2. االمبحث الثالث: الضمانات التأديبية بعد انتهاء المساءلة التأديبية وصدور القرار التأديبي

2.2. المطلب الثاني: الطعن القضائي

لمّا كانت الرقابة السابقة على تتمثّل في ضرورة خضوع هيئة التأديب للقانون فقد يحدث عدم التزامها به وحيادها على ما نصّ عليه عمدا أو سهوا، ما ينتج عنه ضررا محقّقا في حالة تنفيذ ذلك القرار سواء للمعني بالقرار أو بالغير، لذلك خوّل المشرّع الجزائري لكل متضرّر الطعن فيه إدارّيا عن طريق آلية التظلّم أمام لجنة الطعن المختصّة كما سبق بيانه أو قضائيا عن طريق آلية الدعوى أمام هيئات القضاء الإداري المختصة نوعيا وإقليميا.

 ولعّل من أهمّ هذه الدعاوى دعوى الإلغاء (الفرع الأوّل)، دعوى التعويض، والتي تدخل في نطاق دعاوى المسؤولية، التي يتمكّن من خلالها المعني إذا ثبت ادعاءه، الحصول على تعويض عادل يعوّض ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة (الفرع الثاني)، وللتفصيل فيما سبق ذكره تتّم دراسة كل دعوى على حدى كالآتي.

الفرع الأوّل: دعوى إلغاء قرارات التأديب

دعوى الإلغاء أو كما تعرف بدعوى تجاوز السلطة هي"دعوى قضائية ترفع للمطالبة بإعدام قرار إداري صدر مخالفا للقانون" وتعّد إحدى وسائل حماية المشروعية إذ تؤدّي إلى ترتيب البطلان كجزاء يصيب القرار المخالف للقانون"([i])، ولمّا كان تأديب الموظّف العمومي يمارس بواسطة قرارات إدارية غرضها ضمان سير المرفق العمومي بانتظام حفاظا على المصلحة العامّة، يصدر كل منها مقترنا بقرينة الصحّة والسلامة، وبذلك يكتسب الصفة التنفيذية بمجرّد علم المخاطب به، وتبقى تلك القرينة ملازمة له إلى أن يثبت العكس، ومن ثمّ إلغاءه وللوصول إلى الغاية المرجوة من خلال هذه الدعوى اشترط المشرّع الجزائري على غرار باقي تشريعات العالم توفّر بعض الشروط التي أمكن تقسيمها إلى شروط شكلية (الفرع الأوّل) وأخرى موضوعية (الفرع الثاني) يتّم بيانها فيما يلي.

أوّلا: الشروط الشكلية لرفع دعوى إلغاء قرارات التأديبية

لقبول الدعوى شكلا ومن ثمّ مرور القاضي الإداري لفحص مشروعية القرار محّل الطعن وضمانا لاستقرار المراكز القانونية وتجنّب الدعاوى الكيدية، اشترط المشرّع إلزامية توفّر بعض الشروط منها ما يتعلّق برافع الدعوى، ومنها ما يتعلّق بمحّل الدعوى، ومنها ما يتعلّق بعريضة الدعوى، وأخرى تتعلّق بآجال رفعها، يتّم تفصيلها فيما يلي.

1- الشروط المتعلّقة برافع الدعوى: بالرجوع إلى المادّة 13 من ق إ م إ التي جاء فيها "لا يجوز لأيّ شخص التقاضي ما لم تكن له صفة وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرّها القانون، يثير القاضي تلقائيا الصفة في المدّعي أو في المدّعى عليه، كما يثير تلقائيا انعدام الإذن إذا ما اشترطه القانون"، يتبيّن أن كل من يوّد رفع دعوى أمام القضاء يجب أن يكون ذا صفة وصاحب مصلحة، وبذلك يستوي رافع دعوى الإلغاء بغيره من المتقاضين، ونظرا لأهميّة هذه الشروط يتّم بيانها فيها فيما يلي.

أ-الصفة: بالرغم من أهمّية الصفة في ممارسة حق التقاضي وتحريك دعوى الإلغاء على غرار باقي الدعاوى، لم يعرّفها المشرّع الجزائري ولم يعطها وصفا دقيقا، تاركا ذلك للفقه ككل مرّة فعرّفت على أنّها "المركز القانوني للشخص الذي يمنح له الحق في المطالبة بحق معين"، كما عرّفت على أنّها "القدرة على اللجوء إلى القضاء بقصد الدفاع على حق أو مصلحة" ([ii]).

والجدير بالذكر أنّ شرط الصفة لا يتعلّق بالموظّف العمومي المعاقب فحسب بل يشترط كذلك أن ترفع الدعوى على ذي صفة، ولذلك حدّد المشرّع ذوي الصفة بالنسبة لمؤسّسات الدولة عامّة، حيث أنّ كل مؤسّسة تتمتع بالشخصية المعنوية تخوّل قانونا صفة التقاضي بصفتها مدّعى أو مدّعى عليه ذلك ما أقرّه مجلس الدولة الجزائري في أحد قراراته، حيث قال (حيث أنّ الأشخاص المعنوية وحدها يمكن مقاضاتها أمام الجهات القضائية كونها تتمتّع بالشخصية المعنوية...)([iii]) ذلك كأصل عام، وكاستثناء وبالنسبة لتلك التي لا تتمتّع بالشخصية المعنوية قد يمتعّها المشرّع بصفة التقاضي بنص خاص كما هو الحال بالنسبة للمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولايات، وبالتالي ترفع الدعوى بصفة الهيئة التي لها صلاحية التعيين الممثلة للشخص المعنوي المعني.

ب- المصلحة: تعتبر المصلحة شرطا أساسّيا لقبول أيّ دعوى أمام أيّ جهة قضائية عادية كانت أم إدارية وفقا للمبدأ القانوني "لا دعوى بغير مصلحة"، وعلى غرار الصفة لم يعرّف المشرّع الجزائري المصلحة لدى رافع الدعوى متّفقا بذلك مع غالبية التشريعات، ولذلك تولى الفقه مهمّة تعريفها فعرّفت على أنّها "المنفعة التي يمكن أن يحصل عليها في حالة إجابة دعوته"([iv])، وعرّفت على أنّها "الحاجة إلى حماية القانون"، وهي "الفائدة العملّية التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بطلباته"([v])، كما يقصد بها المنفعة التي يحقّقها صاحب المطالبة القضائية وقت اللجوء إلى القضاء هذه المنفعة تشكّل الدوافع وراء رفع الدعوى والهدف من تحريكها"([vi])، والمصلحة بهذا المعنى تستوي عند المشرّع الجزائري إن كانت محقّقة وقت رفع الدعوى أو محتملة الحصول عليها في المستقبل.

