تخطى إلى المحتوى الرئيسي

الكتل

تجاوز التنقل

التنقل

  • الصفحة الرئيسية

    • صفحات الموقع

      • مقرراتي الدراسية

      • الوسوم

      • ملفدليل الولوج

      • رابط الكترونيCours Formation

      • ملفدليل مبسط حول استعمال المنصة

      • ملفدليل الأستاذ

    • مقرراتي الدراسية

    • المقررات الدراسية

      • الوسائط البيداغوجية

        • كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية

        • كلية الآداب واللغات

        • كلية الحقوق والعلوم السياسية

          • قسم الحقوق

          • قسم العلوم السياسية

            • السنــــة الأولى ليسانس

            • السنة الثانية ليسانس

            • السنة الثالثة ليسانس

            • ماستر1

              • السداسي الأول

                • إنج- إ

                • م.ب.ع1/ع.د

                • منه ب ع

                • ان عد

                • ن إ م

                • ن س م

                  • محاضرة النظرية السياسية المعاصرة

                  • المحاضرة الأولى

                  • Topic 2

                  • التطبيق: أ.توازي

                  • Topic 4

                  • Topic 5

                  • Topic 6

                  • Topic 7

                  • Topic 8

                  • Topic 9

                  • Topic 10

                  • Topic 11

                  • المحاضرة

                    • درسمحاضرات مقياس النظرية السياسية المعاصرة

                    • مجلدمحاضرة النظرية السياسية المعاصرة

                  • التطبيق- عمارة فاتح

                  • Topic 14

                • س.ع.م

                • ت.م.ن.ت

                • ت.س

                • ت.ن.ع.د

                • re.inter

              • السداسي الثاني

            • ماستر2

        • M2

        • M1

      • Faculté Sciences Sociales et Humaines

      • Faculté Lettres et Langues

      • Faculté Droit et Sciences Politiques

      • Cellule de Télé-Enseignement

      • Formation

  • اغلاق
    تبديل إدخال البحث
  • العربية ‎(ar)‎
    • English ‎(en)‎
    • Français ‎(fr)‎
    • العربية ‎(ar)‎
  • Log in
Logo

محاضرة النظرية السيا ...

اغلاق
تبديل إدخال البحث
Sites d'Université طي توسيع
Université setif2 Faculté Sciences Sociales et Humaines Faculté Droit et Sciences Politiques Faculté Lettres et Langues Revue électronique Bibliothèque Centrale
  1. المقررات الدراسية
  2. الوسائط البيداغوجية
  3. كلية الحقوق والعلوم السياسية
  4. قسم العلوم السياسية
  5. ماستر1
  6. السداسي الأول
  7. ن س م
  8. المحاضرة
  9. محاضرات مقياس النظرية السياسية المعاصرة

محاضرات مقياس النظرية السياسية المعاصرة

متطلبات الإكمال

المحاضرة الأولى: انبعاث النظرية السياسية المعاصرة

تعرف النظرية السياسة باسم الفلسفة السياسية، وهي دراسة مواضيع مثل السياسة، والحرية، و العدالة  ، والمِلكية، والحقوق، والقانون، وتطبيق السلطة للقوانين: ماهيّة هذه المواضيع، وما الذي يمنح الشرعية للحكومة، وماهية الحقوق والحريات التي ينبغي على الحكومة حمايتها، وما شكل الحكومة الأمثل، وماهية القانون، وفي حال وُجدت، ماهية واجبات المواطنين تجاه الحكومة الشرعية، ومتى يمكن الإطاحة بالحكومة بشكل قانوني، إذا لزم الأمر.

تهتم النظرية السياسية بمناقشة أسئلة ذات نطاق أوسع، تختص بالطبيعة السياسية لظواهر وتصنيفات مثل، الهوية، والثقافة، والجنوسة، والعِرق، والثروة، وعالقات البشر بغير البشر، وفلسفة علم البيئة، والدين، وغيرها

إن ميدان النظرية السياسية هو الفلسفة السياسية وقد جاء في دليل أوكسفورد للنظرية السياسية (2006) أن ميدان الفلسفة السياسية هو: مجال متعدد التخصصات يتركز ثقله المركزي في أقصى نهاية تخصص العلوم السياسية المنضوي تحت لواء العلوم الإنسانية، والذي ما يزال مجالا غير مقعد لفترة طويلة، كان التحدي الرئيسي لهوية النظرية السياسية هو الكيفية الأمثل لتموقعها في ثالثة مواضع: بارتباطها بالتخصصات الأكاديمية للعلوم السياسية، والتاريخ، والفلسفة؛ في مكان بين عالمَيّ العلوم السياسية والمستوى التجريدي كثير التأمّل للمدوّنة النظرية؛ بين الأعمال المعيارية للنظرية السياسية والمصادر الأحدث نسبيا مثل، النقد النسوي، والنظرية النقدية، وتحليل الخطاب، والثقافة الجماهيرية والثقافة السياسية، ودراسات الإعالم، وعلم الأعصاب، والدراسات البيئية، والعلوم السلوكية، وعلم الاقتصاد والتي يستقي منها العديد من المنظّرين السياسيين مادة بحثهم.

والنظرية السياسية هي جهد أو نوع من أنواع الفكر السياسي، وتعنى النظرية السياسية بنقل الظواهر المختلفة التي تقع فعال في عالم السياسة الى نطاق العلم الواقعي المتفق مع العقل والإطار الواقعي أو العملي في علم السياسة أو العلوم السياسية ال يشغله ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع السياسي، وإنما يبحث في طبيعة الظاهرة بوصفها أمراً واقعاً.

غاية ما يستهدفه صاحب النظرية السياسية مجرد الكشف عن الأصول العامة أو القوانين التي تبين عالقة السببية، أي الربط بين أسباب الظواهر السياسية ومسبباتها.

تكمن أهمية النظريات السياسية في كونها تعمد الى ايجاد عالقة أو رابط بين سبب ومسبب، وبرغم أن النظرية السياسية تعد بمثابة عمل بنائي لكونها تبدأ بالمشاهدة الحسية للظواهر السياسية ثم تكشف عن القوانين التي تحكم هذه الظواهر- الا أنها قد ال تهدف، أو بمعنى أدق ال تستطيع في معظم الأحيان إحلال شيء ما محل ما يقابله في الواقع السياس

 

المحاضرة الثانية:

النظرية التحررية: "العدالة  التحررية"روبرت موزيك

كان روبرت نوزيك يدعو إلى الاشتراكية أثناء دراسته الجامعية (في جامعة كولومبيا)، ويعتبر فيلسوفا تحرريا بمعنى أنه ينطلق من الحرية الفردية كمبدأ أولي للحق الإنساني، وهذه النقطة يتفق فيها مع راولز، ولكن الخلاف يأتي حول منظور العدالة تجاه توزيع الثروات والممتلكات فراولز ينطلق من مبدأ إخضاع توزيع الثروات العامة والمناصب الرسمية لمبادئ العدالة ونوزك ينطلق من مفهوم استحقاق التملك. أي أن حق التملك ضمن حرية الفرد الأساسية وأن هذا الحق لا يمكن اختراقه أو التجاوز عليه.

 يضع نوزك مبادئ وافتراضات أساسية لنظريته في العدالة التحررية:

_ الاستحقاق: تقوم نظرية الاستحقاق على ثلاثة مبادئ رئيسية

أولا: مبدأ التملك: وهو أن الشخص يستحق امتلاك ما تحصل عليه بشكل عادل.
ثانيا: مبدأ التحويل: وهو أن الشخص يستحق امتلاك ما تحصل عليه بناء على تحويل من شخص كان قد تحصل عليه بشكل عادل (نقل الملكية من شخص لشخص آخر).
ثالثا: لا يوجد استحقاق للتملك غير ما يتحقق بالمبدأ الأول والمبدأ الثاني.
النظرية السابقة تجعل من فرض الضرائب لغير غرض حفظ أملاك الأفراد عملية غير شرعية. وهنا يأتي تصور نوزك لدولة في أصغر حد ممكن. أي الدولة التي تشرف فقط على تطبيق العقود بين الناس وتحفظ الأمن لا أكثر. الدولة هنا لا يحق لها فرض ضرائب لتوفير خدمات صحية أو تعليمية أو أي شيء آخر. كل هذه الأمور تترك للناس يقومون بها بحسب توافقهم الحر. هنا ليس لأحد فرض ضريبة على الآخرين لأغراض من هذا النوع. كل عمل اجتماعي يجري طوعا واختيارا،  لا بد هنا من التأكيد أن نوزك ليس ضد مساعدة الأغنياء للفقراء، ولكنه ضد أن تفرض هذه المساعدة على الأغنياء.
بحسب نوزك «الحرية تزعج السياقات» بمعنى أننا حين ننطلق من مبدأ الحرية الفردية.

فإننا يجب أن نرفض أن نخضع المستقبل لسياقات ثابتة،  الحرية تعني أن يتحرك المجتمع في اتجاهات مختلفة وغير متوقعة، وحين تفرض الدولة ضرائب تعيد من خلالها توزيع المصادر داخل المجتمع فإنها تفرض على هذا المجتمع الحركة في سياقات ثابتة تتعارض مع حرية الأفراد ومع حقهم في التملك، بالنسبة لنوزك يحتاج المجتمع فقط البداية من نقطة عادلة ثم تترك له حرية الحركة من دون تدخل الدولة، مثلا يعطى كل فرد في المجتمع قطعة أرض أو مبلغا من المال بالطريقة التي يتفق الناس على أنها عادلة،  بعد ذلك من الطبيعي أن يختلف الناس في التصرف في ممتلكاتهم وسيتفاوتون في الغنى والفقر بحسب قدرتهم على إدارة ممتلكاتهم،  فهنا نحن أمام قرارات فردية حرة يتحمل الناس مسؤوليتها وليس هناك مبرر للدولة تأخذ من خلاله أموالا من الأغنياء وتعطيها للفقراء،  هذه المساعدات يفترض أن تطوعية واختيارية.
نظرية نوزك قد تبدو معقولة وربما عادلة إذا أخذنا المجتمع على أنه هذه الجماعة الموجودة حاليا، التي يمكن أن نوفر لها حالة انطلاق عادلة ثم نترك كلا يتصرف بحريته، ولكن هذه ليست كل الصورة،  المجتمع يتكون من أجيال متتالية تؤثر قرارات كل فرد فيمن سيأتي بعده، و الناس الذين لم يجيدوا إدارة شؤونهم المالية وتحولوا إلى طبقة اقتصادية متأخرة سيؤثرون سلبا على فرص أولادهم، والأولاد هنا سيتأثرون سلبا بقرارات اتخذها آخرون وليس من العدل تركهم في هذه الظروف فقط لأن أهاليهم اتخذوا قرارات معينة. الأولاد على الأقل يستحقون فرصا مثل تلك التي تحققهم لأهاليهم، إذا وافق نوزك على أن الأولاد يستحقون أيضا تعويضات تجعلهم يبدأون من نقطة عادلة فإننا هنا نحصل على نسق مستقر من التعويضات مع كل جيل لن تتحقق إلا بفرض نوع من التقسيم للمال العام قد يحتم فرض ضرائب على الأغنياء في حال عجز المال العام عن القيام بهذه المهمة، قضية أخرى وهي أن عملية التملك ونقل الملكية والحرية الفردية تتحقق في سياق اجتماعي معين وهذا السياق لا يتحقق إلا بنوع من الشراكة والتعاون،  حماية الملكية الفردية بكل أشكالها تتطلب نظاما اجتماعيا متوازنا،  بمعنى أنه في حالة ارتفع الفارق بين الأغنياء والفقراء في مجتمع ما فإن الحفاظ على الممتلكات الخاصة للأغنياء سيكون أكثر صعوبة وأكثر خطرا، ليحافظ الأغنياء على ممتلكاتهم فإنهم مطالبون بالمشاركة في تكوين نظام اجتماعي يحافظ على توازن معين يحمي الناس من الاضطرار للعنف للحصول على ضروريات حياتهم،  هذا التوازن من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن أن يترك للمشاركة الاختيارية والتطوعية، كما ان هذا الشرط الاجتماعي، أي أن الأفراد يعيشون بالضرورة في تواصل مع بعضهم هو ما يجعل من رولز يصر على توفير معادلة عادلة لهذا الاجتماع، بالإضافة إلى ما يطالب له نوزك من رعاية للحريات الفردية وحق التملك.

حالة الحقوق الطبيعية

هذه الحقوق الأخلاقية تفهم على أنها حالة الحقوق الطبيعية، أي إنها تسبق وتوفر أساسا للتقييم والتقييد لا يقتصر على أفعال الأفراد والجماعات فحسب، بل يشمل أداء المؤسسات السياسية والقانونية،  وهذه الحقوق تسبق أيضا أي عقد اجتماعي،  فهي تقوم بالتقييد الأخلاقي لأداء الأفراد والجماعات والمؤسسات حتى عند غياب أي عقد اجتماعي، وبتعبير جون لوك، تشكل هذه الحقوق قانونا للطبيعة، أو جزءا مهما بالخصوص من قانون للطبيعة، يحكم الحالة الماقبل-سياسية والماقبل-تعاقدية للطبيعة

هذه الحقوق لا تمنحها المؤسسات، ولا تخلقها أية عملية تعاقدية، ولا يجري توفيقها مع الأفراد بهدف تعزيز نتيجة اجتماعية مثلى، فإنها لو كان لها أساس فيجب أن يكون هذا الأساس مشكّلًا من حقائق أخلاقية مدهشة حول طبيعة الأفراد (باعتبارهم) أفرادًا. وإن هذه الحقائق (مثلًا: أنّ لكلّ فرد غايات أو مشاريع تخصّه وحده يكرّس نفسه لها عقلانيًا) لا بدّ أن تقدّم للآخرين سببًا لعدم التعامل معهم على نحو معيّن (مثلًا: التعامل معهم ككائنات ينبغي عليها خدمة غايات الآخرين).

أساس الحقوق

نوزيك يعزو للمنفعية الاعتقاد بكيان اجتماعي، مثلما يفعل رولز بتسهيل الأمور كثيرًا على نفسه حين يقول بأنّ الحجّة المنفعية تعتمد على دمج الأشخاص؛ وذلك لأنّ المنفعية قد تعتقد، ببساطة، أنّ التفسير الأمثل لعقلانية شخص ما يتكبّد تكلفة ما لتجنيب نفسه تكلفة أكبر هو: العقلانية غير الحصرية لتقليص التكاليف الصافية إلى حدّها الأدنى (أو لزيادة المنافع الصافية إلى حدّها الأقصى). ووفقًا لهذا الطرح المنفعي لا يتوجّب علينا الانتقال من مبدأ الخيار الفردي إلى مبدأ الخيار الاجتماعي، إذ نبدأ من العقلانية غير الحصرية في السعي إلى الحدّ الأدنى من التكاليف (أو الحد الأعلى من المنافع)، مع النظر إلى مبدأ الخيار الفردي، ببساطة، كتطبيق لمبدأ الخيار الاجتماعي على حالة خاصّة لا يوجد فيها سوى كيان فاعل واحد فقط هو، في الوقت نفسه، من يتكبّد التكاليف ويتمتّع بالمنافع.

يتبع روبرت نوزيك نمطا مشابها لما اتبعه رولز في كتابه (نظرية للعدالة) عند المحاججة في إثبات وجود مبدأ تنظيمي صائب (ما) للتفاعل الاجتماعي؛ والفرق بينهما أنّ نوزيك لا يعتقد بأن علامة استجابة المبادئ للحقيقة القائلة بوجودات منفصلة، أو عكسها لهذه الحقيقة، هي أن يوافق عليها الجميع في ظروف توافقية مناسبة؛ ويفترض نوزيك عوضًا عن ذلك بأنّنا قادرون على تحديد أنماط لمعاملة الأشخاص بأنّها لا تبلغ الحدّ الكافي في الاحترام والأخذ بالحسبان لعقلانية الفرد في السعي خلف صالحه الخاصّ به دون اللجوء إلى أي توافق فعلي أو افتراضي. ويمكن القول بالخصوص: إنّ فرض التضحيات على الأفراد لا يأخذ بالحسبان، على نحو كافٍ، اعتبارهم كيانات فاعلة تسعى بعقلانية خلف المنظومات الخاصّة بها للغايات؛ فـ«المحتوى الأخلاقي [الرئيسي] الذي يطاله التوافق، والذي يركّز على حقيقة مفادها أنّ هنالك أفرادًا متمايزين لكلّ منهم حياته التي يعيشها»، يتمثّل في الحظر الأخلاقي لـ«التضحية بشخص ما من أجل منفعة شخصة آخر

دولة الحد الأدنى

دولة الحدّ الأدنى المكلّفة بالمهام الأمنية وحسب. وعلى هذا الأساس فإنّ القسم الأوّل مكرّس لما يعتبره روبرت نوزيك المسألة الرئيسية في الفلسفة السياسية، أي: «ما إذا كان ينبغي أن يكون هنالك أيّة دولة على الإطلاق» (ASU 4). ويسعى نوزيك لنقض الادّعاء اللاسلطوي بأن يبيّن كيف أنّ دولة الحدّ الأدنى (في أساسها، هي الدولة المحدودة بحماية حقوق الشخص والملكية والعقود) يمكن أن تنشأ دون انتهاك الحقوق. وفي موضع لاحق من هذا القسم سيتوجّب علينا أن نناقش السبب الذي يجعل نوزيك يركز على ما إذا كان يمكن لدولة الحدّ الأدنى أن (تنشأ) دون انتهاك الحقوق، عوضًا عن التركيز على ما إذا كان يمكن لدولة الحدّ الأدنى أن (تؤدّي عملها) دون انتهاك الحقوق.

