2. المطلب الثاني: تنفيذ عقد الصفقة العمومية

2.1. الفرع الاول: أثار العقد بالنسبة للمصلحة المتعاقدة

تتمثل الآثار القانونية التي يرتبها عقد الصفقة العمومية بالنسبة للمصلحة المتعاقدة، في مجموعة الحقوق أو السلطات التي تحوزها في مواجهة المتعامل المتعاقد والمحددة في التالي:

أولا/ سلطة الرقابة: يقصد بسلطة الاشراف والرقابة تحقق الادارة من أن المتعاقد معها يقوم بتنفيذ التزاماته التعاقدة على النحو المتفق عليه [1]، وتثبت هذه السلطة للمصلحة المتعاقدة قانونا دون شرط النص عليها في عقد الصفقة العمومية [2]، وإن كان قانون الصفقات يضع البند المتعلق بكيفيات ممارسة سلطة أو حق الرقابة على الصفقة العمومية ضمن البنود الالزامية، التي وجب أن يتضمنها عقد الصفقة العمومية ودفاتر الشروط المتعلقة بها، كما نجد مظاهر ممارسة المصلحة المتعاقدة لصلاحياتها في الرقابة المالية والاشراف التقني على تنفيذ عقد الصفقة العمومية حسب الشرروط المتفق عليها، باعتبارها سلطة عامة أو طرف ممتاز في العقد، في الكثير من مواد المرسوم الرئاسي رقم 15-247،  نذكر مثلا المواد: 88 و 90 و 106 و 153، وغيرها. 

كما يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تمارس حقها في الرقابة بصفة مباشرة أو غير مباشرة وذلك بالاستعانة، بالغير، وهو ما تؤكدة المادة 107 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 [3]

ثانيا/ سلطة التعديل: تعد هذه السلطة أهم مظاهر تميّز العقد الاداري عن غيره من العقود قانون الخاص، التي لا يملك أطرافها سلطة تعديل بنود العقد بالارادة المنفردة، والزام الطرف الآخر المتعاقد معه بهذا التعديل[4]، وهو ما تملكه المصلحة المتعاقدة من سلطة في مواجهة المتعامل المتعاقد في عقد الصفقة العمومية كعقد إداري، ومبررات ذلك دائما المصلحة العامة ومتطلبات حسن سير المرفق العام محل العقد، التي تقتضي التعديل في التزامات المتعامل المتعاقد، سواء بالزيادة أو بالنقصان، وهي غالبا البنود الجديدة التي تتضمنها ملاحق الصفقة، التي حدد تنظيم الصفقات العمومية أحكام تحت اسم الم.

وإن كانت سلطة الادارة أو المصلحة المتعاقدة في التعديل من النظام العام، تثبت لها هي الأخرى دون حاجة للنص عليها في بنود عقد الصفقة العمومية إلا أنها غير مطلقة، وتمارس ضمن شروط محددة يتفق عليها الفقه الاداري في الثلاث شروط التالية:

 أن لا يغير التعديل موضوع العقد: وإلا يصبح المتعامل المتعاقد ملتزم بموجب عقد جديد: وهو ما تؤكده المادة 27 المتعلقة بتحديد حاجات المصلحة المتعاقدة، بنصها، على أنه: "في حالة الحاجات الجديدة يمكن للمصلحة المتعاقدة، إما ابرام ملحق طبقا لاحكام المواد 135-139، من هذا المرسوم أو إطلاق إجراء جديد"، أي الاعلان عن صفقة جديدة

 أن يكون التعديل لاسباب موضوعية تبررها المصلحة العامة: وهو ما تؤكده الاحكام المنظمة لملحق الصفقة العمومية في المرسوم الرئاسي رقم 15-247، في المواد من 135 إلى غاية 139.

