2. المبحث الثاني الرقابة على أعمال المجلس البلدي

2.3. المطلب الثالث/ الحـلــول

يُعتبَر إجراء الحلول من أخطر مظاهر الرقابة الإدارية التي تلجأ إليها سلطة الوصاية، تجاه المجلس الشعبي البلدي.

  • ·       مفهومه

 كقاعدة عامة فإن المجالس الشعبية البلدية تتمتع بإستقلالية عن السلطة المركزية إلا أنه وفي حدود معينة أجاز المشرع للسلطة المركزية من أن تتدخل وتقوم بما لم تقم به هذه المجالس الشعبية البلدية، أي عندما تمتنع أو تتراخى في القيام بالمهام الموكلة إليها بموجب القانون.

وتدخًّل السلطة المركزية في هذا الوضع هو ما يعرف بالحلول، والذي تقوم السلطة الإستثنائية بموجبه الإحالة لسلطة التقرير إلى الوصاية، بدل من الشخص الخاضع للوصاية كجزاء على إمتناعه وتعنته رغم تنبيهه وإعذاره، وهي أخطر أنواع الرقابة التي تمارسها سلطة الوصاية، وأشدها تأثيرا على حرية وإستقلال الأشخاص العامة.

كما يُعرّف أيضا الحلول على أنه قيام سلطة الوصاية –بمقتضى سلطتها الإستثنائية المحددة قانونا- محل الجهة اللامركزية بتنفيذ بعض إلتزاماتها القانونية التي لم تقم بها بقصد أو بعجز أو عن إهمال.

ويقصد به أيضا وإن كان يعد خاصية أساسية تميز السلطة الرئاسية، إلا أنه سلطة إستثنائية يعمل بها في نظام الوصاية الإدارية،وذلك بحلول جهة الوصاية للقيام بإلتزامات إمتنعت عن أدائها الهيئة المحلية اللامركزية، وهذا إحتراما لمبدأ المشروعية والمصلحة العامة.

وعليه فمن خلال هذه المفاهيم لإجراء الحلول يتبين مدى خطورته، وذلك نظرا لأن جهة الوصاية قد تتدخل وتقوم ببعض الإختصاصات التي هي في الأصل تعود إلى الهيئة المحلية وهذا في حالة تقاعسها عن القيام بهذه الإختصاصات وهذا حفاظا على سيرورة المرافق العامة بإنتظام واطراد، وكذلك عدم تعطيل مصالح الأفراد، وذلك كأن يحل الوالي محل المجلس الشعبي للقيام ببعض إلتزاماته مع بقاء مثل هذا الإجراء أمرًا استثنائيًا.

لقد نصّ المشرّع الجزائري على سلطة الحلول في قانون البلدية (11/10) في نص المادة (101) و(102) منه، حيث جاء في نص المادة (101): «عندما يمتنع رئيس المجلس الشعبي البلدي عن إتخاذ القرارات الموكلة له بمقتضى القوانين والتنظيمات، يمكن الوالي، بعد إعذاره، أن يقوم تلقائيا بهذا العمل مباشرة بعد إنقضاء الآجال المحددة بموجب الإعذار».

يتبين من خلال نص المادة مدى تكريس وتجسيد المشرّع لسلطة الحلول، وذلك إذا إمتنع رئيس المجلس الشعبي البلدي عن القيام بما أوكل له القانون والتنظيم من إختصاصات ومهام، ففي هذه الحالة أجاز القانون للوالي أن يحل محل رئيس المجلس لتنفيذ ما امتنع عنه، بالرغم من أن الوالي جهة وصاية ويمثّل السلطة المركزية، غير أنه وبالرجوع إلى نص المادة (100) والتي أجازت للوالي اتخاذ جميع الإجراءات على مستوى جميع البلديات بحفظ النظام العام والسكينة العامة والنظافة وديمومة المرافق العامة عندما تتماطل وتقصّر سلطات البلدية في اتخاذها. 

