خطوات البحث في مجال الفسفة

1- اختيار وتحديد الموضوع:

يحتاج الطالب إلى معاونة أستاذه المشرف في تحديد موضوع البحث ليوضح له ما إذا كان أحد قد سبقه إلى دراسته وبحثه، وهل هذا الموضوع جدير بأن يقضي فيه بعض سنوات من حياته أم لا، وهل سيجد من المصادر الأصلية التي تساعده في تحديده أم لا، وهل هذه المصادر يمكن الإطلاع عليها أم لا؟ وهكذا، فإنه فيما يتعلق باختيار موضوع رسالة الماجستير أو الدكتوراه، فإننا نلاحظ، أولا، أنه ليس كل موضوع صالحا ليكون موضوع رسالة، إذ إن هناك موضوعات لا تصلح بطبيعتها لذلك، وإنما تصلح أن تكون موضوعا لكتاب أو موضوعا لمقالة. غير أن هناك شروطا لا بد من توافرها في أي موضوع يختاره الطالب [لمذكرته] لرسالته سواء أكانت للماجستير أم للدكتوراه، وهذه الشروط هي التي تتحكم في شروط الاختيار، أو هي الأسس العامة التي تقوم عليها هذه العملية. ويمكن الإشارة إليها في إيجاز كما يلي: (المرجع نفسه، ص: 201)

أولا- الأهمية: فمن الضروري أن يكون للموضوع أهمية خاصة في المجال العلمي بحيث تكون دراسته ذات فائدة محققة للعلم، كأن يكون الموضوع جديدا لم يسبق لأحد من الباحثين دراسته دراسة علمية سليمة، أو يكون قد سبقت دراسته ولكن من الممكن إضافة جديد إليه، أو تفسيره تفسيرا جديدا، أو عرضه كم زوايا جديدة لم يسبق عرضه من خلالها. (المرجع نفسه، ص: 202)  

ثانيا- الخصوبة: أن تكون المادة الأولية للموضوع خصبة غنية، وهذا يقتضي أمرين:

الأول، أن تكون هذه المادة وافية بحيث تكفي ليقوم بحث علمي متكامل عليها.

 والآخر أن تكون هذه المادة العلمية متوافرة ميسرة يسهُل الوصول إليها والحصول عليها، أو يكون الوصول إليها أو الحصول عليها غير مستحيل أو متعذر. [...] فإذا اختار الباحث موضوعا لرسالته، البحث في آراء فيلسوف من الفلاسفة لم تصل إلينا مؤلفاته وإنما وردت آراؤه وأقواله في المصادر المختلفة التي احتفظت بنصوص منها، فمن الضروري أن يقدر الطالب كمية هذه الآراء والأقوال الموجودة في المصادر المختلفة التي احتفظت بنصوص منها، وذلك حتى يكون على يقين من أنها كافية ليقوم بحث علمي عليها، ولا يفاجأ بعد حين بأن المادة الأولية التي يجرى بحثه عليها إنما هي مادة فقيرة محدودة لا يستطيع على أساسها أن يمضي في إعداد بحثه للماجستير أو الدكتوراه، لأنها ضئيلة لا تكفي لهذا الغرض وإن كانت هذه المادة نفسها. (المرجع نفسه) 

ثالثا- الحدود الواضحة: وهذا يعني أن يكون الموضوع محددا دقيقا، واضح المعالم والاتجاهات، لا يكتنفه غموض أو إبهام ولا تتشعب معه الاتجاهات العامة التي يشعر الباحث أمامها أنه في حيرة من أمره حيث إنه لا يستطيع تحديد مسار البحث في هذه المسائل تحديدا دقيقا. وهذه الحدود الواضحة التي يجب توافرها للموضوع تقتضي أمرين:

أحدهما يتمثل في الابتعاد عن الموضوعات العامة المتسعة المجال التي يصعب حصر اتجاهاتها وضبط جوانبها والتحكم في أدواتها ووسائلها والسيطرة علة مساحاتها الفسيحة المنتشرة.

