2. المطلب الثاني: تنفيذ عقد الصفقة العمومية

2.2. الفرع الثاني: أثار العقد بالنسبة للمتعامل المتعاقد

 تتلخص الاثار القانونية لعقد الصفقة العمومية بالنسبة للمتعامل المتعاقد، فيما يحمله العقد من اتزامات وما يمنحه من حقوق، والتي نبيّنها فيما يلي:

 أولا / حقوق المتعامل المتعاقد: يثبت عقد الصفقة العمومية للمتعامل المتعاقد في مواجهة المصلحة المتعاقد ةمجموعة من الحقوق تأخذ في مجملها طبيعة واحدة هي الطبيعة المالية، وتتمثل في:

1-   حق قبض المقابل المالي للعقد: أول ما يثبت للمتعامل المتعاقد من حقوق هو: قبض المقابل المالي لتنفيذه التزاماته التعاقدية وفق المواصفات والشروط المتفق عليها، ولأهمية هذا الحق وصلته بالمال العام والخزينة العمومية فقد فصلت فيه على الدوام النصوص القانونية المنظمة للصفقات العمومية تحت مسمى كيفيات الدفع، وهو ما نظمه المرسوم الرئاسي رقم 15-247، في المواد التي تضمنها قسم مستقل خاص بهذا الحق، في 15 مادة القسم هو الثالث، الوارد تحت عنوان: "كيفيات الدفع"، محددا في المادة الاولى منها رقم 108، تلك الكيفيات بالنص على أنه: "تتم التسوية المالية للصفقة بدفع التسبيقات[1]، أو الدفع على الحساب[2]، أو بالتسويات على رصيد الحساب[3] ".

أما عن كيفيات حساب هذا المقابل المالي فقد حددته المواد الواردة في القسم الثاني المنظم لبند الاسعار، في المادة 96، التي تنص على أن أجر المتعامل المتعاقد يدفع بإحدى الكيفيات التالية: بالسعر الاجمالي و الجزافي، أو بناء على قائمة سعر الوحدة، بناء على النفقات المراقبة، أو بسعر مختلط.

أما المادة 97، فقد أكدت على أن سعر الصفقة قابل للتحيين، كما يمكن أن يكون ثابتا أو قابلا للمراجعة، مع وجوب تحديد صيغ المراجعة المذكورة ضمن الشروط القانونية التي يحددها هذا المرسوم.

2-  الحق في التعويض: يثبت هذا الحق للمتعامل المتعاقد طبقا للمبادئ العامة المقررة في القانون المدني، حيث يجوز للمتعامل المتعاقد طبقا لتلك المبادئ مطالبة المصلحة المتعاقدة بالتعويض إذا تسببت في إحداث ضرر له[4]، وكذلك الحال إذا اخلت المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها التعاقدية تجاه المتعامل المتعاقد، فإن لهذا الأخير الحق في مطالبتها بالتعويض، وفي كل الحالات وجب على المتعامل المتعاقد أن يلجأ للقضاء المختص، وأن يثبت إما خطأ الادارة، أو تجاوزها وخرقها لأحد بنود العقد عند المطالبة بالتعويض، سواء كان الخرق صريح أو لحقه ضرر جراء تحميلها إياه، أعباء إضافية أو مطالبته القيام بأعمال ثانوية، وغيرها من الحالات الموجبة للتعويض[5].

3- حق اعادة التوازن المالي للعقد: قد يحدث أثناء تنفيذ الصفقة العمومية أحداث أو وقائع من شأنها إرهاق المتعامل المتعاقد، وتؤثر بشدة على مركزه المالي، وهو الوضع الذي يثبت له إعادة التوازن المالي للعقد، ومبدأ إعادة التوازن المالي للعقد، أساسه نظريات قضائية من وضع مجلس الدولة الفرنسي، كرستها التشريعات كمبادئ راسخة تحكم تنفيذ العقد الإداري[6]، يعود سبب اقرارها إلى أن المتعامل المتعاقد مُلزم في كل الحالات بالوفاء بالتزاماته التعاقدية ومواصلة تنفيذ الصفقة العمومية تحت أي ظرف، وهو الامر الذي يستحيل تحقيقه عمليا في بعض الحالات، أو أنه يسفر عن افلاس المتعامل المتعاقد وتوقف انجاز المشروع محل الصفقة العمومية، وبالتالي خرق مبدأ سير المرفق العام[7]، وهو ما تضمنه المصلحة المتعاقدة باعتبارها سلطة عامة تضمن سير المرفق العام بانتظام واطراد، وهو ما يجعلها بالضرورة، ملزمة باعادة التوازن المالي للعقد، باعتبارها تبقى المسؤولة الأولى عن استمرارية خدماته المقدمة لجمهور المنتفعين كونها الشخص القانوني المكلف قانونا  بتلك المهمة[8].

