توجهات البحث في علوم الإعلام والاتصال ونشأتها 

السّياق العسكري والمؤسساتي لظهور البحث في علوم الإعلام والاتصال

البحث في علوم الإعلام والاتصال

أهمية البحوث الاعلامية

أنواع البحوث الاعلامية

السّياق العسكري والمؤسساتي لظهور البحث في علوم الإعلام والاتصال

مع بداية الحرب العالمية الثانية ومن أجل افتكاك إجماع الشّعب الأمريكي للدخول للحرب وزيادة إسهامه في المجهود الحربي جنّدت الحكومة الأمريكية النّخب والمؤسسات من أجل الدّعاية الحربية عبر صناعة برامج دعاية لتعبئة المواطن الأمريكي للتعامل مع الوضع الجيوسياسي في تلك الفترة، وأصبح من الضروري تحريك الأحاسيس ومشاعر الولاء لكي يغرسوا في نفوس المواطنين البغض والخوف من العدو وقد كانت الدعاية هي وسيلة تحقيق هذه الأهداف الملحة.

إنّ هذه الدعاية الحربية التي أحدثت أثار على المتلقين بشكل ملحوظ لفتت انتباه بعض المختصين وهذا الانتباه يعد هو الإرهاصات الأولى لولادة تخصص الإعلام والاتصال، ويعتبر -جون ديوي- المتخصص في علوم التربية من الأوائل الذين انتبهوا لخطورة تأثير وسائل الإعلام وممارستها للرقابة الاجتماعية على الجماهير وتأثيرها في آرائهم وتوجهاتهم ولهذا مارس نقدا شديدا للممارسة الدعاية ونبه الجميع بخطورتها على المجتمع الأمريكي.

ثمّ تأتي مرحلة أو فترة الإثبات حيث مثلت نهاية الحرب العالمية منعرجا مهما لبحوث الاتصال إذ بعدما وظف باحثون في مكاتب حكومية وعسكرية لوضع مؤسسات للدعاية أثناء الحرب قام الباحثون بالاهتمام أكثر بتأثير الدّعاية على عدة مستويات بعد انتهاء الحرب من خلال فرق بحث وفي معاهد ومؤسسات مختصة بالقضايا الاتصالية.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الدّور الذي لعبته مؤسسة روكفلار في التّأسيس للبحث في علوم الإعلام والاتصال من خلال النّدوات التي كانت تعقدها أين قامت بدعوة في الأربعينات إلى نخبة من المفكرين المهتمين بالاتصال وكان من أبرزهم لازارسفيلد وهارولد لازويل وكان محور النقاش في هذه الندوات هو إنشاء إطار نظري عام يسمح للمؤسسة بتحديد المعايير ذات الصلة بدعم المشاريع المتعلقة بالاتصال وكان من مخرجات الندوة ما توصل إليه هارولد لازويل نموذجه الشهير في الاتصال (من؟ ماذا؟ بأي وسيلة؟ وبأي اثر؟) الذي كان له تأثير على البحث الصاعد في الاتصال.

لقد سطر لازويل برنامج عمل للباحثين، بحيث يجد كل واحد منهم ذاته فيه من جامعيين ومسئولي الوسائط والقادة السياسيين، وذلك أن التقسيم المقترح يحدد بدقة اختصاص كل تخصص

فهذه الصياغة خلقت شهرة هارولد لاسويل انطلاقا من سنة 1948 وأوصلته حسب البعض إلى تزويد علم الاتصال الفني بإطار مفاهيمي ذو طبيعة سوسيولوجية وطبيعية وأنزله من العليا الفلسفية وأخرجته من دائرة التفسيرات السوسيو- فلسفية.

البحث في علوم الإعلام والاتصال

أسبقية التجريب على التنظير: على الرغم من أنه مضى ما يقارب القرن على بروز علوم الإعلام والاتصال كتخصص علمي في الجامعات العالمية إلى أن النقاش يتجدد في كل مرة ويعود إلى الواجهة ومرد ذلك إلى أن هذه العلوم لم تظهر نتيجة نقاشات ثقافية وفلسفية للنخبة الفكرية في المجتمع وإنّما فرضتها تطورات تقنية تكنولوجية برزت الحاجة إلى إيجاد أطر داخل الجامعات من أجل تفسيرها.

