البعد الأمني في العلاقات الأورومغاربية
1. أهم التهديدات الأمنية وفق التصور الأوروبي
البعد الامني غي علاقات المتوسط
1 تطور مفهوم الأمن الأوربي في علاقته بدول جنوب المتوسط
تطور مفهوم الأمن الأوربي في علاقته بدول جنوب المتوسط
على مر التاريخ الإنساني لم يكن البحر الابيض المتوسط مجرد مانع مائي بين منطقتين جغرافيتين متجاورتين، بل كان دوما منطقة فاصلة بين حضارتين متمازتين ومختلفتين تجمع بينهما جدلية الصراع والحوار.
ومع بداية القرن العشرين أنهت أوربا مسرحا لحربين كونيتين خلفتا العديد من الآلام والضحايا أعقبتها حرب باردة أثرت في العلاقات الدولية، وأججت صراعا محموما في مجال أسلحة الدمار الشامل مما أثر في علاقات أعضائها فيما بينهم ومع الدول الأخرى.
وترجع المحاولة الأولى لإقرار سياسة دفاعية وأمنية أوربية مشتركة إلى شهر أكتوبر من سنة 1970 عندما اتفق وزراء خارجية الدول الأوربية الأعضاء في الجماعة الأوربية الى تبني استراتيجية التعاون السياسي الأوربي، الشيء الذي مكنهم من تبادل المعومات فيما بينهم في المجال الأمني.
ومع ابرام اتفاقية ماستريخت عام 1991 والتي تم بموجبها الانتقال من المجموعة الأوربية الى الإتحاد الأوربي، ظهرت السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للدول الأعضاء أو سياسة الإتحاد الأوربي العامة للخارجية والامن، وقد نصت الإتفاقية على اقرار سياسة دفاعية وأمنية مشتركة تشمل كافة القضايا المتعلقة بأمن الإتحاد الاوربي.
وفي بداية التسعينات من القرن المنصرم، دشنت الدول الأوربية من خلال الحلف الأطلسي حوارا متوسطيا، حيث بادرت إلى اقتراح إجراء حوار ثنائي مع 5 دول من الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط من بينها المغرب، وهو حوار تأسس على قناعة راسخة أن الأمن في أوربا مرتبط عضويا بالأمن في حوض المتوسط بل هو جزء محوري في الفضاء الأممي لما بعد الحرب الباردة، لهذا استعمل هذه الدول على دمج الجانب الأمني الى جانب مختلف أوجه التعاون ضمن اعلان برشلونة.
بعد هذا الجرد التاريخي للسياسة الأمنية الأوربية، فإن ظهور الأمن هو الآخر عرف تطورا في خضم تلك السياسة، فبعد ما كان مرتبطا بالعمل العسكري والمخابراتيوالتجسسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، انتقل حسب المفهوم الأوربي الى تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاجتماعي والأقتصادي وتقليص الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
غير انه مع نهاية الحرب الباردة بدأ الأمن الأوربي يواجه تهديدات جديدة مثل الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والإرهاب الدولي، وسعت من المفهوم التقليدي للأمن القائم على الأمن العسكري، ومن هذه المفاهيم الجديدة، الأمن البيئي والأمن الإقتصادي والامن التعاوني والأمن المجتمعي والأمن الإنساني.
ومثل هذه الظواهر تهدد الأمن القومي لكل دول المنطقة وليس فقط لدولة واحدة دون غيرها، مما دفع بهاته الدول الى محاولة المزج بين المقاربة الأمنية المستندة الى القوة الناعمة وهو ما سيتجلى من خلال إعطاء الضوء الأخضر لمسلسلات الشراكةمع دول جنوب المتوسط.
المطلب الثاني: تعميق الشراكة الأمنية بين المغرب والإتحاد الأوربي:
يشكل المغرب بموقعه الجغرافي مانعا من التهديدات التي تطال القارة الأوربية، وعن هذا الموقع قال الراحل الحسن الثاني أن المغرب:" يشكل جسرا بين الشرق والغرب وبين افريقيا والقارات الأخرى[1]، ومن تم فإن الرؤية الأوربية للمتوسط لا تغفل هذا المعطى، ويبقى المغرب حاضرا عمليا في السياسة الأورومتوسطية وفي تقاطع الحسابات الأمنية باعتباره قاعدة متقدمة للناتو، وجبهة دفاعية في ترتيبات الامن المتوسطي.
