يعتبر عام 1973 حدا فاصلا بين فترتين من العلاقات بين البلدان العربية وبلدان أوروبا الغربية، فقد شهد هذا العام بدء الحوار العربي الأوروبي الرسمي الذي تبرز أهميته لكونه محاولة لتجاوز العلاقات الثنائية القائمة بين البلدان العربية والأوروبية، ووضع إطار جماعي لتلك العلاقات بوصفها علاقات بين مجموعتين من الدول لهما مصالح مشتركة وتوالت الاتصالات بين الدول العربية والمجموعة الأوروبية ولكن سرعان ما برزت عقبات تمكن الجانبان من التغلب عليها إلا أن هذا ترك أثراً سيئاً في سير الحوار، الذي عرف مرحلة بداية فنشاط ثم ركود.
لقد شكل الحوار الأوروبي العربي البعد الاستراتيجي للسياسات الأوروبية في منطقة المغرب العربي خلال مرحلتي ما قبل وما بعد الحرب الباردة، لذلك لا بد من تناول عملية الحوار هذه للوقوف على أهداف السياسات الأوروبية في المغرب العربي وأبعادها
الاستراتيجية، وهي تشكل امتدادا لسياستها المتوسطية.
وبما أن المنطقة العربية تمثل منطقة استراتيجية مركزية على خريطة العالم ذات تأثير في مجريات السياسة الدولية، فقد لاقت الأقطار العربية في الماضي والحاضر اهتماما متزايدا من القوى الدولية كافة، وخاصة الدول الأوروبية التي تجمعها بالمنطقة المغاربية علاقات مميزة منذ أقدم العصور، وعلى الرغم من انقضاء القرون، فإن هذه العلاقات لم تتراجع، على العكس من ذلك، ازدادت أهميتها وحيويتها، وتعمقت جذورها، وتعددت جوانبها وأطرافها، واتسعت مصالحها، فانتهت مرحلة الاستعمار والتحكم والسيطرة. وبدأت مرحلة المساواة والتعاون، فبرزت الحاجة إلى وضع استراتيجية مشتركة لتنظيم
ومتابعة موضوعات الحوار الأوروبي العربي.
وتنبع استراتيجية الحوار الأوروبي العربي في الأصل من الإدراك المتبادل، والرؤية المشتركة لكل من البلدان العربية ودول الاتحاد الأوروبي للعلاقات والمصالح التي تجمع بينها، وهي تقوم على وضع الخطط، وتنسيق السياسات التي تهدف إلى تحقيق هذه الاستراتيجية والوصول بها إلى الوضع الأمثل للتعاون بين الأطراف المذكورة ).
ويجب الإشارة إلى أن الحوار لا يدور في فراغ بمعزل عن المتغيرات التي تقع في محيط البيئة الإقليمية أو الدولية، بل هو وليد هذه المتغيرات، ومما يؤكد على ذلك، أن الدافع الأول والمباشر للحوار الأوروبي - العربي، هو حرب أكتوبر 1973 التي قام بها العرب لتحرير أراضيهم من الاحتلال الإسرائيلي، وما تبع ذلك من فرض حظر على تصدير النفط العربي.
إلى الدول التي ساندت الموقف الإسرائيلي آنذاك.
بالتالي كان لكل طرف الأوروبي والمغاربي على حد سواء - تصوره الخاص لهذا الحوار:
أ- التصور الأوروبي للحوار :
يري الجانب الأوروبي أن التعاون الفعلي بين الطرفين ينبغي أن يمس المجالات الاقتصادية، المالية الثقافية العلمية والفنية، وأن يقوم هذا التعاون على المساواة بين الطرفين وأن يكون مكملا لصلات التعاون القائمة بين المجموعة الأوروبية والدول الأعضاء
في الجامعة العربية وينبغي مراعاة ما يلي :
- مشاركة أكبر عدد ممكن من الدول في الإجراءات والمشاريع.
- أن يكون حجم المشاريع ضخم يتجاوز قدرات وطاقات دولة واحدة.
أن تربط هذه المشاريع بين العلم والتكنولوجيا والمعدات الأوروبية وبين رؤوس
الأموال العربية.
