1. المطلب الأول: التسوية الودية للمنازعة

1.2. الفرع الثاني: تسوية الودية حسب قانون الاجراءات المدنية والادارية

ينص تنظيم الصفقات العمومية رقم 15-247 في مادته 153، على أن تسوى النزاعات التي تطرأ عند تنفيذ الصفقة في إطار الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها، بمعنى مجموعة القواعد القانونية التي تحكم نزاعات تنفيذ العقود الإدارية بصفة عامة منها عقد الصفقة العمومية، والتي نجد على رأسها، قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي يمثل الشريعة العامة المنظمة لعملية التقاضي أمام الجهات القضائية الإدارية والعادية في الجزائر وما جاء به من آليات قضائية لفض مثل هذه النزاعات.

     وفي نفس الاطار ألزم نص المادة المذكورة المصلحة المتعاقدة مخاطبا إياها على وجه التحديد كشخص من أشخاص القانون العام ومطالبة قبل الطرف الآخر المتعاقد معها والذي غالبا ما يكون من أشخاص القانون الخاص، بالبحث عن حل ودي كأولوية قبل اللجوء إلى الحل القضائي كلما سمح هذا الحل بتحقيق الغايات المنصوص عليها في المادة المذكورة كما سبق تحديدها.

كما نلاحظ أن القانون أورد مصطلح "حل ودي" بصيغة عامة ودون تخصيص لطريقة حل ودّية معيّنة، مما يفيد أن كل الطرق الودية (أو الحلول البديلة المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية من صلح ووساطة وتحكيم) هي حلول قانونية يعتمدها هذا القانون ويحيل كيفية إعمالها و تنظيمها لقانون إ. م. إ  الشريعة العامة، وهو ما ستتم دراسته خلال هذا الفرع.

أولا/ آلية الصلح: الصلح إجراء يقرّه التشريع الجزائري في الكثير من النصوص القانونية إلى أن تصدي المشرع الجزائري للصلح في قانون إ م إ رقم 08- 09،  يأخذ طابع إجرائي في حين نجد أن الصلح الوارد في القانون المدني ذو طابع موضوعي[1]، لا يوفر أية توضيح لكيفيات مباشرته[2]، كما يتضح من نص المادة 970 من القانون 08-09 أن الصلح المعمول به في دعاوى الصفقات العمومية كإحدى أنواع دعاوى القضاء الكامل هو صلح قضائي كونه يتم بعد رفع الدعوى أمام الجهات القضائية الإدارية ويتم تحت إشراف القاضي الإداري[3].

وجواز الصلح في مادة القضاء الكامل معناه جواز الصلح بالنسبة للتعويض جبرا للضرر في مادة الصفقات العمومية وهو ما يتوافق ونص 153 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 المنظم للصفقات العمومية، وبالمقابل عدم جوازه في دعاوى الإلغاء بمعنى إعمال الصلح في مرحلة تنفيذ الصفقة العامة وليس في مرحلة إبرامها، كما أنه وإن كان النص على إعمال الصلح جوازيا في مفهوم قانون إ م إ (08- 09) فإنه يأخذ طابع إلزامي في مفهوم قانون الصفقات العمومية لأن المصلحة المتعاقدة ملزمة بإعمال الحل الودي قبل اللجوء إلى القضاء.

1-  تعريف الصلح: لقد عرف المشرع الجزائري الصلح في المادة 459 من القانون المدني بأنه[4] "عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كلا منهما على وجه التبادل عن حقه".[5]

2-  اجراءات الصلح: لم يحدد المشرع إجراءات خاصة يتم بموجبها الصلح، إنما فتح المجال واسعا أمام القاضي وفقا لما يراه مناسبا، إلا أن العملية الصلحية تخضع لجملة من الإجرائية باعتبارها تدخل ضمن ما تتطلبه كل عملية قضائية من تسجيل واتصال بالقاضي ثم إدارة الجلسة وصولا للنطق بالحكم.

 وقد أخذ المشرع الجزائري بالنسبة للصلح بالمبادئ المقررة في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، إذ أن إغفال الصلح وفقا لما نص عليه قانون إ م إ رقم 08- 09، لا يؤدي إلى بطلان الدعوى، لأن المبادرة بالصلح في حسب هذا القانون جوازية سواء تم التصالح بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد تلقائيا أو بسعي من القاضي وفي أي مرحلة تكون  عليها الدعوى حسب ما ورد في المادتين 972 و 990[6].

 أثر تحديد الزمان والمكان في عقد مجلس الصلح: بشأن تحديد عنصر الزمان والمكان في آلية الصلح نصت المادة 991 على أن "تتم محاولة الصلح في المكان والوقت الذي يراهما القاضي مناسبين ما لم توجد نصوص أخرى خاصة في القانون تقرر خلاف ذلك"، وبما أن قانون الصفقات العمومية الساري المفعول لم يحدد بنص خاص مكان وزمان معنيين لإعمال الصلح، تبقى السلطة التقديرية واسعة لقاضي النزاع في تحديدهما ولأن هذا الصلح قضائي بطبيعة فلا يتصور مكان آخر غير دار القرار يتم فيه، أما خاصية تحديد الزمن في الصلح فمتعلقه بوجوبيته[7]، إذ لو كان إجراء وجوبي لكان محدد المدة كما هو الحال بالنسبة للوساطة حاليا وكما كان عليه الحال بالنسبة للصلح قبلا إذ كان خلال الثلاثة أشهر الأولى حسب قانون الإجراءات المدنية الملغى.

 أثر حضور وغياب الاطراف على سير عملية الصلح: إن عدم حضور أحد الأطراف لا يعني إلا رفضه للصلح، كما لا يمكن للقاضي شطب الدعوى على هذا الأساس، وطالما أن المدعي هو الذي أودع صحيفة الدعوى فالخصومة بالنسبة له تكون حضورية، لعلمه سلفا بقيام الخصومة، لهذا فغياب المدعي لا يؤثر في الصلح ما دامت طلباته موجودة، فيصبح القاضي كأنه موكل من الطرف الغائب ويقرر باسمه ما توصل إليه في العملية الصلحية.

أما في حالة غياب المدعي عليه فيثبت عدم الصلح.[8]

اختتام عملية الصلح: يثبت الصلح في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي وأمين الضبط ويودع بأمانة ضبط الجهة القضائية حسب مقتضيات المادة 992( 08- 09)[9] ، يبين القاضي في هذا المحضر ما تم الاتفاق عليه ويأمر بتسوية النزاع وغلق الملف ويكون هذا الأمر غير قابل لأي طعن وهو ما أفادت به م 973(08- 09)[10] .

إذن فحسب المادة الأخيرة فإن الصلح في المادة الإدارية ومنها الصفقات العمومية ينتهي بأمر من رئيس التشكيلة، بالإضافة إلى المحضر الذي ثبت فيه الاتفاق، ودون هذا الأمر يكون المحضر مجرد عمل مادي لا يرتب أي أثر عمل عكس الصلح في المواد المدنية فالخصومة التي تنتهي بالصلح لا يصدر بشأنها حكم قضائي، إنما يحل المحضر المثبت للصلح محل الحكم القضائي وهو ما أفادت به   م 992 (08-09) [11].

3-  مدى رقابة القضاء على العملية الصلحية: إلى جانب إسناد مهمة إدارة الصلح للقاضي نفسه فإن القانون وفي المادة الإدارية على وجه الخصوص، فرض طرفا منظما هو النيابة العامة، وذلك كون المصالح المتنازع حولها تستدعي وجوب حضور الإدارة و التي هي ذات طابع عمومي، بالإضافة إلى أن القانون في عملية الصلح انتدب طرفا من إدارة القضاء يسهر على تدوين محضر الصلح كضمانة أخرى على الحياد والموضوعية وهو كاتب الضبط.

