الجدل وعلاقته بالمعرفة

إن المنهج الجدلي عند أفلاطون يتخذ عدة أشكال هي الجدل الصاعد، الجدل النازل، القسمة الثنائية، المنهج الفرضي، التقابل بين الوحدة والكثرة.

لا يمكن استخلاص كل هذه الصور في فلسفة أفلاطون دون العودة إلى محاوراته، والمتعلقة به لأننا من خلال معرفة تركيبات هذه المحاورات سنكتشف عن صور الجدل، يقول محمد علي أبوريان في وصفه لهذه التركيبات التي تخص هذه المحاورات عند أفلاطون:" إن كل حديث يجب أن يركب كما لو كان كائنا حيا، فيكون له جسم خاص به بحيث لا يكون بدون رأس أو قدمين بل يكون له جذعه الخاص وأطرافه التي يجب أن ترسم بحيث تتناسب فيما بينها ونتفق مع مجمل الحديث" (أبوريان، صفحة 145).

إن أفلاطون من خلال طريقة تأليفه وتركيبه للمحاورات يوضح لنا حسب أبوريان أن المحاورة يجب أن تكون وحدة متكاملة ومتناسقة منطقيا وهذه هي صورة الجدل نفسها في شكل محاورة يتم فهمها بأنها جدل عند أفلاطون.

كما يؤكد أيضا أفلاطون بأن الهدف من المحاورة هو تحديد موضوع الدراسة أو حل مشكلة فلسفية، كما تعلمنا طريقة الجدل في كل موضوع يعترضنا، ولهذا نجد أن الدراما التي يقدمها أفلاطون في محاوراته، تستهدف بالدرجة الأولى المنهج، وليس أي منفعة أو مصلحة معينة كما أن الهدف الأول والأخير هو تبيان معنى الجدل كمنهج في معرفة الأشياء.

إن المحاورة عند أفلاطون لها مجموعة من المراحل وهي:

_ معرفة الشيء باسمه

_ التعريف به

_ تقديم الصورة المحسوسة عنه

_ العلم بذلك الشيء (استخدام العقل، والظن الصحيح)

ومن بين الأمثلة التي قدمت في شكل محاورة نجد مثلا الدائرة كمصطلح بداية نقوم بفهم وإدراك أن لفظ الدائرة يطلق على شيء محسوس وهو دائرة الشكل، ثانيا نعرفها ونقول هي عبارة عن مستقيمات تتساوى فيما بينها وهي متصلة كلها بمحيط الدائرة حتى مركزها، ثالثا الدائرة هي شكل محسوس له وجود في المحيط الخارجي، في الأخير نحصل على علم متعلق بالدائرة.

هذه الطريقة في نظر أفلاطون ليست كافية بالنسبة للفيلسوف بل كذلك الفيلسوف في حد ذاته تتوفر فيه خصال معينة تجعل منه يستطيع القيام بهذه المهمة الفلسفية وهي

_ يمتلك قوة عقلية محضة

_ أن يكون أخلاقي

_ الفطرة على التعليم

_ الذاكرة القوية

_ الميل إلى كل ما هو جميل واكتشاف ما هو أجمل فيه

_ العلاقة والتعاطف بينه وبين الموضوع (أبوريان، صفحة 146) ، هذا كله عند أفلاطون يدعى بالجدل الصاعد أو طريق المعرفة الصاعد هذه المعرفة تقدم لنا الصفات المتعلقة بالموضوع.

في الكتاب السابع من الجمهورية يقصد أفلاطون بالعلم الجدل ويبين أنه عندما تتوفر هذه الطرق الأربعة المذكورة وتحضر بين متجادلين ومتخاصمين في أي موضوع يشتد النقاش بينهما يصلون إلى مرتبة عليا في الجدل هناك تنبثق الحكمة أو يأتي ما يعرف عند أفلاطون بنور الحكمة في هذا النقاش الحاد بين القوى الإنسانية، وهذه المرحلة تتحمل النفس بصعوبة بالغة، لأن النفس عن طريق هذا الجدل تدرك الموضوع الذي يعترضها مباشرة ولا تقف عند الصور الناقصة عنه هنا تكون قد وصلت إلى ما يعرف بالجدل الخالص وهناك صورة أخرى توضح لنا الجدل بكيفية دقيقة هي كالآتي: