القانون عبارة عن مجموعة قواعد تنظم وتحكم سلوك الأشخاص في المجتمع على وجه الالزام وتكون مقترنة بجزاء بقصد فرض احترام الناس لها.

    والسلوك الذي يهتم القانون بتنظيمه يتمثل في العلاقات القانونية بين أفراد المجتمع ببعضهم البعض، أو بينهم وبين الدولة.

 وتنتج عن هذا العلاقات القانونية حقوقا للبعض تقابلها واجبات تقع على البعض الآخر، ويتولى القانون تنظيم هذه الحقوق والواجبات، وفيما يلي أتعرض أولا لإنكار فكرة الحق ثم تعريف الحق.

المطلب الأول: مفهوم الحق 

أولا: إنكار فكرة الحق

من أبرز من أنكر وجود الحق الفقيه: (دوجي DUGUIT) مستندا للتالي:

  1. -       رفض فكرة الحقوق التي ينشؤها القانون.
  2. -        ويرى أن الحق ما هو إلا سيطرة إرادة شخص صاحب الحق على إرادة شخص الملزم به.
  3. -       ففي رأيه الشخص الذي يرتكب جريمة لا يعاقب على أساس مساسه بحق غيره، وإنما على أساس أنه خالف قاعدة من قواعد قانون العقوبات فيكون في مركز معين مثل: مركز السارق أو مركز القاتل ...
  4. -       لا يمكن القول بأن القاعدة القانونية تنشئ حقا لشخص وتحمل آخر إلتزام، إذ القاعدة لا تضيف لا القليل ولا الكثير من إرادة المكلف بالواجب أو المستفيد من أدائه.
نقد لفكرة دوجي:
  1. -       إن فكرة الحق باعتبارها سلطة ممنوحة لشخص معين موجودة فعلا إذ يرى: (ريبير RIPERT) أن الحق سلطة ممنوحة لشخص، وهذه السلطة موجودة ولا يمكن لأحد إنكارها إذ تجعل المدين في خدمة الدائن، ولكن هذه الحقوق المسيطرة لا يعني تفوق إرادة شخص على إرادة شخص آخر، بل هي متساوية في جوهرها.
  2. -       والحقيقة أن المركز القانوني الذي يتكلم عنه دوجي ما هو إلا تصور جديد لفكرة الحق، فلو كان الحق هو القانون ذاته لما كنا بحاجة إلى المراكز القانونية.
ثانيا: تعريف الحق

حاولت العديد من المذاهب تعريف الحق أهمها :

1. المذهب الشخصي: النظرية الإرادية

يتزعمها (سافيني  SAVIGNY) إذ ينظر للحق من منظور شخصي أي بالنظر لصاحب الحق، فيعرف الحق بأنه: "قدرة أو سلطة إرادية تثبت للشخص يستمدها من القانون" أي أن الحق صفة تلحق بصاحبه.

نقد المذهب الشخصي:
  1. -       انتقدت في ربطها للحق بالإرادة بينما قد يثبت الحق للشخص بدون إرادته كالمجنون والصبي غير المميز والجنين، كما تثبت الحقوق للشخص الغائب والوارث دون تدخلهم، وكذلك تثبت للموصى له حقوق دون علمه بها.
  2. -       أما إستعمال الحق فلا يكون إلا بإرادته ولذا فالصبي المميز لا يستعمل حقوقه إلا عن طريق نائبه (الولي أو الوصي)
  3. -       المذهب الشخصي يبين كيفية استعمال الحق دون أن يعرفه، كما يتعارض تعريفه للحق مع المنطق –فمن غير المنطقي أن يعرف أمر معين بما ينتج عن وجوده، فالقدرة تنشأ عن وجود الحق، فهي تعبير عن مضمونه.
  4. -       كما انتقد على أساس أن هناك بعض الحقوق تنشأ لصاحبها دون تدخل إرادته فيها.