وبالرغم من الاختلاف الجوهري بين الصفة والمصلحة إلّا أنّ هناك من يدمج الشرطين على اعتبار أنّ كل ذي صفة هو صاحب المصلحة، ويصلح هذا الطرح في حالات دعاوى الإلغاء المتعلقة بالقرارات التأديبية.

وتوفّر الشروط أعلاه تمكّن ذا الصفة والمصلحة التوجّه للقضاء للمطالبة بإلغاء القرار التأديبي ما لم يختار الطعن الإداري أوّلا، إذ لا يجوز له في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء إلّا  بعد انتهاء الأجل الممنوح للسلطة الإدارية المعنية في النظر في التظّلم، وقبل هذا الأجل ترفض دعواه شكلا بسبب عدم احترام الآجال وبذلك قد يكون قد رفع دعوى الإلغاء قبل أوانها ذلك ما قضى به قضاة مجلس الدولة في إحدى قراراته([vii]).

2- محل دعوى إلغاء القرارات التأديبية: دعوى الإلغاء وفي جميع التشريعات شرعت لمهاجمة قرار إداري يُعتَقد عدم مشروعيته، والتشريع الجزائري لم يخرج عن هذه القاعدة التي تجد أساسها في المادّة 134 من الدستور والتي تنص على أنّه "ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات العمومية".  والمادّة 801 من ق إ م إ([viii]).  

3- الشروط المتعلّقة بعريضة دعوى إلغاء القرار التأديبي: العريضة المتضمّنة طلب إلغاء القرار التأديبي وعلى غرار أيّ عريضة مهما كانت الجهة القضائية المرفوعة أمامها الدعوى يجب أن تتضمّن جملة من البيانات تحت طائلة عدم القبول شكلا وهي:

-      بيان الجهة القضائية التي ترفع أمامها الدعوى، وفي قضية الحال هي المحكمة الإدارية المختصّة إقليميا طبقا لما لأحكام المادّتين 800 و801 من ق إ م إ،

-      اسم ولقب المدّعي وموطنه، الإشارة إلى تسمية وطبيعة الشخص المعنوي، ومقرّه الاجتماعي، وصفة ممثّله القانوني أو الاتفاقي، ويتعلّق الأمر هنا بالإشارة للبلدية أو الولاية المعنية، و(ر م ش ب) والوالي باعتبارهما الممثلين القانونيين لهما على التوالي،

-      عرضا موجزا للوقائع والطلبات والوسائل التي تؤسّس عليها الدعوى،

-      الإشارة عند الاقتضاء إلى المستندات والوثائق المؤيّدة للدعوى، ويتعلّق الأمر بالنسبة لدعوى الإلغاء كأصل عام بإرفاق عريضة افتتاح الدعوى بنسخة من القرار محّل الطعن تحت طائلة عدم قبول العريضة، وذلك بنص قانوني صريح تضمّنته المادّة 819/1 من ق إ م إ والتي جاء فيها "يجب أن يرفق مع العريضة الرامية إلى إلغاء أو تفسير أو تقدير مدى مشروعية مدى مشروعية القرار الإداري تحت طائلة عدم القبول، القرار الإداري المطعون فيه ما لم يوجد مانع مبرّر.".

بتحليل النص القانوني أعلاه يتبّين بأنّ المشرّع الجزائري قد اشترط على كل رافع دعوى محلّها قرار إداري إلغاء أو تفسيرا أو تقديرا لمشروعيته إرفاق عريضة افتتاح دعواه بنسخة من القرار المطعون فيه كأصل عام، وكاستثناء قد خفّف المشرّع الجزائري من هذا الحكم حفاظا على حقوق المعنيين كونه قد يحدث مانع يحول دون تقديم نسخة من القرار المطعون فيه، كحالات القوّة القاهرة من فيضانات وزلازل وحرائق تؤدي إلى إتلاف الممتلكات وضياعها بما فيها الوثائق، أو تعرّض المعني لحادث مفاجئ كالسرقة، وقد يعود هذا المانع للجهة مصدرة القرار، ففي هذه الحالة خوّل المشرّع الجزائري القاضي المقرّر في المحكمة الإدارية توجيه أمر لها بتقديم القرار المطعون فيه طبقا للمادّة 819 من ق إ م إ التي جاء فيها "وإذا ثبت أنّ هذا المانع يعود إلى امتناع الإدارة من تمكين المدعي من القرار المطعون فيه أمرها القاضي المقرّر بتقديمه في أوّل جلسة، ويستخلص النتائج القانونية المترتّبة على هذا الامتناع".

وفي هذا السياق قضى مجلس الدولة الجزائري بذلك بموجب فصله في إحدى قضايا الاستئناف المرفوعة أمامه محّلها قرارا قضائيا صادر عن قضاة الدرجة الأولى قضى برفض القضية المرفوعة أمامه شكلا، وقد كان أحد أسباب الرفض التي أسّسوا عليها قرارهم عدم إرفاق القرار المطعون فيه بعريضة افتتاح الدعوى، فقرّر إلغاء القرار المستأنّف على أساس أنّه "جرى قضاء مجلس الدولة على قبول مثل هذه الدعاوى شكلا على أساس...ليس كل دعوى أمام القضاء الإداري تستوجب وجود قرار إداري فكثيرا من الدعاوى يصعب على المدّعين الحصول على القرارات الإدارية المطعون فيها، ما دامت تلك القرارات من إنشاء الإدارة المدّعى عليها وبالتالي لا يمكن إلزام مدّعي بتقديم سند لم يتمكّن منه ولم تسلّمه إيّاه الإدارة التي أصدرته، ولذا استقّر قضاة مجلس الدولة على عدم إلزام المدّعين الطاعنين بأن يرفقوا القرار المطعون فيه بعريضة افتتاح الدعوى إذا لم يبلّغوا به كما هو الشأن في قضيّة الحال والتي تعّد قرارات سلبية"([ix]).