وتعتبر اواخر ستينات القرن الماضي نقطة انطلاق علاقات التعاون المغربي الأوربي، وقد تحكمت في تلك العلاقة مجموعة من العوامل والظروف سواء الساسيةوالإجتماعية أو الأقليمية والعالمية. وهكذا فتوقيع اتفاقيتي 1969 و 1976 طغت عليهما الهواجس الإقتصادية، وقد حضر موضوع الأمن بشكل جلي.
غير أن المغرب الذي يعتبر جزءا من المغرب الكبير وكذلك احدى الدول المهمة الواقعة جنوب المتوسط دخل في شراكات مع الاتحاد الاوربي عبر مشاريع التعاون الأورومتوسطية، وهكذا نجد أن السياسة المتوسطة الشاملة ( 1992-1972) والسياسة المتوسطية الجديدة (1992-1995)[2] كان الهدف منها هو ترويج السلع والمنتجات الأوربية، اضافة الى سهولة الوصول الى الموارد الطبيعية وغيرها من الموارد، وتجنب المشكلات الإجتماعية والسياسية المتأتية من هجرة العمال من دول الجنوب الى الإتحاد، فالشراكة كانت استجابة لحاجيات الإتحاد الأوربي الامنية في مجال محاربة الإرهاب والحد من الهجرة اليه[3]خاصة انه لم يضمن المنتجات الزراعية في الإتفاقية بداعي حماية محاصيله.
وفي سنة 1990 انطلق حوار 5+5 والذي يضم خمس دول من الإتحاد الأوربي إضافة إلى المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وكان الهدف منه هو إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الأورومغاربية، وفي هذا الصدد صرح وزير الخارجية الإيطالي جيوليوتيريتسى في الإجتماع الذي ضم وزراء خارجية الدول المعنية شهر فبراير 2012 أن الوقت قد حان لحوار بين الدول العشر، ما يعني مستوى جديد من التعاون بين الشركاء في مواجهة التحديات التي تواجه هذا المكان من العالم[4].
وتعتبر اتفاقية الشراكة لسنة 1996 المشار اليها انفا أهم الإتفاقيات الثنائية بين الإتحاد الاوربي والمغرب في المجال الأمني إذ نصت في بنودها على أن الإتفاق يشمل مواضيع ذات أهمية في المجال الامني بين الطرفين ومنها التاكيد على ضمان السلم والامن والمساهمة في استقرار وازدهار المنطقة المتوسطية وتشجيع التفاهم والتسامح ومحاربة المخدرات، وقد نصت الإتفاقية كذلك على أن يشمل الحوار السياسي كافة المواضيع ذات الإهتمام المشترك بين الطرفين وخاصة الشروط الملائمة لضمان السلم والأمن والتنمية الإقليمية، وتعزيز الإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية للمنطقة من خلال تشجيع التعاون الإقليمي، وفتح حوار سياسي منتظم في السياقين الثنائي والدولي بشأن الإهتمام المشترك، وفي المقابل التزم المغرب باحترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية ومكافحة الجريمة وزراعة وتجارة المخدرات والحد من الهجرة السرية ومحاربة الإرهاب.
ان الموقع الجغرافي المتحدث عنه سلفا هو الذي يجعل من المغرب كحارس لأمن أوروبا لا كشريك حقيقي، وهو ما عبر عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في حديث خص به مجلة تايمز الأمريكية بتاريخ 19 يونيو 2000، قال:" يتعين على الإتحاد الأوربي أن يعاملنا كشريك حقيقي"، وأضاف في ذات السياق:" نحن لا نريد من أوربا ان تقدم لنا المساعدة ولا أن تتفضل علينا بالصدقة، وكل ما نطلبه منها هو أن تعاملنا كشريك حقيقي، وما دام المغرب لم يلمس هذه الإرادة فسينتج عن ذلك نوع من القلق ومن ثم سيكون من الضروري بذل جهد إضافي من أجل اعتماد نظرة لعلاقاتنا تكون مغايرة، ففي كثير من الاحيان لازالت دول شمال حوض المتوسط عندما تنظرالى دول الجنوب ترى فيها تهديدا محتملا، لقد وقعت بالتأكيد احداث يمكن أن تفسر قلق بلدان الشمال وساد بسبب ذلك سوء تفاهم طال أمده، ويتعين علينا أن نطمئن أوربا، فلا ينبغي أن نسبب أعمال العنف والإرهاب إلى مئات الآلاف من المغاربة الذين يعملون بسلام في أوربا، والواقع أن الغربيين يقعون بسهولة تحت تأثير هذا الحقد، وينبغي أن تزول هذه العقلية، واعتقد اننا جميعا في مرحلة إعادة التقويم".