والآخر يتمثل في الابتعاد عن الموضوعات الغامضة المبهمة التي يصعب تحديدها واستخدام ناهج محددة في بحثها ويتعذر تمثل صورة واضحة لها، حيث إن مثل هذه الموضوعات تكون غير صالحة لرسالة علمية لعموميتها واتساع مجالها أو غير صالحة لغموضها وإبهامها وصعوبة تحديدها. (المرجع نفسه، ص: 203)  

رابعا- المحورية: وهي تعني أن يكون للموضوع محور يدور حوله، ويستخدم المنهج على أساسه، ويرتد كل تشعب في البحث إليه في النهاية. ومما يعيب الموضوع أن تتعدد المحاور التي يدور حولها بحيث يبدو أنه قد فَقَد وحدوته الموضوعية. (المرجع نفسه) 

2- وضع خطة البحث:

في أو الأمر يضح الباحث خطة تصورية مثالية لما يريد بحثه، وذلك في ضوء اطلاعه على الكتابات السابقة التي تناولت موضوعا مشابها. وتشمل الخطة لخطوط العريضة الأولية بحيث يمكن تحديد المشكلات الرئيسية في فصول، كما يمكن تحديد المشكلات الجزئية التي تتفرع من تلك المشكلات الرئيسية والتي سوف تخدم في النهاية المشكلة الرئيسية المحددة (عنوان الفصل). ويمكن الإشارة هنا إلى أن التبويب ينبغي أن يخضع لأساس سليم وفكرة منظمة ورابطة خاصة، كالترتيب الزمني والموضوعي. وفي كل من الحالتين لا ينبغي إهمال ترتيب على آخر. وعلى أية حال، فإن إعداد الخطة أو المنهج لا بد أن ينظر الباحث إليها على أنها مسألة منطقية عقلية ينظمها العقل ويتحكم فيها المنطق. (المرجع نفسه، ص: 205)  

هكذا، يتضح أن إعداد الخطة أو المنهج ليس سوى مسألة عقلية منطقية، يوجهها تصور الموضوع وتمثله.

من هنا، فقد كان من الضروري أن تترتب خطواتها ترتيبا منطقيا سليما، يُراعى فيها التسلسل الموضوعي لهذه الخطوات وارتباط كل خطوة بالتي تليها ارتباطا عقليا دقيقا. ولكي يستطيع الباحث وضع خطة بحثه، فإنه من الممكن أن يستعين ببعض المصادر العامة أو الموسوعات الكبرى التي تضم معلومات عن موضوع بحثه ليأخذ فكرة عنه تعينه على تصوره وتمثله، وذلك حتى يتيسر له تخطيط الرسالة تخطيطا أوليا قابلا للتعديل مع تقدم الدراسة وتطورها. (المرجع نفسه، ص: 206)

لا بد من الإشارة هنا إلى أنه ينبغي على الباحث أن يدرك أن هذه الخطة أولية وليست نهائية، وبالتالي فهي قابلة للتغيير بالحذف أو الإضافة وفقا للمادة العلمية التي يجمعها. فقد يحدث حذف فصل أو نقطة من الخطة لم يستطع الباحث أن يعثر لها على المادة العلمية اللازمة [...].

وقد يحدث إضافة فصل جديد أو نقطة جديدة توصل إليها الباحث من خلال المصادر والمراجع التي اطلع عليها لم تكن واردة في ذهنه عند التصور الأولي لخطة البحث. وهذا يعني ضرورة أن يتصف الباحث بالمرونة، ولا يتوقف عند الخطة التي وضعها في البداية. (المرجع نفسه)

ويمكن الإشارة هنا إلى أن الرسالة تقسم إلى أبواب وفصول أو إلى فصول فقط، ومرجع ذلك إلى الموضوع ومدى استجابته للتقسيم إلى أقسام متعادلة أو إلى أقسام كبرى وصغرى، كما يرجع أيضا إلى تصور الباحث لموضوعه وتمثله لاتجاهاته العامة.