ونفس الأمر قد قضى به بموجب القرار رقم 117973 الصادر بتاريخ 24/07/1994 فصلا في قضية ((ح.ب) ومن معه ضد والي ولاية باتنة)،الذي جاء في أحد حيثياته "حيث أنّ قضاة الدرجة الأولى المقتنعين باستحالة تقديم المقرّر الطعون فيه من طرف الطاعن لعدم تبليغه له، هم المخوّلون بإجبار الإدارة على تقديم نسخة منه، وكذا باستخلاص النتائج الواجب استخلاصها عند الاقتضاء." ([x]).

إضافة لما سبق فقد يكون القرار الإداري ضمنيا يستشف موقف مصدره ضمنا بفوات آجال البت في طلبه، وبالتالي فقد خوّل المشرّع الجزائري الطعن فيه دون إرفاق نسخة منه وتدخل هذه الحالة ضمن الحالات المشار إليها، أي بوجود مانع قد يكون المانع يتعلّق بنوع القرار ذاته، وقد قبل قضاة الغرفة الإدارية بالحكمة العليا سابقا مجلس الدولة الجزائري حاليا النظر في القضايا التي يكون محلّها قرارا إداريا ضمنيا كما جاء في أحد قراراته "من المقرّر قانونا أن تختص المجالس القضائية (المحكمة الإدارية حاليا) بالفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا([xi])) في القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو إحدى المؤسّسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، وأنّه لا يشترط وجود قرار إداري مكتوب حتى تكون الجهة القضائية في أوّل درجة مختصة وأنّ كل قرار أو تصرّف معيب من هيئة إدارية يمكنه أن يكون محّل دعوى أمام القضاء الإداري"([xii]).

-      واحتواء عريضة الدعوى على البيانات أعلاه وإرفاقها بالقرار الإداري المتضمّن العقوبة التأديبية محّل الطعن بالإلغاء لا يكفي لقبولها ما لم توقّع من طرف محامي كشرط إجباري أمام القضاء الإداري الجزائري، ذلك ما أسّست له المادّة 826 من ق إ م إ والتي جاء فيها صراحة "تمثيل الخصوم بمحام وجوبي أمام المحكمة الإدارية تحت طائلة عدم قبول العريضة.".

وجدير بالذكر أنّ التمثيل بمحامي يخصّ المدعي إن كان هو المخاطب بالقرار التأديبي في جميع مراحل الدعوى أمام المحكمة الإدارية أو أمام مجلس الدولة في حالة الطعن في قرار المحكمة الإدارية المختصّة إن لم يرضه، مع إعفاء الهيئة المختصة بالتأديب باعتبارها ممثلة لشخص معنوي عام، وذلك بنص قانوني صريح تضمّنته المادّة 827 من ق إ م إ حيث جاء فيها "تعفى الدولة والأشخاص المعنوية المذكورة في المادّة 800 أعلاه من التمثيل الوجوبي بحام في الادعاء، أو الدفاع، أو التدخّل.".

رابعا: الشروط المتعلّقة بآجال رفع دعوى إلغاء القرارات التأديبية: ضمانا لاستقرار المراكز القانونية للأفراد وحسن أداء الإدارة لوظيفتها، اشترط المشرّع الجزائري إضافة للشروط الشكلية السابق بيانها أن ترفع الدعوى خلال ميعاد محدّد تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلا، لأنّ بفواتها يتحصّن القرار المطعون فيه ضد أيّ طعن، والأحكام المتعلّقة بآجال رفع دعوى الإلغاء تختلف عمّ إذا اختار المعني الطعن القضائي مباشرة عن كونه اختار التظلّم أوّلاّ، وتختلف في بعض الحالات الطارئة يتّم بيانها كالأتي.

1-     آجال رفع دعوى إلغاء القرارات التأديبية في حالة الطعن القضائي أوّلا: نظّمت هذه الحالة المادّة 829 من ق إ م إ إذ حدّد المشرّع الجزائري ميعاد رفع دعوى إلغاء أيّ قرار إداري بأربعة (4) أشهر ما لم ينّص قانون خاص بخلاف ذلك، ما يعني أنّ رفع دعوى بعد أربعة ولو بيوم واحد يعرّض الدعوى لعدم القبول لورودها خارج الآجال القانونية التي اعتبرها المشرّع من النظام العام، يثيرها القاضي من تلقاء نفسه ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها ذلك كأصل عام، وكاستثناء قد يتغير حساب هذه الآجال إمّا لاختيار المعني الطعن الإداري أوّلا أو لحدوث بعض الأمور تحول دون احترام هذه الآجال ممّا يستدعي تمديدها وجوبا، ذلك ما سيتّم توضيحه في كالآتي.

2-     آجال رفع دعوى إلغاء قرارات الضبط الإداري البيئي المحلّي في حالة التظلّم الإداري

3-     أوّلا: الأحكام المتعلّقة بهذا الاحتمال نظّمتها المادّة 830 من ق إ م إ وخلافا للحالة الأولى وإذا ما اختار المتضرّر من القرار التأديبي الطريق الإداري للمطالبة بإبطاله، تسري الآجال المنصوص عليها أعلاه لأنّها آجال مشتركة تجيز لذي الصفة والمصلحة الطعن في القرار سواء أمام القضاء أم أمام الجهات الإدارية المعنية، يضاف إليها في هذه الحالة مدّة شهرين تمنح للجهة الإدارية المتظلّم أمامها للرد، ويتعذّر خلالها على المعني اللجوء إلى القضاء، أي أنّه ما دام قد اختار طريق التظلّم ينبغي عليه انتظار ما ستقضي به الإدارة أوّلا تحت طائلة رفض دعواه أمام القضاء بحجّة انتفاء الدعوى الموازية.

وبعد مضي أجل الشهرين الممنوح للإدارة المتظلّم أمامها وفي حالة سكوتها عن الرد فسّر ذلك بالرفض الضمني، ما يخوّل لذي الصفة والمصلحة أجل شهرين آخرين يبدأ حسابهما من تاريخ انتهاء الآجال القانونية الممنوحة للرد على التظّلم؛ أمّا إذا ما تلقى المتظلّم ردا صريحا على تظلّمه فإنّ أجل الشهرين الممنوح له للتوجّه بدعواه للمحكمة الإدارية المختّصة إقليميا يبدأ حسابه من تاريخ تلقي الرد على التظلّم.       

3- حالات تمديد آجال رفع دعوى إلغاء قرارات الضبط الإداري البيئي المحلّي: استثناء على الأصل قد تمدّد آجال رفع دعوى الإلغاء مهما كان القرار الإداري المطعون فيه لعدّة أسباب حفاظا على حقوق الأشخاص في الطعن ضد قرارات السلطات الإدارية عامّة، وهذه الحالات محدّدة على سبيل الحصر حدّدتها المادّة 832 من ق إ م إ وهي: الطعن أمام جهة قضائية إدارية غير مختصّة، طلب المساعدة القضائية، وفاة المدّعي أو تغيير أهليته، القوّة القاهرة أو الحادث الفجائي.  

الفرع الثاني: الشروط الموضوعية لدعوى إلغاء قرارات الضبط الإداري البيئي المحلّي

إنّ توفّر الشروط أعلاه لا يكفي للحكم بإبطال القرار محل دعوى الإلغاء، بل يجب أن يثبت الطاعن أنّ القرار المطعون فيه معيبا بعيب أو أكثر يكون قد أصاب أحد أركانه الخارجية أو الداخلية أو معا، وخلاف ذلك سيؤدّي إلى رفض دعواه لعدم التأسيس، وللتفصيل ستتّم دراسة الرقابة القضائية على عدم المشروعية الخارجية لقرارات الضبط الإداري البيئي المحلي(أوّلا)، وعلى عدم مشروعيتها الداخلية (ثانيا) فيما يلي.

أوّلا- الرقابة القضائية على المشروعية الخارجية للقرارات التأديبية: يؤسّس الطعن في هذا النوع من الرقابة على إثبات وجود عيب في عناصر المشروعية الخارجية للقرار الإداري التأديبي المطعون فيه من اختصاص وشكل وإجراءات، حيث يعمل القاضي الإداري المختص إقليميا على فحص مشروعيتها قبل التطرّق لفحص المشروعية الداخلية لعناصر القرار الضبطي البيئي المحلّي، وللتفصيل ستتّم دراسة رقابة كل عنصر على حدى فيما يلي.

1- الرقابة القضائية على مشروعية ركن الاختصاص: ينظر القاضي الإداري أثناء الرقابة على عنصر الاختصاص في صفة الشخص مصدر القرار أي السلطة لها صلاحية التعيين (الاختصاص الشخصي)، ويتأكّد إن كان إصداره ضمن الصلاحيات المخوّلة له بإصدار مثل هذه القرارات(الاختصاص الموضوعي) وفي الآجال المحدّدة قانونا (الاختصاص الزمني)، وإن قد طبّقه على الرقعة الجغرافية المسؤول عنها (الاختصاص الإقليمي)، وصدور القرار بخلاف ذلك يعّد معيبا بعيب يسمى عيب الاختصاص يتّم دراسته بصوره المختلفة فيما يلي.  

2-عيب الشكل: يقصد بعيب الشكل "عدم مراعاة الشكليات المفروضة أثناء تحرير القرار الإداري"، وينحصر عيب الشكل في القرارات المكتوبة، ويستوي أن يكون القرار إيجابيا أو قرارا بالرفض ومن ثمّ يستبعد القرارات الشفوية أو الضمنية، وبالرغم من أهمّية الشكل فإنّ المبدأ العام هو أنّ الإدارة غير مقيّدة بشكل معيّن تفصح فيه عن إرادتها الملزمة ما لم يفرض القانون إتّباع شكل خاص بالنسبة لقرار معيّن([xiii])، ولذلك اهتم الباحثين على غرار القضاء الإداري بتوضيح الفرق بين الشكليات الجوهرية والثانوية، حيث أنّ الجوهرية يستتبع إهدارها بطلان القرار الإداري، وغير الجوهرية لا يترتّب على مخالفتها البطلان، وأرجح المعايير للتمييز بينهما هو درجة جسامة عيب الشكل، فإذا كان جسيما لدرجة أنّ تجنّبه كان يمكن أن يؤثّر في القرار ويعتبر من جوهره اعتبر الشكل جوهريا، وإذا لم يصل إلى هذه الدرجة من الجسامة عدّ الشكل ثانويا([xiv]) وخلافا لركن الاختصاص فإنّ عيب الشكل لا يتعلّق مبدئيا بالنظام العام، وهذا معناه أنّه ليس للقاضي أن يثيره من تلقاء نفسه غير أنّ مجلس الدولة قد ذهب منحى مغاير لهذا الأصل العام يتّم بيانه من خلال بعض الأحكام التي استندت على إحدى الشكليات أو أكثر منها:

تسبيب القرارات الإدارية التأديبية: قد يشترط القانون تسبيب بعض القرارات الإدارية وحينئذ يصبح هذا الإجراء شكلا أساسّيا في القرار يترتّب على إهمال بطلانه كما هو الحال بالنسبة للقرارات التأديبية حيث نصّت المادة 165 من الأمر 06/03 على ذلك الشرط حيث جاء فيها  "تتخذ السلطة التي لها صلاحيات التعيين بقرار مبرر العقوبات التأديبية من الدرجة الأولى والثانية بعد حصولها على توضيحات كتابية من المعني ...  تتخذ السلطة التي لها صلاحيات التعيين العقوبات التأديبية من الدرجة الثالثة والرابعة بقرار مبرر"، وتسبيب القرارات الإدارية وكما سبق بيانه في غاية الأهمّية ومن أنجع الضمانات للأفراد لأنّه يسمح لهم وللقضاء على السواء بمراقبة مشروعية تصرّف الإدارة([xv] وتأسيسا على ذلك اعتبر القضاء الإداري الجزائري عدم تسبيب القرارات الإداري من الدواعي التي تؤسّس لإلغائه حيث جاء في حيثيات إحدى قراراته"حيث أنّ القرار أو المقرّر الطعون فيه جاء غير مسبّب في حين أنّ كل قرار إداريا كان أم قضائيا يجب أن يكون مسبّبا، وهذا وحده يكفي لإلغائه"([xvi])، وبهذا القرار قضى مجلس الدولة بوجوب تسبيب كل القرارات الإدارية دون استثناء.