ثانيا/ آلية الوساطة: الوساطة حسب المادة 994، من القانون رقم 08-09، إجراء وجوبي فهي عكس الصلح، على القاضي القيام بها في الجلسة الأولى عن طريق عرضها على الخصوم.

1- تعريف الوساطة: يعرف الشرع الجزائري الوساطة في القانون رقم رقم 90-02، المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب في المادة 10 منه بأنها: " إجراء يتفق بموجبه طرفا الخلاف الجماعي على إسناد مهمة اقتراح تسوية ودية للنزاع إلى شخص من الغير يدعى الوسيط يشتركان في تعيينه"، والملاحظ أن المشرع الفرنسي لم يعرف الوساطة، ولا عرفها المشرع الأردني رغم التجربة الأردنية الرائدة في مجال الوساطة[12]، وهذا لأن المشرع غالبا ما يترك التعريف للفقه او القضاء حتى لا يفيق من مفهوم النص وهو ما تبناه المشرع الجزائري من في كل من تنظيم الصفقات العمومية و قانون الاجراءات المدنية والادارية الساريي المفعول.

2-التنظيم القانوني لعملية الوساطة: نظم المشرع الجزائري اجراء الوساطة في المواد من 994 إلى 1005 من قانون إ م إ رقم 08- 09،  والمتعلقة لاسيما بــتحديد الشروط التي تحكم الوساطة، مثل الشروط الشكلية والموضوعية المتعلقة باختيار وتعيين الوسيط، و الأحكام النوعية المنظمة إجراء الوساطة كالمدة ونطاق أعمالها، حيث:

 حددت مدة الوساطة بثلاثة أشهر قابلة للتجديد لنفس المدة ولمرة واحدة فقط بطلب من الوسيط إذا اقتضى عمله ذلك، شرط موافقة الخصوم إلا أن التمديد يبقى محض سلطة تقديرية للقاضي[13].

أما عن نطاقها فهو يتحدد من جانبين هما:

جانب يتعلق بنوع النزاع القائم: وهو ما نصت عليه المادة 994 حيث استثنت  فقط قضايا الأسرة والقضايا العمالية من نطاق أعمال الوساطة على اعتبار إن لها إجراءات خاصة بها وأيضا نصت على عدم جوازها في كل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام([14]) مما يفيد أن الوساطة في غير هذه المواد جائزة ومن بينها مادة العقود الإدارية بوجه عام ومادة الصفقات العمومية على وجه الخصوص.

جانب يتعلق بمدى امتداد الوساطة لتشمل كامل عناصر النزاع: أم أنها تشمل فقط جزء منه تنصب عليه[15].

رقابة القاضي على سير عملية الوساطة: يمكن للقاضي في أي وقت إنهاء الوساطة بطلب من الوسيط أو من الخصوم، كما يمكن له إنهائها تلقائيا إذا تبين له استحالة السير الحسن لها، ويجب في جميع الحالات التي ينتهي فيها القاضي عملية الوساطة أن ترجع القضية إلى الجلسة ويستدعى الوسيط والخصوم عن طريق أمانة الضبط، ويجب أن ترجع القضية للجدول بالتاريخ المحدد لها مسبقا من قبل القاضي[16]، و يبسط القاضي رقابته على سير عملية الوساطة في كل مراحلها على النحو التالي:

خلال المرحلة التمهيدية: يملك القاضي خلال هذه المرحلة سلطة المبادرة بعرضها على الخصوم، وتكييف نوع النزاع و فيما إذا كان ضمن الاستثناءات الواردة على إعمال الوساطة أم لا ثم تعيين الوسيط وتحديد مدة الوساطة.[17]

 خلال مرحلة المفاوضات: والتي تبدأ بمجرد نطق القاضي بالأمر المتضمن تعيين الوسيط أين يقوم أمين الضبط بتبليغ نسخة منه للخصوم ونسخة للوسيط الذي يخطر القاضي بقبوله مهمة الوساطة دون تأخير ويدعوا الخصوم إلى أول لقاء للوساطة.[18] ، وفي هذه المرحلة يجوز للوسيط بعد موافقة الخصوم سماع كل شخص يقبل ذلك ويرى في سماعه فائدة لتسوية النزاع، ويخطر القاضي بكل الصعوبات التي تعرضه في مهمته.