لكن إذا كان يراد لأي (دولة)، حتى دولة الحد الأدنى، أن تكون مؤسّسة فلا بدّ أن يكون لها نوع ما من احتكار استخدام القوّة الإجبارية في نطاق واسع بما فيه الكفاية من الرقعة الجغرافية أو المجموعة البشرية. فمنزلة (الدولة) ضمن رقعة جغرافية أو مجموعة بشرية لا تبلغها الوكالة إلّا إذا حقّقت نجاحًا كافيًا في طموحها إلى أن تكون الطرف الذي يعطّل كلّ الأطراف الأخرى التي تسعى للانخراط في ممارسة القوّة لانتهاك الحقوق، وأن تكون (على الأقلّ) الطرف الذي يتحكّم بالأطراف الأخرى التي تسعى للانخراط في ممارسة القوّة لحماية الحقوق. ومن هنا فإنّ الوكالة الحمائية إذا أرادت أن تكتسب منزلة الدولة فلا بدّ لها من أحد أمرين: إمّا أن توقف عملها، وإمّا أن تمارس تحكّمًا واسعًا بالوكالات (غير الخارجة عن القانون)؛ وباختصار: يبدو أنّ عليها أن تتصرّف تجاه تلك الوكالات المنافسة بطرائق قد يعلن روبرت نوزيك عدم إمكانية السماح بها ضمن الأطراف المتنافسة على التزويد بأيّة خدمة أخرى. ويتوجّب على نوزيك هنا أن يحاول مواجهة التحدّي الثاني الذي تطرحه اللاسلطوية بمحاججته بأنّ ما تقوم به الوكالة الحمائية المهيمنة من تأسيس احتكارية للخدمات الحمائية له سماته التي تجعله يختلف عن النموذج المعياري لتعطيل المنافسين أو التحكّم بهم.

تصوّر روبرت نوزيك عن دولة الحدّ الأدنى يختلف عن التصوّرات الشائعة، وذلك لأنّ تصوّره لا يفرض الضرائب لتمويل خدمات الدولة؛ ويضاف إلى ذلك أنّ تصوّر نوزيك يجعل دولة الحدّ الأدنى أشبه بمشروع استثماري، في كثير من الأوجه، منها بالدول؛ إذ ليس فيها حاكمون، ولا جسم تشريعي، ولا انتخابات سياسية، ولا أحزاب متنافسة أو مواطنين متنافسين؛ وليس فيها سيادة ولا نطاق جغرافي للدولة؛ وكلّ ما فيها: تنفيذيون، ومجلس للمدراء، ومالكو أسهم، وزبائن، وأصول تابعة للمشروع الاستثماري. لكنّ العامل الذي يفسد هذه الوصفة هو: غياب قيود السوق التنافسية على سعر ونوعية الخدمات التي يقدّمها الكيان الاحتكاري الذي تتضمنّه دولة الحدّ الأدنى (إذا كان هنالك ما يكفي من التنافس السوقي للمحافظة على انخفاض أسعار الخدمات الحمائية وعلى ارتفاع جودتها، فسيكون هنالك قدر مفرط من التنافس على هذا المشروع الاستثماري يصل إلى حدّ عدم انطباق اسم الدولة عليه). ويبدو أنّ السبيل الآخر الوحيد للمحافظة على ضبط هذه الاحتكارية هو من خلال بعض القيود السياسية-الدستورية، لكنّ نوزيك لا يذكر شيئًا عن هذا الأمر، ولا شكّ في أنّ أيّ تعاونية حمائية تسعى للحصول على زبائن (ربّما) تلتزم بقيود شبه-دستورية في ما يخصّ قراراتها وأدائها، وذلك لطمأنة الزبائن المحتملين

اللاسلطوية الفردانية

وقع روبرت نوزيك أن جهدا جهيدا يتطلبه الرد على الادعاء اللاسلطوي الفرداني، والسبب في ذلك هو، تحديدًا، أنّ هذا النوع من اللادولانية متجذر هو نفسه في الحقوق الأخلاقية التي أعلنها نوزيك. وفي الواقع، فإن نسبة نوزيك طرحه إلى الأفراد ذوي الحقوق الأخلاقية السالبة الماقبل-سياسية والماقبل-تعاقدية يرينا أنّ هذه الحقوق قد تؤدّي إلى التوسع الشديد في الحد من الاستخدام المباح للقوّة إلى مدى لا يدع مجالًا لأيّة دولة مقبولة أخلاقيًا: «إنّ هذه الحقوق تبلغ من القوّة والامتداد حدًا يبرز معه السؤال عن ما إذا كان هنالك شيء يمكن أن تفعله الدولة ومسؤولوها. فما هو المجال الذي تتركه حقوق الأفراد للدولة

توجهات روبرت نوزيك تشير إلى أنه شديد الميل لموافقتها في هذا الرأي، بأنّ متسوّقي أيّ نوع من الخدمات يقومون بتسوّقهم على النحو الأمثل عندما يكون هنالك سوق تنافسي يعرض هذا النوع من الخدمات؛ فالمنافسة بين مزوّدي خدمة حماية الحقوق، من ذوي النوايا الحسنة، ستحفّز انخفاض الأسعار و/أو ارتفاع مستوى النوعية في هذه الخدمة، بما في ذلك: خدمة الحماية من الوكالات “الخارجة عن القانون” التي تسعى لمساعدة منتهكي الحقوق أو حمايتهم. وإن مصلحة المشترين، من ذوي النوايا الحسنة، لخدمة حماية الحقوق في حلّ الخلافات غير العنفية ستضغط على من ينافسهم في التزويد بهذه الخدمة للانضمام لاتّفاقات تتّصف بصرامة أكبر في رسم الحدود لزبائنها ووضع إجراءات لحلّ الخلافات في ما بينهم. وإنّ أيّة وكالة حمائية ليست جزءًا من شبكة متينة لإجراءات تخفيف وحلّ النزاعات في الاتفاقيات ستكون في موقع تنافسي سيّئٍ جدًّا؛ ويشير نوزيك للشبكة الناتجة بـ(التعاونية الحمائية المهيمنة)، وهو يتعامل مع مسألة ما إذا كانت دولة الحدّ الأدنى يمكن أن تنشأ دون انتهاك الحقوق باعتبارها مسألة متعلّقة بما إذا كانت تلك التعاونية الحمائية المهيمنة قادرةً على التطوّر إلى دولة حدّ أدنى دون انتهاك الحقوق.

تصحيح حالات الظلم التاريخي

يلاحظ روبرت نوزيك بأنه حتى في المجتمعات الحرة نسبيا فإن العمليات التاريخية التي أدت إلى الحيازات القائمة مشبعة بحالات الظلم، إذ تكاد كل الحيازات القائمة تحمل تاريخًا مليئًا بالمصادرة عن طريق القتل والنهب والاستعباد والغش وغيرها من الأساليب غير المشروعة لنقل الملكية (وتكون، في العادة، لصالح الأغنياء والأقوياء). ولا نحتاج لنظرية تصحيحية مصاغة بدقّة كي نستطيع القول بأنّه إذا انتزع (أ) بالأمس خروفًا يملكه (ب) فإنّ (أ) مطالَب اليوم بأنّ يرد الخروف إلى صاحبه اليوم؛ لكنّنا نحتاج حتمًا لنظرية شديدة التفصيل لتزوّدنا بالمعلومات اللازمة حول ماهية المبالغ التصحيحية (إن كان هنالك أيّ منها) الواجب دفعها، ومن سيدفعها، ومن سيستلمها، بسبب حالات ظلم وقعت قبل عشرين أو خمسين أو مئتي سنة. ومن المفترض أنّ أيّة عقيدة مقبولة ستتطلّب الاقتصار على الضحايا الحاليين للظلامات السابقة كأصحاب ادّعاءات عادلة بمبالغ التصحيح، وبأنّهم وحدهم أصحاب ادّعاءات عادلة ضد المنتفعين الحاليين من تلك الظلامات الماضية. ربّما، إذن، ينبغي اتّباع أسلوب (عفا الله عمّا سلف) عندما نفتقر للمعلومات التي تتطلبها عقيدة للتصحيح على مستوى جيّد من التطوّر توجب علينا تصحيح حالات ظلم وقعت في الماضي البعيد.

وينهي روبرت نوزيك الفصل السابع بفكرتين حول التصحيح: تفيدنا الأولى بأنّ التصحيح المناسب ربّما يجب أن يأخذ شكل مبالغ صارمة وجاهزة لشرائح من الناس يرجّح أن يكون أعضاؤها أسوأ حالًا ممّا كانوا ليكونوا عليه بسبب الظلامات التاريخية، وهذه المبالغ تدفعها شرائح من الناس يرجّح أن أعضاءها أفضل حالا مما كانوا ليكونوا عليه بفضل هذه الظلامات التاريخية؛ وتفيدنا الفكرة الثانية بأنّ بعض مبادئ الحالة النهائية تدخل في هذا الشأن كدليل لهذه الدفعات المطلوبة، على الرغم من أنّه «قد يكون من غير عقول إلى حد بعيد أن نختار مبدأ الاختلاف في مكان هذا الدليل.

المحاضرة الثالثة: نظرية العدالة "العدالة الليبرالية "

تعتبر نظرية  العدالة   الاجتماعية النظرية  الأكثر إثارة للجدل السياسي على امتداد العالم، ربما ال يذكر كثير من الناس هذا العنوان، لكنَّهم يتحدَّثون عن التفصيلات التي تندرج تحتها،  ولا شك أن مسالة  العدالة   الاجتماعية،  كانت –وما تزال- مطلب وهاجس للكثير من الشرائح المجتمعية من داخل المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ، غير أنّ كل مجتمع إنساني، وكل فئة، بل وكل فرد وكيف يتصور  العدالة   الاجتماعية و مبادئها و أسسها و إمكانية تحقيقها على أرض الواقع، تتدخل في هذا الإطار مجموعة من العوامل التي تحدد و تهيكل تصورات الأفراد .

ويقول راولز في هذا الإطار : إنّ  نظرية  العدالة   كإنصاف، هي تصور موائم للديمقراطية، وهي في ذات الوقت تصور ممنهج و معقول بشكل كافي و مؤهل الن يقدم بديلا عن النفعية التي هيمنت في إطار تقليد فلسفتنا السياسية ولهذا، فإنّ المهمة الأولى لهذه النظرية هي تقديم أساس أكثر يقينية ومقبولية للمبادئ الدستورية و للحقوق و للحريات الأساسية مما تبدو النفعية قادرة على توفيره.

العناصر المركزية لنظرية جون راولز في  العدالة  :

1_المجتمع المحكم التنظيم:

      يعرف رولز المجتمع الحسن التنظيم، بأنه ذلك المجتمع الذي تم تصوره لضمان الخير لافراده، ويتميز بكونه محكوم بتصور عمومي للعدالة. ففي هذا المجتمع يحترم كل فرد نفس مبادئ  العدالة  ، التي يعرف أن كل فرد آخر يحترمها بالقدر نفسه،  كما أنّ المؤسسات الاجتماعية القائمة تحترم هذه المبادئ و تجسدها، أي أن هذه المؤسسات السياسية و الاجتماعية يجب أن تشتغل بكيفية تولد في نفوس الأفراد الاحساس ب العدالة  ،  إن هذا المجتمع مصمم لتعزيز رفاهية أعضائه بدون تمييز. لكن، يصعب كثيرا أن يتم الحصول على مجتمع، يقبل كل أعضائه مفهوما سياسياً للعدالة.

لهذا، فإن فكرة المجتمع حسن التنظيم تعتبر فكرة طوباوية و مثالية في شكلها الأقصى، كما يعترف رولز نفسه بذلك، قائلا: "إن المجتمع الحسن التنظيم الذي يقبل كل أعضائه العقيدة الشاملة ذاتها، هو مجتمع مستحيل الوجود في واقع التعددية المعقولة، و قد يحدث أن يظهر خطر وجود تباين بين الدوافع الحقيقية للافراد و احترام مبادئ  العدالة  ، وهو الشيء الذي يستدعي ال محالة ما يسميه رولز بالتربية الأخلاقية، قصد توفير الحوافز الناقصة، ووفقا لرولز ان الناس الذين يتصرفون وفقا لمبادئ  العدالة   يتصرفون باستقلالية، ووفقا للمبادئ التي تعبر بالطريقة الأفضل عن طبيعتهم ككائنات أخلاقية و عقلانية أحرار ، ويقول رولز في هذا السياق: إنّ " التربية الاخلاقية هي التربية من أجل الاستقلالية الذاتية".

      وباختصار فإن الحديث عن مجتمع حسن التنظيم، يقتضي الحديث عن ثلاثة أمور:

·         أنه مجتمع يقبل كل واحد فيه، ويعرف أن كل واحد آخر مثله يقبل المفهوم السياسي للعدالة، وبذلك يقبل مبادئ  العدالة   السياسية ذاتها.

·         أن البينة الأساسية للمجتمع: (مؤسساته الاجتماعية و السياسية وطريقة ترابطها في نظام تعاوني) هي فكرة ذات معرفة عمومية أو يعتقد بوجاهتها لتحقيق مبادئ  العدالة   تلك.

·         أن للمواطنين حس ب العدالة  ، وهذا يمكنهم من أن يفهموا ويطبقوا مبادئ  العدالة   المفهومة من العموم، والعمل وفق ما ينتظر منهم داخل المجتمع أي ما يشتمل من واجبات و التزامات.

       وبهذا فإن المفهوم العام للعدالة، يوفر في مجتمع حسن التنظيم، وجهة نظر معترف بها ومشتركة، يستطيع المواطنون بواسطتها أن يقاضوا مؤسساتهم السياسية أو بعضهم البعض فيما يتعلق بمطالب حقهم السياسي.

المجتمع الطبقي:

مبادئ  العدالة   عند رولز إذن تفترض الوضع الطبقي، وتحاول الحفاظ على هذه المبادئ في ظل وجود مجتمع منقسم طبقياً بالفعل، إن لسان حاله يقول: إذا أردتم تأسيس مبادئ للعدالة، يجب تنحية الطبقات والثروة جانباً، حتى ولو على المستوى النظري كافتراض. مبادئ  العدالة   عند رولز إذن مقامة على أساس مجتمع الطبقي متخيل ومفترض، أي مجتمع غير بورجوازي وغير رأسمالي

ونعثر مراراً في كتاب رولز على كلمة "تعاون ويقول عنه: "لنفترض من أجل توضيح أفكارنا أن المجتمع هو تعاون مكتفٍ بذاته بدرجة أو بأخرى بين أشخاص، يعترفون في علاقاتهم  ببعضهم البعض بقواعد معينة في السلوك باعتبارها ملزمة لهم، ويقصد راولز من المجتمع المكتفي بذاته، المتعاون كله معاً، المجتمع الطبقي، أو على الأقل، المجتمع الذي ال تسوده انقسامات طبقية حادة، الن المجتمع الطبقي لن يسوده التعاون ولن يكون مكتفياً بذته، فالتعاون يفترض عدم وجود هيمنة طبقية من طبقة على أخرى، ويفترض عدم وجود استغلال؛ والاكتفاء الذاتي للمجتمع يفترض عدم وجود سلطة قهرية قمعية تفرض نظاماً بالقوة على المجتمع. إن نص رولز يتضمن ظاهراً وباطناً، ووظيفة ظاهر النص المجرد هو إخفاء ومواراة معناه الحقيقي.

·         المجتمع كنظام للتعاون المنصف:

      تنطلق نظرية  العدالة   كإنصاف من فكرة وجوب النظر الى المجتمع كنظام للتعاون المنصف، وإن الشخص الذي سيتعاقد مع أفراد مجتمعه ما هو الاّ ذلك الكائن القادر على المشاركة في الحياة الاجتماعية، أو على لعب دور معين داخل النسيج الاجتماعي.

     وبهذا فإنه يمتلك قدرة التأثير و الاحترام لمختلف الحقوق و الواجبات، وعلى هذا الأساس يقتضي الأمر اعتباره مواطن، أي أنه عضو اجتماعي كامل النشاط عبر كل  حياته، وبما أنه مواطن فإنه شخص حر. حر بفضل كفاءاته الاخلاقية و العقلية.

       وبما أنّ الأشخاص هم أعضاء بشكل كامل داخل النظام المنصف للتعاون الاجتماعي، فيسند لهم رولز كفاءتين أخالقيتين مرتبطتين بفكرة التعاون الاجتماعي وهي: القدرة على تملك حس  العدالة  ، تصور معين للخير، حيث     إنّ حس  العدالة  يمكن الشخص من فهم وتطبيق و احترام التصور العمومي للعدالة، الذي يرسم حدود التعاون المنصف أثناء إنجاز أفعاله،  أمّا توفره على تصور للخير  فيمكنه من تشكيل ومراجعة تصور الامتياز الذي يمكن أن ينتج عن هذا الخير بشكل عقالني

      وعلى هذا الأساس، فإنّ توفر الشخص على كفاءتين أخلاقيتين، إضافة الى كونه حر وند للاخر هو إحدى الأفكار الحدسية الأساسية المتضمنة في الثقافة العمومية للديمقراطية.