ومن الضروري أن توضع لأبواب الرسالة وفصولها عناوين تدل عليها وعلى موضوعاتها، ولكن من المهم ملاحظة أن لا تكون العناوين مثيرة، وأن لا تعكس انفعالات الباحث العاطفية واتجاهاته الفكرية أمام موضوعه، إذ إن أمثال هذه العناوين إنما تصلح للأعمال الفنية أو للكتب الثقافية غير المتخصصة.

أما الأعمال العلمية، فمن الضروري أن تتسم عناوينها بالموضوعية المجردة من الإثارة والانفعالات، وكذلك فإنه من الضروري أن تكون العناوين واضحة الدلالة على محتويات الأبواب والفصول، وأن يتجنب الباحث اصطناع الغموض أو الرمز في صياغتها، فذلك إن صلح للأعمال الفنية أو للكتب الثقافية غير المتخصصة، فإنه لا يصلح للأعمال العلمية. (المرجع نفسه، ص: 207)

وإلى جانب الأبواب والفصول، أو الفصول فقط، التي تنقسم إليها الرسالة، فإن هناك مقدمة وخاتمة في صدر الرسالة ونهايتها، [...]، كما توجد ملاحق بعد الخاتمة، ثم هناك بعد هذا كله ثَبْت أو قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحث، وعادة ما يوضع هذا الثبت في نهاية الرسالة بعد الخاتمة والملاحق.

أما المقدمة فمَوضعها في صدر الرسالة، ويدور موضوعها حول عدة مسائل يمكن أن نذكر منها:

- سبب اختيار الموضوع، وأهميته في مجال الفلسفة.

- ثم خطة البحث ومنهجه مع تبرير هذا المنهج تبيرا عقليا.

- ثم عرض لأهم الدراسات السابقة للموضوع. [...].

- ثم يشير بعد ذلك إلى أهم الصعوبات التي واجهته أثناء إعداد هذه الرسالة وكيفية تغلبه عليها.

فمعنى ذلك أن المقدمة تدور حول الإجابة عن ثلاثة أسئلة:

 لم اختار الطالب هذا الموضوع؟

ولم اصطنع له هذا المنهج؟

 وأين توجد مادة بحثه؟

لا بد أن يعلم الطالب أن المقدمة إذا كانت هي أول ما يقرأ، فإنها آخر ما يكتب. (المرجع نفسه، ص ص: 207، 208)

وأما الخاتمة، فموضعها في نهاية البحث، ويدور موضوعها حول أمرين:

خلاصة مركزة لأهم نتائج البحث، وعرض موجز للجديد منه.

و هي التي تجيب عن سؤالين:

ما الذي انتهى إليه الباحث؟

وما الجديد الذي أضافه إلى العلم؟

ونظرا لطابع التركيز والإيجاز الذي يميز الخاتمة، فإنه يجب أن تخلو تماما من ذكر النصوص.

 كما يجب أن تخلو من الإشارة إلى المصادر والمراجع.

أما ثَبْت المصادر والمراجع، فموضعه، كما قلنا، في نهاية الرسالة. (المرجع نفسه، ص ص: 208، 209) 

3- فحص واختيار مصادر ومراجع البحث:

أولا: لا بد من الإشارة هنا إلى أنه ينبغي على الطالب [...]أن يقوم بفحص نقدي للمصادر أو المراجع التي يستعين بها. [...] فيستبعد آراء المؤلفين التي يبدو فيها التعصب والانحياز واضحين، أو التي يبدو أنها قد وضعت لأغراض أو أهداف معينة قد تبتعد عن الأغراض والأهداف العلمية الخالصة. (المرجع نفسه، ص: 210)