 مرحلة اختتام عملية الوساطة: أيضا تحت رقابة القاضي حيث يخبره الوسيط بانتهاء مهمته كتابيا وبما توصل إليه الخصوم من اتفاق أو عدمه، وبعد أن يحرر الوسيط محضر يضمنه محتوى الاتفاق ويوقعه والخصوم، ترجع القضية أمام القاضي في التاريخ المحدد لها مسبقا، ليقوم القاضي بالمصادقة على المحضر المتفق فيه بموجب أمر غير قابل لأي طعن[19].

ثالثا/ آلية التحكيم: التحكيم اصطلاح عام تقترن به مسميات فرعية يختلف معناه في إطارها بحسب نوع المنازعة التي يراد حسمها عن طريقه فيرد بأشكال مختلفة، كالتحكيم التجاري أو التحكيم الدولي، أو التحكيم الإداري...وهكذا[20]، والمشرع الجزائري لم يتعرض لتعريف التحكيم في المادة الإدارية عامة ولا في مجال الصفقات العمومية على وجه الخصوص تاركا ذلك للفقه والقضاء[21].

1-  الاساس القانوني لاعمال التحكيم في مادة الصفقات العمومية:  ويستند أعمال التحكيم في الصفقات العمومية إلى المادة 153 من قانون الصفقات العمومية رقم  15-247 الساري المفعول، السالفة الذكر،  كما يجد أساسه القانوني في المادة 75 ومن القانون رقم 08-09، التي تنص على أنه: "لا يجوز للأشخاص المذكورة في المادة 800 أعلاه[22]، أن تجري تحكيما إلا في الحالات الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادفت عليها الجزائر وفي مادة الصفقات العمومية".

     يتضح من استقراء نص المادة الأخيرة أنه إذا كان أحد أطراف الصفقة العامة المبرمة واحد من الأشخاص المعنوية العامة الوارد ذكرهم في المادة 800 من القانون رقم 08-09، على سبيل الحصر أمكنها إعمال التحكيم في النزاع القائم أثناء تنفيذ الصفقة،  ومنه فان المشرع الجزائري أجاز إعمال التحكيم بصراحة النص، بل وألزم به المصلحة المتعاقدة في مجال الصفقات العمومية على سبيل التحديد.

     والمشرع الجزائري أقر التحكيم بصورتيه، والصورة الأسبق ظهورا هي شرط التحكيم، حسب المادة 1007 من القانون رقم 08-09، حيث يتحقق بوجود الشرط الذي يتفق بمقتضاه متعاقدي الصفقة العامة مسبقا في بنود العقد، على عرض النزاعات التي  قد تنشأ بينهم على محكمين، إذ أن شرط التحكيم في هذه الحالة متعلق بنزاع محتمل وذو طبيعة غير محددة.

     أما الصورة الثانية فنصت عليها المادة 1011  من القانون المذكور صراحة ، وهي اتفاق بين الأطراف بمناسبة نزاع معين قائم يلتزمون بمقتضاه بعرض هذا النزاع على المحكم.

2- شروط التحكيم: نظرا لأهمية التحكيم وضع المشرع شروط صارمة لصحته تتمثل في:

الشروط الشكلية لصحة اتفاق التحكيم: والمتعلقة بشروط تعيين المحكمين، وانهاء مهامهم وعددهم، وشرط الكتابة وتحديد تاريخ التحكيم، شرط تعيين موضوع النزاع[23]

 الشروط الموضوعية لصحة اتفاق التحكيم: والمتعلقة بشرط الاهلية الخاصة بأطراف النزاع الممثلين في المتعامل المتعاقد والمصلحة المتعاقدة، وكذا أهلية الوكيل، شرط المحل والمتمثل في عنصر الخلاف القائم بين الطرفين[24].

