ثانيا-تحديد نطاق القانون التجاري:
يقصد بتحديد نطاق القانون التجاري تحديد دائرة ومجال تطبيقه، فالقانون التجاري ليس إلا شريعة خاصة تقوم إلى جوار الشريعة العامة، لذا لزم أن يرسم بدقة ووضوح مجال تطبيقه.
01- النظرية الذاتية أو الشخصية
تتخذ هذه النظرية من صفة القائم بالعمل أساسًا لتحديد نطاق القانون التجاري. فالقانون التجاري وفقًا لهذه النظرية هو القانون الذي يحكم التجار عند ممارسة مهنتهم أو حرفتهم التجارية. لذلك تعنى هذه النظرية بتعريف التاجر وفي نفس الوقت بتحديد المهن أو الحرف التجارية.
أما غير التجار فلا شأن للقانون التجاري بهم حتى ولو قاموا ببعض الأعمال أو الحرف التي يعتبرها القانون تجارية طالما أن مباشرتهم لها لم تصل إلى درجة الاحتراف. فمـــن يقــــوم بشــــراء بضاعة لأجل بيعها وتحقيق الربح لا يعتبر تاجــرًا ولا يخضع لأحكام القانون التجاري طالما أنه لم يتخذ من شراء السلــــع وإعادة بيعها بقصد الربح حرفة له. فمثل هـــذا الشخص يظل خاضعًا لأحكام الشريعة العامة، أي لأحكام القانون المدني.
ويؤخذ على هذه النظرية أنها تستلزم حصرًا للحرف التجارية أو على الأقل تصنيفًا قانونيًا لها الأمر الذي ليس باليسير إذ يتطلب ذلك الرجوع إلى عادات غير مستقرة وغير واضحه، كما يعاب عليها أنها تؤدي إلى حرمان الأشخاص الذين لا يحترفون التجارة من أن يستخدموا قواعد القانون التجاري وأن يستفيدوا من مزاياه.
02: النظرية الموضوعية أو المادية
على عكس النظرية الشخصية تتخذ النظرية الموضوعية من طبيعة العمل أساسا لتحديد نطاق القانون التجاري. فالقانون التجاري طبقا لهذه النظرية هو قانون الأعمال التجارية. أي تلك المجموعة من الأعمال التي ينص القانون على اعتبارها تجارية بصرف النظر عن صفة أو حرفة القائم بها. فشراء بضاعة معينة بقصد إعادة بيعها وتحقيق الربح من فروق الأسعار يعتبر طبقًا لهذه النظرية عملا تجاريًا سواء كان القائم بالعمل شخصًا يحترف هذا النوع من الأعمال أم لا.
ومعنى ذلك أن هذه النظرية في تحديدها لدائرة القانون التجاري لا تنظر إلى مهنة أو صفة القائم بالعمل بل إلى العمل ذاته وما إذا كان من بين الأعمال التي ينص عليها القانون على اعتبارها تجارية. وكثيرا ما يهتدي القانون في تحديده للأعمال التجارية بالهدف من هذه الأعمال كالشراء لأجل البيع أو بموضوعها كعمليات البنوك أو بشكلها كالكمبيالة.
والتاجر طبقُا لهذه النظرية هو الشخص الذي يحترف القيام بالأعمال التجارية وهي لا تعتد بصفة التاجر إلا لكي تخضع من يكتسبها لبعض الأحكام الخاصة كإمساك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري والخضوع لنظام الإفلاس.
ويؤخذ على هذه النظرية أنها تتطلب حصر الأعمال التجارية وتعدادها وهذا أمر عسير إذا لم يكن مستحيلاً في مجال متغير ومتطور كمجال التجارة. صحيح أن هذه المأخذ يمكـــن توجيهه أيضا إلى النظــــرية الشخصية التي تتطلب بدورها الحصر والتعداد للحرف التجارية، إلا أنه من الثابت اليوم أن حصر الحرف التجارية أسهل وايسر من حصر الأعمال التجارية. وبالمقابل فإنها تمتاز بتوسيعها لدائرة تطبيق أحكام القانون التجاري وإن كان القضاء قد حد من هذه الميزة وذلك بتوسعه في تطبيق نظرية المدنية بالتبعية أي تلك النظرية التي تؤدي إلى فقدان العمل الصفة التجارية متى كان ضروريًا لممارسة المهنة المدنية.
03 - موقف المشرع الجزائري :
إذا نظرنا إلى القانون التجاري الجزائري نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن " يعد تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا ويتخذه مهنة معتادة له ... " وقضى في المادة الرابعة بأن " يعد عملا تجاريا بالتبعية، تلك الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أو حاجات متجرة والالتزامات بين..."، وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذ هذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية الموضوعية حين عدد الأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية، والأعمال التجارية بحسب الشكل في المادة الثالثة، وفضلا عن أن المشروع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجال ونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجار دون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجاري وملاكا ذلك.
ولهذا فإننا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعة واحدة، وإنما استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية، والبعض الآخر اعتنقت النظرية الموضوعية.
04- علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد
يتصل القانون التجاري اتصالا وثيقا بعلم الاقتصاد فهذا الأخير يبحث إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق موارد الثروة وعلم القانون ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات وتحقيقها فالأشياء أو الأموال التي يهتم رجل الاقتصاد بعوامل إنتاجها وتداولها وتوزيعها واستهلاكها هي ذاتها التي يهتم رجل القانون ببيان نظامها من الناحية القانونية والقضائية والاتفاقية وهذه الأشياء التي يتناولها رجل القانون ورجل الاقتصاد كل من ناحيته هي تلك التي يراد استخدامها وتسخيرها لخدمة الإنسان في أجسادهم وأرواحهم.
والواقع أن هذه الصلة الوثيقة بين القانون التجاري وعلم الاقتصاد أساسها ما يتركه كل منهما من أثر على الآخر فالنشاط الاقتصادي واتساعه أدى إلى خلق قواعد قانونية جديدة في المجال التجاري والجوي والصناعي والمالي مثل عقود النقل والتأمين والتشريعات الصناعية وعمليات البنوك كما وأن هذه الصلة الوثيقة بينهما جعلت البعض يرى في القانون التجاري النشاط الاقتصادي.