2_الوضع الأصلي:

ان راولز كان مفكرا واضحا وصريحا للغاية في تأسيسه لمبادئ العدالة على وضع المساواة الأصلي حتى ولو كان هذا الوضع افتراضيا،  لكن هنا يكمن التناقض، فمبادئ العدالة  عنده مقامة على وضع "افتراضي"، نظري مجرد، وعلى حجاب الجهل، الذي يشبه القناع الذي تلبسه "سيدة  العدالة  " حاملة الميزان ، لكن ال تتحقق العدالة  الا بإدخال هذه الحالة الافتراضية في صميم التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. تدلنا تجربة “حجاب الجهل” عند رولز على أنه ال توجد عدالة، وال يمكن أن تتأسس من حيث المبدأ والنظرية، الا بالغاء افتراضي الانقسامات الطبقية في المجتمع. إن المجتمع المساواتي الحر هو أساس العدالة  ومبدؤها ونقطة انطلاقها.

يقول رولز: "إن أحد خصائص العدالة  باعتبارها إنصافا هو أن نفكر في الجماعات في الحالة الأصلية على أنها عقلانية وليس لديها أطماع متبادلة ، و هذا المصطلح في غاية الأهمية حيث  يعني أن الجماعات في الحالة الأصلية ليس لديها عالقات استغلال لبعضها البعض أو أي مصلحة في الكسب أو الهيمنة على بعضها البعض. وهذا يعني اختفاء الاستغلال الطبقي أو الهيمنة الطبقية لطبقة على أخرى. ال يزال توصيف رولز للحالة الأولى يحمل الطابع الطبقي بوعي كامل وإصرار. "وهذا ال يعني أن هذه الجماعات نوايا ، أي أفراد يحملون مصالح من نوع معين، مثل الثروة أو المكانة أو الهيمنة، لكن يُنظَر اليهم على أنهم ال يحملون مصالح تجاه بعضهم البعض"، أي أنه ال توجد لجماعة ما مصلحة في استغلال مصالح الجماعات الأخرى، من أجل الثروة أو المكانة أو الهيمنة. وهذا هو المجتمع الطبقي عن جدارة، النه ينفي الاستغلال الطبقي والمصالح الطبقية.

كما أن "عقلانية الجماعات الداخلة في التعاقد” تعني حيادها التام إزاء بعضها البعض، ويعني هذا الحياد اختفاء بينة الاستغلال وانعدام التكريس لمصالح خاصة. نظرية رولز مليئة بالنفي والطابع النافي وبالمصطلحات الدالة على ذلك: اختفاء، جهل، حجاب، كلمات متشابهة. إنه يعمل على الغاء المجتمع الطبقي كي يؤسس للعدالة.

وينظر رولز الى مبادئ العدالة على أنها "تنشأ من اتفاق أصلي في وضع من المساواة" أي أن مبادئ العدالة تفترض وضعا أصليا تسوده المساواة التامة داخل الجماعة التي ستتفق على تلك المبادئ، والمساواة التامة في وضع أصلي تعني الوضع الذي ال تحضر فيه الانقسامات الطبقية أو الاستغلال أو الامتيازات الطبقية.

عندما يقدم المفكر فكرة عن المساواة في مجتمع طبقي، فهو يقدم فكرة مضادة لهذا المجتمع ذاته، وهذا هو ما يفعله راولز هنا، ال يظهر هذا المعنى من تعقيب روالز على هذا التعريف، فهو يقول إن المساواة التي في الوضع الأصلي تعني أن “للكل الحقوق نفسها في عملية اختيار مبادئ العدالة ،  هذا التعقيب على مفهوم المساواة في الوضع الأصلي ليس من جوهر المساواة المقصودة بل من آثارها؛ فالمساواة هي اختفاء اللامساواة الطبقية، وعلى أساس هذا المعنى من المساواة يكون الأطراف الحقوق نفسها في اختيار مبادئ  العدالة وفي التحليل الأخير، يبقى الوضع الأصلي هو الوضع الطبقي بامتياز، الوضع الذي ينحي الطبقات جانباً ويلغي الانقسام الطبقي والامتيازات الطبقية في الفكر، ويتخيلها غير موجودة، حتى في ظل وجودها، من أجل تأسيس مبادئ  العدالة  . وإذا كان الوضع الأصلي هو الوضع الطبقي، وإذا كان الذي يجعله أصلياً هو أنه غير طبقي [أصلي بمعنى طبيعي، في مقابل الوضع الطبقي المصطنع]، فإن عدد مرات ظهور هذا المصطلح في كتاب رولز يشي بمركزية هذا المفهوم وما يتضمنه من تصور للعدالة يلغي اللامساواة الناتجة عن الوضع الطبقي.

يقول راولز عن البناء الاجتماعي الأساسي إنه "يحوي العديد من الأوضاع الاجتماعية" حيث يولد الناس ويجدون أنفسهم داخل هذه الأوضاع التي تحدد فرصهم وكل ما يمكن أن ينجزوه في حياتهم؛ وهذه هي طريقة رولز في الحديث عن الأوضاع الطبقية وعن الطبقة التي يولد بها المرء ويجد مصيره كله وكل توقعاته وفرصه في الحياة محددة بها،  يقول رولز: "إن المؤسسات الكبرى في المجتمع مأخوذة باعتبارها كال موحداً تحدد حقوق وواجبات الناس، وتؤثر في مصائرهم… وأفهم بالمؤسسات الكبرى، النظام السياسي والترتيبات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية"، أي البناء الطبقي للمجتمع مع ما يدعمه من نظام سياسي؛ رولز يستخدم شفرة في الكتابة، كلمات مجردة لتجنب استخدام المسميات الحقيقية؛ "أن البناء الأساسي للمجتمع هو الهدف الأساسي للعدالة الن آثاره عميقة للغاية وحاضرة منذ البداية"،  والن الناس يولدون داخل أوضاع اجتماعية معينة يجدون أنفسهم فيها وتحدد مصيرهم، وان هذه الأوضاع تتصف باللامساواة العميقة ، فيجب أن تكون هي هدف  العدالة  .

كي  يقوم راولز بإرساء مقاربته المؤسساتية و الاجرائية، يفترض ما يسميه بالوضعية الأصلية، ويعني بهذه الأخيرة حالة الجمود الأولى التي تضمن عدالة التوافقات الأساسية التي يمكن التوصل اليها الحقا، فيمكن تقويم مدى عقلانية وملائمة  نظرية ما للعدالة إذ كانت مبادئها قد انتقاها الأشخاص بإرادتهم و بتفكيرهم العقلاني  هذه الوضعية التي سيتعاقد في إطارها الأفراد الأحرار و العقلانيون وتحت حجاب الجهل، الذي سيحجب عنهم أصولهم الاجتماعية و الثقافية و الفكرية و الاقتصادية و السياسية الأيديولوجية وهلم جرا، بحيث سيصبح المتعاقد عاجزاً عن تصميم مبادئ تخدم وضعيته الخاصة، و مبادئ العدالة  ستكون نتيجة تداول منصف بين كل المتعاقدين بمعنى آخر، أنّ الرجوع الى فكرة الوضعية الأصلية للمتعاقدين هي وسيلة لتفادي تأثير المواقع و التصورات الاجتماعية على المعايير المؤسسة للحالة الترابطية القائمة.

      إن العقد الذي سيتم إبرامه في سياق هذه الوضعية يضمن احترام جميع تصورات الحياة الخاصة حينما تتصف بالعقلانية وتحترم مقتضيات  العدالة  ، ويراهن رولز في سياق حديثه هذا على الحس المشترك حول قضايا  العدالة  ، الذي يتقاسمه جميع  ممثلي المواطنين أثناء الفعل التعاقدي، وأنّ مسالة الحرية والمساواة – التي سيحرص رولز على التوفيق فيما بينها بعدما كانت متنافرة بين التيار الاشتراكي و الليبرالي- تعد إحدى الركائز التي لم يكلف المتعاقدون أنفسهم بتبريرها، النها تنتمي الى البديهيات و القناعات الاخلاقية هذه الوضعية يجب أن تكون منصفة بالضرورة على نحو تسمح بعدالة الاختيارات الناتجة عنها .  ذلك، أن كل ما ينتج عن اجراءات عادلة، البد وأن يكون هو أيضا عادلا، ولكي نضمن ذلك، فإنّ رولز يحدد مجموعة من الاحتياطات لعملية التداول والاختيار ويصطلح عليها الضوابط الصورية لتصور العدالة   فما هي هذه الضوابط؟

_شرط العمومية، ومفاده أن يدور التداول حول مبادئ مصاغة بصورة عمومية، لا تستدخل أي مكون شخصي، وذلك من أجل الحيلولة دون التماهي مع التصورات الفئوية الضيقة.

_شرط الكونية، الذي يقتضي أن تكون المبادئ صالحة للكل وبدون استثناء. وهذا الشرط يقتضي طرح السؤال حول الكيفية التي سنتصور بها تلاؤم نموذج العدالة كإنصاف مع المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية وضرورة توفر شرط الكونية أثناء التداول في الوضعية البدئية.

_   شرط العلانية وهو شرط يستدعيه في حقيقة الأمر الشرطين السابقين ويقول بخصوص هذا الشرط: " إن أهمية شرط العلانية يكمن في حكم المتعاقدين، بأن تصور العدالة يمثل مكوناً أخلاقيا للحياة الاجتماعية معترف به"

_شرط البت و الاطلاق، الذي يحيل الى نهائية اختيار المبادئ وعدم قابلية التراجع عليها تحت أي ذريعة.

       هذه الوضعية البدئية، تماثل  في حقيقة الأمر الحالة الطبيعية التي تحدث عليها فالسفة العقد الاجتماعي، النها وضعية مساواة و مواجهة لحالة توتر وضغط وفوضوية، تقتضي اللجوء الى اختيار جماعي لمبادئ  تسمح بالتغلب على الطابع غير المستقر لحالة مساواة غير خاضعة لمبادئ، وهذا ان كان يدل على شيء، فإنه يدل –من وجهة نظرنا- على أنّ ما قدمه رولز ليس جديدا كل الجدة، وإنما استعادة لما قاله فالسفة العقد الاجتماعي، لكنه يصر على أن نظريته تدفع بتصور العقد الاجتماعي "المعروفة جداً عند لوك وروسو" الى أقصى مستوى من التجريد ،  مبينا في هذا الإطار، أنّ ميزة التعاقد تكمن في أنه يتيح الفرصة ليتم تصور مبادئ  العدالة  ، بصفتها مبادئ من شأن الأفراد ذوي التفكير العقلاني أن يختاروها، كما يسمح بشرح و تبرير تصورات ومبادئ  العدالة  ،  وهنا ال بد من وقفة سريعة مع ما يسميه رولز ب “حس  العدالة  ”، والمبين أساسا على معرفة واضحة بمبادئ العدالة  سواء من قبل الأنا أو الاخر. ذلك، أن الفرد الذي يعرفها يجب أن يعرف، بل وأن يقتنع بأن الاخرين يعترفون بها ويلتزمون بها.

       يحدد راولز صفتين جوهريتين في الوضع الأصلي، بصفته صيغة من صيغ أفكار العقد الاجتماعي السياسي:

_ افتراضي لانه  لا نسال الأطراف عما يمكنهم الاتفاق عليه أو عما يريدون الاتفاق عليه أو ما اتفقوا عليه بالفعل.

_ ليس تاريخيا لأننا لا نفترض أن الاتفاق قد وقع أو يمكن أن يقع في وقت ما.

       بما أنّ المجتمع الانساني، يحتضن أفراده تصورات متعددة بخصوص العدالة، فإن الوضعية البدئية مطالبة باستحضار هذه التعددية، وأن تتمكن من إثبات تفوق مبادئ العدالة كإنصاف والوضعية البدئية ليست لحظة تاريخية، وإنما هي منهج تحليلي عام الجل الدراسة المقارنة بين تصورات العدالة وبهذا، "فهي أورغانون الجل التفكير في الموضوعات السياسية والاخلاقية المتعلقة بالبينة الأساسية للمجتمع العاد

حجاب الجهل:

يعد حجاب الجهل عنصر مركزي في نظرية جون رولز، النه أساسي في الوضعية البدئية التي تحدثنا عليها قبل قليل لكي يتم التعاقد بشكل منصف لكل المتعاقدين من جهة أولى، ولكي يتم اختيار المبادئ التي تحكم مشروع العدالة من جهة ثانية، إذ يمثل وسيلة احتياطية لمقاومة الأنانية وعودة الفرد الى التفكير العقلاني المتمثل في التفكير في الأوضاع الأصلية. والغاية من حجاب الجهل هو تحييد واستبعاد كل ما يمثل عاملا عرضيا للتواجه بين الناس لذلك، سيفترض جون رولز أنّ المتعاقدين ال يتوفرون على أي معرفة تسمح لهم بتقييم آثار اختياراتهم على وضعياتهم الخاصة، وبهذا ستنتفي المبررات الخاصة، وتسيطر الأحكام العامة على المقترحات

  من خلال حجاب الجهل، سيحرم المتعاقدون من معرفة واقعهم الاقتصادي و لاجتماعي و الثقافي، الى جانب حرمانهم من معرفة نصيبهم من التوزيع الطبيعي للقدرات و المهارات: كمستوى ذكائهم وقوته وبهذا، سيتم اختيار المبادئ الصحيحة للعدالة، وخلف ستار الجهل، حيث أنه ال يمكن للافراد في الوضعية البدئية وأثناء التعاقد أن يختاروا المبادئ التي قد تخدم وضعيتهم الخاصة، إذ أن كل الأفراد متساوين وكلهم محرومين من معرفة أصولهم ويسود التكافؤ، وال وجود الحد متفوق على الاخر في هذه الوضعية. وبهذا، ستكون المبادئ المختارة للعدالة، نتيجة تعاقد منصف، ومن هنا اسم النظرية راولزية " العدالة   كإنصاف". وليس هذا فحسب، بل أن حجاب الجهل سيجعلهم يجهلون حتى ترتيبهم في حساب الأجيال. أمّا ما سيسمح لهم بمعرفته، فينحصر في كون مجتمعهم محكوم بسياق تطبيق العدالة وحجاب الجهل الى جانب الوضعية البدئية، ليسوا بلحظات تاريخية أو واقعية، وإنما افتراضات محضة، وتقنيات تُمكن الأفراد من استحضارها عندما يفكرون في مبررات ما يمكن أن يطرح كتصور عمومي للعدالة. ولعلّ الفائدة التي يمكن أن يجنيها المتعاقدون في ظل حرمانهم من المعارف وفي وضعية مصيرية (الاتفاق والتعاقد)، هي تفادي المقارنات الضيقة بين المصالح العامة والخاصة والتي قد تجعلهم ينتصرون للمكاسب الفردية على حساب المنافع العامة.

       إنّ حجاب الجهل سيمنع حدوث انسحابات من الفعل التعاقدي تحت ذريعة عدم تناسب المقترحات مع المصلحة الشخصية أو الجل التحيز لمبدأ دون آخر ويقول رولز: "إنّ التحجيم الذي تخضع له المعلومات في إطار الوضعية البدئية يكتسي أهمية أساسية فبدونه لن يكون في مقدورنا بناء نظرية دقيقة حول  العدالة 

و تكمن قوة نظرية راولز في أنها مبينة على فكرة واحدة، وهي تجربة ذهنية اسمها "حجاب الجهل" البشر في اللحظة التي يقومون فيها بالتفكير بمبادئ العدالة  ، أنهم  بشر مجردون من كل المعرفة حول أوضاعهم الخاصة. 

ففي "الوضع الأصلي" تحت تأثير "حجاب الجهل" لن يعرف البشر موقعهم المستقبليّ في المجتمع، الا بعد إقرار مبادئ العدالة وإزالة الحجاب، ال يعرفون إن كانوا سيكونون رجالاً أم نساءً، أطفالاً أم شيوخًا أم شبابًا، أغنياء أم فقراء، أقوياء أم ضعفاء، أذكياء أم أغبياء، سودًا أم بيضًا، مؤمنين أم غير مؤمنين. 

يقول راولز: "من بين المعالم الأساسية لهذا الوضع[الأصلي] أن ال أحد يعرف مكانه في المجتمع، أو وضعه الطبقي، أو مرتبته الاجتماعية، كما ال أحد يعرف نصيبه في توزيع الأصول رؤوس الأموال وعناصر الإنتاج والقدرات الطبيعية أو ذكاءه ثقافته أو قوته، أو ما الى ذلك هذا هو حجاب الجهل، مشروح بمعناه دون استخدام المصطلح نفسه. لكنه يقول بعد ذلك مباشرة: تختار مبادئ العدالة من وراء حجاب الجهل. وهذا يضمن الا أحد يتميز في اختيار المبادئ بنتائج الصدفة الطبيعية الميلاد في أسرة غنية مثال، أو عوارض الظروف الاجتماعية الميراث مثال، وبما أن الكل متطابق في وضعه الأصلي وال أحد مميز في اختيار المبادئ التي في صالح ظروفه الخاصة، فإن مبادئ العدالة تكون نتاج اتفاق أو صفقة منصفة. أساس العقد والوفاق إذن هو هذا الحجاب نفسه، وهو تنحية الانقسام الطبقي والفروق الطبقية.