 أن يصدر قرار التعديل في حدود القواعد العامة للمشروعية: وهو تحديدا ما يمثله ملحق الصفقة العمومية كوثيقة قانونية، تخضع في تكوينها لشكليات وتمر باجراءات محددة قانونا، وترتبط بصدور قرارات مشروعة من طرف المصلحة المتعاقدة، لتسوية وضعيات التعديل بموجب ملاحق، وهو ما تؤكده صراحة المادة 136، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، في نصها التالي"فأنه يمكن للمصلحة التعاقدة في انتظار انهاء الملحق إصدار أوامر بالخدمة تسمح بالأمر بخدمات إضافية أو تكميلية بأسعار جديدة، ...، ومهما يكن من أمر فإنه يجب على المصلحة المتعاقدة إعداد ملحق وعرضه على دراسة لجنة الصفقات،...، لا يمكن أن تكون الخدمات التي لا تمنح بأوامر الخدمة محل تسوية بملحق ".

 ثالثا/ سلطة إنهاء العقد، أو فسخ العقد: لا تتوقف سلطة الادارة العامة عند حد تعديل بنود العقد، بل قد تتعدات إلى وقف تنفيذ العقد وانهاءه قبل استنفاذ مدته، إذا بررت مقتضيات المصلحة العامة ذلك، وهنا سلطة فسخ العقد بالارادة المنفردة للمصلحة المتعاقدة، لا تقع كجزاء على المتعامل المتعاقد، حيث يثبت هذا الحق للمصلحة المتعاقدة في مواجهة المتعامل المتعاقد حتى دون إخلاله بالتزاماته التعاقدية، وهو ما يميز الفسخ في هذه الحالة عن الفسخ الجزائي أو الفسخ كعقوبة.

 ذلك أن سبب الفسخ في هذه الحالة هو كما ذكرنا تنفيذا لمقتضيات المصلحة العامة، وهو ما عبر عنه المشرع الجزائري في تنظيم الصفقات العمومية الساري المفعول رقم 15-247 في المادة 150، الواردة في القسم المنظم لأحكام فسخ الصفقة العمومية بالنص الصريح على أنه: "يمكن للمصلحة المتعاقدة القيام بفسخ الصفقة العمومية من جانب واحد عندما يكون مبررا بسبب المصلحة العامة، حتى بدون خطأ من المتعامل المتعاقد".

 رابعا/ سلطة توقيع الجزاءات: تقتضي ممارسة سلطة الاشراف والرقابة أن تمكن المصلحة المتعاقدة من حق أو ممارسة سلطة توقيع الجزاءات، كسلطة ردعية تمنحها القوة والامتياز الكافي لجبر المتعامل المتعاقد على الامتثال لأوامرها الرقابية، وتنفيذ التزاماته التعاقدية وفقا لتوجيهاتها، بموجب جزاءات إدارية تملك سلطة تسليطها عليه مباشرة دون حاجتها في اللجوء للقضاء[5]، بصفتها سلطة عامة وليست طرف متعاقد، وهذه الجزاءات تتنوع بين الجزاءات المالية، و وسائل ضغط.    

- الجزاءات المالية: تخص هذه الجزاءات الجانب المالي في الصفقة، تؤثر في الوضع المالي للمتعامل المتعاقد، ومن أمثلتها: الغرامات التي تطبق على المتعامل المتعاقد إذا لم ينفذ التزاماته التعاقدية في الآجال المحددة، "كغرامة التأخير" [6]، أو إذا تم التنفيذ على خلاف ما اتفق عليه، وهو ما يسمى بالتنفيذ غير المطابق، وهنا تطبق المصلحة المتعاقدة غرامة مالية على المتعامل المتطابق وهي مصادرة مبلغ الضمان، أو ما يسمى "بكفالة حسن التنفيذ" [7].