ثانيا: وعلى أي حال، فإنه من الثابت أن الإطلاع على كل مصادر البحث ومراجعه منذ اللحظة الأولى أمر مستحيل، وذلك أنه ليس من المعقول أن يكون الموضوع ماثلا في ذهن الباحث بكل تفاصيله وجزئياته منذ اللحظة الأولى، وإنما من الطبيعي أن ينفتح الموضوع أمام الباحث مع نمو البحث وتقدمه، وكلما [تفتح وتعمق] الباحث في موضوعه تفتحت أمامه موضوعات جديدة تحتاج بدورها إلى مصادر ومراجع جديدة. (المرجع نفسه)

ثالثا: ولا ينبغي أن نترك هذا المقام من غير أن نشير إلى ضرورة التفرقة بين المصدر والمرجع. أما المصدر (source)، ويسمى أحيانا "المرجع الأصلي"، فهو الكتاب الذي يحوي المادة الأصلية أو المادة الأولية لموضوع من الموضوعات. وأما المرجع (référence)، ويسمى أحيانا "المرجع الثانوي"، فهو الكتاب الذي أخذ مادته الأصلية من مصادر متعددة ثم أخرجها إخراجا جديدا يعبر عن رأي شخص أو وجهة نظر معينة. وذلك لأن المصدر يضم مادة أصلية عن موضوع البحث، أو هو مادة أولية يعتمد عليها الباحث في بناء هيكل بحثه. أما المرجع، فإنه لا يقدم هذه المادة الأصلية أو الأولية خالصة، وإنما يقدمها من خلال رأي صاحبه الشخصي أو من خلال زاوية تفكيره الخالصة. (المرجع نفسه، ص ص: 210، 211)

رابعا: بعد انتهاء الباحث، من إعداد الرسالة على النحو الذي سنشير إليه فيما بعد، يقوم بحصر المصادر والمراجع التي رجع إليها أثناء إعداده للرسالة، [...] ثم يرتبها في قائمة المصادر والمراجع التي توضع في نهاية البحث. (المرجع نفسه، ص: 215)

وبغض النظر عن الإشارة إلى الطرق المختلفة التي تستخدم في إعداد قائمة المصادر والمراجع، فإننا ينبغي أن نشير إلى أن أصح الطرق هي التي تتبع الخطوات التالية:

- تتمثل الخطوة الأولى في القيام بترتيب هذه القائمة ترتيبا أبجديا، وذلك أن الباحث يبدأ كتابة المصدر أو المرجع بذكر اسم المؤلف.

ولكي تتحقق هذه الخطوة؛

- فإنه ينبغي على الباحث أن يبدأ باسم لقب المؤلف، ثم يضع بين قوسين اسم المؤلف كاملا مقرونا بلقبه إن وجد. فإذا كان إسم المؤلف مثلا: إبراهيم محمد تركى، فإنه يكتب في قائمة المراجع هكذا: تركى (إبراهيم محمد).

أما إذا كان المرجع مكتوبا بأقلام [مجموعة أو جماعة] عدد من الكُتاب؛

- فإنه إما أن يكتب "مجموعة من الباحثين" بدلا من اسم المؤلف، وإما أن يُكتب اسم الجهة المشرفة على العمل بدلا من اسم المؤلف، مثل أن يكتب "مجمع اللغة العربية". (المرجع نفسه) وإذا كان المرجع باللغة الأجنبية يكتب ما يلي:

- (Centre des Recherches Socialistes sur la Pensée Marxiste).

أما إذا كان المصدر مجهول المؤلف، فإنه يكتب هكذا:

- "مؤلف مجهول"، ثم تكتب باقي عناصر المصدر.

وهناك خطوة أخرى لا بد من مراعاتها أثناء كتابة هذه القائمة، وهي تلك التي تتمثل في كيفية كتابة المرجع أو المصدر.

فإذا كان المرجع غير مترجم، فإنه يكتب هكذا:

- لقب واسم المؤلف، اسم المرجع، دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر.

وإذا كان المرجع مترجما إلى اللغة العربية، فإنه يكتب هكذا:

- لقب واسم المؤلف، اسم المرجع، اسم المترجم، اسم المراجع والمقدم إن وجدا، دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر.

أما إذا كان المصدر مخطوطا، فإنه يكتب هكذا:

- لقب واسم المؤلف، عنوان المخطوط، اسم المحقق، اسم المراجع ان وجد، دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر.

أما إذا كان المرجع بحثا في إحدى المجلات العلمية، فإنه يكتب هكذا:

- لقب واسم المؤلف، عنوان المقال بين مزدوجتين، اسم المجلة والعدد، دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر.

أما إذا كان المصدر أو المرجع أجنبي، فإنه يكتب على النحو الذي كتب به المرجع المؤلف باللغة العربية.

وهناك خطوة ثالثة ينبغي أن يقوم بها الطالب أثناء إعداد قائمة المصادر والمراجع، وهي تلك التي تتمثل في تقسيم هذه القائمة على النحو التالي: 

أ- قائمة المصادر بالحرف العربي.

ب- قائمة المصادر بالحرف الأجنبي.

ج- قائمة المراجع بالحرف العربي.

د- قائمة المراجع بالحرف الأجنبي.

ه- قائمة الدوريات والمجلات العلمية بالحرف العربي.

ن- قائمة الدوريات والمجلات العلمية بالحرف الأجنبي.

و- قائمة المعاجم والموسوعات بالحرف العربي.

ي- قائمة المعاجم والموسوعات بالحرف الأجنبي.

4- جمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث:

بعد أن استطاع الباحث تكوين فكرة جيدة عن موضوع بحثه، وبعد أن استطاع الحصول على أهم المصادر والمراجع الأساسية التي تتعلق بموضوع بحثه، فإنه يبدأ في جمع المعلومات من هذه المصادر والمراجع. [...] وعلى أي الأحوال، فإنه يمكن الإشارة إلى أن إعداد المادة العلمية لموضوع البحث يستلزم القيام بعدة عمليات هي: عملية جمع المعلومات وعملية تصنيفها وعملية توثيقها.

- عملية جمع المعلومات: يقوم الطالب بجمع مادة بحثه من المصادر والمراجع التي توافرت له. وهناك طريقتان لجمع المادة العلمية:

*فإما أن تجمع على أساس خطة البحث ومنهجه، بمعنى أن تجمع مادة كل فصل من فصول الرسالة على حدة، أو تجمع مادة الرسالة فصلا فصلا.

*وإما أن تجمع مادة الرسالة على أساس النظرة الشاملة للموضوع كله، بمعنى أن تجمع المادة كلها جملة واحدة.

وعلى أساس الطريقة الأولى يقوم الطالب بإعداد مصادر كل فصل ومراجعه ثم يأخذ في جمع مادته، وكلما انتهى في جمع مادة فصل انتقل إلى الفصل الذي يليه. وأما على أساس الطريقة الأخرى، فإن الطالب يقوم بمراجعة كل مصادره ومراجعه آخذا منها كل ما تحتويه من مادة بحثه كله. (المرجع نفسه، ص ص: 218، 219)

- عملية التصنيف: وفيها يعاد النظر في المادة التي جمعت[...] من أجل توزيعها على فصول الرسالة وترتيبها حسب الأفكار الجزئية لكل فصل. وبهذا يكون الطالب قد أقام الهيكل العام لرسالته، وهو هيكل لا يزال في حاجة إلى ربط أجزائه بعضها إلى بعض، وملء الفراغات الخالية بما يحقق له تكامله الشكلي والموضوعي، وأيضا في حاجة إلى تنقية مادته وتصنيفها ونفي القصور عنه، وحذف الضعيف منها. وهذه هي مهمة العملية الثالثة من عمليات إعداد المادة، ألا وهي عملية التوثيق. (المرجع نفسه، ص: 220)

- عملية التوثيق: ويراد بالتوثيق هنا توثيق المصادر والمراجع، وإخضاعها لمقاييس دقيقة من النقد الموضوعي، وذلك من أجل تصفية ما تجمّع لدينا من مادة منها، وسبيلنا إلى ذلك أن ننظر في مجموعة المصادر والمراجع التي استقينا منها مادة البحث لنقسمها إلى مجموعتين:

*مجموعة [مصادر ومراجع] موثقة لا يحيط بها الشك أو اتهام سواء من حيث مادتها أو من حيث أصحابها.

*ومجموعة [كتب] متَّهمة في مادتها أو في أصحابها، كأن تكون مادتها قد ثبت أنها تحيط بها شبهات، أو أن يكون لأصحابها هوى شخصي أو مذهب سياسي أو اجتماعي أو عقيدة دينية متطرفة، أو غير ذلك من الأهواء والعصبيات التي تفسد الرأي وتضلل التفكير، وتنحرف بالقدرة على الحكم عن طريقها المستقيم. وهذا لا يعني أن نهمل هذه المجموعة من المصادر والمراجع، وأن نضرب صفحا منها، ونُسقط كل ما أخذناه عنها من مادة. فهذا الموقف السلبي ليس من طبيعة البحث العلمي، وإنما يجب أن نقف منها موقفا إيجابيا يتسم بالقدرة على تبرير أسباب الرفض أو القبول. (المرجع نفسه، ص: 221)

والواقع أن هذه العملية في إعداد المادة تعتبر من العمليات التي يجب أن يوفر لها الطالب قدرا كبيرا من العناية والإهتمام، فعلى أساس عملية التوثيق وما يتم فيها، تتوقف إلى حد بعيد صحة النتائج وسلامة الأفكار واستقامة طريق البحث واعتدال خطواته المنهجية، وبقدر ما يُوفق الطالب في توثيق مصادره ومراجعه وتصفية مادتها يكون توفيقه في المرحلة الأخيرة من مراحل البحث وهي مرحلة التدوين. (المرجع نفسه، ص: 222)

5- التعامل مع مصادر ومراجع البحث:

تتم طريقة التعامل مع المصادر والمراجع على أساس ما يلي ذكره:

- يمكن الإشارة إلى أنه من الواضح، من خلال ما أسلفنا القول به من تعريف للمصدر والمرجع والفرق بينهما، أن الاعتماد الأساسي في جمع المادة الأولية للموضوع يجب أن يكون على المصادر، لأنها هي الأصلية لهذه المادة. أما المراجع، اف‘نه لا يصح الاعتماد عليها في جمعها، لأن المراجع إنما تعرضها من خلال وجهة نظر أصحابها، إنما تصلح المراجع للإنتفاع بوجهات نظر أصحابها لتأييد رأي الباحث. (المرجع نفسه، ص: 223)

- من الضروري مراعاة الأمانة العلمية مراعاة دقيقة في الأخذ عن المصادر والمراجع، فلا يأخذ منها نص أو رأين مهما يبدو قليل الأهمية، من غير الإشارة إلى مصدره أو مرجعه، ولا يحق للباحث أن يتصرف فيما يأخذه منها بالتغيير أو الحذف أو الزيادة أو بأي صورة من صور التحريف والتزييف من أجل رأي يريد إثباته، أو من أجل نتيجة يريد الوصول إليها، [...] وإنما يجب أن يجعل من ضميره العلمي رقيبا عليه، فإن أشد ما يسيء إلى الشخصية العلمية للباحث أن يُعرف عنه أنه غير أمين في استخدام مصادره ومراجعه.

 أما إذا لم يكن الباحث في حاجة إلى النص كله، أو اضطر إلى اختصاره، فمن الضروري أن يراعي عدم الإساءة إلى معنى النص أو روحه، وأن يكون على علم بما يحيل الكلام من معناه. (المرجع نفسه، ص ص: 224، 225)

- ولا ينبغي أن يفوتنا هنا أن نذكر ضرورة الإشارة إلى المصادر والمراجع في هوامش البحث، [...]، حيث يُكتب اسم المؤلف أولا ثم عنوان الكتاب ثم دار النشر ثم بلد النشر وتاريخه ثم رقم الجزء ورقم الصفحة. وإذا تكرر ذكر المصدر أو المرجع في مواضع متتالية، فيُكتفى بذكره في أول موضع، ويشار إليه بعد ذلك بعبارة "المصدر السابق" أو "المرجع السابق" أو "المصدر نفسه" أو "المرجع نفسه". (المرجع نفسه، ص ص: 225، 226)    

