الحضارة الأشولية

1. تعريف الحضارة الأشولية:

        تعد الحضارة الأشولية الحضارة الثانية من العصر الحجري القديم الأسفل، بعد الحضارة الألدوانية، صانعها الإنسان المعتدل، كما تحمل تسمية مختلفة مثل الكلاكتو أبيفيلي، الشيلي، الميكوكي، والأشولي، وتمثله بصفة عامة أدوات ذات الوجهين والفؤوس، والتقنية اللوفلوازية

ومن الواضح أن الحضارة الأشولية هي الظاهرة الثقافية الأكثر انتشارا في العالم، إذ نجدها في إفريقيا، آسيا وأوروبا، وتحتل أيضا أكبر مدة زمنية، فقد بدأت في حدود 1.6 مليون سنة، حتى 250 ألف سنة في إفريقيا.

        أطلق مصطلح الأشولي في سنة 1872 من طرف (G.Mortillet) لتعيين الصناعة الحجرية المتمثلة في الفؤوس اليدوية التي اكتشفت أول مرة من طرف الباحث (Boucher de perttes) في الترسبات القديمة للمدرجات المتوسطة لنهر الصوم الواقع في سانت آشول بالقرب من مدينة آميان الواقعة شمال فرنسا.

        قام الباحث دو مورتيس (G.de Mortillet) بتسمية المراحل الأولى لهذه الحضارة والتي تتميز بذات الوجهين الخشنة بالشيلية (Chelléen) التي استبدلت فيما بعد من طرف (H.Breuil) سنة 1932 باسم الآبيفيلية (Abbevillien) ثم في الأخير أزيحت هذه التسميات لتبقى تسمية واحدة وهي الأشولية.

2. تقسيمات الحضارة الأشولية في بلدان المغرب وانتشارها:

تتميز الحضارة الأشولية بامتدادها الزمني الطويل، وبتطورها الكبير الذي مر عبر مراحل متميزة، تختلف من منطقة إلى أخرى، مما جعل المختصين يقيمون تصنيفات خاصة بكل منطقة ومن بين هذه التصنيفات نجد التصنيف الذي أقامه الباحث (Balout) سنة 1955، والخاص بالأدوات التي وجدت في موقع المغرب الأقصى والذي تم تعميمه على بقية مواقع الجزائر وتونس، وهو كالتالي:

أ. تقسيماتها

·        الأشولي القديم:

يقابله من ناحية الفترات القارية العامري أي القاري الإفريقي الذي يوافق لمرحلة جليد مندل، ويشمل الفؤوس اليدوية الخشنة التي صنعت بالمطرقة الصلبة والتي وجدت في ترسبات موقع سيدي عبد الرحمان.

·        الأشولي الأوسط:

يتزامن مع الامتداد البحري الإفريقي الأنفاتي، ويقابله جليد مندل، يتميز بزيادة في صناعة الشظايا وذات الوجهين مع ظهور التقنية اللوفلوازية على النويات، ويشمل الفؤوس المصنوعة بالمطرقة الصلبة وتلك التي صنعت بالمطرقة اللينة وهي تنتمي إلى المستوى الستراتيغرافي لموقع S.T.I.C. 

·       الأشولي المتطور:

يظم الفؤوس اليدوية المصنوعة بالمطرقة الصلبة بالإضافة إلى الفؤوس الصغيرة المشكلة على شظايا وهي تنتمي إلى المستوى الستراتيغرافي لموقع مغارة الدببة.

·       الأشولي النهائي:

        يتمثل في أدوات سيدي الزين وستراتغرافيا فهو يوازي الطبقات الغرانيتية السطحية والحمراء اللون المتواجدة في المغرب الأقصى

ب. مناطق انتشارها:

        لقد شهدت الحضارة الأشولية انتشارا واسعا، بحيث وجدت في مناطق عديدة من العالم وخاصة إفريقيا الشرقية، حيث وجدت أقدم المواقع الآشولية التي تؤرخ ما بين 1.5مليون سنة و1 مليون سنة، و1.5 في الطبقة BED II لموقع ألدوفاي، و1.4 بالنسبة

لموقع كونسوقاردولا، وميلكا كونتوري بإثيوبيا أولورجيسايلي بكينيا 1 مليون سنة، وموقعي

دوين فنتاين و سوارتكرانس بجنوب إفريقيا اللذان أرخى  بحوالي 1،5 م/سنة

(Roche et al , 1988 ; Clark, 1990 ; Asfaw et Al, 1992 ; Potts et al, 1999 ;).

