ماهية علم اجتماع السكان

2. ماهية علم اجتماع السكان

تمهيد:

يعتبر السكان أحد الموضوعات العديدة التي تدخل ضمن اختصاصات علم الاجتماع، والتي يوليها المشتغلون به جانبا لا بأس به من اهتماماتهم. واستنادا إلى ذلك يتصور المهتمون بدراسة السكان في علم الاجتماع مجموعة متباينة من الظواهر السكانية تنصرف إليها جهودهم في البحث والدراسة. كما يرتب المشتغلون بعلم الاجتماع والمهتمون بدراسة السكان عدة نتائج توضح ضرورة وأهمية دراسة هذه الظواهر السكانية في المجتمع.

وعليه فإن الاهتمام بدراسة الظواهر السكانية في الفكر الإنساني اهتمام قديم إذ أن دراسة السكان جذبت انتباه الكتاب والمفكرين منذ أقدم العصور، كما نشطت في الآونة المعاصرة من تاريخ الفكر الإنساني نظم فكرية متباينة من أجل فهم الظواهر السكانية وتحليلها وتفسير مشكلاتها والتنبؤ بأحوالها في المستقبل. ومن المهم معرفة وضع علم اجتماع السكان بين الديموجرافيا والدراسات السكانية وتميزه عنها من حيث الموضوع والتحليل والهدف.

أولاً- الفكر السكاني القديم:

 ونعني بالفكر السكاني القديم مجمل الآراء ووجهات النظر التي أضافها أولئك المفكرون والكتاب الذين وجدوا في المراحل الأولى من تاريخ الفكر الإنساني أو ما بعدها، تلك الآراء التي تناولت ضمن ما تناولت مختلف الظواهر السكانية بالتحليل والتفسير.

وكان الفكر الإنساني القديم بمثابة محصلة للاهتمام بدارسة السكان من جانب عدد من المفكرين والكتاب الذين جذبت انتباها تهم هذه الظواهر منذ أقدم العصور. ومن بين هؤلاء الكتاب يمكن أن نذكر على وجه الخصوص: كونفوشيوس بين الصينيين، وأفلاطون وأرسطو بين اليونانيين، وابن خلدون بين العرب.

1- كونفوشيوس: اعتقد أن من مسؤولية الحكومة أن تنقل السكان من المناطق المزدحمة بالسكان إلى المناطق الأقل في عدد السكان. وأوضح أيضا العوامل العديدة التي تؤثر في نمو السكان، وحصرها في عوامل نقص الغذاء والحروب، والزواج المبكر، والتكاليف المبالغ فيها عند الزواج.

2- أفلاطون: يشير في كتابه الجمهورية إلى انه ينبغي على الحكام أن يثبتوا عدد السكان في المدينة عند حد أمثل، على أن يعرضوا ما فقد من جراء الأمراض والحروب، ويحاولوا ألا يزيد هذا العدد عن الحد الأمثل، حتى تبقى الدولة في الحد المتوسط، وذلك عن طريق تنظيم عقود الزواج. ثم يزيد (أفلاطون) هذا الأمر تفصيلا بعد ذلك في كتابه "القوانين" من حيث مقدار العدد الأمثل للسكان في المدينة، ومبرراته، ومن حيث الأساليب التي يمكن للحكومة أو تضغط من اجل الحفاظ على هذا الحد مع ملاحظة أن العبيد لا يحسبون ضمن المواطنين.

أما بالنسبة للأساليب التي يمكن للحكومة بواسطتها أن تضغط من اجل الحفاظ على هذا الحد، نجد (أفلاطون) يقرر انه إذا زاد عدد سكان المدينة عن هذا الحد الأمثل يجب أن يتدخل الحكام لإنقاصه عن طريق تحديد الزواج والنسل ومنع الهجرة إلى البلاد. وإذا نقص عدد سكان المدينة عن هذا الحد يجب تشجيع النسل، وان تجازى الأسر المتناسلة بالمال، ويباح للأجانب التجنس بالجنسية اليونانية.

3- أرسطو: اتجه أرسطو في معالجته لموضوع السكان اتجاها أكثر واقعية من أستاذه أفلاطون. إذ نجده يشير إلى توزيع السكان على وحدات المجتمع، ويقسمها بين الأسرة ثم القرية ثم المدينة، ثم يعالج موضوع توزيع السكان على المهن، ويقسمهم إلى من يقومون بالمهن الطبيعية (الزراعة والصيد، وتربية الحيوان)، والى من يقومون بمهن غير طبيعية مثل التجارة والصناعة.