6- التعامل مع النصوص المقتبسة:

بعد أن يقوم الباحث بجمع أكبر عدد ممكن ن النصوص التي تخدم موضوع بحثه، ثم يتثبت من صحتها عن طريق اخضاعها لعمليات التحليل النقدي، [...]، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى كيفية استخدام الطالب لهذه النصوص في بحثه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك أمران يجب على الباحث أن يضعهما في اعتباره عند استخدامه لهذه النصوص. (المرجع نفسه، ص: 229)

الأمر الأول، ألا يستشهد الباحث بما لا يحتاجه البحث من نصوص، فليس الهدف من نقل الشواهد والنصوص تزيين الرسالة بها، [...]. إذ أن الرسالة ليست معرضا للنصوص المنتقاة التي تهدف إلى إمتاع القارئ وإثارة مشاعره وعواطفه، وإنما الرسالة دراسة علمية تتسم بالنظرة الموضوعية المجردة وتهدف إلى البحث عم الحقيقة والكشف عنها.

من هنا، فإنه يجب أن يختار البحث شواهده ونصوصه بحيث تقدم فائدة للدراسة،وتدفع بعجلة البحث إلى الأمام، كأن يضيف فكرة جديدة للموضوع، أو تغيير فكرة قديمة،أو تأييد رأيا من الآراء أو فكرة من الأفكار.[...]، وبغير هذه المحاولة تصبح هذه النصوص والشواهد تزيُّدًا لا قيمة له، بل تصبح عيبًا منهجيًّا واضحًا. (المرجع نفسه، ص: 230)

- أما الأمر الآخر، فإنه يتمثل في القول أن الباحث يجب أن لا يستشهد إلا بما ثبتت صحته وتم توثيقه والاطمئنان إليه من النصوص، وإلا كانت نتائج البحث غير دقيقة أو غير سليمة. وهذه مسألة تتصل بما أسلفنا الحديث عنه في توثيق المصادر والمراجع. (المرجع نفسه)

7- عرض موضوع البحث:

بعد أن يكون الباحث قد قام بالخطوات السابقة لكتابة موضوع بحثه، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى أن الباحث قبل الشروع في الكتابة وأثناء ذلك لا بد أن يكون لديه فكرة واضحة عن كيفية عرض موضوع بحثه.

ويراد بالعرض هنا أسلوب التفكير وما يتصل به من طريقة التعبير وتسجيل المعلومات والآراء والأفكار التي تقوم عليها الدراسة. وتقوم الرسالة العلمية على ثلاثة أسس:

أ- الأساس الذاتي؛ ويراد به قوى الإبتكار والتجديد وإبراز الشخصية في العمل العلمي.

ب- الأساس الموضوعي؛ ويراد به القدرة على استغلال المعلومات المتصلة بالموضوع والاستفادة من المادة الأولية التي جُمعت من المصادر والمراجع.

ج- الأساس الأسلوبي؛ ويراد به القدرة على الربط بين الأساسين السابقين، أو صياغة المادة الموضوعية في إطار الذاتية، وفي هذا الربط تكمن براعة الباحث ومهارته، وذلك لأن هذا الربط ليس إلا قدرة الباحث على التحكم في الصراع الدائر في كل بحث علمي بين الذاتية والموضوعية وسيطرته عليه. (المرجع نفسه، ص: 234)   

8- كتابة البحث:

بعد أن جمع الباحث مادته العلمية وقام بدراستها وتحليلها تحليلا نقديا، وذلك في إطار خطة البحث التي أعدها سلفا، فإنه يشرع بعد ذلك في كتابة البحث، حيث تكون الفكرة قد نضجت لديه.