أما في بلدان المغرب، فهي تعاصر الفترتين المناخيتين العامري والتنسيفي ولقد وجدت في الكثير من مواقع المغرب الأقصى من بينها: مغارة الدببة، محجرة توما وسيدي عبد الرحمان ومغارة S.T.I.C.، ووجدت في عدة مواقع جزائرية من بينها موقع كرار وتيغنيفين، وموقع الرايح في مستغانم وموقع الماء الأبيض، وغيرهم.

        كل هذه المواقع تقع في القسم الشمالي للجزائر، أما المواقع الواقعة بالصحراء لدينا موقع تيهوداين وغيرهم.

        أما المواقع الأشولية في تونس فتتمثل في كل من موقع قفصة، سيدي الزين وموقع المكتة.

3. الصناعة الأشولية:

        تتكون الصناعة الأشولية التي تعتبر كتطور للصناعة الحصوية من الفؤوس اليدوية والفؤوس الصغيرة بالإضافة إلى الأدوات المشكلة على الشظايا.

        ولقد أتقن الأشوليون في صنع هذه الأدوات بابتكارهم لبعض التقنيات التي تدل على وجود سبق التطور كتقنية كومبوا المعروفة بإفريقيا وتقنية تابلبالة التي وجد بكثرة في الصحراء الشمالية الغربية مما يدل على التطور الفكري للإنسان المعتدل صاحب هذه الحضارة، وما يؤكد تطوره الذهني أيضا هو قدرته على التحكم في النار التي غيرت من نمط عيشه وساعدته على السيطرة أكثر على الطبيعة كما ساعدته على التنقل والهجرة.

4.موقع تغنيف

أ. الموقع الجغرافي:

يوجد هذا الموقع في أقصى مدينة تغنفين الواقعة على بعد 20 كلم شرق مدينة معسكر، وهو يمثل جزء غير محدود من هضبة رملية شاسعة، استغلت خلال الوجود الفرنسي في الجزائر في بناء القرية (قرية بالكو) الواقعة في دوار تغنفين. ولقد أدى إلى وجود مقبرة تعود إلى الفترة الإسلامية في أعلى الهضبة إلى الحفاظ على الموقع وعدم تحطم الآثار الموجودة بداخله.

ب. تاريخ الأبحاث:

اختلف العلماء الذين كتبوا على الموقع في السنة التي تم فيها اكتشافه، فحسب الباحث بالوفيان 1872 م بعد سنة بداية استغلال المحجرة، وأن اكتشاف الموقع لم يتم إلا بعد سنوات عديدة من الاستغلال حيث تم التقاط بقايا عظمية حيوانية من طرف فانه يرجع الفضل في اكتشافه  بلفوان (Balovoine) رئيس الدائرة أنذاك ،أما الباحث بلاري (Plary)  في سنة 1872. الى الباحث توماسيني (Tommassini)   وبومال (Pomel)

لكن الباحث بالاري الذي زار الموقع في 1982 و1983 وقام بدراسة أدوات الموقع هذا الأخير الذي يعني بلاري في تاريخ الاكتشاف ولا يوافقه في صاحب الاكتشاف، بحيث أن الموقع وحسب رأيه اكتشف بالصدفة من طرف بلوفان الذي التقط بقايا عظمية (الفيلة، كركدان، وفرس النهر) إلى جانب بقايا صناعية فأخبر بذلك كل من بومل وتوماسيني اللذان أبديا اهتماما كبيرا بالموقع فأقاما حفريات وألفا كتب عنه مقالات: بومل في (1855) وتوماسيني في (1883). وخلال سنتي 1925- 1928 قام بلاري بفتح خندق اكتشفت بقايا عظمية حيوانية.

وانطلاقا من سنة 1931 بدأ الباحث أرمبورغ وبالتعاون مع هفستيتر بالتنقيب في الموقع، ثم استمرت الحفريات التي قام بها إلى غاية سنة 1956 وحللت باكتشاف كبير وفريد من نوعه بالنسبة لكل المناطق الجزائرية، يتمثل في بقايا عظمية إنسانية إلى جانب كمية كبيرة من عظام لفقريات وبقايا صناعية.

في 10 نوفمبر 1950، قام الباحث بالو بزيارة الموقع، ليقوم بعد ذلك وبالضبط في سنة 1954 بتسجيله ضمن الآثار، مع فريق من مختلف المعاهد والجامعات وفي بداية الثمانيات قام الباحث الفرنسي (Jaeger) بزيارة الموقع عديدة: (1981، 1982، 1983). قصد إعادة تحديد ستراتيغرافيته.