وسائل الضغط: تخص أو تشمل هذه الوسائل كل التدابير والاجراءات الادارية التي تتخذها المصلحة المتعاقدة في حق المتعامل المتعاقد دون المساس بمركزه المالي، وتعتبر من الوسائل أو الآليات المتبعة للضغط على المتعامل المتعاقد، بما قد تحمله من التزامات اضافية ترهق كاهله كإجراء "التنفيذ على حساب المتعامل المتعاقد"، أو بما لها من تأثير معنوي على وضع المتعامل المتعاقد في الوسط الاقتصادي ومجال نشاطه، أو "كتوجيه الاعذارات"، وكإجراء "التسجيل في قائمة المتعاملين الاقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية .".، الذي يتبع إجراء الفسخ، إذا تم هذا الاخير نتيجة لثبوت وضعية فساد إداري في عملية الابرام التي أسفرت عن منح الصفقة للمتعامل المتعاقد ثبت عدم نزاهته.

يعد "الفسخ الجزائي للعقد" أشد العقوبات الادارية التي تملك المصلحة المتعاقدة تسليطها على المتعامل المتعاقد، إذا ما أخل بالتزاماته التعاقدية إخلال جسيم، ولخطورة هذا الاجراء أو العقوبة التي يترتب عنها انهاء عقد الصفقة العمومية قبل أوانه، فقد نظم المرسوم الرئاسي رقم 15-247، أحكامه،  في اربع مواد، تضمنها قسم مستقل، هو القسم العاشر الوارد تحت عنوان "الفسخ".  



[1]– عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 142.

[2]–  حيث تجد هذه السلطة أساسها القانوني في فكرة المرفق العام وليست الشروط التعاقدية، وهنا يبرز الفرق الواضح بين عقد الصفقة العمومية كعقد الاداري وبين العقود المدني، الذي لا يخول سلطة لأحد المتعاقدين إلى إذا نصت عليه بنود العقد صراحة، أو قررها القانون، أنظر: عمار بوضياف، نفس المرجع ص 142 -143.

[3]–  تنص المادة 107 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق، على أن: "....، يعد الاعوان المؤهلون للقيام بالمراقبة المذكورة أعلاه، بموجب مقرر من مسؤول الهيئة العمومية أو الوزير أو الوالي المعني، الذين يمكنهم الاستعانة بمستخدمين لا يخضعون إلى سلطتهم".

[4]– عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 145.

[5]–  أنظر: رشا محمد جعفر الهاشمي، الرقابة القضائية على سلطة الإدارة في فرض الجزاءات على المتعاقد معها دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1، لبنان، 2010، ص: 20.

[6]غرامة التأخير: نظرا لأهمية الآجال في مجال الصفقات العامومية فإن التأخير في التنفيذ، يستلزم تسليط جزاء مالي على المتعاقد المخل بآجال الصفقة  المتفق عليها لتنفيذ الخدمات محل التعاقد، وهو ما يطبق عليه غرامة مالية سميت بغرامة التأخير، لارتباطها بتأخر تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها، أنظر: عمار بوضياف، الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص 152.

[7]  الضمنات بصفة عامة، هي أحد العناصر المالية التي تتضمنها الصفقة العمومية والتي لأهميتها أولاها المشرع الجزائري الاهتمام الكافي بأن نظم أحكامها في تنظيم الصفقات العمومية مفردا لها قسم خاص، هو القسم الرابع الوارد بنفس العنوان "الضمانات"، والمتضمن 10 مواد تؤطر هذا البند من بنود الصفقات العمومية، أنظر: المواد من 124-133، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

-      أما كفالة حسن التنفيذ: وهي أحد أهم أو أشهر أنواع مبالغ الضمان المنصوص عليها في التشريعات المنظمة للصفقات العمومية،  مبلغ مالي يلزم المتعامل المتعاقد(صاحب العرض المقبول)، بوضعه تحت تصرف المصلحة المتعقدة، تضمن به عدم اخلال المتعامل المتعاقد معها بشروط تنفيذه الصفقة العمومية الممنوحة له، وذلك تحت طائلة مصادرتها مبلغ الكفالة بطريقة التنفيذ المباشر دون حاجتها باللجوء إلى القضاء،أنظر: هيبة سردوك، المرجع السابق، ص 180.