الحضارة القفصية
1.تعريف الحضارة القفصية
ظهرت هذه الحضارة بعد الإيبرومغربية، ويرجع الفضل في تسمية هذه الحضارة بالقفصية إلى الباحث دي مورقان De Morgan، وكان ذلك في سنة 1909، وأتى ذلك بعد دراسة الأدوات الحجرية المكتشفة في موقع المكتا بتونس، وقد استمدت تسميتها نسبة لإقليم قفصة وهي الإسم القديم لهذه المدينة.
تتميز المواقع القفصية بوجودها على شكل أكوام كبيرة من الرماديات والحجارة المحروقة وأجزاء من مادة الصوان، وفوق هذه التراكمات عادة ما تم تسجيل تواجد قواقع للحلزونيات الأرضية، ومن هذا التشخيص تم إطلاق مصطلح ال حلزونيات على المواقع القفصية escargotières. وقد أستخدم هذا المصطلح في الفترات الأولى غير أنه تم استبداله باسم الرماديات، وهو الإسم الذي أطلقه الفلاحون في هذه المنطقة على هذه التراكمات وهي ذات لون رمادي، وهذا راجع للرماد المتراكم في هذه الأماكن.
ويرجع الفضل للاكتشافات الأولى إلى مجموعة من الباحثين، ولعل أبرزهم الباحث دي مورقان 1909، بلاري 1909، جوبرت 1912، فوفري 1931، وأخرون..، ومن بين أشهر المواقع التي خلفت آثار هذه الحضارة مجموعة من المواقع في تبسة بالجزائر، وموقع الاكتشاف بقفصة بتونس والتي تعتبر موطنا لها.
وفي نفس الفترة تقريبا بدأت أبحاث أخرى بالبروز في قسنطينة وفي شمال تبسة، وفي منطقة السوف بالحدود الشمالية للصحراء الجزائرية، بالإظافة إلى أبحاث أخرى في منطقة بوسعادة أين تم تسجيل هذه الحضارة، وفي منتصف القرن 20 بدأت الأبحاث في منطقة سطيف أين تم اكتشاف موقع المجاز من طارف الباحث كامبس، وفي منطقة ولاد جلال ومسعد بالجلفة، وتيارت..
بعد هذه الأبحاث أتت فترة أخرى من البحوث وهي تخص الدراسات الحديثة بطرق متطورة وانطلقت منذ سنوات الثمانينات من روادها الباحث لوبال 1979 الذي أجرى أبحاثه على مواقع بالشرق الجزائري والباحث رحماني الذي أجرى عدة دراسات لمواقع بتونس والجزائر حاول من خلال تحليل النتائج التي استقاها منها أن يبرز الحدود الكرونو-ثقافية بين القفصي النموذجي والقفصي الأعلى، أما الباحث الإيطالي مولازاني وكذا الباحث بلهوشات ركز أبحاثهما على المواقع التونسية أبرزها موقع هرقلة.
من جانب أخر اهتمت الباحثة الجزائرية لويزة عاودية بجانب الطقوس الجنائزية للحضارة القفصية حيث درست بعض المواقع بالجزائر أهمها موقع فايد الصوار، في حين ركزت الباحثة مرزوق على ابراز جانب البيئة القديمة وعلاقتها بالغطاء الحيواني لكل من الحضارة الإيبرومغربية والحضارة القفصية في كل من موقع تازا وموقع المجاز بسطيف. ولتسهيل الدراسة تم تقسيم هذه الحضارة إلى مرحلتين وهما القفصي النموذجي والأعلى.
2.امتداد الحضارة القفصية
أوضحت الدراسات الأثرية السالفة الذكر الانتشار الواسع لمواقع الحضارة القفصية، وخص هذا الانتشار المناطق الداخلية دون المنطق الساحلية عكس واقع الحضارة الإيبرومغربية التي تسبقها زمنيا، حيث يتأكد تواجدها في قفصة وتبسة وسطيف وبكثرة كما يتأكد تواجدها في بعض المواقع غرب الجزائر، ويبقى انتشار الحضارة القفصية نحو الجنوب غير وارد بحثيا لحد الآن وهذا حسب الباحث كامبس.