ج. ستراتغرافية الموقع :

لم تحض ستراتغرافية الموقع بعناية كبيرة رغم أهميته، بل اكتفى بومل بإعطاء التشكيلات الجيولوجية للمنطقة ككل، أما أرمبورغ وبفضل الإمكانيات المادية التي كانت لديه توصل إلى فك جزء كبير من مساحة المحجرة وعلى عمق كبير جدا، واستخلص أن الموقع عبارة عن منخفض مملوء بطبقات أفقية العلوية رملية وهي موضوعة على قاعدة طينية رمادية اللون غنية بالبقايا الحيوانية والصناعية على عكس الطبقة المتعددة الألوان  التي بدت عميقة، ولقد لاحظ الباحث أرمبورغ وجود رمال حمراء تغطي جزء كبير من المحجرة وأرجع عامل تواجدها إلى مجرى مائي أخر.

ومن خلال الأبحاث التي قام الباحث جيجار وفرقته في الموقع، والتي تمثلت في حفر 5 خنادق بعضها أقيم في القسم الشرقي والجنوبي والبعض الأخر في القسم الجنوبي الغربي برزت تفسير الطبقية التي كان قد حددها الباحث أرمبورغ بالإضافة إلى وجود بعض الطبقات الحديدية والتي تؤكد وجود انزلاق المستويات الرملية، ولقد تم التقاط من داخل البعض من هذه الطبقات بقايا عظمية لحيوانات ضخمة (كالأحصنة، الأبقار، وغيرها). وأخرى صغيرة إلى جانب شظايا صيوانية غير مشذبة وأدوات مختلفة من بينها فأس مشكلة من مادة الكوارتزيت.

أما التشكيلات فان التحاليل التي أقيمت عليه أعطت نتائج تؤكد نظرية أرمبورغ القائلة بأن التشكيلات عبارة عن رمال مايو سينية، كثر انتشارها في المنطقة. كما أوضحت نفس التحاليل أن الاضطراب الذي مسها محلى يعني أنه لم يمشي كل الترسبات الموجودة في الموقع.

د.البقايا الحجرية والعظمية:

تمثل المحتوي الصناعي لموقع تغنفين في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات الكثيرة الحجم ، وأخرى قزميه، وقدر عددها الكلي بـ 1240 قطعة.

لم تدرس من هذه الأدوات الى القطع ذات المقاسات الكبيرة والتي تقدر عددها بـ 564 قطعة اشترك في دراستها 3 باحثين وهم:

الباحث (Birberson) الذي اهتم بالحصى المشذبة، وعددها 331 قطعة، غير أنه لم يدرس إلا 81 قطعة مشكلة من مادتي حجر الكلس والحث، وقربها بتلك التي وجدت في موقع سيدي عبد الرحمان، والباحث تيكسي الذي قام بدراسة الفؤوس الصغيرة التي قدرعددها بـ 107 فأس، مشكلة من مادة الحث والكوارتزيت وقام بوصف القطع التي تنوعت مقاساتها بين المتوسطة والضخمة، ولقد لاحظ الباحث دواج النمط ما قبل الفأس المعروف بالنمط (0) إلى جانب نوع كهنوا وهذا ما جعله يوزع المجموعة الصناعية بمرحلة الأشولي الأوسط الخاص بالمغرب.

 

أما الباحث بالو فلقد قام بدراسة الفؤوس اليدوية وعددها 110، وحدد هو الأخر المادة الأولية والتي هي عبارة عن الحث،وبنسبة أكبر الكوارتزيت، وأكد على أن الفؤوس مصنوعة على شظايا ذات قاعدة مهذبة وبمطرقة صلبة، غير أنه لم يستبعد استعمال القدح الين والنتيجة التي حصل عليها بالو فيما يخص الأشكال هي عدم وجود نمط معين من الأدوات بسبب تنوعها.

أما النتائج العامة التي توصل إليها الباحثون الثلاثة من دراستهم لهذه الأدوات فهي تتمثل في:

1- تحديد المادة الأولية والتي عبارة عن الحث والكوارتزيت.

2- تحديد تقنية الصنع والتي تمثلت في طريقتين: أما الطريقة المباشرة أو طريقة نزع الشظايا الكبيرة، وذلك باستعمال المطرقة الصلبة ثم المطرقة اللينة في عملية التهذيب.