تبقى الإشارة إلى أن الدور الفعال الذي يقوم به المغرب سواء على المستوى الداخلي من خلال القيام بمجموعة من الإصلاحات الإجتماعيةوالإقتصادية وتعزيز دولة الحق والقانون وسن مجموعة من التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان. أو على الصعيد الدولي من خلال الدفاع عن قضايا السلم والتقارب بين الشعوب وكذلك من خلال مواصلة المفاوضات مع الإتحاد الأوربي من أجل التوقيع على اتفاقيات جديدة وتعزيز الشراكة الإستراتيجية في جميع المجالات، أهلته للحصول على صفة الوضع المتقدم والتي تم الإعلان عنها في بيان 13 اكتوبر 2008[5] ما يعني أن المطلوب بشكل أساسي والذي دأبت الديبلوماسية المغربية على اجرائه مع الجانب الأوربي، هو حوار يشمل المسائل الدقيقة والحساسة ذات الصلة بالأمن والإستقرار في المنطقة المتوسطية كما تبين خاصة من خلال القمة الاولى المغربية الاوربية المنعقدة في غرناطة، وهي قمة جاءت لتكلل فترة تقارب وتعاون سياسي بين الجانبين.
إن منح المغرب صفة "الوضع المتقدم"من قبل الإتحاد الأوربي تأتي ايضا متزامنة مع منح الحلف الأطلسي بمبادرة من الرئيس الأمريكي جورج بوش صفة الحليف الإستراتيجي خارج حلف الناتو.
الهجرة السرية ومكافحة المخدرات
الهجرة السرية وتجارة المخدرات
1- الهجرة غير الشرعية: تشكل الهجرة تعبيرا عن رغبة الفرد على التغلب على الظروف الصعبة، والهروب من الفقر، وبدء حياة جديدة توفر له العيش الكريم، وقد لخصها عالم الديمغرافيا الفرنسي الفريد سوفي بقوله:"إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر، وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات"[6]. وإذا كانت الهجرة قد برزت مع نهاية القرن 20 وبداية القرن 21 كمعضلة عالمية تكاد تخلو منها منطقة في العالم إلا انها اتخدت ابعاد خطيرة في حوض الابيض المتوسط الذي يمكن وبصفة تجر المتناقضات شمال غني وجنوب فقير ومتخلف[7].
وقد أضحى موضوع الهجرة هاجس يؤرق بال السياسيين في كل البلدان الاوربية بالنظر الى ما تطرحه من مسائل أمنية وبالتالي أصبح ملفا ساخنا تتمحور حوله الحياة السياسية في البعض منها خوفا من التطرف الإسلامي، العنصرية، وأعمال العنف والإرهاب[8].
مما جعلها تعمل على التضييق على نظام التأشيرات والقيام بالطرد الفردي والجماعي، والدخول في اتفاقيات مع البلدان المصدرة لها، وخاصة المغرب الذي يعتبر البوابة التي تصل افريقيا بأوربا في محاولة لاحتواء الظاهرة.
وقد تم التعاون بين المغرب والإتحاد الأوربي لمعالجة ظاهرة الهجرة السرية، وبرز هذا التعاون في اللقاءات المتعددة بين الطرفين وكذلك في اعلان برشلونة[9] الذي تمت الإشارة فيه الى الدور الذي تلعبه الهجرة في العلاقات الأورومتوسطة، والإتفاق على تكتيف التعاون من أجل تخفيف وطئتها بواسطة برامج التأهيل المهني وخلق فرص الشغل وغيرها.
وقد نص الإتفاق المبرم بين المغرب والإتحاد الأوربي سنة 1996 على اطلاق حوار يتناول كل القضايا المتعلقة بالهجرة والإجراءات الواجب اتخاذها للحد من الظاهرة. تلت ذلك مجموعة من اللقاءات والإجتماعات الثنائية والجماعية[10] في محاولة لاحتواء الظاهرة ونذكر منها:
- عقد المؤتمر السنوي المتوسطي لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا الذي تم في الرباط شهر شتنبر 2005 في موضوع خصوصية دور هذه المنظمة في سياسات الهجرة والإندماج.
