الجزائر مطلع القرن 20

          محاضرات فيتاريخ الجزائر المعاصر 

                                    (السداسي الثاني) 

 

المستوى: السنة الأولى علوم إنسانية    

  المحاور:  

- مقدمة عامة: 

  1. حركة الأمير خالد.
  2. دراسة الاحزاب السياسية والجمعيات الوطنية 1926-1939.
  3. نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب.
  4. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحزب الشيوعي الجزائري.
  5. مشروع بلوم فيولت والمؤتمر الإسلامي. 
  6. الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية إلى 1954

 

  مقدمة: 

   غالبا ما يشار إلى الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830  كبداية لنمط جديـد مـن الاسـتعمار ، يختلف من حيث الأهداف والأساليب عن سابقه، وعادة ما يقسم المؤرخون الاستعمار إلى قسمين: 

الاستعمار التقليدي: وهو ذلك الشكل الذي يجسد سيطرة القوى البحرية الأوروبية التقليدية-البرتغال ،اسبانيا، هولندا، انجلترا، وفرنسا- على مناطق شاسعة في إفريقيا واسيا والعالم الجديد بداية من القرن الـ15، وغالبا ما ارتبط هذا الشكل من الاستعمار بإنشاء مراكـز تجاريـة و بالسـيطرة علـى الطـرق البحريـة الرئيسية واستغلال الثروات النفيسة لتحقيق الرفاهية المادية للغرب، بما في ذلك باستخدام أسـاليب إبـادة الشعوب ونهب ثرواتها ،والشـعار الـذي رفعـه الانجلوسكسـون في أمريكـا الشـمالية The only good "Indian is a dead Indian – الهندي الوحيد الطيب هو الهندي الميت- هو مثال جيد عن عمليات الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر في القرنين الـ15 و الـ16.   

الاستعمار الحـديث: يعتبر القس الاسباني بارتوني دي لاس كاساس Las Casas  (1474-1566)(*)  أول من رأى انه من المهم جدا تسخير شعوب المناطق المحتلة لخدمة مصالح القوى الاستعمارية، حيث شن حملة للـدفاع عـن الهنـود الحمـر في العـالم الجديـد، وجـاء خلفـاؤه من بعـده بفكـرة رسـالة التمـدين La mission civilisatrice  وجـوهر الفكـرة؛ تكـوين طبقـة اجتماعيـة مـن الشـعوب المحتلة موالية ثقافيا وفكريا للغرب  وهي الرسالة التي تولى تجسيدها المبشرون واللبراليون بأسلوبين مختلفين ،وغالبا ما يتم اعتبار المستوطنين الأوروبيين في الجزائر نموذجا للاستعمار التقليدي، في حين كان اللبراليون وهم في الغالب من ممثلي الإدارة الفرنسية- أمثال ادوارد هيريو، موريس فيوليت، شاتينو،جاك شوفاليي- يمثلـون الوجـه الحـديث للاسـتعمار، ولا يمكـن بأيـة حال فهـم ذلـك الصـراع بـين ممثلـي الإدارة الفرنسية في الجزائر والمسـتوطنين الأوربيون إلا من هذه الزاوية، وهو أيضا نموذج جيد لفهم تباين توجهات  النخبة السياسـية في الجزائر في البدايات الأولى للقرن ال 20 بين دعاة المساواة والاستقلاليين وهو يعكس فيالحقيقة نجاحا نسبيا لدعاة رسالة التمدين.

  I. ظهور النخبة الجزائرية وبروز حركة الأمير خالد:

يمثل ظهور النخبة الجزائرية أواخر القرن الـ19 بديلا طبيعيـا لإخفـاق المقاومـات الشـعبية، وهـي النخبة التي آمنت منذ البداية بالنضال السياسي لتحسين أحوال الجزائريين السياسية والاجتماعية ،وظهورها هو أيضا نتيجة طبيعية لاحتكاك المهاجرين الجزائريين بفرنسا بالحركات اليسارية وبالنقابات العمالية في هذا البلد، وتأثرها بالفكر وبنمط الحياة الغربي ([1])

هذه النخبة تبنت منذ البداية أسلوب النضال السياسي وهو الأسلوب القائم علـى الضـغط و التغيير السلمي وأدواته في الغالب هي الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والجرائد والإضرابات والمظاهرات، وغالبا ما يتم النظر إلى العام 1912 باعتباره بداية للمقاومة السياسية الجزائرية ، حيث اعتبرت مذكرة "لجنة الدفاع عن مصالح المسلمين" 26 جوان 1912 التي رفعت إلى الرئيس الفرنسي "بوانكاريه" Poincaré مؤشرا قويا على بزوغ جيل جديد من الجزائريين يحمل الثقافة الفرنسية، ويسعى للدفاع عن مصالح شعبه في إطار القوانين الفرنسية. 