فالعلوم في أغلبها نمت وفق نموذج تطوري يبدأ عادة بالمرحلة الفلسفية بالنّسبة للعلم الذي هو في إطار الظهور بحصول تراكم معرفي كبير على مستوى تخصص علمي ما، مما يؤدي إلى عجز أدواته التحليلية (مناهج، أدوات بحث) عن معالجة هذا الكم المعلوماتي، الأمر الذي يدفع إلى التفكير في إيجاد أدوات تحليل بديلة للقيام بالمهمة المذكورة، ومن أجل تحقيق هذه الغاية لا بد من الدخول حتما في مرحلة  فلسفية للعلم الذي هو في طور الظهور حيث يتم في هذه المرحلة التركيز على تحديد مجالات اهتمام أساسية جديدة عبر تكوين مفاهيم عامة وإعادة النظر في الإفتراضات الأساسية المعروفة، وكذا مناهج البحث وأداتها المستخدمة في جمع المعلومات، ليتم الانتقال مباشرة إلى المرحلة التجريبية التي يختبر فيها مضمون هذا الاتفاق ميدانيا من خلال القيام بتطبيق أدوات التحليل الجديدة في بحث الموضوعات المحددة.

بناء على ما ذكر فإن ظهور علوم الإعلام والاتصال لم تكن محصلة نقاش فكري بل فرصة التحول الذي طرأ على المجتمع الإنساني بدخوله عصر المجتمع الاتصالي بظهور وسائل الاتصال الجماهيرية، فكانت الحاجة ماسة إلى تخصص يدرس عمليات الإعلام والاتصال.

وبالتالي فإن الكثير من الباحثين خاصة الأوائل منهم الذين اهتموا بمجال الاتصال على غرار لازرسفيلد الذي كان يقود المدرسة الامبريقية ورواد المدرسة النقدية بقيادة مدرسة فرانكفورت على محاولة التأسيس لعلم الاتصال كتخصص مستقل.

وكانت المحاولات الأولى مع الباحث الأمريكي هارولد لازويل في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دراسته المتعلقة بموضوع الدعاية خلال حرب العالمية الأولى، حيث قام لأول مرة بتطبيق الأساليب الكمية في معالجة مواضيع الصحافة لإخراج عملية التحليل من دائرة القراءة الذاتية والانطباع الشخصي وبهذا قام لازويل لأول مرة بتطبيق أسلوب جديد في بحث المواد الصحفية حيث سمح جهده العلمي بإخراج هذا النوع من مجال التخمين إلى التطبيق العملي الذي ساعد أبحاث الإعلام والاتصال على الدخول مرحلة جديدة هي المرحلة التجريبية.

إلى جانب لازويل أسس العالم النمساوي الأصل لازارسفيلد مكتب البحوث الاجتماعية وذلك باستخدام منهجية تعتمد على ثلاث مراحل:

التحليل الثانوي لدراسات الجمهور

تحليل محتوى البرامج

استعمال عدة تقنيات للمساعدة على التسجيل الفوري لردود مستخدمي الراديو الموجودين في وضعية استماع تجريبية وبالتالي افتقدت الكثير من الأبحاث الميدانية لهذا النموذج من الدراسات

وقد تفرعت المدرسة الإمبريقية بعد الستينات إلى مداخل مختلفة تبعا لتركيز اهتمام الباحثين على الآثار الاستعمالات أو المحتوى:

التوجه الأول: البحث حول استعمال وسائل الاتصال تحت عنوان الاستعمال والرضا الذي جلب اهتمام الكثير من الباحثين الذين أرادوا التعرف ماذا يفعل الجمهور بالوسائل الإعلام بدلا ماذا تفعل الوسائل بالجمهور؟

التوجه الثاني: يتمثل في الدراسات المنجزة في إطار التمديد وتعميق العلاقة البينشخصية وتعني بها البحوث التي تجرى حول نشر المبتكرات

التوجه الثالث: فهو نظرية الثقافة التي تربط بين المحتوى الاتصال الجماهيري وتأثيراته المحتملة على الأفراد والمجتمع، فهو من منظور وظيفي يمكن من معالجة محتوى وتأثيرات وسائل الاتصال وخاصة التلفزة منها.

التوجه الرابع: فيتعلق بنظرية التعبية وهي مقاربة وسوسيولوجية تحاول أن تحدد أي من الشروط يصبح فيها الأفراد تابعين لوسائل الاتصال الجماهيرية، أن منظريها يبرزون العلاقة المتزايدة المتبادلة بين نظام الوسائل وأنظمة اجتماعية أخرى.