- تنظيم مؤتمر في المغرب في اكتوبر 2005 شارك فيه وزراء داخلية دول 5+5 لمناقشة تزايد الهجرة السرية الى أوربا ووضع خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة.
- عقد المؤتمر الأوروبي الإفريقي الأول لمكافحة الهجرة السرية بالرباط في 2006 بمشاركة العديد من الدول الإفريقية والأوروبية والعربية لإقامة شراكة وثيقة بين الدول التي يأتي منها المهاجرون والدول التي يتوجهون اليها والربط بين المساعدات والتنمية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية بتعزيز الرقابة على الحدود، واتفاقيات إعادة قبول المهاجرين السريين.
- عقد مؤتمر باريس في نونبر [11]2008، ويعتبر هذا المؤتمر مرحلة ثانية بعد عقد مؤتمر الرباط، وقد شاركت فيه دول الإتحاد الأوربي و27 دولة افريقية و 5 دول عربية. كما انه أتى بعد شهر من اعتماد الإتحاد الأوروبي "اتفاقية للهجرة واللجوء" باقتراح من فرنسا.
وقد اعتمد مؤتمر بارس برنامجا للتعاون في الفترة ما بين عامي 2009 و 2011 في تنظيم الهجرة الشرعية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز التنسيق والربط بين الهجرة والتنمية.
كما ان موضوع الهجرة أصبح رهانا رئيسيا وشعارا انتخابيا للعديد من السياسيين بدول الإتحاد الأوربي ولعل السباق نحو الرئاسة في فرنسا قد أخذ نفس المنحى إذ أن المرشح الإشتراكي فرانسوا هولاند راهن على مسألة الهجرة والتي عززت من حظوظه بالفوز في الجولة الاولى برئاسة الجمهورية الفرنسية حيث حصل تقريبا على 28 في المائة من اصوات الناخبين الفرنسيين مقابل 27 في المائة للرئيس الجمهوري الأسبق نيكولا ساركوزي في الإنتخابات التي اجريت يوم الأحد 22/04/2012.
لقد اصبحت ظاهرة الهجرة الموضوع المحوري في العلاقات المغربية الأوربية، والأمر الذي استدعى اتخاذ عدة تدابير مهمة لمعالجتها، وهكذا فقد قام المغرب بعدة مبادرات منها: مبادرة احداث مديرية للهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية، والتي تعمل على مكافحة شبكة تهريب البشر ومراقبة الحدود، وكذلك عمل على تحيين وتوحيد النصوص التشريعية المنظمة لدخول الأجانب وإقامتهم بالمملكة وتجميعها في نص قانوني واحد وموحد ويتعلق الأمر بقانون رقم03-02، الذي جاء في روحه متلائما مع الإتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الهجرة السرية مكرسا لما التزمت به المملكة المغربية في مجال احترام حقوق الإنسان[12].
وبقراءة لما جاء في مواد القانون رقم 02-03 المتعلق بدخول واقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير الشرعية الصادر الأمر بتنفيذه ظهير شريف 03.1.196 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق ل 11 نونبر 2003،[13]وخاصة القسم الثاني المتعلق بالأحكام الزجرية المتعلقة بالهجرة غير المشروعة، نجد ان العقوبات السجنية تصل الى خمسة عشر سنة في حين أن الغرامات قد تصل الى 1000000 درهم، وهذا ان دل على شيء فعلى حرص المملكة المغربية على الدفاع على مصالحها لكون الهجرة غير مشروعة تشكل عامل تهديد وعدم استمرار للمغرب قبل الإتحاد الأوربي، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية والتعاون المغربي الأسبق السيد الطيب الفاسي الفهري:"ان المغرب لن يكون دركيالأوربا" لحمايتها من زحف التصحر والإتجار الدولي في البشر والهجرة السرية والإتجار الدولي في المخدرات، ومكافحة الإرهاب كون كل هذه الآفات الخطيرة تهدد أمن واستقرار المغرب بالدرجة الأولى، فالمغرب يدافع عن مصلحته كما هو الشأن لأوروبا، لذلك سياشرك في تدبير الأزمات، وسيطور شراكته من اجل السلم، والأمن في افريقيا[14].