 

-          بروز حركة الشبان الجزائريين: 

       تعتـبر حركـة "الشـبان الجزائـريين"  Les Jeunes Algériens أول تنظـيم للنخبـة الجزائريـة في فرنسا، والأرجح انه ظهر سنة 1892 على يد فئة جزائرية مثقفة ثقافة فرنسية تشتغل في مجالات التعليم والترجمة والطب والتجارة، وتطالب بالحقوق السياسية والاجتماعية

للجزائريين، ([2]) ومن ابرز هؤلاء بلقاسم بن التهامي، مختار حاج سعيد، و الشريف علوي، وللتعبير عن آرائهم انشئوا جريدة التقدم عـام 1904، كما ظهرت لهم العديد من النوادي والجمعيات في الجزائر، منها ما يعود إلى سنة 1885، ومـن ابرز ها جمعية "الراشدية" بالعاصمة 1902، و"صالح باي" بقسنطينة 1907، ونادي التقدم في عنابة والشبان الجزائريين في تلمسان، كما ظهرت لهـم أيضـا جرائـد المصـباح والهـلال وكوكـب إفريقيـا والمسـلم في وهران والعاصمة وقسنطينة، وكانت أفكارهم في الغالب تصب في خانة المساواة بين الجزائريين والفرنسيين والإدماج. 

 وبعد صدور قانون التجنيد الإجباري 03 فيفري 1912 الذي قوبل برفض شديد من الجزائريين ومعارضـة المستوطنين لإدماج الجزائريين في الجيش الفرنسي خوفا على مصالحهم، أرسل "الشبان الجزائريين"وفدا عنهم لمقابلة الرئيس بوانكاريه يـوم 18 جـوان ([3])1912)

وطالـب الوفـد بـالحقوق الأساسية التالية: 

-       إلغاء قانون الأهالي (الانديجينا).

-       المساواة في التمثيل السياسي في مختلف المجالس.

-       المساواة في دفع الضرائب.

وبالرغم من أن الحركة قد نجحت نسبيا في كسب تأييد شريحة من الشعب الجزائري، إلا أنها كانت تعاني من عدم وجود شخصية قوية بإمكانها تحريك الشارع الجزائري ،وهذا قبل انضمام الأمير خالد إلى حركة الشبان الجزائريين عام1913.  

-       ظهور النشاط السياسي للأمير خالد : 

في البداية تولى الأمير خالد منصب مسؤول الإعلام في حركة الشبان الجزائريين، وحاول في افريل 1914 تشكيل تحالف بين الجزائريين وفرنسا، وتبنى نفس المطالب التي تنادي بها الحركة ، ومع ذلك اظهر الأوروبيون في الجزائر سخطهم على الأمير خالد والشريف بن حبيلس الناطق الرسمي للحركة، وعبروا عن تخوفهم من تجسيد أفكار الحركة خصوصا مبدأ المساواة والاعتراف بالحقوق السياسية، وبعد نهاية الحرب، ترأس الأمير خالد وفدا لحضور مؤتمر فرساي  ونجح في تسـليم رسـالة لأحـد مرافقي الرئيس الأمريكي ولسن في 19 ماي 1919، وهنا شعر الفرنسيون بالخطر، ونجح والي الجزائر "لوفيبور" Lefebure في التفريق بين الأمير خالد وحركة الشبان الجزائريين بعد إثارته لمسألة ربط الجنسية الفرنسية بالتخلي عن الأحوال الشخصـية، حيـث وافقـت جماعـة بلقاسـم بـن التهـامي علـى موقـف الـوالي وأصر جناح الأمير علـى الجنسـية الفرنسـية مـع الاحتفـاظ بـالأحوال الشخصـية، وانسـحب أنصـار الاتجـاه الأول من الحركة ،وفاز جناح الأمير في الانتخابات البلدية في نوفمبر1919 ثم افريل 1920 ثم في الانتخابات الجزئية في جويلية 1921على خصومه المدعمين من قبل الادارة الفرنسية، وفي جانفي 1922 أسس الأمير خالد جمعية "الأخوة الجزائرية" كبـديل عـن حركـة الشـبان الجزائـريين،[4]1) لكـن مسلسـل التضييق على الأمير خالد كان قد بدا فعلا وتم اتهامه بالتطرف الديني وبنزعة الانفصال والعمالة للحزب الشيوعي مما اضطره إلى الانسحاب من العمل السياسي في افريل 1923. 



(*)  هو صاحب فكرة اختطاف زنوج إفريقيا (1512) واستغلالهم في العالم الجديد وحجته في ذلك هي أن المسيحية في حالة حرب مع الإسلام (لأنه عايش فترة طرد المسلمين من الأندلس)

([1]) صالح فركوس، تاريخ الجزائر: من ماقبل التاريخ إلى غاية الاستقلال، عنابة، دار العلوم للنشر والتوزيع ،2005، ص403

([2]) عمار بوحوش ، تاريخ الجزائر السياسي: من البداية ولغاية 1962، دار الغرب الإسلامي،  ص 203

([3]) نفس المرجع السابق، ص 204

(4) عمار عموره، الجزائر بوابة التاريخ: ماقبل التاريخ الى 1962، الجزائر، دار المعرفة ،2006، ص 433