ج- التوقيع على القرار بخط اليد: قد يكون التوقيع في بعض الأحيان شكلا جوهريا وعدم وجوده في القرار المطعون فيه يكون كافيا لرفض الدعوى شكلا، لأنّه غياب ختم الإدارة المعنية وتوقيع مصدر القرار يحول دون معرفة مصدره والحيلولة دون معرفة المختص شخصيا، وبالتالي فالدعوى تعّد مرفوعة على غير ذي الصفة إذا ما نفى المدعى عليه ذلك ما يحول بين المتضرّر واقتضاء حقّه، وذلك ما قضى به القضاء الإداري الجزائري في إحدى قراراته بالقول "إنّ القرار الإداري المنشور الذي لا يحمل خاتم الإدارة التي أصدرته ولا الإمضاء...معرّض لعدم القبول...حيث أنّه يتعذّر على المحكمة مناقشة قرار إداري مبتور ولا يحمل خاتم الإدارة ولا الإمضاء...تقضي المحكمة العليا بعدم قبول الطعن..."([xvii]).

ثالثا- عيب الإجراءات: يعتبر عيب الإجراء من العيوب الشكلية، أو الخارجية التي تصيب أي قرار إداري في صحّته، ورقابته تصب على عدّة أنواع من الإجراءات كما سبق بيانه، يتّم توضيح البعض منها فيما يلي.

1-التبليغ: لمّا كانت بداية سريان أيّ قرار إداري بما فيها القرارات التأديبية في حق المخاطب به يبدأ حسابها من يوم علمه عن طريق التبليغ الشخصي للقرار بالبريد الموصى به، فيعّد هذا الأخير من الإجراءات الجوهرية التي يتعيّن على سلطة التأديب مراعاتها، وإلّا عدّ قرارها معيبا بإحدى صور عيب الإجراءات على غرار ما قضى به القضاء الإداري الجزائري في أحد قراراته الذي جاء في أحد حيثياته "لكن حيث أنّه وعملا بالاجتهاد القضائي المستقّر في الغرفة الإدارية سابقا للمحكمة العليا، ولمجلس الدولة حاليا فإنّ آجال الطعن ضد قرار إداري لا تجري إلاّ بعد التبليغ الرسمي للمعني بالأمر، وعليه فإنّ فريضة علمه أثناء سير دعوى ما لا يعتد به لعدم الدقّة ولعدم الالتزام بالنص القانوني..."([xviii]).

وفي قرار آخر له قد قضى بإلغاء قرار إداري مخالفا لما قضت به المحكمة الإدارية المختصة، مؤسّسا ذلك على عيب في إجراءاته بالقول "حيث أنّه يستخلص من بيانات القرار المعاد أنّ قضاة الدرجة الأولى قد رفضوا الدعوى الحالّية طبقا للمادّة 169 مكرّر من ق إ م لكن... وبما أنّ القرار موضوع النزاع هو قرار فردي كان على المستأنف عليها أن تبلّغه تبليغا شخصيا، حيث أنّ لا ينكر وأنّ على الحالة التي عليها ملّف القضيّة الحاضرة لا يفيد هذا الإجراء الضروري قد قامت به المستأنف عليها وأنّ علم المستأنف بالقرار موضوع النزاع غير كافي لأخذ بعين الاعتبار من اجل احتساب الأجل المنصوص عليه بالمادّة سالفة الذكر، حيث أنّه يتضّح ممّا سبق ذكره أنّ قضاة الدرجة الأولى بقضائهم كما فعلوا يكونون قد أخطئوا في تطبيق المادّة 169 مكرّر من ق إ م([xix]) وعرّضوا حينئذ قرارهم المعاد للإلغاء، حيث أنّه حتى لا يحرم المستأنف من درجة من درجتي التقاضي من جديد إن أراد ذلك أمام الجهة المختصّة للمطالبة بحقوقه..."([xx]). ويجب أن يرفع الطعن المشار إليه أنفا خلال الأربعة أشهر التابعة لتبليغ القرار المطعون فيه أو نشره."

وفي نفس السياق قضى بموجب قرار مؤرّخ في 23/4/2001 فصلا في قضية ((م.ع) ومن معه ضد والي ولاية البويرة) بإبطال قرار صادر عن قضاء الدرجة الأولى تأسيسا على عدم وجود إجراء التبليغ للقرار الفردي([xxi]حيث جاء في منطوقه "... لكن حيث أنّ أجل الطعن يبدأ سريانه انطلاقا من تبليغ القرار المطعون فيه، وأنّ والي البويرة لا يقدّم أيّ دليل على التبليغ الموجّه إلى المستأنفين يعلمهما بالمقرّر المتّخذ من طرفه، وأنّه في غياب هذا التبليغ فإنّ أجل الطعن يبقى مفتوحا، وبالتالي فإنّ قضاة الدرجة الأولى أخطئوا عندما رفضوا شكلا الطعن المرفوع من طرف المستأنفين".

ثانيا- الرقابة القضائية على المشروعية الداخلية لقرارات الضبط الإداري البيئي المحلّي: الرقابة القضائية على المشروعية الداخلية لقرارات الضبط الإداري البيئي المحلّي محلّها الرقابة على عناصر المحّل والسبب والغاية، حيث يعمل القاضي الإداري المختص إقليميا على فحص مشروعيتها بعد التطرّق لفحص المشروعية الخارجية للقرار التأديبي، ويؤسّس إلغاؤه للقرار المطعون فيه على هذه الأركان إذا ما ثبت إصابتها بإحدى العيوب الآتي تفصيلها.

 عيب المحّل (عيب مخالفة القانون): يقصد بعيب المحّل أو كما يعرف بعيب مخالفة القانون هو "أن يكون القرار الإداري معيبا في فحواه (محلّه أو موضوعه)، أي بمعنى أن يكون الأثر القانوني المترتّب على القرار غير جائزا وغير ممكن تحقيقه فعلا"([xxii])، كما ينصرف مفهومه لأن "يخالف محل القرار الإداري إحدى القواعد القانونية ويستوي في ذلك القواعد المدونة وهي التشريعات الدستورية والعادية والفرعية أو غير المدونة المستندة من العرف أو القضاء".