ومن الجانب الأوربي، عملت الدول الأوربية على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الأمنية للحد من الظاهرة ومنها إنشاء مراكز الإعتقال خاصة بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يتم القبض عليهم على السواحل الأوروبية، حيث يتم احتجازهم بها الى حين ترحيلهم الى بلدانهم ولا توجد في هذه المراكز ادنى المعايير المطلوبة فيه للإعتقال. وهو الامر الذي جعل المنظمات الحقوقية تنتقد تلك المراكز خاصة فيما يتعلق بوجود مزاعم المعاملة السيئة وغير الإنسانية بحق المحتجزين بشهادة الصليب الأحمر ومفوضية شؤون اللاجئين[15].
وبخصوص تشديد الحراسة على الحدود الأوربية، اتخذت الدول الأوربية العديد من الإجراءات الأمنية على طول سواحلها نذكر منها: المشروع الاسباني الممول من طرف الإتحاد الأوربي والقاضي بناء جدار حدودي يصل علوه الى ست أمتار، مجهز برادار للمسافات البعيدة وبكاميرات الصور الحرارية وأجهزة للرؤية في الظلام وبالأشعة تحت الحمراء، وقد قامت اسبانيا موازاة مع ذلك بإنشاء مراكز للمراقبة الإليكترونية مجهزة بوسائل إشعار ليلي ورادارات ودعمت هذه المراكز بجهاز سيف وهو جهاز مدمج لحراسة المضيق بالإضافة الى مشروع إطلاق قمر اصطناعي اطلق عله اسم "شبكة الحصان البحري" لمراقبة عمليات الهجرة السرية ببوغاز جبل طارق بين افريقيا واوربا، بتكلفة تقدر بأكثر من 3,5 مليون اورو. ومن شأن هذا الإنجاز مساعدة الدوريات العسكرية البحرية، خاصة المغربية والإسبانية اللتين تشتغلان بشكل مشترك منذ 2003 في إطار التعاون الأمني الأورومتوسطي لمحاربة الشبكات المختصة في تهريب البشر، التي تعتمد على تجهيزات ومعدات لوجيستية جد متطورة.
وكمحصلة للتعاون الثنائي المغربي الأوروبي في مجال محاربة الهجرة السرية، فقد انخفض عدد المهاجرين السريين نحو اوربا، وتعزز التعاون المغربي الإسباني في نفس الإتجاه عن طريق مجموعات العمل الدائمة بين البلدين في مجال الهجرة، كما تمت الإشادة بدور الحكومة المغربية ومختلف الأجهزة الأمنية للحد من الظاهرة بالرغم من تزايد عدد القوافل القادمة من منطقة الساحل وجنوب الصحراء الإفريقية المتسللة الى المغرب[16]. اذ اشار تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإسبانية الى ارتفاع ملحوظ في عدد المهاجرين اللذين تم ايقافهم، وصل الى ازيد من 2000 مهاجر سري خلال سنة 2008.
ان المقاربة التي انتهجها الإتحاد الأوربي للحد من ظاهرة الهجرة السرية تبقى غير عملية لكونها تهمل الأسباب والظروف المحيطة بها من جهة ولكون هذا النوع من الحلول مكلف بالفعل، فبموجب الإتفاقيات الثنائية بين الإتحاد الأوربي وبعض دول جنوب المتوسط ومنها المغرب فإنه يدفع الملايين من اجل مشروعات مثل: رفع قدرات الحراسة على الحدود والدعم اللوجيستي المتمثل في طائرات المراقبة وبناء معسكرات الإحتجاز، وكان من الأوفق التركيز على دعم مشروعات تنموية وخاصة في المناطق المصدرة للهجرة السرية وخلق فرص العمل بها، وفي هذا السياق قال العاهل المغربي الملك محمد السادس:" وامام تزايد تدفق الهجرة غير الشرعية من دنيا الفقر الى عالم الغنى، فإنها تقتضي معالجة شمولية لا تنحصر في الجانب الأمني فحسب لأنه غير كاف وحده، اذا لم يتم العمل على معالجة دوافعها الإقتصاديةوالإجتماعية بالدول المصدرة لها، ولن يتأتى ذلك الا بتوفير الدعم الضروري للتنمية المحلية للشعوب الإفريقية الشقيقة، بما يمكنها من الإستقرار والعيش الكريم في اوطانها، في ظل الرخاء المشترك والأمن الشامل[17].
