تمهيد:

يشير كل من(العزة،2006، 22، الخطيب،2009، 27، مورتنس وشمولر،2005، 46، الزعبي،2005، 47، زهران،1977، 61، ملحم، 2007، 60، الحريري والإمامي،2010، 30)، أن أسس التوجيه والإرشاد هي بمثابة المرتكزات والمسلمات وفلسفة العمل الإرشادي التي يجب أن يتخذ منها العاملون في هذا المجال منهجا يستخدمونه أثناء الممارسة اليومية لعملهم لتحقيق أهداف الإرشاد، ذلك أن عدم الوعي بهذه الأسس من قبل المرشد المدرسي والمهني قد يؤدي إلى غياب الإطار المرجعي للعمل الإرشادي بأكمله. وتتعدد أسس التوجيه والإرشاد النفسي التي تستمد مكانتها من طبيعة الإنسان وخصائص سلوكه واجتماعيته، ومن أهم الأسس التي يقوم عليها التوجيه والإرشاد، مايلي:

01- الأسس العامة.

- الثبات النسبي للسلوك الإنساني وإمكان التنبؤ به:فالسلوك الإنساني مكتسب متعلم في معظمه وذلك من خلال التنشئة الاجتماعية ومن خلال التربية والتعليم، ويكتسب السلوك صفة الثبات النسبي الذي يمكن التنبؤ به، ويسعى المعالج إلى تعديل سلوك مرضاه بعد أن يكون درس أوضاعهم واستنتج أسلوب حياتهم ومشكلاتهم وأحاط بمعايير النمو في الشخصية العادية لديهم.

- مرونة السلوك الإنساني: المرونة لا تقتصر على السلوك الظاهر الذي يمكن ملاحظته فحسب، بل يتعدى ذلك ليتضمن التنظيم الأساسي لشخصية الفرد ومفهوم الذات، مما يؤثر في سلوكه.

- السلوك الإنساني فردي- جماعي: السلوك الإنساني سلوك فردي واجتماعي معا. مهما بدا فرديا بحتا أو اجتماعيا خالصا. وعندما يكون الفرد وحده يبدو فيه تأثير الجماعة. وسلوكه وهو مع الجماعة تبدو فيه أثار شخصيته وفرديته.

- الاستعداد للتوجيه والإرشاد: إن لدى كل واحد منا استعداد للتوجيه والإرشاد استنادا إلى وجود حاجة أساسية لدينا وهي حاجتنا للتوجيه والإرشاد لمواجهة المشكلات التي نواجهها.

- حق الفرد في التوجيه والإرشاد: التوجيه والإرشاد يعتبران حاجة نفسية هامة لدى الفرد، ومن مطالب النمو السوي للأشخاص إشباع حاجاتهم هذه. مع كل مستويات الأفراد العاديين وغير العاديين، الذين يواجهون مشكلات محددة والمتفوقون في حياتهم أيضا.

- حق الفرد في تقرير مصيره: يعتبر حق الفرد في تقرير مصيره بنفسه من المبادئ الهامة في التوجيه والإرشاد، وهو أمر يتطلب الاعتراف بقيمة الفرد وحقه في الاختيار من بين البدائل الهامة المتوافرة لديه.

- تقبل الطالب المسترشد: إن أحد مبادئ الإرشاد قائمة على تقبل المرشد للطالب المسترشد كما هو دون شروط. والمرشد لا يحقق مع المسترشد ولا يصدر أحكاما فيما يتصل بسلوك طلبته بل عليه أن يكون صبورا واسع الصدر يشعر الطالب المسترشد بالطمأنينة والتفهم.

- عملية التوجيه والإرشاد مستمرة طوال الحياة: عملية التوجيه والإرشاد غير محددة بمراحل وإنما تبدأ في الأسرة قبل دخول الطفل مدرسته. وتستمر على مقاعد الدراسة وفي الجامعة وفي المعمل، فهي مستمرة متتابعة من الطفولة إلى الكهولة.