2-     عيب السبب (تجاوز السلطة): إذا كان سبب القرار الإداري التأديبي ينصرف مفهومه إلى ارتكاب الموظّف العمومي لخطأ مهني دفع الهيئة التي لها صلاحية التعيين إلى إصدار القرار فإنّ عيب السبب كعيب من عيوب هذا الأخير التي تؤدي إلى بطلانه تعني أن يكون الخطأ الذي أسّس عليه القرار التأديبي غير موجود أو غير صحيح من حيث تكييفه القانوني.

وعلى ذلك الأساس قضت الغرفة الإدارية

وفي نفس السياق قضى بموجب القرار رقم 10796صادر بتاريخ 21/10/2003 فصلا في قضية ((ب.ل) ضد والي ولاية النعامة) بإبطال قرار هذا الأخير محلّه غلق مصنع يقع ببلدية المشرية لعدم ثبوت الوقائع المادّية التي استند إليها، جاء في بعض حيثياته:

3-         عيب الغاية (الانحراف بالسلطة): يؤسّس إلغاء القرار التاديبي على هذا العيب إذا ما تبيّن عدم مشروعية الغرض الذي من أجله أُصدر القرار، أي الانحراف بالسلطة عن طريق استخدامها لسلطاتها من أجل تحقيق غاية غير مشروعة، سواء باستهداف غاية بعيدة عن المصلحة العامّة كاستعمال السلطة لتحقيق نفع شخصي أو للغير أو من أجل الانتقام، أو لتحقيق غرض سياسي، أو باستهداف هدف مغاير للهدف الذي حدّده القانون ولو كان يهدف لتحقيق المصلحة العامّة، وذلك ما يعرف باحترام قاعدة تخصيص الأهداف؛ وعيب الغاية من العيوب الملازمة للسلطة التقديرية للإدارة إذ يترك لها المشرّع مجالا للتصرّف في حدود القانون بخلاف إذا ما كانت سلطتها مقيّدة.

وما يميّز الرقابة على ركن الغاية هو أنّ القاضي في باقي العيوب يقوم بمراقبة مدى مشروعية القرار من حيث الاختصاص والشكل والإجراءات بينما تراقب في هذه الحالة مدى مشروعية الهدف المبتغى من إصدار القرار وللوصول إلى ذلك يجب عليه البحث عن نيّة مصدر القرار، ولهذا تعّد هذه الرقابة شاقّة ودقيقة كونها تتعلّق بالبحث والتحقّق من نيّة مصدر القرار وهو أمر صعب إثباته والكشف عنه ولذلك انحصر حاليا وأصبح عيبا احتياطيا فقط.

وممّا سبق يتضّح إذا كان ضمان سير المرفق العمومي بانتظام واطراد هو الهدف الأساسي لاعمال نظام التأديب في الوظيفة العمومية، يعتبر في الوقت ذاته قيدا وضابطا على سلطة التأديب، إذ يحدّد الإطار الذي يجب أن تتوقّف عنده في تقييدها وتنظيمها لممارسة الموظّفين العموميين لواجباتهم المهنية المختلفة، بحيث لا يجوز لها تجاوزه أو الخروج عن حدوده باعتبار أنّ كل إجراء لا يهدف إلى تحقيق هذه الغاية يعّد تصرّفا غير مشروعا وإن تعلّق الأمر بالمصلحة العامّة وذلك تطبيقا لقاعدة تخصيص الأهداف.

المطلب الثاني: دعوى التعويض عن الأعمال الضارّة للضبط الإداري البيئي المحلّي

إنّ رقابة القضاء الإداري على أعمال سلطات التأديب لا تقتصر على إبطال قراراتها التاديبية غير المشروعة، بل يتعدّى ذلك إلى مطالبتها بتعويض كل متضرّر من جرّاء القرار التأديبي، فيكفي أن يتقدّم المضرور بدعواه أمام المحكمة الإدارية المختصّة، أو مجلس الدولة مطالبا فيها بجبر أضراره وتعويضه عمّا أصابه من خسارة وما فاته من كسب، وليتمكّن من الحصول على تعويض عادل لا بد من توفّر جملة من الشروط منها ما هي شكلية (الفرع الأوّل)، ومنها ما هي موضوعية (الفرع الثاني) يتّم بيانها فيما يلي.

الفرع الأوّل: الشروط الشكلية لدعوى التعويض عن أضرار الضبط الإداري البيئي المحلّي

لمّا كانت دعوى التعويض من الدعاوى القضائية الإدارية التي يختّص بالنظر فيها المحكمة الإدارية المختصّة إقليميا أو مجلس الدولة والتي تندرج ضمن دعاوى القضاء الكامل، التي تجد أساسها في المادّة 801 من ق إ م إ، وبالإضافة للشروط الشكلية العامّة الواجب توافرها في أي دعوى إدارية توجد بعض الشروط الخاصّة بدعوى التعويض تضفي عليها بعض الخصوصية، لاسيما شرط آجال رفعها، حيث أنّ المشرّع الجزائري لم يحدّد في ق إ م إ أجلا خاصّا بدعوى التعويض يسري على جميع القضايا من هذا النوع، ولذلك فإنّ مسؤولية الإدارة العمومية تسري عليها آجال التقادم المنصوص عليها في المادّة 133 من القانون المدني وهي 15 سنة، يبدأ حسابها من يوم وقوع الفعل الضار، وبالتالي يجب على الموظّف العمومي المتضرّر المطالبة بالتعويض إن أراد ذلك قبل انقضاء هذه المدّة تحت طائلة عدم القبول شكلا.

غير أنّه إذا كانت دعوى التعويض تستند على قرار إداري غير مشروع مطعون فيه بالإلغاء على غرار قرارات التأديب، فإنّ الأجل الواجب احترامه تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلا لرفعها خارج الآجال القانونية هو الأجل المحدّد في المادّة 829، ومراعاة الأحكام الواردة في المادّة 830 من ق إ م إ هو أربعة (4) أشهر يبدأ حسابها من يوم تبليغ القرار التأديبي للمخاطب به.  