3-  سير الخصومة التحكيمية: نظم القانون الخصومة التحكيمية باعتبار أن التحكيم هو المنهج في تحقيق العدالة شأنه شأن القضاء العام في الدولة، فنص القانون رقم 08-09 على بعض الأحكام الخاصة بالأعمال الإجرائية في خصومة التحكيم، بعد تأكيده في المادة 1019 على أن تطبق على الخصومة التحكيمية الأوضاع والآجال المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

أ‌- تقديم الطلب: الذي يقدم أمام محكمة التحكيم وإيداع الوثائق والمذكرات من قبل المدعي (المحكم) ويتم التبليغ الرسمي  للمدعي عليه (الخصوم) وتوقع هذه الطلبات من قبل الممثل القانوني للدولة إذا كانت هي المصلحة المتعاقدة كطرف بالصفقة والخصومة كشخص معنوي عام لما نصت عليه المواد 976، 228 رقم 08-09.

وقد حددت المادة 15  بيانات الطلب، أما عن تحديد مكان التحكيم؛ فيجوز أن يجرى في أي مكان يتفق عليه الخصوم وإلا تحدد هيئة التحكيم المكان الأنسب لظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها، في حين ألزمت المادة 8 من قانون إ م إ أن تكون لغة الإجراءات في العرائض والمذكرات باللغة العربية، و تبدأ الإجراءات منذ تسلم المدعي عليه طلب التحكيم الذي يحرر كتابيا بورقة تسلم إليه أو تعلن له وفقا لأحكام المادة 09  ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

ب‌-   سير الجلسات: تسهيلا للإجراءات لا بد من أن تجري جلسات تمهيدية كإجراءات منظمة لعملية التحكيم قبل البدء في جلسات المرافعة التحكيمية، والتي تبدأ بعد استنفاذ إجراءات الطلبات ووجود كل البيانات المتفق عليها من الأطراف وتطبق عليها قواعد الحضور والغياب المنصوص عليه في المادة 1019 فيما يخص الأطراف ما لم يتفق على خلاف ذلك.

 حيث أن هيئة التحكيم بغياب الأطراف تستكمل إجراءاتها معتمدة في ذلك على الوقائع والأدلة الإثباتية، لكن إن لم يكن هناك اتفاق معين، تعود المحكمة التحكيمية للقواعد والأحكام العامة فيلزم هنا أن يكون التكليف بالحضور على شكل وبيانات محددة كما حددتها المواد 18، 20 من القانون 08-09،  أما فيما يخص حضور المحكمين فقد ألزم المشرع الجزائري جميع المحكمين بالحضور، حسب المادة 1020، حيث تنجز محاضر التحكيم وأعمال التحقيق من قبل جميع المحكمين إلا إذا اتفق الطرفان على ندب أحدهم للقيام بذلك.

بالنسبة للإثبات في خصومة التحكيم، فنشير إلى أنه يخضع إلى وسائل الإثبات المقررة في القواعد العامة المعمول بها في قضاء الدولة، إلا أن المحكم قد لا يطبق وسائل الإثبات كما هي بل قد يديرها بما يتلاءم مع أوضاع وظروف كل قضية، دون أن تكون له سلطة وحرية مطلقة بحيث لا يخرج عن المبادئ العامة المقررة والمتمثلة في: ندب الخبرة، الأدلة الكتابية، المعاينة، شهادة الشهود.[25]

ت‌-  حسم النزاع ونهاية الخصومة: تلزم محكمة التحكيم بنظر المنازعة والفصل في موضوعها وإذا حكمت في الموضوع الذي تختص بنظره دون الالتزام بأعمال التحقيق والمحاضر المكلفة بإرسائها لأجل فض النزاع، ولو باتفاق من الأطراف تعرض قرارها للبطلان وكان منعدما لا يحوز أية حجية، و حكم التحكيم في مجال الصفقة العامة يخضع لأحكام وقواعد خاصة حددها المشرع في تحرير حكم التحكيم والآثار المترتبة على هذا الحكم، الذي يحوز بمجرد صدوره حجية الأمر المقضي[26] .

