدم تزويرها، ويهتم نقد المصدر بتحديد صاحب الوثيقة وتاريخها ومكان تدوينها، أما نقد التصحيح فهو الذي يستهدف معرفة أصول النسخ غير الأصيلة.
أما النقد الداخلي (الباطني) فيمر في مرحلتين الأولى النقد الباطني الإيجابي: والذي يبحث في معرفة معاني الوثيقة الظاهرة وغير الصريحة، كما يبحث نقد الكفاءة في قدرة الكاتب (الشاهد) على نقل الأحداث بكفاءة. والثانية النقد الباطني السلبي: والتي يتم فيها نقد الصدق الذي يبحث في احتواء الشهادة على الكذب من عدمه، بالإضافة إلى نقد الدقة الذي يبحث مدى وقوع الكاتب في أخطاء غير متعمدة.