2. المذهب الموضوعي: نظرية المصلحة

زعيمها هو (إهرينج IHERING) ويعرف الحق "بأنه مصلحة يحميها القانون" وبهذا يتكون الحق من عنصرين:

  1. -       العنصر الموضوعي : الغاية أو المصلحة التي تعود دائما على صاحب الحق سواء مصلحة مادية إذا كان حقا ماليا أو مصلحة معنوية إذا كان حقا غير مالي.
  2. -       العنصر الشكلي: يتمثل في الحماية القانونية التي يعتبرها ركنا من أركان الحق، وهي ضرورية في الدعوى القضائية التي يدافع بها صاحب الحق عن حقه.
نقد المذهب الموضوعي:
  1. -       انتقدت لأنها تعرف الحق بغايته، وتعتبر المصلحة معيارا لوجود الحق، بينما الأمر ليس كذلك مثال: فرض الرسوم على الواردات الأجنبية حماية للمنتوج الوطني، يحقق مصلحة المنتجين الوطنيين ولكن هذه المصلحة لا تعطيهم الحق في فرض تلك الرسوم.
  2. -       المصلحة أمر شخصي وذاتي ويختلف  من شخص لآخر لهذا فالحماية تختلف وتتنوع باختلاف فائدة الأشخاص، مما يؤدي إلى استعصاء تنسيق القواعد القانونية وتوحيدها.
  3. -       هذا المذهب لم يعرف الحق وإنما عرف هدفه وما يترتب عليه من حماية قانونية.
  4. -       لا يمكن إعتبار الحماية القانونية في جميع الأحوال عنصر من عناصر الحق لأن الحماية تأتي بعد نشأة الحق.

3. المذهب المختلط:

يعرف أصحاب هذا المذهب الحق بأنه" سلطة إرادية وهو في ذاته مصلحة يحميها القانون."

فيعرف الحق بالقدرة الإرادية المعطاة لشخص في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون.

-       تلقى هذا المذهب المختلط نفس النقد الموجه للمذهبين السابقتين.

  1. النظرية الحديثة في تعريف الحق:

نتيجة للإنتقادات السابقة ظهرت نظرية حديثة يقودها الفقيه الفرنسي (دابان DABAIN )

يعرف الحق بأنه " ميزة يمنحها القانون لشخص ما ويحميها بطريقة قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على كال معترف له بصفته مالكا أو مستحقا له".

 

 

والعناصر الأساسية المستخلصة من هذا التعريف هي :
1-    الحق بعبر عن سلطة يقرها القانون: أي سلطة مطابقة للقواعد القانونية ويترتب على هذا ضرورة إحترام الغير لها وذلك بالامتناع عن كل ما من شأنه الإضرار بإستئثار الشخص بحقه والتسلط عليه، فالحقوق مرتبطة بوجود الإلتزامات في مواجهة الغير، وليس هناك أهمية لحق معين إذا لم يكن الغير ملزم بإحترامه وكذلك الحال إذا لم يمكن صاحبه دفع الاعتداء عليه.

وبما ان الحماية القانونية لازمة فلا بد من تدخل السلطة العامة لحمايته إلا أنها ليست عنصرا من عناصر وجوده، فالحق لا يحمى قانونا إلا إذا كان موجودا حقيقة، فالدعوى هي من أهم المسائل الحماية.

2-    إن الحق يفترض وجود شخص معين يكون صاحبا له: سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا
3-    الحق يرد على قيمة معينة تكون محلا له: قد يكون هذا المحل شيئا ماديا سواء كان عقار أو منقول، كما يمكن أن يكون عملا: كالإمتناع عن عمل أو القيام بعمل، وقد يكون قيمة معنوية كالإنتاج الفكري أو قيمة ملتصقة بالشخصية كحق الإنسان في سلامة جسمه وحقه في شرفه.
4-   يفترض الحق أن تكون لصاحب الحق سلطة الإستئثار والتسلط على حقه: إذ يختلف ذلك باختلاف أنواع الحقوق، إذ يتوسع مجال الاستئثار والتسلط في الحقوق العينية، إذ تكون للشخص حرية إستعمال وإستغلال محل الحق، بينما تضيق في الحقوق الملتصقة بالشخص بحيث يلتزم الغير بعدم المساس بها وإحترامها، ولا يملك الشخص التصرف فيها أو التنازل عنها. 
آخر تعديل: Monday، 6 June 2016، 5:57 PM