اذا كانت مهمة الدراسات التاريخية هي دراسة أحوال المجتمعات السابقة وتوثيق أحداثها في الزمان و المكان، فإنها كثيرا ما تستند في مسارها، إلى جانب النصوص الأدبية والمواثيق المختلفة بما في ذلك الروايات الشفوية المنقولة والمتوارثة، على نوع آخر من المصادر وهي المصادر المادية. وهو ما يجعل التاريخ في تعامل مباشر مع علم الآثار. حيث أن هذا الأخير قد جعل من الأثر المادي محورا أساسيا لتخصص  أصبح ينحو أكثر فأكثر الى الاعتماد على العلوم المختلفة، وإلى تفعيل المقاربات المخبرية للإحاطة بجوانب هذه المعالم الأثرية وفهم سياق إنجازها، وبالتالي إمكانية اعتمادها كقرائن ذات مصداقية ليس فقط في استكمال ما عجزت عنه النصوص الأدبية، بل في بلورة تصور أقرب الى الحقيقة التاريخية والاجابة على تساؤلات كانت إلى حد قريب غير متاحة في حقل الكتابة التاريخية.

وبالتالي بعد أن كان علم الآثار علما مساعدا للتاريخ، هو الآن ينتصب كعلم منافس في مواجهته، يوظف جزءا من آلياته، لكنه يتبنى رؤية منهجية وعلمية أكثر دقة- من خلا استناده على العلوم التقنية المختلفة في استنطاق المصادر والعينات الاثرية.

الأمر الذي يجعل اعتماد التاريخ القديم على الدراسات الأثرية أكثر من إلزامي في توظيف المصادر المادية كقرائن للبناء التاريخي، وربما يجعلنا نتساءل عن جدوى وجود التاريخ القديم في غياب القدرة على التحكم في منهجية علم الاثار.