ث‌-  تنفيذ الحكم التحكيمي: إذا قام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم اختياريا وأعلن إرادته الواضحة في ذلك فهو يعتبر قابلا لحكم التحكيم، إلا أنه قد يمتنع عن ذلك فيضطر المحكوم له إلى تنفيذه جبرا وهذا ما يحتاج إلى سند وإجراء تنفيذي حتى يكون حكم التحكيم قابلا للتنفيذ الجبري.

 وهنا صرح المشرع بأنواع حكم التحكيم التي قد تكون: إما قرارات تمهيدية، أو حكم جزئي، أو أن يكون الحكم التحكيمي حكما نهائيا[27]، والتي تكون قابلة للتنفيذ بأمر من رئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها هذا الحكم، حيث يكون هذا الاخير هو صاحب الاختصاص في تنفيذ حكم التحكيم، كما أن أحكام التحكيم تكون مشمولة بالنفاذ المعجل أسوة بالأحكام القضائية إذ تطلب الأمر ذلك وتطبق عليها نص القواعد المتعلقة بالأحكام القضائية عند نفاذها المعجل الواردة في المادة 1037.

ج‌-  طرق الطعن المقررة في الحكم التحكيمي: أخضع المشرع الجزائري الحكم التحكيمي، حسب المادة 1032 من قانون إ. م. إ لطرق الطعن المقررة للأحكام القضائية كما يوجد طريق خاص للطعن في مجال التحكيم وهو ما يسمى، بالمعارضة في أمر التنفيذ رغم أن الأصل في أحكام التحكيم أنها غير قابلة للمعارضة.



[1]  - للتوسع أكثر راجع: نبيل صقر، الوسيط في شرح ق إم، الصلح، الوساطة، التحكيم، دار الهدى للنشر، الجزائر، 2008، ص 542.

[2]  - أنظر: بربارة عبد الرحمن، شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية رقم (08- 09)، منشورات بغدادي، الجزائر، الطبعة الأولى، 2009، ص 518.

[3]   - أنظر: الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر، 2001، ص 134.

[4]   - المادة 459 من القانون رقم 05- 10، المؤرخ في 20 يونيو 2005، المعدل والمتمم للأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم، ج ر عدد 44، صادرة بتاريخ 26 يونيو 2005.

[5]   - أما الصلح لغة فيعني إنهاء الخصومة، فنقول صالحه وصلاحا وصافاه، ونقول صالحه على الشيء أي سلك معه  مسلك المسالمة في الاتفاق، وصلح الشيء إذا زال عنه الفساد، كما عرفته الأستاذة ابتسام القدام في مؤلفها المصطلحات القانونية في التشريع الجزائري بأنه : " عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو محتملا وذلك من خلال التنازل المتبادل ".

[6]  - حيث تنص المادة  972، من القانون رقم  08- 09، المصدر السابق على أنه: " يتم إجراء الصلح بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم، وتنص المادة 990 ، من نفس المصدر على أنه " يجوز للخصوم التصالح تلقائيا أو بسعي من القاضي في جميع  مراحل الخصومة  بعد موافقة الخصوم".

[7] -  بن صاولة شفيقة، الصلح في المادة الإدارية، دار هومة، الجزائر، 2006، ص 154.

[8]   -  بن صاولة شفيقة، المرجع السابق، ص 129.

[9]   - انظر: المادة 993، من القانون رقم  08- 09، المصدر السابق.

[10]   - أنظر: المادة 973 ، من نفس المصدر.

[11]   - أنظر: بربارة عبد الرحمن، شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية رقم (08- 09) المؤرخ في 23 فيفري 2008، منشورات بغدادي، الجزائر، الطبعة الأولى، 2009، ص 522.

[12]   - للتوسع أكثر راجع- بشير الصليبي، الحلول البديلة للنزاعات المدنية ، دار وائل للنشر ، الطبعة الأولى، الأردن، 2010، ص 15.