أن يؤمن الحوار الأهداف القصيرة الأجل مساعدة الدول للنهوض باقتصادياتها) دون استبعاد التعاون على المدى الطويل (تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة المتوسطية).
- إمكانية دعم أي تعاون عن طريق إشراك رؤوس الأموال العربية والخبرة الأوروبية لتنمية أي بلد آخر.
ينبغي تهيئة المناخ الملائم للاستثمار المنتج، وتوفير البنى الأساسية التي تعتبر ركيزة
أساسية للتنمية الاقتصادية والزراعية.
- أما بخصوص التعاون المالي، فيرى الجانب الأوروبي ضرورة تطوير هذا التعاون
والعمل على تبادل جميع المعلومات في المجال المالي وتطوير العلاقات المصرفية وتقديم العون الفني في المجال النقدي والمصرفي ودراسة الأساليب الملائمة لتشجيع الاستثمار.
العمل على وضع برامج لضمان نقل التكنولوجيا والأساليب والخبرات الحديثة بالإضافة إلى إمكانية إنشاء مراكز تدريب وتنظيم منح تدريبية وإرسال فنيين وخبراء
أوروبيين إلى المنطقة العربية.
وقد أعطى الجانب الأوروبي أسبقية الحوار للجانب الاقتصادي وذلك لاعتبارات عديدة
نوجزها فيما يلي :
لا يزال القطاع الصناعي في الدول العربية في بدايته، فهو يحتاج إلى المساعدة
الخارجية والعون المالي.
أهمية الأسواق العربية بالنسبة للصناعات الأوروبية، أي جعل المنطقة العربية سوقا
كبيرا لتصريف المنتجات الصناعية الأوروبية.
- إنشاء مشاريع في المنطقة العربية من شأنها أن ترفع من القدرة الشرائية للأفراد في
هذه الدول، وخلق فرص للشغل وتمكينها من زيادة وارداتها من الخارج خاصة المشاريع
الاستهلاكية وبعض مشاريع البتروكيمياء والأسمدة وبعض مشاريع الإنتاج الزراعي. العمل على دمج الاقتصاد الأوروبي المتقدم بالاقتصاد العربي النامي والاستفادة من
أسواقه.
القيام بأبحاث مشتركة في المجالات التكنولوجية والجيولوجية وإنتاج الكهرباء والمياه.
رغبة أوروبا في إظهار استقلالية قراراتها عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية
والتعبير عن إرادتها السياسية والاقتصادية في التعامل مع العالم العربي.
ب التصور العربي للحوار:
يهدف الحوار إلى إقامة تعاون وثيق في مجال تنمية العالم العربي والعمل على تنمية المصالح المشتركة وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الطرفين وتوفير الرخاء لشعوبها والحفاظ
على الاستقرار والأمن والسلام ويقود هذا إلى تحقيق ما يلي:
إبرام الاتفاقيات اللازمة لضمان المزايا والإعفاءات الجمركية والتسهيلات للسلع الزراعية والصناعية مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل.
تقديم العون الفني وجلب التكنولوجيا إلى الدول العربية.
- إشراك الرساميل العربية والأوروبية في المشاريع المشتركة التي تقام في الدول العربية في المجال الصناعي الزراعي الطاقوي... وغيرها.
مساواة العمال العرب والأوروبيين والمهاجرين في المعاملة والضمانات الاجتماعية وظروف المعيشة والحقوق الأساسية.
- إعادة التوازن للمركز التنافسي للصادرات العربية في السوق الأوروبية ومحاولة خلق مركز تنافسي أفضل لها.
- محاولة التقليل من الآثار السلبية للسياسة الزراعية الأوروبية المشتركة على مستقبل
الصادرات الزراعية العربية باتجاه السوق الأوروبية.
- ينبغي أن يشمل التعاون في المجال الصناعي تكرير النفط والبتروكيمياء والأسمدة الزراعية وصناعة الحديد والصلب والآلات والمعدات والجرارات والماكنات والمعدات
الزراعية وتحلية مياه البحر وتوليد الطاقة، بالإضافة إلى إنتاج ونقل الطاقة الكهربائية.
- التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط.