إن الهدف من عملية تجريد الفرد من صفاته النوعية كشرط لدخول "حجاب الجهل" هو اختيار مبادئ عدالة تكون غير متأثّرة الاختلات الاعتباطية بين البشر. إن كنت قد ولدت غنيًا أو فقيرا، طويلا أو قصيرا، رجال أو امرأة، هي أمور من "فوضى الطبيعة". و العدالة   ال يجب أن تكون متأثرة بموازين قوى مبينة على الفوضى والاعتباط. وال تُضمَن الحيادية الا بحذف المعرفة بكل الحقائق الفردية. باختصار: اشتقاق العدالة  من الجهل، لان المعرفة تؤدّي الانحياز. 

يعلن رولز صراحة أن نظريته في العدالة  هي استمرار للمشروع التعاقدي الذي نظر له كل من روسو، لوك، هوبز … معتبرا، أن مفهومه "الوضعية الأصلية"، يتقابل الى حد بعيد ومفهوم الحالة الطبيعية عند فالسفة التعاقد الاجتماعي، ولكن، رولز يختلف عن الفلاسفة المذكورين في كونه ال يهدف الى تأسيس المجتمع السياسي، وإنما الى تأسيس مبادئ العدالة  فقط.

يصوغ راولز في نظريته للعدالة مفهومه للعقد الاجتماعي هو مواصلة للمشروع التعاقدي الذي انطلق مع لوك و روسو، و خاصة كانط الذي يتشابه الى حد كبير مع جون رولز من جهة نقده للنفعية، وحرصه على الانسجام مع التصور الواجبي  للاخلاق،  الا أن راولز، سيحاول أن يتحرر من الأفق الميتافيزيقي للنظرية الكانطية، محاولا البرهنة على نظرية جديدة في العقد الاجتماعي تختلف في جذورها عن الفهم الكلاسيكي الذي نشأ مع ميلاد مدرسة العقد الاجتماعي، وهو ما سنحاول أن نوضّحه في هذه الورقة التي سنركز فيها على الحجج التي استخدمها هذا الفيلسوف المعاصر في البرهنة على تصوّره التعاقدي. لقد اعتمد راولز على حجتين أساسيتين للبرهنة على العقد الاجتماعي. غير أنّه يعتبر أن حجّته الأولى أقلّ أهميّة من الثانية.

_فكرة الحرية والمساواة

إذا واصل راولز المشروع التعاقدي الشائع في عصره، وذلك من حيث اعتماده على مفهوم الوضع البدئي الذي يتشابه مع مفهوم الحالة الطبيعية ، فإنه من جانب آخر قد اختار طريقا مغايرا لفلاسفة العقد الاجتماعي السابقين له، الن العقد عند رولز ال يهدف الى تأسيس المجتمع السياسي، بل الى تأسيس مبادئ  العدالة  . تشكّل هذه المبادئ "التصور الخاص"، وتهدف الى بناء النظرية المنسجمة التي عجزت النزعة الحدسية عن بلورتها؛ ويمكن أن ننطلق من هذه المبادئ لنبين أن هناك خيرات اجتماعية ما، أكثر شأنا من غيرها،  ولذلك فال يمكن التضحية بها من أجل تنمية الخيرات الاخرى، وبالتالي فإن المساواة في الحرية تكون سابقة على المساواة في الحظوظ التي تكون بدورها ذات أولويّة على المساواة في الثروة،  كما نجد في كلّ شكل من المساواة المنطق الداخلي نفسه: ال يكون تفاوت ما مقبولا، الاّ إذا استفاد منه من هم الأقل حظا من غيرهم، وهو ما يعني أن قاعدة الأولوية ال تتعارض مع المبدأ الأساسي للقسمة العادلة، النّ هذا المبدأ ينطبق على كل أشكال المساواة،  يحرص رولز في "نظرية  العدالة  " على تأكيد أولويّة الحريّات الأساسيّة التي يعني بها الحقوق المدنية و السياسية التي عادة ما تكون سائدة داخل الديمقراطيات الليبرالية: كحق الانتخاب، والترشح للوظائف العمومية، والحق في محاكمة عادلة، و الحق في حرية التعبير والتنقل.

ولا تحظى أولوية الحقوق المدنية و السياسية بقبول واسع داخل المجتمعات العربية الإسلامية؛ وذلك نظرا لطغيان التفكير الجماعاتي الذي يقوم على إقصاء حرية الفرد. فمسالة ضرورة حماية الحريات الأساسية للالفراد هي الجانب الذي يثير العديد من التساؤلات التي أصبحت تحاول مقايضة الحرية بالأمن،  فمهما كانت حاجتنا الى الأمن و الاستقرار فال يجب التضحية بالحرية، لان الأمن الحقيقي الدائم هو الأمن الذي ينجح في الانسجام مع أولوية الحرية التي تبقى حريّة مطلقة ال يمكن تحديدها الا بمقتضى الحرية ذاتها، و ذلك داخل نسق مماثل من الحرية للجميع، صحيح أنه لايمكن قبول تلك الحرية المطلقة التي لاتترك المجال لحرية الاخرين، غير أن هذه الحرية ال يكمن مقايضتها بمقتضيات الأمن القومي أو النجاعة الاقتصادية و الحاجة الاجتماعية، لان هذه الاعتبارات هي في أعماقها مجموعة من التبريرات الواهية التي تريد استغلال حاجتنا الى الأمن و الغذاء من أجل حرمان الأفراد من حرياتهم الأساسية التي يعتبرها راولز مبدأ أوليا ال يمكن التضحية به في سبيل النجاعة الاقتصادية كما هو شان النظرية النفعية،  أما فيما يتعلق بالمبدأ الثاني، فهو يثير العديد من الإحراجات، النّ البعض يرفض على نحو قطعي، صياغة نظرية في القسمة العادلة للموارد الاقتصادية في حين أن البعض الاخر يبالغ في نزعته المساواتية الى حد التعارض مع الحرية الفردية للتملك؛ فمسالة توزيع الموارد ذات أهمية متعاظمة، و ذلك لتمزق نظريات العدالة  بين المساواتية الماركسية المطلقة أو التحررية المطلقة عند روبير نوزك. لذلك سنحاول التركيز على شرح رولز لمبدأ التباين، حيث  يقيم رولز مبدأه في العدالة  على حجتين؛ تعتمد الأولى على مقارنة نظريته بما يعتبره الإيديولوجيا السائدة في مجال العدالة  التوزيعية أو المساواة في الحظوظ كمثال أعلى، و يعتبر رولز أن نظريته هي أحسن تعبير عن مثل الإنصاف التي تنادى هذه الإيديولوجيا باحترامها.

إن أول مبدأ يثبته أفراد "حجاب الجهل" هو الحريات السياسيَّة. تقسم الحرية بعدالة مثالية، كأنها قالب حلوى يقطعه شخص واحد لعدد معروفٍ من الأشخاص، تحت هاجس أنَّ آخر قطعة ستكون له شخصيا.

كل الأفراد يمتلكون نفس الدرجة من الحريات السياسية دون زيادة أو نقصان، والحريات السياسية مذكورة في قائمة طويلة مثل: حرمة الفرد من الانتهاك الجسدي والاعتقال العشوائي، الحقّ في المشاركة السياسية في الفضاء العام، وحرية التجمّع والانتظام في أحزاب وكيانات، تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، وحرية التعبير والمعتقد والإعلام، والحق بالتعليم والصحة العامة. التعليم والصحة العامة عند رولز مندرجان في المبدأ الأوّل، لضمان عدم تأثّرها بـ "تقلبات السوق"، راولز ليس ضد السوق، ولكنه مع تحديد سقفٍ للسوق، ومساحة الانسان خارجه، كما تسبق الحرية السياسية العدالة  التوزيعية الاقتصادية عند راولز، فللحرية السياسية أولوية قادرة على تعطيل أي مشروع توزيعٍ اقتصادي، إذا ما انتهك هذا المشروع أولوية الحرية. يشدد رولز على طاقة تعطيل المبدأ الأوّل بقوله: "على أولوية الحرية أن تكون بديهية.

وال يجوز المساس بالحريات السياسية، حتى لو كان هذا المساس يجلب نتائج اقتصادية مضمونة تعود بالعائد الإيجابي على كلّ أفراد المجتمع. بتأكيد أولويّة الحرية السياسيّة على التوزيع الاقتصادي، يريد رولز أن يقطع الطريق أخلاقياأمام الأنظمة الشموليّة التي تقدم نموذجاً اقتصاديًا ناجحاً مثل الصين. أنظمة قادرةٌ فعال على تحقيق نموّ اقتصادي ورفع مدخول الفرد، ولكن على حساب التخلي عن المبدأ الأوّل.

_فكرة العدالة  التوزيعية

تمثل التصور العام للعدالة الذي يصوغه راولز في فكرة أساسية مؤداها أنه يجب أن توزع كل الخيرات الاجتماعية الأصلية مثل الحرية والحظوظ، والدخل والثروة، وأسس تقدير الإنسان لذاته بالتساوي، الا إذا كان التوزيع غير المتساوي يخدم مصالح الشخص الأقل حظا من غيره يفهم "رولز" فكرة العدالة  في عالقة وطيدة بالقسمة المتساوية للخيرات الاجتماعية ، فيجب أن نعامل كل البشر بشكل متساو وذلك دون إزالة كل أشكال اللامساواة، بل إن إزالة اللامساواة تقتصر على اللاساواة غير العادلة التي تسيء الى وضع الأفراد الأقل فقرا، أما إذا كانت بعض الأشكال من اللامساواة ال تتعارض مع المصلحة العامة من خلال تطويرها للمواهب و للطاقات الاجتماعية النافعة، فال شكّ في أنّها ستكون مقبولة من الجميع. فإن كان نصيب شخص ما في الثروة يفوق ما حصل عليه يسهم في تطوير شروط تحقيقي لمصالحي الخاصة، فال بدّ من السماح بتلك اللامساواة بدل رفضها. وهكذا، فإنّ رولز ال يرفض اللامساواة بشكل مطلق، النّه يستثني اللامساواة العادلة. يمكن أن تكون الفوارق الاجتماعية مقبولة إذا أسهمت في الترفيع في الحصة العادلة مقارنة بما أحصل عليه في البدء، كما يمكن لهذه الفوارق الاجتماعية الا تكون مقبولة إذا كانت تلحق الضرر بتلك الحصة العادلة، وهو ما يمكن أن يحصل في إطار النظرية النفعية. لقد احتاج رولز في عرضه لمبادئ العدالة الى ترتيب تفاضلي لمختلف العناصر المكونة للنظرية، و يتمثل المشروع الذي اختاره راولز في تفكيك التصور العام الى أقسام ثالثة منظمة : وفق مبدأ "الأولوية المعجمية".

المبدأ الأول: لكل شخص حق متساو مع غيره في النسق الشامل من الحريات الأساسية المتساوية؛ حيث ينسجم ذلك مع نسق مماثل من الحرية للجميع.

المبدأ الثاني: يجب أن ننظم مظاهر التفاوت الاجتماعي والاقتصادي على النحو التالي:

- أن تكون لصالح الأقل حظا.

- أن تكون مرتبطة بوظائف و بمواقع مفتوحة للجميع و في إطار من المساواة العادلة في الفرص.

_مبدأ الفرق 


إن  فكرة "حجاب الجهل" هي جذرية لفهم رأي رولز في العدالة  التوزيعية منطقيا، الناس تحت تأثير الجهل وعدم اليقين، يحسبون حساب الاحتمال الأسوأ، وهو احتمال أن يجدوا أنفسهم في موقع الأضعف بعد صياغة المبادئ ونزع الحجاب وإعادة تيار كهرباء المعرفة. 

في حالة الخطر، لما يكون الإنسان أمام احتمالات متعددة، مع التأكيد على الشرط بأن نسبة حدوثها كلها هي متساوية، في هذه الحالة، منطقيًا، عليه أن يفكّر أكثر بالاحتمال الأسوأ. يجري الفرد في ذهنه الحوار العقلاني التالي: بعد إزالة الحجاب، إذا صدف حظي وكنتُ في موقع الأقوى اجتماعيًا، فسأنجو حتمًا، ولكنْ، إذا كنت في موقع الأضعف، فأنا بحاجة الى الحدّ الأدنى الضامن للنجاة. تحت تأثير "حجاب الجهل" تختارُ زيادة الحد الأدنى للرفاه، أو ما يسميه رولز بـ "تعظيم القليل"، خوفا من الاحتمال الأسوأ، النّ النجاة في الاحتمالات الاخرى مضمونة.      

_ مبادئ "تعظيم القليل" تضع حقّ الفيتو بيد الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع عند اختيار التوزيع الأفضل. وتطبيقها يغير إحساسنا بعبارة "المساواة الطبقية الكاملة"، والتي تمتلك طاقة أخلاقية إيجابية مقنعة بحد ذاتها، مثال لدينا أربعة أشكال توزيع. رغم أنّ التوزيع (أ) يحقق المساواة الطبقية الكاملة، إذْ يحصل الجميع على نفس القيمة (10)، الا أنّ الاختيار بحسب رولز تحت الجهل يجب أن يكون التوزيع (ج)، لان الأضعف في هذا التوزيع يحصلون على القيمة الكبرى (30) من بين كلّ احتمالات التوزيع الاخرى . يتمُّ اختيار التوزيع (ج) النه التوزيع الأكثر "تعظيماً للقليل" من بين كل الاحتمالات، بما فيها الاحتمال الذي يحقق المساواة الطبقية الكاملة. وهذا بالضبط ما يعنيه بـ"مبدأ الفرق" ، إذْ إن الفروقات الطبقية في التوزيع يمكن تبريرها والسماح لها، في حالة واحدة فقط، وهي لما ترفع الحد الأدنى للفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.

حسب راولز هناك نوع من  "التوتر الأبدي بين الخلق والتوزيع"، ثمة  حقيقة ال مفر منها، وهي أنَّ البشر يمتلكون قدرات متفاوتة على خلق القيم، تجعل من الصعب فرض تساوي توزيعها بينهم، دون انتهاك المبدأ الأوّل حتّى البشر الذين ينطلقون من نفس الشروط تمامًا، يخلقون كميات مختلفة من القيم أثناء مسيرتهم، وهذا التوتر أزلي،  إذا ما قمنا بانتزاع كل القيم التي يخلقها الأفراد بالقسر، كي نعيد توزيعها بالتساوي، فإنَّ الفرد سيصبح "عبدًا للمجتمع"،  فإذا تحقق التساوي في التوزيع دون انتهاك الحريات السياسية، فال مشكلة على الإطلاق، ويسمّي رولز هذه الحالة بـ "الدولة الاجتماعية الحرة". مرة أخرى: رولز ليس قطباً معاديًا أو مضادًا لماركس في الفلسفة كما يظن البعض، بل إنَّ "مبدأ الفرق" هو استيعاب لـ "حس العدالة  الماركسي" كما يسمّيه، حيث يتم السماح للفروق الطبقية فقط لما تكون لصالح الأضعف في المجتمع

_ المنفعية

   إن المنفعية  تؤكد على أنّ التمييز بين الفعل الخير و السيء، يتحدد بحسب معيار الرفاهية أو المنفعة المترتبة عليه. وهي في الغالب الأعم، ال تهتم ال بالتوزيع وال ب العدالة   الاّ إذا كان ذلك في صالح أكبر عدد ممكن من الأفراد من داخل المجتمع الإنساني. وبهذا، فهي تضحي بحقوق الأقليات، من أجل تحقيق ما يسمى بالرفاه العام. ويقول راولز في هذا المنحى: إن المنفعية ال تأخذ بعين الاعتبار " الطريقة التي يتم بها توزيع المجموع الإجمالي للاشباعات  بين الأفراد  كما أنها ال تأخذ بعين الاعتبار الحريات و الحقوق الأساسية للافراد بل هي تضحي بها في سبيل تحقيق أكبر قدر من النجاعة الاقتصادية، وتسحب مبدأ الاختيار العقلاني الفردي على الاختيار الاجتماعي، لان ما يهمها  في المقام الأول هو تجميع المنافع و حسابها و تأويجها، وهو ما يتعارض كليا مع المبادئ الأساسية للنظرية راولزية "مبدأ الفارق بالأخص" القائمة على ضرورة تمتع كل الأفراد بحرياتهم الأساسية على قدم المساواة  سواء الحريات السياسية أو الاقتصادية، أو الدينية ….. الى جانب التركيز على اللامساواة التي تخدم الفئات الأقل حظا من داخل المجتمعات الإنسانية كالنساء مثال، اللواتي يتعرضن للاقصاء والاستبعاد السوسيو سياسي نظراً لهيمنة الثقافة الذكورية من داخل المجتمعات الإنسانية.

       وبهذا، فإن المنفعية عطلت في تقدير رولز عودة مسالة العدالة التوزيعية الى حيز المباحث الفلسفية، ومنعتها من أن تكون فضيلة المؤسسات الاجتماعية.