[13]  - أنظر: المادة 994، من القانون رقم  08- 09، المصدر السابق.

[14]   - انظر:  المادة 996 من نفس المصدر.

[15]   - أنظر:  المادة 995 من نفس المصدر.

[16]   - أنظر:  المادتين 1002 و 1003 من نفس المصدر.

[17]   - أنظر: المواد 994 و995 و 996 من نفس المصدر.

[18]   - أنظر: المادة 1000 من القانون رقم  08- 09، المصدر السابق.

[19]   - أنظر: المادتين 1003 و1004 من نفس المصدر.

[20]   - خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير، التحكيم في العقود الإدارية في الفقه الإسلامي والنظم المعاصرة مع دراسة تطبيقية للنظام السعودي، مذكرة نهاية التربص لنيل شهادة الماجستير، المملكة العربية السعودية، ص 66.

[21]  - "يمكن تعريفه بأنه وسيلة قانونية تلجأ إليها الدولة أو احد الأشخاص المعنوية العامة الأخرى لتسوية كل أو بعض المنازعات الناشئة عن علاقاتها القانونية ذات الطابع الاداري عقدية كانت أم غير عقدية فيما بينها، أو بينها وبين أحد أشخاص القانون الخاص الوطنية أو الأجنبية"، أنظر: عبد العزيز عبد المنعم خليفة، التحكيم في منازعات العقود الإدارية الداخلية والدولية، الطبعة الأولى، دار الفكر الجامعي، مصر، 2006، ص 14.

[22]   - تنص المادة 800 من القانون رقم 08-09، المصدر السابق، على أنه: "المحاكم الإدارية في جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية تختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية" .

[23]   - أنظر: المواد 1015 و 1012 و 1008 و 1009 و 1016 و 1010، من القانون رقم 08-09، المصدر السابق.

[24]   - أنظر: المواد 976 و  1006 و 1007 و 1011، من نفس المصدر.

[25]  -  ريحاني أمينة، حيتوس صبرينة، مذكرة ليسانس، نظام التحكيم في منازعات الصفقات العمومية على ضوء قانون إ. م إ، جامعة بسكرة، 2009، ص 47. 

[26] -  تحوز أحكام المحكمين حجية الشيء المقضي به، وهي حجية تتعلق بحماية المصلحة الخاصة، وتبقى هذه حجية مطلقة على أطراف التحكيم فقط، فلا يحتج بأحكام التحكيم على من لم يكن طرفا في الخصومة التي صدر حكم التحكيم فيها، أنظر: المادة 1038 من القانون رقم 08-09 ، المصدر السابق.

[27] - القرارات التمهيدية : هي أحكام لا تفصل في موضوع النزاع كليا أو جزئيا فهي غير منهية للخصومة بل ترمي الى التمهيد لاصدار حكم موضوعي أو وقتي – مستعجل- ومن خلال موافقة اطراف النزاع توصي محكمة التحكيم أو تامر باجراء وقتي أو مستعجل قبل اصدار حكمها، يستعمل لاغراض معينة على ان يتحول الى حكم دائم إذا تم أداء العمل بشكل مقبول .

- الحكم الجزئي : هو حكم غير منهي للخصومة ،فاصل في الموضوع عندما تتعلق بطلبات متعلقة بالتاخيرأو كمية ماتم تنفيذه في موضوع النزاع ، فيتضمن على وجه التحديد الجزء من الطلب الذي فصل فيه مع استمرار محكمة التحكيم في النظر في باقي المسائل لذلك فالحكم الجزئي لا ينهي ولاية المحكم ويمكن اعادة النظر فيما تم النظر فيه مرة اخرى ، ولا يشترط لمارسة هذه السلطة اصدار احكامها باتفاق الاطراف ، الا انه يجوز حرمانها من ذلك باتفاقهم.

- الحكم النهائي : هو الحكم المنهي للنزاع بصورة نهائية والحائز على حجية الشيء المقضي فيه.