نافلة القول ان ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتحمل المسؤولية فيها حكومات الدول الإفريقية التي ينطلق منها المهاجرون لأنها عاجزة من تأمين الحياة الكريمة لأبنائها وتحديث المجتمع والإخفاق في مشاريع التنمية التي تنتهجها، كما يتحمل المسؤولية كذلك الإتحاد الأوربي لأنه يتبنى سياسة أمنية صرفة بالنظر لمصالحه فقط وإغلاق حدوده دون دراسة أسباب الهجرة السرية في الدول المصدرة لها.
2- محاربة المخدرات: ان المقام لا يسعنا هنا للحديث باسهاب عن ظاهرة انتشار المخدرات تجارة وزراعة وتسويقا بالمنطقة الأورومتوسطية وسأكتفي بالحديث عن أوجه التعاون المغربي الأوربي في مجال محاربة هذه الظاهرة.
ونظرا لكون انتشار المخدرات تشكل تهديدا حقيقيا للأمن والإستقرار بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة مع وجود عصابات منظمة تنقل المخدرات برا وبحرا وجوا فضلا عن الإتجار في البشر والأسلحة وتزوير العملات، والتعاون والتنسيق مع المنظمات الإرهابية وتمويلها.
ولمواجهة هذه الظاهرة كان لابد من تفعيل تعاون اورومغربي لأن المغرب يعتبر المزود الأول لأوربا الحشيش حيث تعتبر اسبانيا اول الدول عالميا من حيث كمية المخدرات المحجوزة، ورغم كل المجهودات التي بدلتها المغرب من اجل تخفيف حدة التهريب نحو اوربا الا ان شبكات التهريب يعمل على تطوير آلياتها[18] مما يجعل التعاون مع الجانب الأوربي ضروريا للتخفيف من هذه الظاهرة باعتباره افضل وسيلة وانجعها للتغلب على هذا المشكل الذي اصبح ظاهرة مجتمعة ذات ابعاد خطيرة.
ولهذه الغاية تم ادراج موضوع مكافحة المخدرات في المادة 62 من الباب الخامس من اتفاقية الشراكة الموقعة بين المغرب والمجموعة الأوروبية، اذ تم التنصيص على:
1- تحسين فعاليات السياسات والإجراءات التطبيقية لمنع ومحاربة انتاج وعرض والإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
2- القضاء على كل استهلاك غير شرعي لتلك المواد.
3- التعاون في وضع استراتيجيات لتحقيق الأهداف المشتركة.
4- التنسيق والاستشارة بين الأطراف المتعاقدة في الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها كل دولة على حدة.
5- العمل على احداث وتوسيع المؤسسات الصحية الأجتماعية ومراكز الإعلام لمعالجة المدمنين على المخدرات وإعادة ادماجهم في المجتمع.
وقد حظي الموضوع باهتمام كبير اذ تم التنصيص عليه في بنود اعلان برشلونة حيث تمت الإشارة الى التعاون في مجال مكافحة وانتشار وتنوع الجرائم المنظمة ومحاربة المخدرات بكل اشكالها[19]. وفي اطار الشراكة الأورومغربية قامت السلطات المغربية بسن قوانين تجرم كل مظاهر انتاج وتصنيع وتسويق المخدرات، وتم احداث العديد من نقط الحراسة والمراقبة على طول الساحل المتوسطي ونشر فرق من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة بالإضافة الى تعزيز المراقبة بالموانئ والمطارات ونقط الحدود وتعزيزها بمعدات حديثة ومتطورة.
ومن جانبه قام الإتحاد الأوربي بمنح هبات مالية وقروض لتطوير البنيات التحتية للأقاليم الشمالية التي تعد المنتج الرئيسي للمخدرات، كما اقر الإتحاد الأوربي في اطار برنامج ميدا اعداد استراتيجية متعددة القطاعات بمساهمة البنك الأوربي للأستثمار لمحاربة زراعة المخدرات وتشجيع المبادرات التنموية لمنطقة الشمال وتحسين مداخيل وظروف عيش سكانها.
وفي اطار التعاون الأورومغربي تم القيام بعدة مبادرات في مجال تكوين اطر تقنية وعملية، كما احدث الجانبان جهازا لتبادل المعلومات المتعلقة بتحرك مهربي المخدرات واطلق عليه اسم "مارنفو" اضافة الى انشاء جهاز للمراقبة الجوية والبحرية سمي بعملية سندباد.