02- الأسس النفسية والتربوية.

هناك العديد من الأسس النفسية التي تعتمد عليها عملية الإرشاد، أبرزها مراعاة مطالب النمو وإشباع حاجات الأفراد في كل مرحلة من مراحل نموهم، فمطالب النمو في الطفولة تختلف عن مطالب النمو في المراهقة...كما أن مراعاة الفروق الفردية بين الأفراد أهميتها في هذا المجال، ذلك أن كل شخص يدرك ذاته بطريقة تختلف عن إدراك الآخرين لها. كما أن عملية الإرشاد ليست واحدة لكلا الجنسين، إذ أن هناك فروقا جسمية وفسيولوجية واجتماعية ونفسية بين كل من الذكور والإناث، وقد تعود هذه الفروقات إلى عوامل بيولوجية أصلا وإلى عوامل التنشئة الاجتماعية التي تبرز هذه الفروق أو تقلل من شأنها. ولذلك فإن ما ينطبق على الذكور في عملية الإرشاد لا ينطبق على الإناث، فالفروق لها أهميتها في ميدان الإرشاد التربوي المهني والاجتماعي، وعلى المرشد تنمية الثقة الكاملة بينه وبين الطالب المسترشد وتعزيز شعوره بالأمن والطمأنينة والتعامل معه بحيادية تامة.

ومن الناحية التربوية، فإن الإرشاد عملية مساندة لعملية التعليم والتعلم، وأن عملية الإرشاد تعطي للعملية التربوية دفعا لتجعلها أكثر فاعلية، لأن من شروط عملية التعلم الجيد أن تهتم بعملية التوجيه والإرشاد، كما أن عملية الإرشاد يمكن أن يستفاد منها في تطوير المناهج وطرق التدريس عن طريق التأكيد على التكيف الفردي والاجتماعي للطلاب.

03- الأسس الأخلاقية:

قدمت جمعية علم النفس الأمريكية(APA) مجموعة من الأسس والمبادئ الأخلاقية التي يجب الالتزام بها أثناء ممارسة عملية التوجيه والإرشاد، ومن أهم هذه الأسس:

- كفاية المرشد العلمية والمهنية: لابد على المرشد النفسي الذي يمارس عمله أن يكون مؤهلا تأهيلا علميا وعمليا بالشكل الكافي، كما يجب على المرشد أن يكون حريصا على التزود المستمر بالمعلومات الجديدة، والدراسات والبحوث في ميدان التوجيه والإرشاد، حتى يتمكن من تطوير قدراته المعرفية والمهارية...والاشتراك في الدورات التدريبية ليتمكن من رفع مستوى كفايته المهنية والاضطلاع بعمله على أكمل وجه.

- الترخيص: وهو إثبات أن من يمارس هذه المهنة هو مؤهل علميا وعمليا، ويجوز له ممارسة هذا العمل، وهذا الترخيص يمنح من قبل الجهات العلمية- الرسمية، لأن المرشد النفسي غير المؤهل قد يسبب للمسترشدين مشكلات وتدهورا في بعض حالات من يتعامل معهم.

- المحافظة على سرية المعلومات: فالمرشد مسؤول مسؤولية تامة عن المحافظة على أسرار المسترشد، وليس له الحق في تسجيلها أو البوح بها لأي جهة كانت إلا بموافقة المسترشد، وأن سرية المعلومات من مكارم الأخلاق.

- العلاقة المهنية بين المرشد والمسترشد: لابد أن تكون العلاقة الإرشادية بين المرشد والمسترشد علاقة مهنية محددة، دون أن تتطور هذه العلاقة إلى أي نوع أخر من العلاقات المادية أو المصلحية.

- العمل كفريق(مؤتمر الحالة): تتطلب عملية الإرشاد أحيانا فريق متكاملا من المختصين كالمرشد النفسي والأخصائي الاجتماعي والطبيب النفسي ومعلم الفصل وولي الأمر ليتم تقديم الخدمات اللازمة للمسترشد من الجوانب جميعها. 