وقبل أن يبدأ الباحث في الكتابة، فإنه عليه أن يجعل الخطة التي سيكتب على أساسها أكثر تحديدا، ثم يكتب طبقا للتبويب الذي انتهى إليه، لا أن يكتب الفصل الخامس قبل الثاني مثلا. أما المقدمة، فتُكتب بعد الانتهاء من كتابة البحث، وفيها يقدم الباحث موضوعه للقارئ، وقد يشير فيها إلى بعض المصاعب التي واجهته، كما قد يشير إلى ظروف فكرة البحث ونشأتها عنده. (المرجع نفسه، ص: 241)

ومن نافلة القول أن نشير هنا إلى أن الباحث يعتبر مسؤولا عن كل ما يرد في بحثه من وجهات النظر والآراء والوقائع، ولا يعفيه من المسؤولية أن يكون ما أورده قد نقله من شخص آخر مهما تكن مكانته العلمية. وينبغي على اباحث أثناء عرضه للموضوع قيد البحث أن يتدرج مع القارئ خطوة خطوة حتى يصل به إلى حتمية التسليم بصحة القول الذي يقرره الباحث. (المرجع نفسه) 

والحقيقة أن هناك أربعة عيوب أساسية التي ينبغي على الباحث تجنبها لتتحقق له بعد ذلك أربع مزايا:

- أولا: بجب عليه أن يتجنب الإنشائية المدرسية والخطابية في تدوين معلوماته وأفكاره، وذلك لتتحقق له "الدقة العلمية".

وذلك لأن عملية العرض في أي بحث أو رسالة علمية لا تهدف إلى إمتاع القارئ بالأساليب الإنشائية المنمقة، ولا إلى إثارة انفعالاته ومشاعره إزاء الموضوع، وإنما تهدف، قبل كل شيء، إلى الإقناع. وهذا لا يعني أن يهمل الباحث الصياغة الأدبية لرسالته، أو أن يتحول بها إلى صياغة علمية جافة، وكأنها رسالة في الكيمياء أو الرياضيات. (المرجع نفسه، ص: 242)  

- ثانيا: ويجب عليه أن يتجنب الإغراب وتصيُّد شوارد اللغة، وذلك ليتحقق له "الوضوح". لأن الرسالة ليست مجالا لإظهار قدرة الباحث على استيعاب ما في المعاجم من ألفاظ غريبة، وإنما هي مجال لعرض الأفكار والمعلومات عرضا لا لبس فيه ولا غموض. (المرجع نفسه، ص: 243)

- ثالثا: ويجب أن يتجنب التشعب والانحرافات والتّكرار، وذلك حتى يتحقق له "التركيز".

فليست المسألة عدد أوراق يكتبها الباحث ويملؤها بأي شيء يخطر في ذهنه، ولا هي فرصة للثرثرة التي لا طائل من وراءها، وأيضا ليست مجالا لإظهار المعلومات التي جمعت من كل طريق، أو ليست لاستعراض معرفة الباحث بكل شيء. (المرجع نفسه)

- رابعا: ويجب عليه أخيرا أن يتجنب تفكك العبارات والفقرات وتخلخل البناء العقلي للموضوع، وذلك حتى يتحقق له "التسلسل المنطقي الدقيق".

فمن الضروري أن يحرص الباحث على أن تبدو رسالته متماسكة الأبواب والفصول، متماسكة الأقسام والفقرات، متماسكة الجمل والعبارات، مبنية بناء عقليا محكما، [...]، يضمن لها البقاء والاستمرار، تعبيرا عن جهد عقلي خصب قدمه باحث من الباحثين للتراث الإنساني الخالد. (المرجع نفسه)

إن توفر جميع هذه الشروط والآليات التي تبني لنا موضوعا علميا أكاديميا تسمح لنا بالحكم على حقيقة مفاده أن هذا الباحث يرتقي إلى مستولا تلك الدرجة العلمية التي يحضر لها.

Last modified: Saturday, 17 February 2024, 6:11 PM