وفيما يتعلق بموضوع نمو السكان، نجد أرسطو يحذر من النمو غير المتناسب بين طبقات المدينة، وما ترتب على ذلك من ثورات. فيشبه المدينة بالجسم الإنساني ويرى انه كما يجب أن تنمو أجزاء الجسم الإنساني بالتناسب فكذلك يجب أن ينمو السكان بتناسب مماثل بحيث لا يطغى عدد السكان في طبقة ما العدد في طبقة أخرى.

4- ابن خلدون: يقدم لنا عبد الرحمن ابن خلدون المفكر الاجتماعي العربي بعض الأفكار منها أن المجتمعات تمر خلال مراحل تطورية تؤثر على عدد المواليد والوفيات في كل مرحلة. إذ يشهد المجتمع في المرحلة الأولى من تطوره زيادة معدلات المواليد ونقص في معدلات الوفيات، بما يؤثر على نمو السكان ويزيد عددهم. وعندما ينتقل المجتمع إلى المرحلة الأخيرة من تطوره، يشهد ظروفا ديموغرافية مخالفة تماما، حيث ينخفض فيها معدل الخصوبة والمواليد، ويرتفع معدل الوفيات.

وذلك باعتقاده في أن الخصوبة العالية في المرحلة الأولى من تطور المجتمع ترجع إلى نشاط السكان. أما في المرحلة الأخيرة من تطور المجتمع فتظهر المجاعات والأوبئة، مما يقلل من نشاط السكان، ويقل من نسلهم.

ثانيا: عوامل نمو الديموجرافيا والدراسات السكانية:

هناك عددا كبيرا من العوامل التي تضافرت وتفاعلت معا في أحداث التطور في الاهتمام بدراسة الظواهر السكانية في تاريخ الفكر الإنساني والأسرع بظهور الدراسات السكانية، يمكن إيجازها على النحو التالي:

(أ) زيادة سكان العالم: تعتبر الزيادة الرهيبة في أعداد السكان التي سجلها الإنسان في كل بقاع العالم إبان القرن التاسع عشر، وما ترتب عليها من مشاكل الحركة السكانية والهجرة الداخلية والخارجية والبطالة ومشاكل العمال، وكانت في مقدمة العوامل التي أدت إلى تطور الاهتمام بدراسة الظواهر السكانية.

(ب) النمو الصناعي: أدى النمو الصناعي وتأثيره على المجالات التجارية والاقتصادية والإنتاجية والاستهلاكية وعلى حياة المدينة وشؤون العمال إلى زيادة الوعي ونمو الاهتمامات بالدراسات السكانية على المستويات القومية والعالمية.

(ج) نمو وتقدم البحث العلمي والإحصاء: ساعد نمو وتقدم البحث العلمي من حيث المناهج والأساليب وزيادة الإقبال عليها في الدراسات السكانية على بلورة فكرة الأساس أو المستوى الإقليمي باعتباره الأساس الذي يقرب الدراسات السكانية من الواقع، ويبعدها عن الاتجاهات النظرية، ويجسد مبدأ النسبية الاجتماعية الذي يؤكد أن المشاكل السكانية تختلف باختلاف الأحوال الإقليمية القائمة في البيئات المحلية، ويجعل الحلول العلمية التي تقترحها الدراسات السكانية على هذا الأساس نابعة من طبيعة الإقليم ذاته.

(د) تقدم علوم البيولوجيا: أدى التقدم الذي طرأ على علوم البيولوجيا الحيوية والأنثروبولوجيا الطبيعية إلى توفير كثير من المعلومات حول الصفات النوعية للسكان والخصائص الفيزيقية والتعليمية والنفسية لهم وإلى توفير كثير من الحقائق التي أفادت منها الدراسة العلمية للسكان في نموها وبلورة نظرياتها وقضاياها.

(هـ) تزايد المحاولات العلمية الجادة في دراسة السكان: ظهر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عدد متزايد من المحاولات العلمية الجادة في دراسة السكان من أمثلتها تلك المحاولات التي أسهم بها كل من بنيامين فرانكلين وتوماس جيفرسون وغيرهم.

ظهور مؤلف روبرت مالتس "مقال في السكان" والذي يعتبر أول من أرسى دعائم الدراسة العلمية للسكان وجعل منها كيانا مستقلا يعتمد على المناهج العلمية وخاصة الإحصائية منها، وتدخل أيضا ضمن مجموعة العلوم الاجتماعية.