3- تأريخ الصناعة بنهاية الأشولي القديم وبداية الأشولي الأوسط. 

وفي سنة 1985 قام الباحث جمالي بدراسة الأدوات التي التقطت خلال حفريات أرمبورغ (1954-1956) والتي توصل عددها إلى 2362 قطعة حجرية بهدف تحديد الجانب التقني المتمثل في طريقة التشذيب ومدى توسع هذه الأخيرة في كل أداة وكذلك عملية التهذيب ومكان تواجدها، كما قام بوصف الأشكال والمادة الأولية التي شكلت منها الأدوات. ولقد استخلص من دراسة مجموعة كبيرة من الأدوات المصنعة والشظايا المهذبة إلى النتائج التالية:

وجود مجموعتين صناعتين تميز بهما عن بعضها تصعبان مسطح للضرب قبل نزع الشظايا.

وانطلاقا من فرضيات طرحها الباحث واعتماد على التوزيع الفضائي للأثار والتراسيولوجيا توصل إلى البعض من تصرفات الإنسان القديم وطرقه عيشه فحسب رأيه:

فان تغنيف 1 يمثل مكان الإقامة، أو مكان الصيد، لاحتوائه على أدوات مصنعة بوجود أثار السلخ على بقايا العظمية، ويجمع البقايا العظمية. أما تغنيف 2 فهو يمثل ورشة التشذيب.

ه. البقايا الباليونتولوجية (العظمية) :

تنوعت الحيوانات التي وجدت في موقع تغنفين ما بين الضخمة والصغيرة وهي تشكل نسبة كبيرة وكانت قد التقطت خلال حفريات بومال وتوماسيني وأرامبورغ، وهي مشكلة من بقايا الأبقار، والقوارض والحشرات المختلفة والزواحف، وعظام الأسد، وأبو القرنين الضخم بقايا الفيلة والأحصنة وغيرها.

ولقد درست البعض من هذه البقايا العظمية أولا من طرف العالم بومال ثم أعاد دراستها (Eisenmann) مركزا على بقايا الفيلة أما الأحصنة فلقد درسها (Maglio) سنة 1973 م، التي توصلت إلى تحديد النوع الوحيد والمعروف بكثرة في مواقع في شمال إفريقيا وهو ( Equs mauritanicus)

وفي سنة 1979 أعاد الباحث أرمبورغ النظر في القائمة الأولى التي كان قد حددها من قبل فأعطى تسميات جديدة لبعض الأنواع.

فيها بعض البقايا العظمية للإنسان وحتى القرون .بدراسة الأبقار والزرافات ، دراسة مفصلة تناول (Geraads) في سنة 1980 قام

و. المعطيات الباليونتولوجية الإنسانية:

 جاءت الحفريات التي قام بها الباحثان أرمبورغ وهفيستر لمعطيات جديدة ومعلومات هامة زادت من أهميته موقع تغنفين الذي هي بقايا عظمية أنسانية أرخت بـ 0,7 مليون سنة، وهي عبارة عن فكين سفليين، ونصف فك أخر، وقطعة عظم جداري وعدد من الأضراس ونظرا لتشابهها ببقايا السينثروب الذي وجد في الصين، والثيكونتروب الذي عثر عليه في، والذي يعني (Atlanthropus mauritanicus) جزيرة جاوه أطلق عليه مكتشفه اسم "إنسان الأطلس"، وبدأ الباحث أرمبورغ في دراسة هذه البقايا العظمية غير أنه لم ينهيها  بدراسة العظم الجداري وحاول إعادة ( Kochet Kova) وفي سنة 1969 أعاد الباحث تشكيل الجمجمة، وبالتالي تقدير وزن المخ.

     يعد الإنسان المنتصب أول صانع الحضارة الأشولية بحيث نجد أن التوزيع الجغرافي لهذا النوع في العالم هو نفسه بالتقريب للحضارة الأشولية. أما في شمال إفريقيا فمن البقايا الإنسانية التي تمثل صانع هذه الحضارة تعود إلى نوع Homo ergaster أيضا التي تعرف باسم Atlanthropus mauritanicus الإنسان الأطلنطي الموريطاني عثر عليه في موقع تيغنيف وأرخ بحوالي 730 ألف سنة وكذا التي وجدت في موقع عين معروف بالمغرب الأقصى التي أرخت بحوالي 400 ألف سنة إلى 200 ألف سنة.

                فكان سفليان لإنسان  تغنيف- معسكر، الجزائر

Last modified: Wednesday, 8 May 2024, 12:10 PM