- التأكيد على الجانب الثقافي في مسار الحوار والذي يمكن أن تتأسس على أساسه الجوانب الاقتصادية والسياسية وتوفير عوامل نجاحه من خلال وجود إرادة سياسية مبنية
على ممارسة ثقافية هادفة إلى التجديد والإبداع.مراحل الحوار الأوروبي - العربي:
إن أهمية الطاقة بالنسبة للاقتصاد الأوربي، جعلت دوله تسعى حثيثة بغية الحصول عليها، عن طريق تشجيع علاقاته مع الدول التي تزخر أراضيها بهذا المعدن الثمين، و كانت الدول العربية من أوائل الدول التي يجب الحفاظ عليها بمختلف الطرق والوسائل خاصة أنها تملك احتياطا كبيرا من البترول والغاز، بإمكانه أن يدفع بالعجلة الاقتصادية الأوربية لمسافات طوال، بل لأجيال عديدة، بأساليب تخدم مصالح الدول الصناعية التي
استغلت ضعف اقتصاديات الدول المصدرة، واحتياجاتها عملة الصعبة.
إلا أن التطور الطبيعي للتاريخ، وتغير الأحداث في الساحة الدولية، خاصة منها حصول هذه الدول على استقلالها، وبداية تفكيرها في ضرورة النهوض باقتصادها، و بناء قاعدة تمكنها من الخروج، و لو بجزء قليل من فلك التبعية للدول الاستعمارية مهما اختلفت
أساليبها، ساهم كثيرا في تكريس استقلالها.
فبداية الستينات كانت مرحلة تحرك لدول العالم الثالث، ومن ضمنها الدول العربية نتيجة الوعي الثوري لدى هذه الدول بعد ظهور حركة عدم الانحياز عام 1955 وانقسام العالم إلى معسكرين بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور الإتحاد السوفياتي كقطب يناهض القطب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة التي كانت تسعى إلى تدعيم سيطرة الدول الأوربية على دول العالم الثالث منها الدول العربية والمغاربية خاصة منها الدول التي انتهجت النظام الاشتراكي.
وإذا أردنا تقييم مساعي الحوار العربي - الأوربي يمكن استنتاج النقاط التالية :
بروز اختلاف حول تحديد أهداف عملية الحوار الأوروبي العربي منذ البداية عرقل مسار عملية الحوار، فبينما ركز العرب على العد السياسي للحوار، يلاحظ أن أوروبا ركزت بدورها على البعد الاقتصادي للحوار، ولعل من بين أبرز أسباب هذا الخلاف حول تحديد أولويات عملية الحوار العربي الأوروبي، هو أن جامعة الدول العربية هي في المقام الأول
هي منظمة سياسية إقليمية، بينما تعتبر الجماعة الأوروبية منظمة إقليمية اقتصادية
- اختلاف طبيعة الأهداف الاقتصادية بين الجانبين، فالدول العربية تسعى إلى تحقيق نهضتها الذاتية والتخلص من التبعية، أما الدول الأوروبية تعمل على دمج الاقتصاديين
الأوروبي والعربي رغم الهوة التي بينهما.
عمل الطرف العربي من خلال جامعة الدول العربية الوصول إلى موقف موحد يمكنه من كسب الدعم الأوروبي لاسترجاع حقوقه المشروعة، وإيجاد حلول عادلة دائمة وشاملة
المسألة الصراع القائم في المنطقة.
عدم التكافؤ والتوازن بين طرفي الحوار، حيث أن الندية كانت مفقودة بين الجانبين الأوروبي والعربي، لأن الحوار يتطلب وجود أطراف متوازنة في الإمكانيات وفي الإرادة وهذا ما لم يكن متوفرا في عملية الحوار الأوروبي العربي، فإذا كانت أوروبا تملك التقنية
والمال والتكنولوجيا والصناعة المتقدمة، فإن النفط العربي هو السلاح الوحيد المتاح للطرف
العربي، وهو بدوره يخضع لتقلبات أسعار السوق العالمي.
لم يتعامل الأوروبيين مع الدول العربية في شكل مجموعة أو كتلة واحدة بل تعاملوا
مع كل دولة على انفراد، وإبرام اتفاقيات ثنائية مع كل قطر أو كل دولة على حدى، وذلك قصد الاستفادة من الوضع الاقتصادي المتدهور لهذه الدول والحصول على تنازلات، وهذا
ما سبب إضعافا للموقف العربي.