الفرع الثاني: الشروط الموضوعية لدعوى التعويض عن أضرار القرارات التأديبية

للحكم بالتعويض المطالب به من الخلال الدعوى محّل الدراسة وإضافة للشروط الشكلية أعلاه، لابد من توافر بعض الشروط الأخرى، ممثلة في الشروط الموضوعية لدعوى التعويض تحت طائلة رفض الدعوى لعدم التأسيس ولعلّ من أهمّها، لابد من وجود ضرر (أوّلا)، ووجود علاقة بين قرار سلطة التأديب،  والضرر الواقع، وهي ما يعرف بالعلاقة السببية في دعاوى المسؤولية (ثانيا)، وتحديد مسؤولية سلطة التأديب كهيئة (ثالثا) يتّم بيانها كالآتي.  

أوّلا- وجود ضرر: يعتبر الضرر أولى الشروط الموضوعية الواجب إثباتها من طرف طالب التعويض إذ يعتبر أساس رفع دعوى التعويض مدنية كانت أم إدارية، ويشترط في الضرر أن يكون محقّقا بمعنى أنّ ثمّة ضرر وقع بالفعل أو محقق الوقوع، وقد يكون الضرر مادّي وقد يكون معنويا([xxiii]).

ثانيا- العلاقة السببية: لا يكفي إثبات الخطأ للحكم بالتعويض ما لم يثبت أنّ الضرر الواقع كان سببه الخطأ المرتكب من سلطة التأديب، وانعدام ذلك يؤدّي إلى انعدام التأسيس للحصول على التعويض بالرغم من إقرار حق الموظّف العمومي المتضرّر في الحصول على تعويض عادل لما أصابه من ضرر، وما فاته من كسب، إلّا أنّ ذلك مرهون بتوفّر الشروط الموضوعية في آن واحد إذ لا يكفي توفّر أحدهما دون الآخر.

ثالثا- إثبات مسؤولية سلطة التأديب عن الضرر مستوجب التعويض: تتأسّس مسؤولية الإدارة العمومية عموما بدون الخطأ أي على أساس المخاطر، أو على أساس الخطأ وهي الحالة الواردة في قضية الحال، أي مسؤولية الإدارة المستخدمة على أساس الخطأ، لمّا كان أساس التعويض في القضاء المدني يقوم على ركن الخطأ كأساس للمسؤولية، وما ينتج عنه من أضرار تستوجب التعويض يتحمّلها مرتكب الخطأ، فإنّ ذلك لا يمكن الأخذ به على إطلاقه بالنسبة لتقرير المسؤولية الإدارية، كون الإدارة المستخدمة هي من الأشخاص المعنوية العامّة التي لا يمكنها ارتكاب أخطاء، وإنّما يرتكبها من يسيّرونها وبذلك ابتدعت نظرية الخطأ المرفقي تمييزا لها عمّا يعرف بالخطأ الشخصي، ولجبر الأضرار الناجمة عن أعمال الإدارة العامّة يمكن تصوّر ثلاثة حلول([xxiv])،

أ‌-        الأوّل أن يتحمّل الموظّف ممثلا في هيئة التأديب شخصيا المسؤولية عن جبر الضرر تأسيسا على الخطأ الشخصي، وهو حل يكفل الأداء الجيّد للموظّف بكل حرص، رغم ما قد يصيبه من غبن شخصي وهو بصدد أداء عمله التأديبي.

ب‌-    والثاني أن تتحمّل الإدارة المستخدمة المسؤولية كاملة عن قراراتها التأديبية التي أصدرتها تأسيسا على فكرة الخطأ المرفقي أو المصلحي، وهو حل من شأنه حماية الموظّفين رغم تقصيرهم وتهاونهم وتقاعسهم في أداء مهامّهم التأديبية.

ج‌-     والثالث يتمثّل في مبدأ المشاركة أي تتوزّع المسؤولية بين مرتكب الخطأ المتسبب في الضرر، وبين الإدارة المحلية بلدية أم ولاية تبعا لدرجة الخطأ المنسوب لكل طرف.

وتلك الحلول تقود حتما لعملية التمييز بين كل من الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي، وللتمييز بينهما اتّبعت عدّة معايير للقيام بذلك، منها معيار النزوات الشخصية ومعيار الغاية ومعيار الانفصال عن الوظيفة،

1-     حساب التعويض: يعتبر التعويض ماديا كان أم معنويا الغاية المبتغاة من رفع دعوى التعويض، ولاحتساب هذا التعويض اختلف الفقه في تقديره لاسيما إذا كان التعويض بمقابل مادّي، فهل يقدّر تبعا لقيمته يوم وقوع الفعل الضار أو في وقت رفع الدعوى؟، وفصلا في ذلك الخلاف أو الإشكال قضى مجلس الدولة الجزائري محافظا بذلك على حقوق الأشخاص المتضرّرين في إحدى قراراته بأنّه (من المستقّر عليه قضاء أنّ حساب التعويض يتّم وفق الأسعار المطبّقة يوم رفع الدعوى أمام الجهة القضائية المختصّة...)([xxv])،  حيث قرّر حساب التعويض من يوم رفع الدعوى وليس من يوم وقوع الفعل الضار.

واستكمالا لمنح الضمانات الكافية للمعني بالطعن في أعمال الضبط الإداري البيئي المحلّي فضماناته القضائية لا تتوقف عند حق الطعن فيها سواء بطريق التظلّم أو بطريق الدعاوى، فضماناته مستمرة لحد الطعن في القرار القضائي الصادر إن كان لا يرضيه، وذلك بشتى طرق الطعن العادية وغير العادية، ويمكن متابعة المطالبة بحقه لغاية تحصّن القرار القضائي الصادر ضد أيّ طعن بأن يأخذ صفة القرار القضائي البات، وعندئذ يكون المعني قد سلك مختلف الطرق المؤدّية إلى استرجاع حقه بالقانون.



([i])– ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري. دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1995، ص.259.  

([ii]) عبد القادر عدّو، المنازعات الإدارية. دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2012،ص.143.

([iii])– للتفصيل أنظر، القرار رقم 149303 المؤرّخ في 01/02/1999 منشور في مجلة مجلس الدولة، ع1، 2002، ص.93، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري"ج2"، منشورات كليك، المحمدية، الجزائر، ط1،2013، ص.825،824.

([iv])– ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري. المرجع السابق، ص.293.