وقد وقع المغرب عدة اتفاقيات مع دول الإتحاد الأوروبي بهدف الحرب على المخدرات ومنها، اتفاقية التعاون من اجل مكافحة آفة المخدرات بمدينة الرباط سنة 1987 دخلت حيز التنفيذ سنة 1992 والبروتوكول الملحق بها والموقع بتاريخ 4 يوليوز 1997 بمدينة مالكا الإسبانية، ومع ايطاليا عقد اتفاقية سنة 1987 بمدينة الرباط اعقبه بروتوكول وقع بروما سنة 1996. وفي اطار هذا التنسيق تم القاء القبض على مجموعة من مهربي المخدرات، ففي سنة 2008 تم اعتقال 16 شخصا في اشبيلية وهو ما اطلق عليه عملية غوريا حيث تم ضبط 622 كلغ من الحشيش هربت من شمال المغرب.
وفي سنة 2009 تم ضبط حوالي سبعة اطنان من المخدرات خرجت من ميناء طنجة وسبتة، وتم اعتقال مائة شخص جلهم مغاربة، كما تم احباط عملية تهريب حوالي 2000 كلغ من الشيرا من طرف مصالح الحرس المدني الإسباني.
وبتاريخ 13 ابريل 2012 تمكنت مصالح الشرطة المغربية بتنسيق مع نظيرتها الفرنسية من تفكيك شبكة اجرامية تنشط في تهريب المخدرات انطلاقا من المغرب في اتجاه فرنسا حيث تم القاء القبض على 6 اشخاص وحجز حوالي طن و 200 كلغ من مخدر الحشيش والآليات المستخدمة في خفر تلك المخدرات، وتدخل هذه العملية في اطار التعاون الأمني المغربي الفرنسي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود وخاصة الإتجار غير المشروع في المخدرات.
ورغم كل هذه الجهود المبدولة الا انه يجب الاشارة الى ان كل هذه الاتفاقيات المبرمة للحد من ظاهرة انتاج وتسويق وتهريب المخدرات بقيت قاصرة لطغيان الهاجس الامني وغياب الجانب الاجتماعي والتنموي خاصة في منطقة الشمال التي تعاني من عدة اخلالاتسوسيو اقتصادية.
ظاهرة الإرهاب
تعاظمت في العقود الاخيرة ظاهرة الإرهاب سواء من حيث مظاهرها او على مستوى النطاق الذي تمارس فيه والوسائل المستخدمة فيها، وكذا بالنسبة للقائمين بها والدوافع التي تغديها[20].
عرف المغرب في يوم 16 ماي 2003 احداثا اخرجته من دائرة الاستثناء الذي كان ينعم به في المجال الأمني وادخلته في غمار الحرب على الإرهاب ومكافحة تمويله، ورغم ان المواجهة بين السلطات المغربية وتنظيم القاعدة لم تتم بالشكل الذي شهدته بلدان اخرى عربية واجنبية، فقد بدأ التماس بين المغرب وهذا التنظيم المتطرف اثر اعتقال بعض اعضاء الخلية القائمة خلال سنة 2002[21].
لذلك قام المغرب بالتوقيع على اتفاقيات وبروتوكولات في مجال الحرب على الإرهاب ومنها الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في 14 اكتوبر 2001، والإتفاقية الدولية لقمع الإرهاب الموقعة بنيويورك في 19 اكتوبر 2002.
اضافة الى هذا قام المغرب بسن تشريعات خاصة بالإرهاب اهمها القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب والمؤرخ في 28 ماي 2003.
وفي علاقته بالإتحاد الأوربي فقد انخرط الطرفين في استراتيجية لمكافحة هذه الآفة التي مست المغرب في 16 ماي 2003 واسبانيا في 11 مارس 2004، وقد اتخذ هذا التعاون اشكالا ثنائية واخرى جماعية، فقد عمل المغرب على عقد اتفاقيات ثنائية مع اسبانيا سنة 2004 والتي تضمنت نقاطا تتعلق بتبادل المعلومات والخبرات بين الأجهزة الأمنية للبلدين وتعقب الشبكات والخلايا الإرهابية، وكذلك مع فرنسا في سنة 2003 تحدد بموجبها مجال التعاون بين البلدين لمحاربة الإرهاب والإجراءات الوقائية من هذه الآفة.