خريطة توضيحية لانتشار أهم المواقع الإيبرومغربية والقفصية
3.الإنسان القفصي
اعتبر الإنسان القفصي من بين الإشكاليات التي تضاربت فيه آراء المختصين، وهذا بالنظر إلى نقص الأبحاث المتعلقة بالدراسات الأنثروبولوجية، فقد أعتبر هذا الإنسان ضمن نوع الإنسان العاقل العاقل، وبالنظر للتطور الأبحاث والدراسات تم اكتشاف هيكل عظمي لهذا الإنسان في موقع عين مترشم بتونس، وموقع مجاز بسطيف، إلا أن ذلك لم يجد حلا لهذه الإشكالية، بحيث تم ملاحظة أوجه اختلاف عدة، كما تبين اختلاف في طريقة الدفن، بالإضافة إلى البقايا المكتشفة في موقع عين دكارة من طرف الباحث بالو أين تم توضح هذه الإشكالية، وهو الذي أطلق تسمية الإنسان المتوسطي على صانع الحضارة القفصية.
وفي وقت لاحق تم اكتشاف بقايا لكل من الإنسان المتوسطي ومشت العربي في موقع المجاز بسطيف من طرف الباحث كامبس، ومن بين أبرز النقاط التي لفتت انتباه الباحث هو تمسك الإنسان المتوسطي بعادات إنسان مشتى العربي الذي كان ينزع القواطع الأمامية.
من خلال دراسة البقايا العظمية لإنسان المتوسطي تبينت بعض من الصفات حسب الباحث كامبس، وهو الذي أقر بأن هذا الإنسان يتميز بقامة طويلة ذات بينة نحيفة مقارنة بإنسان مشتى، كما لم يجد أنه لم يجد البصمات العضلية القوية كتلك التي وجدت في نوع مشتى، وقد تميز وجهه بالضيق والاستطالة، وهو الذي يتناسب مع الجماجم الممدودة ويتم نزع القواطع الامامية عادة عند الانثى البالغة، ومن بين النقاط اللافتة للانتباه عند الإنسان القفصي هو ممارسة بعض من الطقوس الجنائزية وتتمثل في تغطية الموتى بالمغرة الحمراء.
4.المظاهر الحضارية للإنسان القفصي
أ.الصناعة الحجرية في الحضارة القفصية
اعتمد الباحث كامبس على المحتوى الأثري لموقعين هامين روليلاي والمكتا قصد تعريف المجموعات الحجرية للحضارة القفصية ومن ثم تبين له أن القفصي النموذجي الذي يتضمن مستويات قديمة يتميز بأدوات خشنة الصنع أما في القفصي الأعلى اعتمد الإنسان صنع نصيلية وهندسية. استعمل الإنسان صناعة قائمة على النصال والشظايا ويكون التهذيب عليها حاد كما نجد هذه التقنية كذلك في النصيلات حيث تكون مستقيمة وحادة، نلاحظ كذلك أن تقنية الظهر المجندل خصت معظم الأدوات حيث نلاحظها على المكاشط والأزاميل وبعض المثاقب، التهذيب المباشر يعتبر خاصية أدوات القفصي النموذجي، وتعد الأدوات القزمية والهندسية جد ضئيلة في مواقع القفصي النموذجي.
وفي مرحلة القفصي الاعلى الذي اعتبره الباحثون كمرحلة تطويرية للقفصي النموذجي، هو فعلا تطور الأدوات الخشنة التي لم تعوض، وهو كذلك يتميز بكثرة الأدوات القزمية والهندسية، والكثرة النصيلات والقزميات بكل أنواعها.
ب- الصناعة العظمية
تعد الصناعة العظمية من بين النشاطات الكثير التي مارسها الإنسان القفصي، وهي متواجدة بأنواع وأعداد متفاوتة في المواقع حسب الأطر الكرونو ثقافية للحضارة القفصية، حيث تعد جد ضئيلة في الطابق الذي يحتوي على مرحلة القفصي النموذجي متمثلة في حوالي ستة أنواع منها أربعة أنواع من المثاقب وأدات واحدة للخرز وأدا ة للتمليس. بينما لاحظ الباحثون أن الصناعة العظمية عرفت تطورا ملحوظا في الطابق الذي يحتوي على مرحلة القفصي العلوي، أين وجدت أدوات عظمية قاطعة والمثاقب وأدوات عظمية للتمليس والمخارز والمناجل وأدوات عظمية للزينة.
نماذج للمظاهر الفنية في الحضارة القفصية
مارس الإنسان القفصي نشاطات عبر من خلالها فنيا، واقتصر ممارسته للفن على ثلاثة دعائم مختلفة الأولى بيض النعام والثانية زخرفة الأواني الفخارية والثالثة اللوحات الحجرية المنقوشة كلها متواجدة في المواقع القفصية بصفة متباينة، وقد أظهرت حفريات المواقع القفصية عدد هائل من العظام الإنسانية التي تدل حتما على وجود طقوس الدفن في هذه الحضارة.