([v])– علي عثماني، المرجع السابق، ص.231.

([vi])– عادل بوراس، المرجع السابق، ص.258.

([vii])– للتفصيل أنظر القرار المؤرّخ في 24/07/1994 غير منشور فهرس 294، أشار إليه كل من، حسين بن شيخ آث ملويا، المنتقى في قضاء مجلس الدولة "ج1". دار هومة للنشر والتوزيع، 2003، ص.121، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري "ج2"، المرجع السابق، ص.942،941.

([viii])– والتي تنص على أنّه "تختص المحاكم الإدارية كذلك بالفصل في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية...الصادرة عن الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية، البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية، المؤسّسات العمومية المحلّية ذات الصبغة الإدارية...".

([ix])– للتفصيل أنظر، القرار رقم 024638 المؤرّخ في 28/06/2006، فصلا في قضية (مستفيدين ضد (ر م ش ب) لبلدية الأبيار، منشور في مجلّة مجلس الدولة، ع8، 2006، ص.221، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري"ج3"، المرجع السابق، ص.1460 ،1461.

([x])– قرار منشور في مجلّة مجلس الدولة، ع1، 2002، ص.73، أشار إليه جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري"ج2"، المرجع السابق، ص ص.811، 813.

([xi])– الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا، يقابلها مجلس الدولة حاليا الذي تمّ استحداثه بموجب نص المادّة 152 من الدستور لسنة 1996 كهيئة قضائية مقوّمة لأعمال الجهات الإدارية، وبتأسيسه تبنى المشرّع الجزائري نظام ازدواجية القضاء صراحة هيكلة ونشاطا، بعد مراحل عديدة مرّ بها القضاء الإداري الجزائري منذ الاستقلال إلى صدور التعديل الدستوري لسنة 1996، ولمزيد من التفصيل حول تطوّر القضاء الإداري في الجزائر، أنظر، مسعود شيهوب، المبادئ العامّة للمنازعات الإدارية "الهيئات والإجراءات" ج1، د م ج ، ط6 ،2013، ص ص 215،200، عمار بوضياف، المرجع في المنازعات الإدارية "الإطار النظري للمنازعات الإدارية، القسم الأوّل. جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 2013، ص ص 136،51، حسين فريجة، شرح المنازعات الإدارية"دراسة مقارنة".المرجع السابق ، ص ص، 33،23، عمار بوضياف، القضاء الإداري "دراسة وصفية تحليلية مقارنة". جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، 2008، ص ص. 92،53.

([xii])– للتفصيل أنظر، القرار رقم 137561 المؤرّخ في 05/05/1996، فصلا في قضية ((فريق ق.م) ضد مدير الشؤون الدينية)، منشور في المجلّة القضائية، ع2، 1996، ص.147، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري "ج2"، المرجع السابق، ص ص.720 ،725.

([xiii])– عبد القادر عدو، المرجع السابق، ص.150،149.

([xiv])– المرجع نفسه، ص.151.

([xv])–  فريجة حسين، شرح القانون الإداري، المرجع السابق، ص.221.  

([xvi])–للتفصيل، أنظر، عبد القادر عدو، المرجع السابق، ص.150،149.

([xvii])– للتفصيل أنظر، القرار رقم 64687 المؤرّخ في 14/07/1990 فصلا في قضيّة (ش.م) ضد (والي ولاية وهران ومن معه)، منشور في مجلة نشرة القضاء، ع 45، 1991، ص.79، أشار إليه، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري "ج1"، المرجع السابق، ص ص.401 ،403، مواقي بناني أحمد، المرجع السابق، ص.221.

([xviii])– للتفصيل أنظر، القرار الصادر في 28/06/1999 فهرس 259 فصلا في قضية (بلدية حمر العين ضد (ب.ع))، غير منشور أشار إليه جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري"ج2" المرجع السابق، ص ص.944 ،946، حسين بن شيخ آث ملويا، المنتقى في قضاء مجلس الدولة "ج"1"، المرجع السابق، ص.137.

([xix])– التي تمّ استحداثها بموجب القانون رقم 90/23 المؤرّخ في 18 غشت سنة 1990 يعدّل ويتمّم الأمر رقم 66/154 المؤرّخ في 8 يونيو سنة 1966 المتضمّن قانون الإجراءات المدنية (ج ر ع 36 الصادر في 22 غشت سنة 1990).

([xx])– للتفصيل، أنظر، القرار رقم 160507 الصادر في 19/04/1999 فصلا في قضية ((ل.م) ضد (ت.ن))، منشور في مجلّة مجلس الدولة، ع1، 2002، ص.103، أشار إليه جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري"ج2" المرجع السابق، ص.830 ،831.

([xxi])– قرار غير منشور فهرس 344 أشار إليه حسين بن شيخ آث ملويا، المنتقى في قضاء مجلس الدولة "ج1". المرجع السابق، ص.413، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري "ج2"، المرجع السابق، ص. 999، 1000.

([xxii])– سلام عبد الحميد محمد زنكة، المرجع السابق، ص.103.

([xxiii])– للتفصيل، أنظر، ياسر محمد فاروق المنياوي، المرجع السابق، ص ص.168،184.

[xxiv]– محمد صغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية. المرجع السابق، ص204.

([xxv])– للتفصيل، أنظر، القرار رقم 55531 المؤرّخ في 02/01/1988، المنشور بالمجلة القضائية، ع 1، 1993، ص.173، جمال سايس، الاجتهاد الجزائري في القضاء الإداري، ج1، المرجع السابق، ص.552،551.

 

مساء يوم الأحد وأثناء عودته إلى كان علّي موظّفا عموميا في إحدى الإدارات العمومية يشغل منصب عون إدارة إلى جانب جملة من الأعوان، وإثر وفاة الموظّف الذي كان يشغل منصب سائق في نفس الإدارة، كلّف باستخلافه مؤقّتا لأنّه الموظّف الوحيد الذي كان يحوز رخصة سياقة، فتوالت الأيام والشهور وهو يشغل ذلك المنصب، وفي أحد الأيام كلّف بمهمّة كالعادة وفي طريق العودة ذهب إلى المدرسة أوّلا ليعيد أبناؤه إلى المنزل كما تعوّد دائما،