       عموما يمكن أن نؤكد على أن الفلسفة المنفعية لها ثلاث أسس رئيسة وهي:

_ مبدأ الرفاهية/ و مبدأ التقويم بالأثر الراجع/ومبدأ التكثيف الأقصى (للمنفعة) تتمحور حول تصور فردي للقيم ينظر للمعايير المشتركة كحصيلة للمنافع الفردية المسجلة.

       لكن، علينا الا ننسى أن فكر راولز قد تطور كثيرا بفضل الانتقادات الموجهة اليه من قِبل المنفعيين، لدرجة أنه بدا في كتاباته الأخيرة –حسب بعض الباحثين- و كأنه يقبل ببعض القيم المنفعية أو على الأقل لا يعارضها،  وفي هذا الصدد، يقول رولز: "سوف يسعدنا إذ استطاع أتباع مذهب المنفعة، أن يجدوا في نظرتهم  الخاصة طريقة الاقرار بأفكار و مبادئ العدالة  كإنصاف، النهم بعملهم هذا يعني أنهم يمكنهم المشاركة في الاجماع المتشابك على ذلك المبدأ. إذاً لم تعن الملاحظات المتقدمة نقدا لمذهب المنفعة من حيث هو عقيدة شاملة، و العدالة   كإنصاف من حيث هي مفهوم سياسي للعدالة تتحاشى مثل هذا النقد حيثما ما أمكن، ومع ذلك ال بد لنا أن نصر على أن العدالة كإنصاف ليست في ذاتها نفعية".

يؤسس راولز  لحقوق انسانية أساسية، ال تخضع الي تداول نفعي، وهو ما عبرت عنه الفلسفة الكانطية –كما أشرنا-  بمفهوم الاستقلالية، والذي يؤكد على أن كل انسان من حيث هو ذات أخلاقية،  تتمتع بدور المشروع القادر على تبرير خضوعه للواجبات الاخلاقية بفعل كفاءته العملية، التي تتجلى أساسا في إمكانية تأطير الإرادة بالعقل أو ما يسميه كانط بالعقل العلمي، وهذا المفهوم  قريب الى حد بعيد من مفهوم  الكفاءة التداولية لرولز  المتمثلة في قدرته على إعادة بناء التزاماته وواجباته الاخلاقية و السياسية من خلال اختيار مبدأين  للعدالة ال يختلفان كثيرا في الواجبات الاخلاقية التي أسس لها كانط على الأقل من جهة تركيزهما على الحرية و المساواة ومحاولة التوفيق بينهما

الانتقادات الموجهة لنظرية العدالة  لجون راولز:

هناك العديد من المفكرين الذين قدمة انتقاداتهم لهذه النظرية وسنحاول ان نأخذ على سبيل المثال:

نقد جون هارساني: ثمة نقد وجه الى رولز حول مفهومي "تعظيم القليل" و"مبدأ الفرق" من قبل الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، الهنغاري- الأميركي، جون هارساني (1920- 2000) في مقال كتبه بعنوان "هل مبادئ التعظيم تخدم أساسيات الأخلاق.. نقد في نظرية جون رولز" عام 1975. 

عند هارساني الحياة ال يمكن أن تُبَنى على "توقع الاحتمال الأسوأ"، و"مبدأ الفرق" أداة غير فعالة عند اتخاذ القرارات الاخلاقية. أوضحَ اعتراضاته بمثالين. الأوّل هو أنَّ هنالك دومًا احتمال أن تنفجر الطائرة وتموت، إذا كنت في طريقك الى مقابلة عملٍ، من المؤكد أنّك ستنالها وستحسن وضعك المالي. بل إنّك لن تخرج من البيت إذا خططت لحياتك وأنتَ تتوقع الأسوأ دوما،  والثاني هو سيناريو وجود مريضين مصابين بمرض قاتل، والطبيب يمتلك جرعة دوائية تكفي لانقاذ شخص واحد فقط، وعليه أن يقرر، المريضة الأولى هي فتاة في ريعان شبابها، مشهود لها بالنجاح، وإنتاجها يعود بالفائدة الإجمالية على الجميع، وتمديد حياتها يعني حتمًا مزيدًا من النجاح والفائدة. والمريض الثاني هو عجوز على شفير الموت، مصابٌ أصال بمرض قاتل آخر، والجرعة ستطوّل حياته لثالثة أشهر إضافية فقط. يرى هارساني بأنَّ "مبدأ الفرق" سيعطي الجرعة لـ "الأضعف" وهو العجوز، وهذا "قرار أخلاقي خاطئ".

ثانيا: مبادئ  العدالة 

يقول راولز عن مبادئ العدالة  إنها المبادئ التي يمكن أن يتفق عليها أشخاص أحرار ومتساوون في وضع أصلي من المساواة ، اعتبار هذه المبادئ محددة للشروط الأساسية لاجتماعهم، و الملاحظ أن عبارة راولز تذكر الحرية والمساواة وتشدد على الوضع الأصلي من المساواة، وهو بذلك يؤسس مبادئ العدالة  على وضع أصلي من الحرية والمساواة،  وال يمكن أن يكون هذا الوضع الا وضعا افتراضياً لكنه رغم ذلك يتصف بخاصية أساسية، وهي غياب التراتبات الامتيازات، أي غياب التراتب الطبقي والجندري، وتنحية الثروة جانباً واعتبارها غير موجودة،  هذه الحالة من غياب التراتب الطبقي ينظر اليها راولز على أنها هي الحالة الأصلية للمجتمع، وهي التي يقيم عليها مبادئ  العدالة  ، معنى هذا أن راولز قد ربط الحالة الأولى، أو الوضع الأصلي أو حالة الطبيعة في نظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي، بحالة غياب التراتب الطبقي، وهي الحالة نفسها التي نظرت اليها الاتجاهات الشيوعية على أنها كانت الشكل الأصلي للمجتمع البشري الشيوعية البدائية، أو النظام المشاعي.

        إن صياغة مسالة المبادئ ليست مسالة سهلة، بل إنها مسالة عسيرة، وما اتسمت به المبادئ التي صاغها رولز هو أنها قابلة للتطوير وإعادة الصياغة والتعديل، ولكن قبل استعراض الصياغة الأولى و الثانية لابد من ان نشير الى أن الفكر الديمقراطي، قد عكس منذ قرنين بأنه ال يوجد أي إجماع حول الكيفية التي ينبغي أن تنتظم بحسبها المؤسسات الأساسية داخل نظام ديمقراطي، إذ ما كانت مطالبة بتحديد وتأمين الحقوق و الحريات الأساسية للمواطنين، وبالاستجابة لمقتضيات المساواة الديمقراطية باعتبارهم أشخاص أحرار و أنداد. أي أنّ هناك اختلاف كبير حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن نحقق قيم الحرية و المساواة في إطار البينة الأساسية للمجتمع على أحسن وجه. ذلك، أنه يجب الا أن ننسى بأنّ هناك تيارات مختلفة متصارعة فيما بينها، وخاصة بين تقليد جون لوك الذي يولي أهمية كبيرة لحرية التفكير و الاعتقاد وبعض الحقوق الأساسية المتعلقة بالشخص و بالملكية، وبين تقليد روسو الذي يركز على حرية القدامى أي تساوي الحريات السياسية وقيم الحياة العمومية.

       مهمة العدالة  كإنصاف هي التحكيم بين هذه التقاليد المتنافسة، وذلك باقتراحها مبدأين يلعبان دور الموجه في إطار تحقيق قيم الحرية و المساواة من طرف المؤسسات الأساسية، وهذه المبادئ مرتبة وقائمة على ما يسمى ب "مبدأ الأولوية المعجمية".

1_لكل شخص حق متساو مع غيره في النسق الشامل من الحريات الأساسية المتساوية حيث ينسجم ذلك مع نسق مماثل من الحرية للجميع.

2_    ينبغي تنظيم التفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية على النحو التالي:

  أ/ أن تكون لصالح الأقل حظا في المجتمع.

ب/ أن تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة للجميع في إطار من المساواة العادلة في الفرص.

       يقصد رولز بخصوص المبدأ الأول، حرية المشاركة السياسية في جميع مستوياتها، وحرية التعبير  والاعتقاد والحرية الشخصية مع حق تملك الملكية  الخاصة. وهذه الحريات، يجب أن يتمتع بها كل المواطنين على قدم المساواة، مادام أنهم في مجتمع عادل.

      أما المبدأ الثاني، والذي يمكن تقسيمه الى مبدأين (مبدأ تكافؤ الفرص، مبدأ الفارق)، فيما يتعلق بالأول، فإن الأمر يقتضي وجود اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، والتي تكون مبررة إذ كانت مرتبطة بوضعيات يكون لدى الجميع فرصة منصفة في احتلالها، بوجود مواهب معينة لدى كل فرد، أي أن الأمر ال يتعلق بتعادل النتائج، بقدر ما يتعلق بتكافؤ الفرص.

       أما الثاني فيتعلق بمبدأ الفارق، وهنا اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية و الاقتصادية، يتم تبريرها بأنها في صالح الفئات الأقل حظا من داخل المجتمع.

       إن المبادئ الراولزية، ناتجة من بناء هرمي مؤسس ابتداءً على تكريس الحريات الأساسية،  ثم الحرص على تكافؤ الفرص، أما مبدأ الفارق، فإنه يعطي الأولوية للدفاع عن مصالح الفئات الأقل حظا في المجتمع، مؤكداً أنه يكفي أن تتحسن وضعية الفئات الأسوأ حالا، لكي تعتبر الوضعية النهائية أكثر عدالة من الوضعية الأولى.

       إن هذه الصياغة  غامضة  وباعتراف حون رولز نفسه، لكن هذه الصياغة مختصة بالتطبيق على البينة الأساسية للمجتمع، فالأول مختص بالحقوق و الحريات والاخر مرتبط بتوزيع الامتيازات ذات الطابع الاجتماعي و الاقتصادي،  ومن جهة أخرى هناك عالقة معجمية بين هذين المبدأين، بحيث ال يمكن الانتقال الى المبدأ الثاني دون استيفاء المبدأ الأول، "وهذا ما يمكن دعوته بأولية الحريات الأساسية على كل المقاربات الاجتماعية و الاقتصادية"،   والبد من الاشارة في هذا الإطار، الى أن هناك اختلافا بين المبدأ الأول و الثاني، فإذا كان مبدأ الحريات  أكثر استقرارا، لكونه يقوم على أساس مبدأ المساواة في الحريات، فإن المبدأ الثاني يحتاج الى دعامة تبريرية أكبر، نظرًا النه يسعى الى إضفاء طابع العدالة  على وضعية تفاوتية.

وإن المبدأ الثاني، قابل أن يؤول الى الكثير من التأويلات، لكن رولز يحدد أربع تأويلات، إذ يمكن قراءته كمبدأ يدافع على نظام الحرية الطبيعية، أو على المساواة الليبرالية، أو على الارستقراطية الطبيعية أو المساواة الديمقراطية، وبالتالي يختار رولز التأويل الأخير باعتباره الأنسب لنظرية  العدالة   كإنصاف.

كما أنه قام بتعديل مبادئه وصياغتها  على الشكل الآتي:

1.    لكل شخص نفس الحق، في نظام منسجم بشكل كلي مع الحريات و الحقوق الأساسية المتساوية بالنسبة للجميع و المتساوق مع نفس النظام بالنسبة للكل.

2.    يجب أن تخضع التفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية لشرطين.

أوال: يلزم أن تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة في وجه الجميع حسب الشروط المنصفة لتكافؤ الفرص.

ثانيا: يجب أن تكون هذه التفاوتات للصالح الأفضل للأعضاء الأكثر حرماناً في المجتمع.

المحاضرة الرابعة: النظرية المساواتية" العدالة المساواتية"

يعدّ رونالد دوركين من بين أهمّ مفكّري التّاريخ المعاصر وفلاسفته في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، يتعارض دوركين - تعارضًا كليًّا - مع كلّ تقليد فلسفة القانون الوضعيّة الّتي تهتمّ بدراسة القانون كواقع في كلّيّته، كما مثّلت نظريّته في المساواة مساهمته الأبرز في النّظريّة السّياسيّة الّتي لا تزال - إلى اليوم - واحدة من المواقف الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين.

 

يعود نجاح دوركين في البلدان الأنجلوسكسونيّة إلى الوظيفة الّتي لعبتها نظريّته الحقوقيّة، كنظريّة مضادّة للواقعيّة والوضعيّة القانونيّة، غير أن تفكير دوركين لم يقتصر على مجال الحقوق؛ بل مثّلت الحقوق مجالًا وإطارًا لتكوين فلسفة الحكومة العادلة، حيث يحافظ على التّوتر بين وصف الممارسات ومبرّراتها لمساءلة معنى الحقّ ذاته، باحثًا في الأشكال الّتي يجب أن يتّخذها ليكون عادلًا وعلى حقّ؛ فهو لا يفصل - كما هو الشّأن عند الفلاسفة - المشكلات النّظريّة عن المشكلات التّطبيقيّة.

لقد جدّدت أعماله - بداية - مسائل فلسفة الحقّ والقانون، معيدة نقاش مسألة الحقوق والقوانين الطّبيعيّة والوضعيّة، أما على مستوى الفلسفة السّياسيّة؛ فهو يدافع عن ليبراليّة أخلاقيّة مطوّرًا نظرية في العدالة التّوزيعيّة الّتي يقدّمها "كتفسير موحّد للمساواة والمسؤوليّة، محاولًا السّعي إلى التّغلّب على أوجه القصور "في مبدأ الاختلاف" عند رولز؛ حيث تبدو أطروحات دوركين تمسّ الفلسفة الأخلاقيّة كما الفلسفة السّياسيّة، ونظريّة الحقوق والخطابة القضائيّة، وقد ساهمت هذه الأطروحات - دون شكّ - في استقطاب المشهد القانونيّ والحقوقيّ المعاصر، جاعلة من دوركين أحد ركائزه وعناصره الأساسيّة، لذلك؛ كثيرًا ما يُصنَّف ويُوضَع بجانب كلّ من كولسون وروس أو هارت حين يتعلّق الأمر بنظريّته في الحقوق، أو بجانب هابرماس ورولز حين يتعلّق الأمر بالفلسفة السّياسيّة، غير أنّه - بعيدًا عن هذه المقارنات - تمكّن دوركين من فرض نفسه كفيلسوف رئيس في القانون وفي حقوق الإنسان،

لقد ساهمت أسفار دوركين في تحويله إلى شخصيّة مشهورة ومعروفة في الأوساط القانونيّة من المختصين والجامعيّين، كما اشتهرت كتاباته - خاصّة - في المجتمع الحقوقيّ، وساهمت في التّعريف به كأحد أركان الفلسفة الحقوقيّة المعاصرة، وكفيلسوف اللّيبراليّة الأخلاقيّة، وتقوم نظريته على مجموعة من المبادئ:

المساواة:

سلط رونالد دوركين الضوء على ما أسماه  اللغز الأبوي بمقال عنوانه “ما هي المساواة” في عام 1981. وكتب بأن الأبوين في مثل هذه الحالة بين هدفين لتحقيق المساواة: أحدها “تكافؤ الموارد” ويتم تحقيقه عن طريق تقسيم الورث بالتساوي، ولكن له جانب سيء وهو تجاهل الفوارق الجوهرية بين الأطراف. الثاني “تكافؤ المصالح” بمحاولة اعتبار الاختلافات عن طريق حسابات معقدة. إذا أخذنا الطريق الأول فسوف نقع بتجاهل الفوارق الجوهرية بين الأبناء. وإذا أخذنا الثاني، فإننا نخاطر بتقسيم الورث بشكل خاطئ وغير متساوي.

فهناك مشكلة في معرفة مشكلات نزعة المساواة (egalitarianism). فالعقل هنا يحارب العاطفة لأن تلك التعقيدات لا تخرج عن نطاق القانون الأخلاقي. وعندما أقرأ لوالدرون وأندرسون ومونك ومفكرين آخرين حول نزعة المساواة، أجد نفسي أتذكر وقتًا عندما كان عمري إحدى عشر أو اثني عشر عامًا، فقد كان والداي منفصلين والحديث بينهما قليل. ذلك الوقت ذهبت فيه إلى ثلاث مدارس متوسطة في ثلاث سنوات، إحداها سيئة، والأخرى متوسطة، والأخيرة جيدة. كانت المدرسة السيئة قريبة من منزل أمي، حيث كنا نعيش في الطابق السفلي، بعد أن قمنا بتأجير الطابق الرئيسي. كانت المدرسة الجيدة في ضاحية غنية، سجلت فيها من خلال إدعائي بالعيش في عنوان لصديق للعائلة يملك شقة صغيرة، فوق مساحة تجارية. (هذا يسمى: الاحتيال في التسجيل وهو أمر شائع في جميع أنحاء البلاد، خصوصا في الأماكن التي بها مناطق تعليمية غنية وفقيرة متجاورة

حدّد دوركين مشروعيّة حكومة ما بعملها على تحقيق الشّروط الآتية: التزامها بإعطاء جميع المواطنين نفس القدر من الاحترام والاهتمام على قدم المساواة؛ إذ يقول دوركين في هذا السّياق: "يجب على أيّة حكومة شرعيّة أن تعامل مواطنيها ليس فقط بقدر من الاهتمام؛ بل باهتمام متساوٍ، أعني: أنّها يجب أن تتصرّف بحيث تولي نفس القدر من الاهتمام لتأثير برامجها السّياسيّة على حياة أيّ مواطن، والشّرعيّة السّياسيّة ليست مسألة أبيض أو أسود؛ بل مسألة درجة (a matter of degree)؛ فالحكومة الّتي تُنتخب بموجب إجراءات تسمح للأغلبيّة باستبدالها في الوقت المناسب، وتراعي - إلى حدّ كبير - الاهتمام المتساوي بالمواطنين، والمسؤولية الفرديّة لكلّ واحد منهم عن إدارة حياته الخاصّة، قد تكون شرعيّة بالقدر الكافي، بحيث لا يكون العصيان المدنيّ الشّامل مبَرَرًّا، حتّى لو كانت بعض سياسات هذه الحكومة - كسياساتها الضريبيّة على سبيل المثال - تُظهر قدرًا من اللّامبالاة بالكرامة الإنسانيّة، تلك اللّامبالاة الّتي - إذا زادت عن حدّها - تقضي على الشّرعيّة تمامًا"

ففيما يتعلّق بالاحترام المتساوي للمواطنين، يعني دوركين؛ أنّ الجميع ينبغي أن يكونوا أحرارًا في اختيار نموذج الحياة الّذي يناسب كلّ واحد، كما أنّه ليس من حقّ الدّولة أن تفرض أو تقول لمواطنيها كيف ينبغي عليهم أن يعيشوا.

في حين أن الاهتمام المتساوي يقصد به؛ أنّ على الدّولة أن تكفل تكافؤ فرص الحصول على الموارد اللّازمة لمواطنيها، لمواصلة نموذج العيش الذي قاموا باختياره.

فوفقًا لدوركين؛ يجب تصوّر - أوّلًا - توزيع مثاليّ للموارد، لنتخيّل أنّ كلّ الأفراد نزلوا على جزيرة مهجورة، غنيّة بالموارد المتنوّعة الّتي لا تعود لأي واحد، لتوزيع هذه الموارد على نحو عادل دون المساس بالاحتياجات الفرديّة؛ الأفضل وضعها - كلّها - في المزاد - أي المزاد العموميّ - حيث يشارك فيه كلّ الأفراد، وفيه يدفعون أثمان اختياراتهم.

يهتم دوركين  بنموذج توزيع يأخذ باعتباره تباين التّطلّعات الفرديّة؛ حيث "يطلب منّا دوركين تخيّل حالة تكون فيها كلّ موارد المجتمع موضوع مزاد علنيّ، يشارك فيه كلّ أفراده، وينطلق الجميع بنفس المقدرة الشّرائيّة - في المثال المعتمد من قبل دوركين يحدّدها بمائة صدفة - يستخدمونها لاقتناء الموارد الّتي تبدو لهم موافقة أكثر لخططهم في الحياة، وإذا أنجز هذا المزاد كما ينبغي سيرضى كلّ فرد بالنّتيجة الّتي حصل عليها، أي أنّه لن يفضل أيّ أحد من الأفراد سلّة خيرات غيره عن تلك الّتي فاز بها هو لنفسه، وفي حال عدم الرّضا؛ يمكن للشّخص أن يتقدّم بعرض للحصول على الأشياء الّتي يتطلّع إليها بدلًا عن تلك الّتي حصل عليها، وإذا سار المزاد في الاتّجاه الصّحيح؛ سيجد كلّ النّاس أنفسهم في نفس الوضع، أي أنّ كلّ واحد منهم سيفضل سلّة خياراته عن تلك التي لغيره، وذلك هو ما يسمّيه دوركين "اختبار الحسد"

إنّ قبول الأفراد بنتائج المزاد وتعبيرهم عن حالة الرّضا، يعكس معاملة الدّولة لهم بطريقة متساوية، ذلك أنّه - حسب دوركين - فالتّباينات بين الأفراد لا تعبّر سوى عن اختلاف تطلّعاتهم، وعن تنوّع في التّصوّرات يضفي زخمًا على معنى الحياة، كما يحمل الأفراد مسؤوليّة اختياراتهم، وحتّى إن ظهرت التّباينات فيما بعد؛ فهي تعود - بالأساس - إلى مسؤوليّة الفرد، ورغبته في أن يعيش طريقة معيّنة في الحياة، مختلفة عن تلك التي اختارها آخرون، لذلك؛ يجب علينا أن نميّز اللّامساواة النّاشئة عن عدم المساواة في الهبات الممنوحة في الموارد منذ البداية، عن تلك النّاجمة عن الخيارات الطّوعيّة أو المخاطرة الّتي يتّخذها شخص ما، فمن الطّبيعيّ - في نظر دوركين - أنّ أولئك الّذين يختارون العمل أقلّ - على سبيل المثال - يجب أن يتكيّفوا مع عدد أقلّ من الموارد؛ فالشّيء المهمّ - بالنّسبة إلى دوركين - أنّه لا أحد يعاقب كونه غير محظوظ، وراثيًّا أو اجتماعيًّا، مع ذلك - يجب لفت الانتباه إلى المسؤوليّة الفرديّة، من هنا؛ نفهم أمل دوركين في التّوفيق بين موقف الاشتراكيّين والمحافظين، بين أنصار المساواة وأنصار الحرّية والمسؤوليّة، مع ليبراليّته المساوتيّة؛ و نظام المزاد العموميّ؛ أنّنا في حاجة - أيضًا - إلى الثّاني، كي تؤخذ في الحساب الاختيارات الفرديّة ، نتبيّن أنّ فلسفة دوركين السّياسيّة تضع الملامح الرّئيسة لاتّجاه ليبراليّ معاصر، صار يعرف الآن "اللّيبراليّة الاجتماعيّة"، وهو يسعى إلى تقديم تصوّر جديد للعدل الاجتماعيّ، يعارض به أهمّ فيلسوفَين في الفلسفة السّياسيّة المعاصرة، هما (جون رولز) الّذي انحاز في تصوّره للعدل الاجتماعيّ للمساواة على حساب الحرّيّة، و(روبرت نوزيك) الّذي ذهب في تصوّره للعدل الاجتماعيّ إلى أنّ الحرّيّة الاقتصاديّة تتعارض - تمامًا - مع المساواة.

فإذا كانت هذه نظريّته في سياسة المساواة اللّيبراليّة الّتي تسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة في "المزاد العموميّ" و"التّعويض من خلال نظام التّأمين"، وتطبيق ذلك على أرض الواقع من خلال "الضّرائب وإعادة التّوزيع"، فكيف هي نظريّته في فلسفة الحقّ والقانون؟

الحقّ:

يحافظ دوركين على نظريّة ليبراليّة في الحقوق، توفّر بديلًا للنّظريّة اللّيبراليّة المهيمنة في الحق "المتكوّنة من مزيج من الوضعيّة القانونيّة والنّفعيّة"، ووفقًا لدوركين؛ فإنّ الوضعيّة القانونيّة لفيلسوف القانون البريطانيّ هربت هارت لا تكفي لوصف الممارسة القانونيّة القائمة؛ لأنّها تقدّم نظريّة نفعيّة تجيب - بطريقة غير شرعيّة - عن مشكلة العبثيّة القراريّة للقضاة.

إنّ ممارسة السّلطة التّقديريّة يعني؛ أنّ القضاة لا يمكنهم أن يأخذوا قرارات اللّجوء إلى حجج المبدأ، بمعنى مقتضيات إيتيقيّة أخلاقيّة، لنضع في بداهتنا وجود مبادئ قانونيّة، يقول دوركين: "إنّ القانون لا يمكن أن يختزل إلى مجرّد نسق من القواعد

فهو يشمل - أيضًا - مبادئ تحدّد التزامات المشرّع والقاضي، وتستند إلى تصوّر سياسيّ للأخلاق، هذه المبادئ تعود إلى حقّ طبيعيّ أكثر جوهريّة وبداهة؛ الحقّ المجرّد في الاهتمام المتساوي والاحترام المتساوي، هذا الواجب الأخلاقيّ: هو "مصدر السّلطة العامّة للأهداف الجماعيّة والقيود الخاصّة المفروضة عليه في نفس الوقت"فالقضاة "مضطرون لإظهار أنّ قراراتهم السّياسيّة ترتبط بالحقوق الفرديّة، وليس بالمصلحة العامة.

 الحقوق الفرديّة

وحسب دوركين: هي أصول سياسيّة محتجزة من قبل الأفراد، والأفراد لهم حقوق عندما يكون - لسبب أو لآخر - هدفًا مشتركًا ليس كافٍ لحرمانهم ممّا يرغبون في الحصول عليه كأفراد، أو حين لا يشكّل مبررًا كافيًا لفرض خسارة أو ضرر عليهم"

لذا؛ يقدّم دوركين الحقّ بعدّه تحليل تفسيريّ، ويقارن التّفسير القانونيّ بالتّفسير الأدبيّ؛ حيث تسمح له هذه المماثلة بعرض المنهج الّذي يتّبعه القضاة، ويجب عليهم اتّباعه لحل القضايا القانونيّة الصّعبة، ينبغي النّظر إلى القضاة كما الرّوائيّون في كتابة سلسة من الرّوايات، مثل روابط في سلسلة كبيرة من القانون، وهو ما يفسّر عودة دوركين إلى مبدأ "وحدة القانون" كمعيار للحكم في القضايا الصعبة، في سبيل استخلاص مبادئ قانونيّة على ضوء نظرة شموليّة إلى القانون وتسلسل العمل القضائيّ، وكأن القضاة هم كتّاب رواية واحدة، متمكّنين من بناء تنظيم قضائيّ متراتب ومتجانس.

لذلك؛ يعتقد دوركين أنّه ثمّة شرطان محدّدان لقبول تفسيرات صادرة عن ممارسات قضائيّة بعينها دون غيرها، هما:

الشّرط الأوّل: يجب ألّا يكون وفيًّا للممارسات الموجودة.

الشّرط الثّاني: يجب أن يكشف - أيضًا - عن المعنى أو القيمة.

يصبح القضاة بتبنّي مثل هذا المنهج – كما هرقل - قضاة مثاليّون يمتلكون موهبة المهارة والمعرفة، وصبرًا ما فوق بشريّ لإيجاد تفسير جيّد يقودهم إلى الاعتراف بأنّ أحد الطّرفين له حقّ يقينيّ في كسب الدّعوى، حتّى في الحالات القانونيّة الصّعبة، لهذا؛ يؤسّس دوركين نظريّته القانونيّة على تصوّر ليبراليّ للمساواة، متّبعًا في ذلك رولز، لكنّه يقبل - بخلاف رولز - بأنّ معاملة مساوتيّة يمكن أن تقتضي الأخذ بعين الاعتبار قيم الأخلاق السّياسيّة القائمة على حجج براغماتيّة وواقعيّة، وهذا ما يميّز تبريراته المتعلّقة بشأن المواقف السّياسيّة.

القانون:

بتحليل نظريّته القانونيّة "إمبراطوريّة القانون" يدافع دوركين عن نزاهة القانون الّذي يتّفق - حسب رأيه - مع أفضل وصف وتبرير للمبادئ القانونيّة"فحين يسلّط الضوء على فضيلة النّزاهة السياسيّة؛ فهو يطمح للقطع - بطريقتين - مع الفلاسفة التّعاقديّين، متجاهلًا في ذلك المنظّرين الكبار للعقد، وتتطلّب النزاهة أن يكون الفعل السّياسيّ منسجمًا، ومستندًا - من حيث المبدأ - على ضمان الحقوق الفرديّة ووحدة القانون.

"فمبدأ نزاهة المداولات يوصي القضاة بتحديد الحقوق والواجبات القانونيّة - قدر الإمكان - مع افتراض أنّهم - جميعًا - أثر خالق واحد، وأنّهم يمثّلون المجتمع في شخصه، وأنّهم تعبير عن تصوّر متماسك للعدالة والإنصاف (...)".

حسب قانون النزاهة؛ فإنّ الأطروحات القانونيّة صحيحة، إذا كانت تظهر في مبادئ العدالة

والإنصاف، أو في إجراء ضمان محاكمة عادلة تحمل التّفسير الأكثر بنائية للممارسة القانونيّة الجماعيّة، أو ما إذا كانت مستمدّة من هذه المبادئ"

إنّ النّزاهة لا تعني - فقط - توحيد القواعد القانونيّة في نسق حقيقيّ من القانون؛ إنّما تتطلّب - أيضًا - دمج الأفراد في مجتمع سياسيّ حقيقيّ، بهذا المعنى، يدافع دوركين عن تصوّر أخويّ للمجتمع، يدعو إلى إعادة تعريف الالتزامات السّياسيّة، فالاندماج لا يعني فضيلة ميتافيزيقيّة، لكنّ المثل الأعلى للأخوّة الّتي من خلالها تعدّ المسؤوليّة الجماعيّة ككلّ، تسبق مسؤوليّة القادة المعتبرة بشكل فرديّ، وإذا كانت المؤسّسة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة تميل - صراحة - إلى الوضعيّة التي أسسها هارت في مفهومه للقانون، موجّهًا جهده نحو تقديم وصف عامّ للظّاهرة القانونيّة؛ فإنّ الأمر بالنّسبة إلى دوركين يبدو على خلاف ذلك؛ إذ يعدّ خطأ الوضعيّة متأتّ من نزوعها إلى التّمييز الجذريّ للأخلاق عن القانون، وممّا يعزّز هذا التّأكيد في الوضعيّة: التّمييز الصارم بين خطاب وصفيّ يتعلّق بالوقائع، وخطاب توجيهيّ يحمل القيم الأخلاقيّة.

هذا الاختلاف في الطّبيعة يدين الهوس الوضعيّ للتّجريب والاختبار التّحقيقيّ؛ فهذا يُفحَص على حساب إعادة تشكيل المسألة القانونيّة، بالتّالي، لا يسعنا أن نميّز الأسئلة حول القانون، كما هو عن الأسئلة حول القانون كما يجب أن يكون؛ فالاعتبارات الوصفيّة والتّوجيهيّة ضرورة مرتبطة بطبيعة التّفسير لمفهوم الحقّ والقانون.

هذه البنية تخصّ المسار الجديد المفتوح من قبل دوركين في كتابه الشّهير الّذي صنع شهرته: "أخذ الحقوق على محمل الجدّ"، ويمدد دوركين هذه الفرضيّة النّظريّة بمنح الفرق بين القواعد والمبادئ الأساسية دورًا مهمًّا، وقد بنى حوله جهازًا إثباتيًّا يسمح بالعودة إلى الظّاهرة القانونيّة في مجملها، هذه هي المهمّة الّتي يقوم بها دوركين في كتابين من أعماله الرّئيسة؛ "مسألة مبدأ"، و"إمبراطوريّة القانون"، تكمل - هذه المهمّة - عمله النّظريّ، ثم يسعى إلى عرض الاعتراضات الّتي أثارها الوضعيّون ضدّ نظريّته وتطويرها، وتفريع الآثار الأوليّة لنظريته في تفسير القانون، فانطلاقًا من مختلف المفاهيم الّتي أبدعها؛ يبحث دوركين في نموذج الإكراهات الّتي تفرض على القضاة ومفسّري القانون.

يبدو دوركين - انطلاقًا من "إمبراطوريّة القانون" - ملزمًا بتطبيق نظريّته في القانون، ومقارنة المبادئ المنصوص عليها من قبل القضاة، لتسليط الضوء على تلك الّتي - في الواقع - هي أساس النّظم القانونيّة.

لقد قاده هذا الطّريق إلى الحوار مع الفلسفة السياسيّة، خاصّة، مع نظريّات العدالة، مؤكّدًا وموسّعًا تصوّرًا محدّدًا لحقوق الإنسان.

لقد أظهر دوركين - منذ بدايته الفلسفيّة - قلقًا سياسيًّا إزاء واقع سياسيّ مأزوم نتيجة افتقاده للشّرعيّة الأخلاقيّة؛ فنظريّته في القانون مؤسّسة على عدم الفصل بين الأحكام الوصفيّة والتّوجيهيّة، ملتمسًا ضمنيّات أخلاقيّة ملموسة من نظريّته في القانون، والتّأكيد على مبادئ في صميم النّظم القانونيّة انطلاقًا من أمثلة الأنجلوسكسونيّة، متماثلة مع فلسفة سياسيّة أصليّة يسمّيها اللّيبراليّة المساوتيّة، مبديًا التزامه السّياسيّ بالدّفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها؛ حيث نتذكّر نقده الحادّ للمحاكم العسكريّة، والطّبيعة الاستثنائيّة لسجن غوانتنامو، لتناقضه مع القواعد الأساسيّة للمحاكمة العادلة، أو - أيضًا - إثارة الحقوق الاجتماعيّة كمسكّن ضروريّ لعدم المساواة العرضيّة في الحياة، مقدّمًا برنامجًا في الضّمان الاجتماعيّ، هذه البرامج النّظريّة والسّياسيّة لدوركين أثارت ردود أفعال سواء بين العقيدة الأنجلوسكسونيّة أو خارجها، مثل أيّ فكر يسعى إلى تنظيم مجاله والبحث عن التّموقع في الحياة العامّة.