إذن بينما اقتصر العرب على الحوار كاستراتيجية أساسية، يلاحظ أن للأوروبيين
استراتيجيات بديلة يمكن اللجوء إليها في حالة فشل عملية الحوار، فالجماعة الأوروبية لم تتخل عن علاقاتها الثنائية مع الدول العربية من ناحية، وسعت إلى تقوية علاقاتها مع التنظيمات الجهوية العربية كمجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي من ناحية
أخرى، لكن الدول العربية لم تطور في المقابل استراتيجية أو استراتيجيات بديلة يمكن
اللجوء إليها في حالة فشل الحوار.
عمل الأوروبيون على تعيين واختيار أعضاء وفودهم من أصحاب الكفاءات والاختصاص العلمي والمهني وباحثين في مختلف المجالات لتحقيق الأهداف التي تصبوا إليها أوروبا مع الحرص على الاستمرارية في كل جلسات الحوار، وهذا ما لا نجده لدى العرب لا من حيث الاختصاص العلمي والفني ولا من ناحية استمرارية عمل أعضاء
الوفود، وبالتالي لم تكن إمكانيات وطاقات الطرفيين متكافئة.
- إن اللجان المتخصصة في إطار الحوار الأوروبي العربي لا تشكل تنظما إقليميا جديدا يملك مؤسسات وموازنة خاصة به، وبالتالي فإن مهمة مثل هذه اللجان المشتركة أن تنبه الجماعة الأوروبية أو الجامعة العربية إلى الحاجة الملحة لإقامة المشاريع المتفق عليها.
أما عن أسباب تعثر الحوار فيمكن القول أنها كانت تنبع في الأساس من عدم القدرة على تحقيق أهدافه دون أو ضد رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أثبتت تجربة الحوار أن الأوروبيون لم يتمكنوا من تبني قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية أو بالنفط، بشكل لا ينسجم مع رغبة الولايات المتحدة الأمريكية ويتفق مع رغبة العرب، وقد كان واضحا أن الحوار قد ارتبط ببعض الصعوبات، يمكن تصنيفها في 3 مشاكل رئيسية هي :
1 كان كلا الطرفين العربي والأوروبي يحمل منذ البداية تصورات مختلفة بشكل أساسي حول طبيعة وأهداف الحوار.
2 ضعف مؤسسات الحوار وعدم وجود إرادة سياسية لدى الطرفين مما أدى إلى عدم
القدرة على الوصول إلى نتائج مثمرة له.
3- أن كلا الطرفين لم يكن قادرا على إقامة علاقته مع الطرف الآخر بعيدا عن التأثيرات السلبية والتدخلات الخارجية، وعليه فإن الشروط الضرورية لإنجاح هذا الحوار لم تكن
متوفرة فيه، وفي هذا الصدد يقول حسنين هيكل
إننا أمام طرفين يختلف بينهما موضع النظر واهتمام ورؤى المستقبل، طرف أوروبي على وشك أن يشهد لحظة توحيد، ويرى لنفسه مصالح واسعة تمكن له من الحصول على مكان ومكانة في عالم جديد يتشكل الآن، كما استطاع استغلال الحرب الباردة وانشغال الولايات المتحدة بالصراع مع الاتحاد السوفياتي ..... أما الطرف العربي فيشهد الآن لحظة تبعثر وتشتت وتحكم حركته مصالح محدودة وتعطله المعارك والنزاعات التي يعيشها عن تحقيق أي قدر من النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي» .
بالرغم من المراحل المختلفة التي مر بها الحوار العربي - الأوروبي من انتعاش وانفراجات وتعثر وتوقف وتضارب في المواقف والمصالح، إلا أنه نتج عنه الاعتراف ببعض الحقوق العربية المشروعة، خاصة قضية الصراع العربي - الإسرائيلي لكنها أتسمت بالبطئ ومرد ذلك التبني الأمريكي الكامل للمشروع الصهيوني.
Modifié le: Tuesday 2 January 2024, 01:25