اضافة الى هذا فإن المؤتمر الوزاري لدول خمسة زائد خمسة المنعقد عام 2004 تم التأكيد فيه على تظافر الجهود من اجل تعاون امني لمواجهة كل اشكال الإرهاب، وفي دورته الرابعة عشر المنعقدة بالرباط سنة 2012 اشار الوزير التونسي رفيق عبد السلام ان اهتمامات منطقة المتوسط اصبحت اهتمامات مشتركة اكثر من ذي قبل مثل الحرب ضد المنظمات الإرهابية الناشطة في الساحل.
وفي اطار التعاون الأورومغربي قال العاهل المغربي الملك محمد السادس:" وفي هذا الصدد نود التنويه بالمستوى النموذجي للتعاون الفعال والشامل والتنسيق المحكم بين المغرب وجارته اسبانيا، وكافة شركائه لمحاربة الإرهاب والحرص على ان يظل حوض المتوسط فضاء للأمن والسلام والتقدم ومهدا لتفاعل الحضارات بل وتحالفها، وفي هذا الصدد فإننا نؤكد دعمنا... لكل الإقتراحات الصادرة في هذا الشان عن دول شقيقة وصديقة، خاصة منها انشاء هيئة متخصصة للوقاية من الإرهاب ومكافحته، واحداث صندوق لتعويض ضحايا هذه الآفة، وذلك بموازاة مع قيام منظمة الأمم المتحدة بدور فعال في هذا الشأن، واذ نجدد الإعراب عن وفاء المملكة المغربية الدائم بالتزاماتها الثنائية الإقليمية والمتعددة الأطراف، وانخراطها الفاعل في الجهود الدولية الرامية لمحاربة الإرهاب واستباق مخاطره وتطويقها، فإننا نهيب بالقوى المحبة للسلام ان تولي العناية الكاملة لايجاد حلول سلمية ومنصفة لمختلف بؤر التوتر في العالم، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط لما لها من تأثير على تغذية الإرهاب.
وقد اثمر التعاون المغربي الأوروبي في تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية وتوافد عدد من المسئولين الأوروبيين الأمنيين والقضائيين على المغرب في تبادل للزيارات، وتم انشاء العديد من المراكز الإقليمية للتدريب والتكوين وتبادل الخبرات بهدف تعزيز اواصر التضامن، نذكر من بينها تنظيم اعمال تكوينية وتدريبية لصالح المغرب من قبل ايطاليا في يناير وفبراير 2006 وذلك في اطار المبادرات المنسقة من قبل الإتحاد الأوربي.
وكسائر الظواهر الأمنية التي تؤرق بال الأوروبيين فقد تم مقاربة ظاهرة الإرهاب بدعم التوجه الأمني المحض من طرف الإتحاد الأوروبي فيما تدعم دول جنوب حوض المتوسط ومنها المغرب المقاربة التنموية للتصدي للظاهرة واجتثاتها من جذورها مع الفصل بين الإرهاب السياسي والنضال المسلح من اجل التحرر الوطني.
هذا وقد شهدت الاشهر القليلة الماضية حالة نزاع مسلح داخل مالي ،هذا النزاع حركته اطماع انفصالية سرعان ما اختلط بحركات ارهابية بالمنطقة،جعلت التكهن بمستقبل المنطقة شبه ضبابي.
حيث أتاح التدخل الفرنسي في شمال مالي فرصة جديدة لإعادة تجميع شتات ورثة أسامة بن لادن في شمال أفريقيا، فكل الشروط تبدو اليوم مواتية لسيناريو محتمل بدأت تتضح معالمه بأن يتحول شمال مالي إلى «أفغانستان تحت أقدام المنطقة المغاربية»، التي يبدو أنها مرشحة لأن تتحول إلى «باكستان شمال أفريقيا» يمتد تحتها شريط من موريتانيا إلى الصومال ومن موريتانيا إلى «خنادق» سيناء في الصحراء المصرية. ثمة أسباب متعددة تدفع إلى ترجيح فرضية تحول شمال مالي إلى «أفغانستان جديدة إلى الجنوب من المنطقة المغاربية، فالتدخل الفرنسي غير المحدد إلى اليوم بأجندة زمنية مضبوطة للانسحاب، وهناك حضور القوى العسكرية الأفريقية لبعض الدول المجاورة، وتطلعات الأميركيين للوجود في المنطقة، كما تؤشر عليها تصريحات المسؤولين العسكريين الأميركيين بحجج مختلفة.[22]