لقد اعترضت دوركين ردود فعل مختلفة بعضها سلبيّة والبعض الآخر إيجابيّة؛ حيث تمثّلت ردود الفعل الإيجابيّة في تشجيع دوركين على استخدام منهج العقلانيّة العمليّة، والدّفاع عن الخبرة القانونيّة وحماية القانون، أمّا ردود الفعل السّلبيّة؛ فهي تعترض وتدحض هذه الحجج وهذا التّمشّي، وأول خصومه كانوا من الوضعيين، من هنا؛ نفهم مهاجمة دوركين لكتاب هارت، وسعيه إلى إبطال الفرضيّة الأساسيّة للوضعيّة القائمة على ضرورة التّمييز الجذريّ للمعرفة القيميّة عن معرفة الوقائع، كما يثير دوركين معارضة قويّة داخل تيّارات واقعيّة أو ذات نفس سوسيولوجيّ، تنطلق من تحليل للحقوق من حيث علاقات القوّة.

وفي السّياق نفسه؛ يلقي عليه بعض الفلاسفة السّياسيّين اللّوم، بسبب دفاعه عن ليبراليّة مساواتيّة على أساس حماية قضائية واسعة للحقوق، غير أنّه، مهما تكن الانتقادات الموجّهة ضدّ النّظريّة الحقوقيّة والقانونيّة الدّوركينيّة؛ فإنّه لا يمكن نكران فضله في تأسيس نظريّة فلسفيّة في الحقوق والسّياسة العمليّة؛ حيث إنّه كثيرًا ما يستشهد بها من قبل المدافعين عن أشكال العقلانيّة التّطبيقيّة، ويرى فيها هؤلاء منهجًا وطريقة في التّفسير يمكن أن تمثّل شكلًا من أشكال العقلانيّة القصديّة المتميّزة عن العقلانية المعرفيّة الخالصة، الّتي كثيرًا ما وقع تبنّيها من قبل الفاعلين القانونيّين والجهات القانونيّة، خاصّة، القضاة الّذين يبحثون عن توصيف لممارساتهم الخاصّة في عرض الحقّ في أفضل حالاته.

 

المحاضرة الخامسة: النظرية الجماعاتية" العدالة الجماعاتية"

كلمة “جماعاتية  Communitarianism” عبارة عن تسمية تم إدراجها من قبل أخرين لوصف النقاش الذي تمخض عن بعض الانتقادات التي وُجّهت إلى الليبرالية سواء من قبلي أو من قبل أخرين.

الجماعاتية تقترح أن القيم السائدة في أية جماعة معطاة وفي أي زمن معطى هي قيم عادلة،  و طريقة التفكير في العدالة هي النظر في الآراء التي تصدرها الأغلبية في أية جماعة خاصة، وفي أي وقت معطى، وإطلاق اسم “العدالة” عليها،   و “الجماعاتية” تقترح الأغلبوية أو نوعا معينا من النسبية الأخلاقية.

إذا كانت الليبرالية نظرية تحيل الى الفردانية ونظرية الحقوق الخاصة، فان الفرد في العالم المعاش لا يجد نفسه متفردا بدون سياق اجتماعي يحتضنه، ومن  هنا سؤال البعد الاجتماعي لليبرالية، وسؤال الأولوية بين الفرد والجماعة.فإذا كان اليمين الليبرالي يقول بأولوية الفرد على المجتمع انطلاقا من القول بأولوية الحرية على المساواة، كان اليساريون و يحاولون التوفيق بين الفرد وسياقه الاجتماعي عبر تقديم قيمة المساواة عن الحرية أو مزاوجتهما، فان التيار اليبرالي  يقول بأهمية السياق الاجتماعي في حياة الأفراد يفرض نفسه، يتقدم فيه المجتمع عن الفرد، من حيث أنه يحتضنه مشكلا إطاره الفكري والتصوري العام ، هذا التيار وإن كان ليبرالي المرجعية فانه يقول بأولوية وأهمية المجتمع، وينطلق من فكرة أن الفرد الليبرالي وحقوقه الفردية لا يمكن أن توجد إلا في اطار مجتمع ليبرالي، وهذا التيار يسمى بالجماعاتية أو المجتمعية(Communautarisme.)
الجماعاتية هي"فلسفة سياسية تأخذ في اعتبارها ضروريات الاعتراف الاخلاقي والقانوني للجماعات
".وفيها تبرز عدة أسماءفكرية بارزة والزر، تايلور، الكسندر ماكنتاير
فإذا كان والزر لا يقر بصريح انتماءه الى توجه معين، فان  أفكاره يمكن أن تدراجها في  تيار الجماعاتية، وذلك نظرا لانها  لا تتمثل خارج اطار العدالة  الاجتماعية، وقد كان من أهم ما طرحه والزر في فلسفة العدالة: نظرية المساواة المعقدة ونظرية الحرب العادلة._ العدالة المجتمعية
يرفض والزر المقاربة الليبرالية القائلة بالفردانية والكونية سواء في شكلها الكلاسيكي أوكما قال بهاجون رولز أو كما تراها النظرية الليبرتارية في  سياقها التاريخي فبالنسبة لمايكل والزر لا يمكن الحديث عن العدالة خار-الاجتماعي، من هنا يوجه نقده لنظرية رولز في العدالة، حيث ينتقد الخلفية الغير تاريخية و"الطابع التجريدي لبناء رولز ويرى غياب العلاقة بينه وبين الحقيقة الفعلية لجماعة إنسانية ما .

في هذا السياق يرفض والزر تماما فكرة العقد الاجتماعي التي تحيل الى تخيل حالة مبدئية مجردة عن الوضع الأصلي للبشرية، يمكن من خلاله تحديد مبادئ العدالة بإرادية وعقلانية، فالطابع الفرضي المجرد الذي يستند لمسلمة الطبيعة الذرية والعقلانية لتاريخي لبشر لا يقوم على أي أساس فكرة الطبيعة .

وبالتالي فان الخلفية ووعي القيمي للفرد يتشكل داخل الاطار الاجتماعي، هذا ما يقود
 الاطار الجماعاتي الرافض للمايكل وازلر الى تبني الطروحات الليبرالية لمرجعية القيم الفردية، حيث أنه"لا يمكن ان يوجد مجتمع عادل مادام المجتمع غير موجود

_ من هنا يقترب والزر من التصور النفعي ويبتعد عن التصور الكوني الليبرالي.
_ تنفي بعض النظريات الجماعاتية المعاصرة مثلما هو الحال عند مايكل والزر فكرة الارادة الفردية، حيث تركز على  تجذر القيم والأفكار داخل مرجعية تقاليد أو قيم  مجتمعية موجودة سلفا، ومن هنا تظهر أهمية المرجعية الاجتماعية في كل نقاش حول العدالة ميتافيزيقية عن العدالة وهذا ما يحيل الى رفض كل الأسس، حيث أن العدالة باعتبارها نتاجا مجتمعيا، تخضع الى منطق الصيرورة التاريخية وتغيراتها، أي بمعنى أنها تخضع لسنن التغير والنسبية والتعدد. فبسبب تعدد المجتمعات وإختلاف العادات والتقاليد والمرجعيات، فانه يستحيل فعليا إيجاد معيار عدالة كونية تستند مطلقة الى أسس إنسانية مطلقة.
_تقود النزعة الجماعاتية والزر الى تصور محافظ عن قضية الهجرة.حيث يبدو متحفظا حيال موجات تدفق المهاجرين الأجانب ، ويدعو إلى تقييدها وقنونتها بما يخدم مصالح المجتمع المستضيف، فبالنسبة له فإن موجات هجرة غير محسوبة قد تشكل خطرا على المجتمع المستضيف ذاته ورفاهية أفراده المنتمين ، لذا فإنه يعطي حق التصرف في قبول المهاجرين منعدمه الى القرار السيادي للمجتمع والدولة الراعية له ، وإلا فإنه"لن تكون هنالك جماعات لها طبيعة البعض وشعور تجاه بعضه رابط حمي خصوصية تتصف بالاستقرار التاريخي ، تشتمل على رجال ونسوة تربطه بالانتماء.

أي ان على كل دولة ان تحدد استراتيجياتها الخاصة في ما يخص قبول المهاجرين الأجانب، وبهذا فانه
الكونية ويقول بالخصوصية التي هي خاصة التصورات الجماعاتية بامتياز يقطع مع طرح.
اذا كانت العدالة لا تحدد مرجعية مطلقة وفق أسس مشروعيتها تؤسس، فان الحل بحسب والزر يكمن في رعايتها والسهر على تطبيقها عبر المؤسسة الراعية للمجتمع، أي الكيان السياسي أو الدولة فوالزر من المدافعين الصريحين عن تدخل الدولة في حماية المنظومة القيمية للمجتمع، وهو بهذا يبتعد عند مبدأ الحياد الليبرالي، الذي يرفض أي تدخل للدولة في الحياة الخاصة والاجتماعية للأفراد فهو اذا يقف ضد كل من الليبراتريين والفوضويين مدافعا عن تدخل تدعمه الدولة أكثر لصالح العدالة الاجتماعية، ضد الفقر، ومن أجل المساواة
_ في هذا السياق يرى بأنه لا يمكن وجود مجتمعات فردانية حرة بدون عمليات مجتمعية وثقافة للفردانية ونظام سياسي يحمي كل هذا.
يرفض والزر أن تكون العدالة عبارة عن منظومة مطلقة تمثل بنية واحدة، فالعدالة بالنسبة له ليست مبدأ ميتافيزيقيا قبليا، بل انها قيم  بعدية تتحقق في علاقتها مع محيطها الخارجي، من هنا لم تعد العدالة كلا واحدا، بل أصبحت طبيعتها متنوعة ومتعددة بحسب الحقول والمجالات التي تشتغل فيها وبها، ان وجود عدة حقول أو عدة دوائر للعدالة يقتضي اذا وجود عدة معايير، حيث يختلف المعيار باختلاف الحقل، باعتبار هاته الحقول مختلفة ومتشابكة في ما بينها داخل النسيج الاجتماعي، "ينتهي والزر الى تعدد دوائر العدالة وهي دوائر يحكمها الصراع والتنافي،  وتنظر الى المقومات الاجتماعية على أنها مقومات غير متجانسة فيما بينها، و بمعنى آخر لا توجد نظرية نمطية في العدالة صالحة لكل مجالات الحياة الاجتماعية.فكل مجال من هاته المجالات يمثل حقلا قيميا خاصا تحكمه معيارية عدالة خاصة به.فالسياسة لها معيارها الخاص المتمثل في المصلحة، في حين أن السوق له معياره الخاص المتمثل في العرض والطلب، والتعليم  معياره الكفاءة والأسرة لها معيارها الخاص وهكذا... ان وجود حقول للعدالة، يفضي الى القول بأن"كل واحد منها له طريقته الخاصة في التوزيع، حيث يمكن أن يتشكل شعور باللاعدالة حينما يهيمن مجال على مجال آخر. مثلا حين يهيمن معيار السوق على كافة المجالات الاخرى في الدولة، بحيث يلغي كافة المعايير الاخرى، خاضعة كلها لمنطق العرض فتصبح السياسة والأسرة والتعليم  فان ذلك يفضي بنا الى حالة اللاعدالة وطغيان معيار مجال معين على بقية المجالات.
_ يفرق والزر بين المساواة البسيطة على ما تمثلها المقاربة الليبرالية النمطية القائمة على واحدية معيار العدالة، وبين المساواة المعقدة على ما تمثله مقاربته في العدالة.فيدافع والزر عن مساواة معقدة من حيث"أنها ليست مساواة في كل مجال، بل هي نوع من التوازن .

_ من هنا يصل والزر الى تعريف للطغيان يحيله الى الهيمنة والاحتكار،حيث أن الطغيان يعني أن
يستعمل الفرد السلطة التي حصل عليها منأحد المجالات ويفرضها على المجالات الأخرى.وتعريف الطغيان عنده يقارب هنا تعريف  بليز باسكال
_ان القول بحقول العدالة وتعدد معاييرها، اضافة للإطار الاجتماعي التاريخي لبلورة أفكار العدالة، يحيل الى نظرية معقدة المحددات حول العدالة، يبلورها مايكل والزر تحت مسمى"المساواة المعقدة."ويظهر منها مبدئيا دفاعه عن التعددية القيمية، وإمكان الاختلاف الثقافي والحضاري.لكن اذا كان نقد والزر لأفكار الكونية الليبرالية يمتد الى اليمين واليسار الليبرالي، فان نقده لليبرالية السياسية ذات الصفة الكونية والمجردة.
_نظرية الحرب العادلة
يعتبر والزر أهم من تكلم عن  مفهوم"الحرب العدالة"في الفلسفة السياسية الراهنة، لكن باعتبار والزر منظرا
لنظرية المساواة المعقدة وما تجسده من خلفية جماعاتية تدع تصورا عن التعددية القيمية والثقافية والنزعة النسبية، فان
السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتلائم نظرية"الحرب العادلة"التي تستلزم معيارا ثابتا ومطلقا عن العدالة، مع التعددية المعيارية والقيمية التي يدعو اليها والزر في أفكاره عن العدالة السياسية والاجتماعية.
الحرب العادلة بما هي مفهوم اخلاقي ذو بعد كوني،رلا تشمل فقط المعيارية القيمية لكل مجتمع على حدة،بل هي تمتد لتشمل محددات اخلاقيات المجتمع الدولي أحد اهبعامة،حيث يحيل الخوض فيها الى اشكالية عويصة داخل بنية فكر مايكل والز ذاته، أي جدل الخصوصية والكونية .فوالزر يسيرعلى"النهج نفسه الذي سار عليه مفكري الحرب العادلة في العصور الوسطى والعصر الحديث، وتقليد الحرب العادلة عنده هو مجموعة من مبادئ والمعايير الأخلاقية التي تحدد الوسائل والغايات بالنسبة لاستخدام العنف من جانب الدولة. وهذه المبادئ والمعايير الأخلاقية مُلزِّمة، كما ان  المفهوم عن الحرب العادلة يحيل الى مفارقة وعدم تناسق في داخل أفكار والزر عن العدالة ذاتها. لتجاوز هاته المفارقة يلجأ والزر الى العدالة المجالية، من الخلفية الجماعاتية لأفكاره ومرجعيتها الاجتماعية، فبالرغم فإن النقطة التي تسوغ أفكاره هنا، وما يساعده على إيجاد  حل نظري لهذه المفارقة هي مقولة"العدالة المجالية"،حيث أن لكل مجال طبيعته الخاصة من أفكار العدالة، فالعدالة في المجتمع لها محدداتها الخاصة، والعدالة في الحرب بالمثل.
عموما يحاول والزر أن يقترح حلا توفيقيا بين عدالة المجتمع وعدالة الحرب، حيث أن"حقوق الأفراد بالنسبة إلى والزر تعد قيما أساسية تنبع مما يدعوها لأخلاقيات المُجملة التي تشترك فيها مع ما يدعوه
الأخلاقيات المفصلة. أي المبادئ الأخلاقية الخاصة بكل مجتمع على حدة.وهذه الأخلاقيات المُجملة مشتركة بين كل المجتمعات الانسانية، أي أنها ذات إجماع مُتداخل بين التقاليد الأخلاقية.
يرفض والزر المقاربة السلمية لمذهب المسالمة(pacifisme)،حيث يقبل ظاهرة الحرب لكن بشرط ان تخضع للمعايير الأخلاقية.فيقترح في هذا السياق عدة ضوابط أخلاقية لشن الحروب، تجعل منها تشرعن فقط وفق حالتين ألا وهما التدخل الانساني و"الحرب الاستباقية" كما أن الممارسة الحربية يجب ان تخضع لمجموعة من الضوابط  والأخلاقية السلوكية، من شأنها أن تجعل من الحرب أمرا مقبولا وخاضعا لمعيارية الأخلاق والعدالة.

المحاضرة السادسة: النظرية النسوية "العدالة النسوية"

تعتبر المساواة قيمة من القيم الليبرالية الرئيسية التي تطرح عديد الاشكالات.وفي الفترة المعاصرة تحديدا تم تداول عديد القضايا المتعلقة بالمساواة النظرية والتطبيقية، التي كانت من أهمها، قضية المساواة بين الجنسين، وفي هذا السياق تظهر النظرية النسوية كإحدى أهم الطروح الفكرية المعاصرة المنافحة عن مقولة المساواة بين الجنسين فهي من حيث جديتها وجذريتها في الطرح، تقدم نفسها كإعادة قراءة نقدية لترتيب القيم الانسانية في مسارها التاريخي.فإن كانت هذه المقاربة حديثة الظهور نسبيا،من حيث أن ظهورها يعود الى نهايات القرن التاسع عشر فقط، فإنها اليوم وبانخراطها في صلب النقاشات الليبرالية، أصبحت من أكثر الأفكار والقضايا مثارا للنقاش والجدل في ساحة  النقاشات السياسية والاجتماعية والثقافية، خصوصا في المدى الليبرالي ، باعتبار النسوية قبل كل شيء نظرية مساواتية من داخل السياقا لليبرالي، ويبقى السؤال المطروح هو حول طبيعة وتمثلات مفهوم المساواة كما تنادي به الأفكار النسوية.