أما القطب الثاني الذي رافق المدرسة الإمبريقية في محاولة التأسيس لعلم الاتصال منذ البدايات فهو المدرسة النقدية بقيادة قدماء مدرسة فرانكفورت بقيادة هوركايمر وأدورنو وغيره، هذا القطب الذي كان يملك مقاربة مختلفة لاتصال من خلال نموذج الاتصال(الاتصال- السياق) فلأولوية في تحاليلهم تعطي للسياق والمحيط الاجتماعي الذي يتم فيه الاتصال.

كما تفرعت المدرسة الإمبريقية إلى اتجاهات متعددة فالمدرسة النقدية هي الأخرى انقسم أتباعها إلى عدة اتجاهات حيث اهتم كل فيصل بمؤشر معين.

ويختلف الاتجاه النقدي والامبريقي ليس فقط في منهجياتهما ولكن أيضا في المسلمات الإيديولوجية الضمنية إذ يعتبر الأول حاملا لرؤية قيسية حول أهمية الحفاظ على الشروط الديمقراطية في سياق اجتماعي جديد قائم على أساس وسائل الإعلام، أما الثاني فهو ذو طبيعة نفعية تلاعبية: إذ أنه يسعى إلى التعبير إذ أمكن الأمر قياس ظروف الاستعمال الأمثل لوسائل الإعلام في سياق إقناعي على المدى القصير، وعلى الرغم من اختلافهما إلا أن التقليدان يتقاربان حول فكرة أن وسائل الإعلام تعتبر أداة هامة في التأثير وجدب السلوكيات والآراء.

أهمية البحوث الاعلامية

تزداد أهمية البحث الإعلامي مع تزايد الحاجة إلى بناء الإنسان المعاصر وتنميته، وكذلك تطور الدول وتقدمها، حيث أصبح البحث الإعلامي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لغرض التقدم الحضاري للأمم والشعوب والتغلب على المشكلات التي تواجهها في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية والصحية، لأن نتائج البحث الإعلامي توفر مخرجات علمية تعطي فرصة للفهم والتحليل والتفسير، لأنها مبنية على أسس علمية وتطبيقية مقننة ومدروسة.

والبحث الإعلامي كغيره من بحوث العلوم الاجتماعية والإنسانية يسعى لتحقيق هذه الأهداف، ولكنه بدرجات تتفاوت في دقتها عن البحوث العلوم الطبيعية، وفي ذلك يمكن تحديد أهداف البحث الإعلامي في الآتي:

التفسير: يهدف البحث العلمي الإعلامي في هذا الجانب إلى التعرف على وضعية الظاهرة محل  البحث، وبيان عناصرها ومكوناتها وعلاقتها بالظواهر الأخرى، وتعتبر البحوث الإعلامية التاريخية والوصفية والمسيحية من أنسب البحوث التي يمكن أن تعمل على تحقيق هذا الهدف.

الضبط: يهدف البحث في هذا الجانب إلى محاولة التحكم في العوامل المؤدية للظاهرة بغرض السيطرة عليها أو الحد من تأثيرها أو توجيهها وجهة معينة؟، ونجد البحوث التجريبية تسعى إلى تحقيق هذا الهدف ذلك أن تحليل الضبط كهدف للبحث الإعلامي اعتمد على عناصر الاستقرار العلمي، وأهمها التحليل والتفسير.

التنبؤ: التنبؤ في بحوث الإعلام يأتي بمعنى الاحتمال القوي الذي يتوقع الباحث عن طريقه بما قد يحدث للظاهرة، وهنا يكون التنبؤ خاضعا للاحتمال بدرجات مختلفة، كما أن الظواهر الإعلامية كغيرها من الظواهر الاجتماعية لا تتأثر بعامل واحد أو عاملين، إنما تتأثر بعوامل كثيرة ومعقدة، فعلى سبيل المثال إذا درسنا ظاهرة تأثير البرامج الدينية بالتلفزيون في التثقيف الديني لدى الشباب، فمن الصعب إرجاع هذه الظاهرة إلى البرامج الدينية بمفردها ذلك أن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تؤثر على الثقافة الدينية لدى الشباب منها المصادر المتعددة في حصوله على المعلومات المرتبطة بالثقافة الدينية لديه، فضلا عن مجموعة الإجراءات والخطوات المرتبطة بتنفيد هذا البحث مثل مدى ارتباط البحث بنظريات الإعلام المتعددة وأساليب جمع البيانات واستخدام معايير الصدق والثبات واستخدام معايير الصدق والثبات واستخدام بعض الأساليب الإحصائية، كل ذلك يؤدي إلى التنبؤ بموضوع البحث.