ويثبت حق اعادة التوازن المالي للعقد لصالح المتعامل المتعاقد، عند حدوث إختلال في اقتصاديات العقد سواء كان مرد هذا الاختلال بعض أعمال الإدارة التي تمارسها المصلحة المتعاقدة، وهنا يثبت للمتعامل المتعاقد حق اعادة التوازن المالي للعقد باعمال "نظرية فعل الأمير"، أو رُدَ ذلك الاختلال إلى ظرف طارئ أو إلى قوة قاهرة، وعندها يتم التعويض في هذه الحالة بالاستناد إلى نظريتي "القوة القاهرة" أو"الظروف الطارئة[9]".

ثانيا/ التزامات المتعامل المتعاقد: يحمّل عقد الصفقة العمومية المتعامل المتعاقد الالتزامات التالية:

1-   واجب الأداء الشخصي للخدمة موضوع العقد: عقد الصفقة العمومية هو التزام شخصي فلا يجوز للمتعامل المتعاقد أن يعهد للغير بموضوع الصفقة الممنوحة له، إلا بوجود نص يرخص له ذلك، وهو ما تؤكده النصوص المنظمة لعقود الصفقات العمومية، وهو أيضا ما أقره المرسوم الرئاسي رقم 15-247، محددا الحالة التي يرخص فيها للمتعامل المتعاقد بالاستعانة بالغير لتنفيذ بعض التزاماته التعاقدية المتعلقة بموضوع الصفقة العمومية، مؤكدا على أن لا يتعدى ما نسبته 40% من اجمالي مبلغ الصفقة، وأن يتم التعاقد الثانوي وفقا للشكل المحدد في هذا المرسوم باسم "عقد المناولة"، ووفقا للظوابط والشروط المنظمة لهذا العقد كما حددتها نصوص المواد الواردة في القسم السادس، المعنون بــ/ "المناولة"[10]، والسابق بيانها.     

2-   واجب أداء الخدمة موضوع العقد حسب الكيفيات المتفق عليها وفي الآجال المحددة: وذلك حسب ما تحدده دفاتر الشروط، من ضمانات مالية ومتطلبات تقنية، شكلت في الاساس المقياس أو المرجع الذي اعتمده المتعامل المتعاقد لاعداد عرضه، الذي أهله محتواه المالي والتقني، لنيل الصفقة خلال مرحلة الابرام، وعليه وجب الالتزام خلال مرحلة التنفيذ، بتنفيذ الصفقة وفق ما ابرمت عليه من شروط، وما اتفق عليه الاطراف من آجال، وإذا ما استجدت ظروف حالت دون الالتزام التام بما اتفق عليه الاطراف عند الابرام، وبررت تعديل بعض شروط التنفيذ، يتم ذلك وفقا لاجراء قانوني نظمه قانون الصفقات العمومية، تحت اسم "ملحق الصفقة"، كما سبق بيانه.

3- الالتزام بدفع مبلغ الضمان: يُلتزم المتعامل المتعاقد حسب تنظيم الصفقات العمومية، وقبل مطالبته بحقه في التسبيقات، بدجفع مبلغ الضمان المتفق عليه كإحتياط مالي يوضع تحت تصرف المصلحة المتعاقدة، والتي يمكنها مصادرته في الحالات المحددة قانونا[11].



[1]التسبيقات: هو كل مبلغ يدفع قبل تنفيذ الخدمات موضوع العقد، وبدون مقابل للتنفيذ المادي للخدمة، وقد تسمى التسبيقات حسب الحالة إما جزافية أو على التموين أنظر: المادتين: 109 و 111، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

[2]الدفع على الحساب: هو كل دفع تقوم به المصلحة المتعاقدة مقابل تنفيذ جزئي لموضوع الصفقة، أنظر: المادة 109، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، نفس المصدر.

[3]التسوية على رصيد الحساب: هو الدفع المؤقت أو النهائي للسعر المنصوص عليه في الصفقة بعد التنفيذ الكامل والمرضي لموضوعها، أنظر: نفس المصدر.

[4]– عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 165.

[5]أنظر: عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 166.

[6] – Rachid ZOUAIMIA, Droit Administratif, Edition : BERTI, Alger , 2009, p p : 188-190.

[7]– عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 167.

[8] -  Rachid ZOUAIMIA, Droit Administratif, op.cit , p: 220.

[9]–  للتوسع حول: نظرية فعل الامير، ونظرية القوة القاهرة، ونظرية الظروف الطارئة، من حيث مضمون كل نظرية وشروط إعمالها، راجع: عمار بوضياف، المرجع السابق، ص ص: 167- 174.

[10]أنظر: المواد من 140 إلى 144، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

[11]– عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 176.