- إحالة المسترشد: يجب على المرشد إحالة المسترشد إلى متخصص أخر إذا تطلب الأمر ذلك، وبخاصة إذا كانت الحالة لا تقع ضمن حدود اختصاصه، أو تحتاج إلى الاستعانة بمختص أخر، وذلك حفاظا على مصلحة المسترشد وكرامة المرشد.

04- الأسس الإجتماعية.

تؤثر ثقافة المجتمع في أفراده لأن أي شخص ينظر لجماعته المرجعية وثقافة مجتمعه على أنها هي الأصح من بين كل الثقافات، وعلى المرشد أن يراعي ذلك لكي يتمكن من فهم مسترشده وفهم دوافع سلوكه، ويهتم هذا الجانب بالنمو والتنشئة الإجتماعية السليمة للطالب وعلاقته بالمجتمع، ومساعدته على تحقيق التوافق مع نفسه ومع الآخرين في الأسرة والمدرسة والبيئة الإجتماعية.

يشير غاتس(Gates) أن الشخص الحسن التكيف هو الشخص الذي ينعم بالكفاية والسعادة في بيئة سليمة بدرجة معقولة. ولا ينبغي أن تتوافر للفرد بيئة تمكنه من إشباع حاجاته الأساسية بصورة مرضية فحسب، وأن يكون في وسعه أن يدبر شؤون حياته بحيث لا يحول إشباع إحدى حاجاته دون إشباع حاجة أخرى فقط، بل ولا بد له أيضا من أن يشبع حاجاته بصورة تكفل الحيلولة دون تعطيل إشباع الحاجات المشروعة للآخرين. أو باختصار أن الشخص الحسن التكيف هو الذي تتكامل حاجاته وإشباعها مع الإحساس الاجتماعي وتقبل المسؤولية الإجتماعية.

05- الأسس العصبية والفسيولوجية.

 الجهاز العصبي هو الجهاز الحيوي الرئيسي المسؤول الذي يسيطر على أجهزة الجسم الأخرى، من خلال الرسائل العصبية الخاصة التي تنتقل له والإحساسات المختلفة الداخلية والخارجية ويستجيب له بإصدار تعليماته إلى أعضاء الجسم مما يؤدي إلى تكييف نشاط الجسم ومواءمته لوظائفه المختلفة بانتظام وتكامل، فإذا كان هناك ما يهدد الفرد بخطر خارجي نقلت الأعصاب الحسية هذا التهديد على شكل إشارات عصبية إلى المخ، ليعطي أوامره إلى الجسم وبواسطة إشارة عصبية أخرى تنقل أعصاب حركية فيبتعد أو يهرب من مكان الخطر. وينقسم الجهاز العصبي إلى قسمين:

- الجهاز العصبي المركزي: ويتحكم هذا الجهاز في السلوك الإرادي للإنسان.

- الجهاز العصبي الذاتي(التلقائي): وهذا الجهاز مسئول عن السلوك اللاإرادي للإنسان، وهو يعمل تلقائيا أو ذاتيا وبشكل لاشعوري ولا إرادي.

وعليه فالمرشد يجب أن يعرف إلى جانب معرفته السيكولوجية عن الفرد شيئا عن الجسم من حيث تكوينه ووظيفته وعلاقتهما بالسلوك بشكل عام. ومادام المرشد يعمل على تغيير وتعديل سلوك العميل، وبذلك فإن عملية الإرشاد تتضمن تعلما، والتعلم يعتمد على المخ وبقية الجهاز العصبي، والذي له علاقة بأجهزة الجسم والاضطرابات الجسمية والنفسية بشكل كبير، وهو ما يجب على المرشد النفسي أن يكون ملما به ليتمكن من ممارسة عمله الإرشادي.

آخر تعديل: Wednesday، 17 May 2023، 6:26 AM