وانطلاقا من خلفية مساواتية، تقول  النسوانية بالمساواة بين الجنسين، تقوم"النسوية"بإعادة قراءة للعلاقة الجندرية بين الجنسين.فالنسوية تقترح نفسها وفق هذا السياق كنظرية جندرية(gendre)تحاول اعادة قراءة وترتيب العلاقة بين الجنسين داخل النسيج الاجتماعي، بغية كشف مواطن الخلل في التراتبية التي تصب لصالح الذكر على حساب الأنثى، .كل ذلك بهدف تحقيق غاية المساواة ،حيث أن مفهوم العدالة الخاص بالنسوية مرتبط ارتباطا وثيقا بترتيب العلاقة بين الجنسين، ولا يمكن الحديث عن نظرية نمطية نسوية بالعموم،لأنه يوجد هنالك عدة مقاربات ونظريات وتصورات في هذا السياق فالنظريات السياسية النسوية المعاصرة تجمع عدة وجهات نظر،متنوعة ومتعددة في مقدماتها ونتائجها.

وتنطلق النسوية من فكرة أن أفكار العدالة في شكلها المتعارف عليه تستند الى رؤية قيمية صاغتها الفلسفة الكلاسيكية التي تهيمن عليها الصبغة الذكوررية، ترى كثير من النسويات أن المبادئ الفلسفية التي صيغت تحت تأثير حصري من العقليات والمصالح الذكورية، غير قادرة على معرفة احتياجات المرأة بطريقة مناسبة
حيث أن مجمل القيم الناتجة عنها هيمنة الذكر متحيزة لتكريس الذكورةعلى حساب الأنوثة بطريقة أو بأخرى، وهو ما يشكل مدى فكريا شاملا ومخيالا جمعيا ومحكوما بمسلمات ذات طبيعة ذكورية، تشكل في مجملها ما يعرف ب"الثقافة الأبوية"،  وهذه الأخيرة هي ذاتها المسؤولة عن تهميش المرأة ودورها في المجتمع، كما أنها مسؤولة أيضاعن منح الامتيازات  للذكر على حساب الأنثى، بحيث يمارس الذكر الوصاية على الأنثى، وهو ما يفسر فارق الانجازات والامتيازات والقدرات بين الذكر والأنثى، التي تتشكل بعديا وقبليا حتى أن  مقاربات النسوية الجذرية ترد كل الفوارق بين الذكر والأنثى لأسباب ثقافية بحتة، فهي ترفض بهذا تعريف العدالة كما هو متعارف عليها،لا بل تعتبره تهميشا لدور المرأة، لهذا تقترح الدراسات النسوية أن تبدأ العدالة أولا من فحص إشكالية المساواة بين الجنسين.
_تدعو النسوية في أشكالها الأكثر جذرية إلى نظرية ما يعرف ب"التمييز الايجابي"،القائل ب"ضرورة تدخل الدولة في الحياة الاجتماعية وذلك لحماية المرأة من ممارسات إجتماعية غير ليبرالية، كما يجب ضرورة ممارسة الدولة التمييز لصالح المرأة، لتعويضها عن التمييز والقهر قرونا طويلة، ولتحقيق التوازن مع الرجل في المجتمع.ويشمل التمييز من وجهة نظرها سياسات دعم المرأة عبر منحها امتيازات للتوظيف،و"نظام المحاصصة في المناصب العامة، بحيث تكون هذه الممارسات مؤقتة حتى تتحقق المساواة الفعلية بينالرجال والنساء.
اذا كانت النسوية تتفق بشكل واسع مع الرؤية الليبرالية، بالخصوص مع اليسار الليبرالي الذي يقول بأولية قيمة المساواة، فإنها من جهة أخرى تنتقد وجهات نظر الليبرالية الكلاسيكية، حيث ترى كثير من النسويات أن المشكل يكمن في المبادئ المغلوطة منذ البداية، فالمنظرون الكلاسيكيون سواء تعلق الأمر باليساريين أو اليمينيين متحيزون جنسيا، للمساواة محكوم بتصور تبعية المرأة للرجل وأن تصوره
_ إن التنظيرات الليبرالية الكلاسيكية التي تؤس للفصل بين الخاص والعام، تستند الى مقدمات مغلوطة عن علاقة الرجل والمرأة في هذا المجال الغير قابل لحسابات القيمة الأخلاقية، .البنى الثقافية القبلية والأسرة بهذا المعنى وفق تصورات النظريات النسوية تغدو البنية الأولى لتشكل علاقات الهيمنة واللامساواة بين الذكر والأنثى داخل النسيج الاجتماعي، وهذا ما يتجلى أيما تجل في نظريات العقد
الاجتماعي، التي تهمل تماما بنى العدالة داخل الاسرة، مثلما يظهر عند رواد النظرية في عصر التنوير وحتى عند جون رولز بصيغة أخف، لهذا فإن الرهان يتحول مع الرؤية النسوية نحو تسليط الضوء على محددات العدالة داخل الأسرة، نظام الكوتا أو المحاصصة يعني تخصيص مجموعة معينة من الحصص لفئة معينة، بهدف ضمان نوع التوازن والانصاف في التوزيع، بحيث تكون القسمة مؤطرة قبليا وفق مخطط هذه الحصص، مثل تخصيص عدد مقاعد معين ان تشغله نساء في البرلمان او المجلس، ويسمى أيضا بنظام المحاصصة النسائية الذي يهدف الى فرض حضور المرأة في محيط معادي لهن وفق الشروط العادية.

أن غاية العدالة في النظريات النسوية هي بالعموم تحقيق المساواة ،وذلك عبر القضاء على أشكال التفاوت النوعي بين الجنسين.
_العدالة الاجتماعية عند نانسي فرايزر تعتبر المفكرة الأمريكية نانسي فرايزر احدى أكثر الوجوه الفكرية التي يمكن تصنيفها في التيار النسوي تأثيرا وإنتاجا في الساحة الفلسفية.فلها اهتمامات خاصة بالعدالة، حيث وجهت أبحاثها نحو البحث في اشكالية العدالة وتأثيراتها
في حياة الانسان الراهنة، كما أن أعمالها الفكرية تعتبر مقاربة نقدية لنظريات اليمين الليبرالي وخصوصا النيوليبرالية.
كذلك فقد قامت بدراسات وافية تنتقد فيها أعمال كبار فلاسفة ومفكري المدرسة النقدية الألمانية وعلى رأسهم أكسل هونيث و يورغن هابرماس. كمنظرة نسوية منخرطة في اليسار الليبرالي، فان مفهوم العدالة عند فرايزر يحيل ضرورة الى تصورالمساواة كقيمة أولية للعدالة الاجتماعية، فترفض فرايزر مسلمة

_الحياد الأخلاقي للدولة التي يدعو اليها أنصار اليمين الليبرالي، وترى بأن هذا الحياد المزعوم في النظرية الليبرالية يخفي وراءه أشكال من اللامساواة والهيمنة المسكوت عنها في مسلمات النظرية الليبرالية.فطبيعة تصور العلاقات الاسرية ومحددات سوق العمل بين الرجل والمرأة في المقاربة الليبرالية، تؤسس  لتفاوت جذري بين الجنسين، كما أنه حتى دعوات الليبرالية الجديدة المتأثرة بصعود خطاب الحقوق النسوي، تؤسس
الى تسليع المرأة وشكل مخفي من التفاوت بدلا أن تحقق المساواة المرجوة، هنا تعيب فرايزر على بعض التوجهات النسوية سذاجتها وغفلتها التي دفعتها الى التحالف مع الليبرالية الجديدة، وهو ما جعلها تفرط في حقوقها طوعا،  لأشكال جديدة من التفاوت تحت دعوى الحصول على امتيازات زائفة تؤس.
فرايزر تتفق مع جون راولز _الذي بدوره له عدة تقاطعات مع التوجهات النسوية_في دعواها إلى إقرار العدالة الاجتماعية، لكن هذا الأمر يضعها من جهة أخرى في صدام نقدي مع أه دعاة نظريات العدالة الاجتماعية


حيث ترى في هذا إقصاء لعديد الفئات المهمشة تاريخيا وعلى.مفهوم كبديل تدعو لتأسيس مفهوم جديد  قادر على استيعاب الفئات المهمشة والمستبعدة فالعدالة بحسبها لا تتحقق فقط بتحقيق توزيع
اقتصادي عادل يكون بمثابة  سياسية عادلة   جدلية الصراع من أجل الاعتراف لا يمكن تصورها خارج سياق الانوثة حيث ترى فرايزر أن منظور هونيث للعدالة هو منظور أحادي البعد
فالاعتراف هو علاج للمظالم  لإنسانية في ذاتها.
_فالتصور الشمولي للاعتراف عند هونيث هو ما يجعله يحصركل القيم في براديغم الاعتراف ويهمل جوانب أخرى من المقاربة القيمية.حيث"أن براديغم الاعتراف هذا صار براديغم سياسي فحسب، و بإمكانه مجابهة باقي الإشكالات الأخرى القائمة خارج أفق السياسة، ضمن مسار الحياة العامة للمجتمعات الغربية المعاصرة
".وهذا التنميط والاختزال هو وجه القصور في مقاربة الاعتراف عند هونيث من وجهة نظر فرايزر، والتي تقترح أن يحصل الجميع على الحق في البحث عن الاعتراف في شروط توفر فرصا مساوية بين الجميع، وهذا الذي لا يحدث في منظومات تأويل مؤسسة تحط بطريقة دائمة من حضور الأنوثة واللون الغير الأبيض والمثلية الجنسية، كل ما يمثلها ثقافيا ومن هنا فمن الأفضل ان يكون الاعتراف أحد قضايا العدالة، من أن يكون كافيا في ذاته للتعبير عنها.

إذن فبحسب فرايزر فان التنظير لمفهوم صائب عن العدالة الاجتماعية، يتطلب أولا معالجة سياقات تبلور اللاعدالة، والتي تراها تنشأ في مجالين رئيسين:

_الأول هو لاعدالة التوزيع، حيث أن توزيع الموارد الاقتصادية يمثل عاملا رئيسيا في تولد اللاعدالة داخل المجتمع ومعالجته تتطلب مقاربات في عدالة التوزيع كما يقترحها جون رولز.
_الثاني هو لاعدالة الاعتراف، حيث أن التهميش وغياب الاعتراف واستبعاد فئات معينة لأسباب جنسية أو عرقية أو عقائدية، يمثل اه محددات اللاعدالة الثقافية، كما تضيف شرطا  هو المشاركة السياسية

_ثالثا  حيث تربط  المشاركة السياسية حتى يشمل كل الفئات المهمشة العدالة بتحقيق مبدأ المساواة.
تربط نانسي فرايزر تحقق العدالة الاجتماعية بتحققها في ثلاثة سياقات رئيسية :الثقافية والاقتصادية والسياسية.
ومقاربة العدالة عند فرايزر هي ما تجعلها تذهب إلى البحث في خطابات الاحتياجات والعوائق المعرفية والأخلاقية المتصلة به من أجل العثورعلى حل ولتنصف هؤلاءالذين يعانون التهميش والتمييزالعنصري داخل فضاء المجتمعات الرأسمالية المتأخرة، وهو ما يجعلها تتبنى الدفاع عن قضايا من قبيل النسوية والمثلية الجنسية وغيرها.
_نظرية أخلاق العناية

يعد مفهوم"أخلاق العناية" مفهوما حديثا في الفكر الراهن وهو أحد المفاهيم النظرية التي  أنتجتها
التنظيرات النسوية الراهنة الذي يرجع بأصوله الى أعمال منظرات النسوية الامريكان المعاصرات، على رأسه خوان تورنتو، كارول جيليغانو،  صاحبة فكرة التفريق بين نمطين من الأخلاق أخلاق العدالة ذات الطبع الذكوري، وأخلاق العناية فهي ذات الطبيعة الأنثوية.على خطى جيليغان توافق خوان ترونتو على فكرة وجود نمطي الأخلاق هذان كما نظرت لهما جيليغان، لكنها تخالفها في رفض أن  يكون كل نمط أخلاقي خاص بجنس معين، فالذكور أيضا يشملهم نمط أخلاق العناية، كما ترى بأن استبعاد المرأة من الحياة العامة لفترات طويلة عبر التاريخ هو المفسر الفعلي لافتقادها لحس متطور عن أخلاق العدالة.
"ان عمر أخلاق العناية هو عقود قليلة فقط، وبعض المنظرين لا يحب تسمية هذا الاتجاه في معالجة القضايا الأخلاقية بلفظة عناية، وحاولوا استبداله بلفظة أخلاق المحبة أو الأخلاق العلائقية، ولكن المناقشة
تعود باستمرار للعناية بوصفها حتى الآن أكثر التسميات التي أخذت بعين الاعتبار، على الرغم من أن البعض يبقى غير راض عنها، ولمفهوم العناية ميزة عدم إهمال العمل المتعلق بالعناية بالناس، وعدم السماح بتفسير الأخلاق على أنها شيء مثالي وغير عملي، قد يقدم بعض منظري أخلاق العناية أفكاره على أنها مناقضة ل"اخلاق العدالة، كما يظهر عند كارول جيليغان لكن بشكل أو بآخر فان أخلاق العناية هي مقاربة في العدالة بمفهومها الواسع.

_مقاربة العدالة المجردة فعلى عكس ذلك  فان نظرية أخلاق العناية تعمد على ادخال الاخلاق و الجوانب العاطفية في عملية التقييم ،وهو ما كانت الأخلاق الكلاسيكية تعمد على تجتنبه سابقا، انطلاقا من التصور الذي يفصل بين العدالة والعاطفة، حيث ترفض  أخلاق العناية رأي النظريات الأخلاقية السائدة التي تقول: كلما إزداد التفكير في المشكلة الأخلاقية تجريدا إزدادت صحته، لأنه كلما إزداد امكان تجنب الانحياز والعشوائية اقتربنا من النزاهة ، فمع أخلاق العناية تصبح الانفعالات
العاطفية مكونا أساسيا من مكونات القيم الأخلاقية، وليست نقيضا لها.
تمثل أخلاق العناية بهذا نقدا جذريا لمقاربة العدالة التجريدية ،من حيث أنها تتعلق بحالات جزئية متفردة، بدلا من القوالب الكلية النظرية كما يظهر في مقولات الأخلاق التقليدية،  فأخلاق العناية هي أخلاقيات للمعاش اليومي، وهي بهذا تمثل قطيعة مع التصورات الأخلاقية الكلية. أخلاق العدالة في تصورها الأخلاقي سواء في شكلها النفعي أو المثالي،َ تعلق الأمر بمرجعية عقلانية أو دينية، تشترك في سمة مميزة هي أنها تعمد فصل القيمة الاخلاقية عن الانفعال العاطفي _تهدف مقاربة أخلاق العناية أولا الى كسر نمطية ثنائية العام والخاص في الليبرالية،  التي تدرج الاسرة الاسرة في المجال الخاص الخارج عن  حقل معيارية العدالة و  بالتالي خارج امكانية تدخل الفعل السياسي ، كما بينت الحركة  كيف  أن القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية العظيمة للرجال نظمت هذا الاطار الخاص من غير مصلحة للنساء والأطفال وكيف جعلت النساء غالبا تابعات للرجال  وخاضعات لتقسيم  ظالم جدا للعمل في الأسرة
_ ترفض نظرية أخلاق العناية التصور الفرداني الليبرالي للذات البشرية، من حيث أنه تصور للذات الانسانية في امتدادها الذري المبعثر والأناني.فتصور أخلاق العناية للذات البشرية لا يمكن فصله عن السياقات العلائقية بين البشر في أبعاده العائلية والاجتماعية والسياسية، حيث أن هذه العلاقات تفترض وجود نوع من المسؤولية والعناية بين الأنا والآخر، وهو ما يخرج  عن مسلمات التصور الليبرالي الكلاسيكي عن الذات البشرية.

تقول نظرية أخلاق العناية بأولوية العناية في منظومة القيم ، فالعناية تسبق العدالة، لأنها أكثر أهمية، حيث يمكن للبشر أن يعيشوا بدون عدالة، لكن لا يمكنهم ان يعيشوا بدون عناية، .فلولا العناية لما تمكن الرضيع من النشوء والترعر ولقيمة العناية أهمية جوهرية بالنسبة لكل أشكال الحياة، فهي توجد حتى عند الحيوانات التي قد تفتقر لاي حس أخلاقي  لكنها تجد نفسها مجبولة على العناية بصغارها بحكم الغريزة فالعناية هي المبدأ الوحيد الذي يكسر قسوة الحياة ووحشيتها، وهذا ما يستوجب جعل العناية قيمة جوهرية في النظرية الأخلاقية بحسب منظري أخلاق العناية. لقد تطورت أخلاق العناية في السنوات الأخيرة الماضية بوصفها بديلا واعدا عن الاتجاهات الأخلاقية السائدة التي طرحت خلال القرنين الماضيين، فهي تغيرالطرق المعتادة في تفسير المشاكل الأخلاقية وتغيرأيضا رؤية الكثيرين لما يجب أنتكون عليه المقاربة المفضلة لمعالجة المشاكل الأخلاقية.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا الدرس غير جاهز لبدئه بعد

11.jpg   Université Setif2 EL Hidhab

22.png  N°tel:036-66-11-25

44.png  pgsetif2@ univ-setif2.dz

_______________________________________________________________________________

©  Université Setif2 EL Hidhab Setif

 

ملخص الاحتفاظ بالبيانات