1. المبحث الاول: الاطار المفاهيمي للقانون

المحاضرة الأولى : ماهية القانون

 

المبحث الأول : الاطار المفاهيمي للقانون

المطلب الأول : تعريف القانون

الفرع الأول :معاني القانون

         القانون لغة يفيد النظام والإستقرار، وهو لفظ دخيل على اللغة العربية، يرجع أصله إلى الكلمة اليونانية KANUN، و التي تعني العصا المستقيمة، اي أنه في المجال القانوني يتم إستخدام هذه الكلمة لقياس مدى إحترام الأفراد لما تملي به القاعدة القانونية، فإذا ساروا وفقا لمقتضياتها كان سلوكهم مستقيما كالعصا، وإن تمردوا عنها كان سلوكهم منحرفا غير مستقيم.

         تتضمن كلمة قانون في مجال العلوم القانونية معنيين أساسيان يتمثلان في المعنى العام والمعنى الخاص :

أولا : المعنى العام للفظ القانون

         يقصد بالمعنى العام لكلمة قانون، مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، تسهر الدولة على فرضها، سواءا كانت هذه القواعد مكتوبة أم غير مكتوبة، وذلك دون إعتبار لمصدر هذه القواعد.

        يتم التعبير عن القانون بمعناه العام بعبارة "القانون الوضعي"، التي تقابلها في اللغة الفرنسية عبارة Droit Positif ، أي مجموع القواعد القانونية السارية المفعول في بلد معين وفي زمن محدد، فالقانون الوضعي الجزائري يتمثل في مجموعة القواعد القانونية السرية المفعول حاليا في الجزائر.

ثانيا :المعنى الخاص للفظ القانون

         يتعين التمييز بين حالتين عند التطرق إلى المعنى الخاص للقانون :

-الحالة الأولى : تستعمل كلمة "قانون" في معنى التشريع، و معنى ذلك يتمثل في مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة في مجال معين من مجالات الحياة الإجتماعية، وعلى سبيل المثال قانون المحاماة، قانون التوثيق...إلخ.

-الحالة الثانية : تستعمل كلمة القانون في معنى التقنين Code، أي على فرع من فروع القانون، ويقصد به مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون، فيقال مثلا التقنين المدني Code Civile، التقنين التجاري Code Commercial...إلخ.

الفرع الثاني: تعريف الفقه للقانون

         اعتمد فقهاء القانون على ثلاثة معايير أساسية لتعريف القانون تتمثل في معيار الغاية، معيار الجزاء، وأخيرا معيار خصائص القاعدة القانونية.

أولا: الغاية كأساس لتعريف القانون

         عرف هذا الإتجاه القانون أنه " مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظيما عادلا يكفل حريات الأفراد ويحقق الخير العام".

         يعاب على هذا التعريف ما يلى :

-أن فكرة الخير العام ليست ثابتة ومحددة، بل نسبية ومتغيرة.

-أن غاية القانون هي فكرة قابلة للنقاش، ومحاولة حصرها في تعريف القانون من شأنها أن تؤدي إلى جدل وتناقض.

ثانيا: الجزاء كأساس لتعريف القانون

         وضع فريق اخر من الفقهاء تعريفا للقانون على أساس الجزاء، فإعتبروا أن " القانون هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها".

         يشوب هذا التعريف نقائص جعلت غالبية الفقه يستبعده، وذلك للأسباب التالية :

-لا تصدر كل القواعد القانونية عن إرادة الدولة كالدين.

-القاعدة القانونية موجودة قبل تدخل الجزاء، فهذا الأخير لا يتدخل إلا في حالة مخالفة الأفراد للقاعدة 

المطلب الثاني: أهمية القانون و دور القانون في ضبط نشاط الأشخاص

الفرع الاول: تدخل القانون لضبط نشاط الأفراد في ظل المذهب الفردي

       يمثل هذا المذهب فلاسفة القرن 18، من بينهم E.KANT،J.J.ROUSSEAU ، A.SMITH.

         يرى هذا المذهب أن الفرد هو المحور الأساسي لوجود القانون، فالفرد حسب هذا التوجه لا يستمد وجوده وحقوقه من المجتمع، بل المجتمع هو الذي يستمد وجوده من الفرد، فهذا الأخير مستقل وله حقوق طبيعية لا يمنحها القانون له بل هي موجودة قبل وجود القانون نفسه.

         يتمثل دور القانون حسب هذا الإتجاه في حماية الحرية الفردية للأشخاص عن طريق وضع القواعد الكفيلة بوضع حد للتناقضات بين حريات الأشخاص والتداخل فيما بينها، فالقانون يفرض على الأفراد أحكام تقضي بعدم الإضرار بالغير لكن دون التدخل لفرض منطق التضامن الإجتماعي.

         ساهم هذا المذهب في تقديس الحرية الفردية للإنسان وتحريره من أنظمة الحكم الإستبدادية التي كانت سائدة في أوروبا في القرون الوسطى (Période Médiévale)، مما أدي إلى تشجيع النشاط الفردي وتحرير روح الإبداع والإبتكار لديهم.

         تكمن نقطة ضعف هذا الإتجاه في كونه أنه أنكر ما للمجتمع من حقوق على الفرد، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى إغلاب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، حيث أن المبالغة في تجميد الحريات الفردية يؤدي لا محالة إلى تفاوت طبقي في المجتمع تفرض فيه فئة قليلة منطقها على أغلبية أفراد المجتمع.

الفرع الثاني: تدخل القانون لضبط نشاط الأشخاص في ظل المذهب الإشتراكي

         يمثل هذا الإتجاه المفكر والفيلسوف K.Marx، ويرى هذا المذهب أن المجتمع هو المحور الأساسي لوجود القانون، ولا يرى إلى الفرد إلا كجزء من المجتمع، حيث يكون هذا الفرد متضامنا مع الأفراد الأخرين بهدف تحقيق المصلحة العامة، وذلك بإعتبار الإنسان كائن إجتماعي بالفطرة، وبذلك فإن مصلحة الفرد لا توجد ولا تتحقق إلا من خلال مصلحة الجماعة.

         يتسع دور القانون في إطار هذا المذهب ليشمل ضبط كل مجالات الحياة الإجتماعية، إقتصاديا، سياسيا وثقافيا، وذلك لمنع الظلم والإستغلال الذي قد تفرضه الأقلية المالكة للمال على الأغلبية الممثلة لفئة العمال.

         إن وظيفة الدولة من منظور هذا المذهب يتميز بالشمولية، فدورها يتجاوز الحفاظ على النظام وسيادة الأمن، ليمتد إلى توجيه النشاط الإقتصادي والحد من حرية الأفراد في هذا المجال بالقدر يكون كفيلا بتحقيق العدل الإجتماعي.

         تتمثل محاسن هذا الإتجاه في كونه أنه يقضي على طغيان الأقوياء على الضعفاء، ويصبو إلى التوزيع العادل للثروات عن طريق تدخل الدولة في شتي الميادين، وفرض القانون لمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

         إن هذا النظام لا يخلو من مساوىء بإعتبار أنه يؤدي إلى إستبداد السلطة العامة التي تجعل من القانون وسيلة لسحق حرية الأفراد وتجريده من مقاومته المعنوية الأساسية، حيث غالبا ما توصف الأنظمة الإشتراكية بالديكتاتورية والسلطوية، وهذا ما من شأنه أن ينعكس سلبا على روح الإبتكار لدى الفرد وخلق الخمول واللامبالاة لديه، بسب إنعدام الحوافز الشخصية، وهذا لا يكون إلا ذات إنعكاس سلبي على المصلحة العامة.