غير أن تدخل الوالي في هذا الوضع وحلوله محل البلدية إنما هو حلول أصيل، أي ليس إستثنائيا، وذلك بناءً على ممارسته لسلطته الرئاسية، على إعتبار أن رئيس المجلس الشعبي البلدي ممثلاً للدولة في هذه الحالة وليس هيئة تنفيذية للمجلس الشعبي البلدي، ومن ثمة يخضع للسلطة الرئاسية للوالي.

ومما سبق يتبين مدى خطورة إعمال سلطة الحلول، كونه يمنح لسلطة الوصاية حق التقرير مما يتبين أن فيه إعتداء على إستقلالية المجلس، لذلك أحاطه المشرّع ببعض الضوابط والضمانات تتعدد من خلال مدى لجوء سلطة الوصاية إليه بإعتباره إجراءً إستثنائيًا.

ومن بين الشروط التي لابد أن تتوفر حتى يحل الوالي محل المجلس الشعبي البلدي ما يلي:

-    أن تكون البلدية ملزمة بالتحرك بموجب نص صريح وذلك للقيام ببعض الإختصاصات الممنوحة لها بموجب القانون والتنظيم.

-    أن تمتنع البلدية وتتمرّد عن القيام بما أنيط بها من هذه الإختصاصات وتتخذ موقفا سلبيا سواء أكان هذا الموقف امتناعا أو تقاعسا.

-    لابد من وجود نص قانوني، يمنح للجهة الوصية سلطة الحلول فلا حلول دون نص، لأن الحلول على خلاف بقية التدابير قد يؤدي إلى الإخلال بمبدأ توزيع الإختصاص.

-    وجوب إنذار المجلس الشعبي البلدي من خلال رئيسه، وتنبيهه إلى وجوب إتخاذ الإجراءات اللازمة، على أن يمنحه في نفس الوقت آجالا قانونية لذلك، ومثل هذا الإعذار يعتبر من بين الإجراءات الشكلية الوجوبية لإعمال سلطة الحلول.

فهذه هي الضوابط التي وضعها المشرّع لممارسة حلول الوالي محل رئيس المجلس الشعبي البلدي، وقيامه تلقائيا بما لم يقم به رئيس المجلس، وحتى لا يتعدّى الوالي على إستقلالية المجلس بتدخله.

ومن خلال إستقرائنا لنص المادة (101) من قانون البلدية (11/10) نجدها قد جاءت على الإطلاق، إذ لم يحدد المشرع ما هي القرارات التي يمتنع رئيس المجلس البلدي عن إتخاذها حتى يتيح تدخل سلطة الوصاية من خلال صلاحيات الوالي، لأجل ممارسة سلطة الحلول محل رئيس المجلس، في إتخاذ هذه القرارات، خاصة وأن المشرع قد أطلق الاختصاص للبلدية اقتداءً بالمشرع الفرنسي.

إضافة إلى أن المشرع لم يحدد آجال معينة للإعذار الذي يوجهه الوالي لرئيس المجلس الشعبي البلدي الذي يمتنع أو يرفض القيام بما أوكل له من إختصاصات.

وكان حليا على المشرع تحديد آجال لهذا الإعذار حتى لا يتعسف الوالي في إعمال إجراء الحلول، ومن ناحية أخرى حتى لا يتراخى رئيس المجلس الشعبي البلدي في القيام بما ألزمه به القانون.

أما الصورة الثانية لسلطة حلول الوالي محل المجلس الشعبي البلدي، هو ما جاء في نص المادة (102) من قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها: «في حالة حدوث إختلال بالمجلس الشعبي البلدي يحول دون التصويت على الميزانية، فإن الوالي يضمن المصادقة عليها وتنفيذها وفق الشروط المحددة في المادة (186) من هذا القانون».

ففي هذه الحالة عندما لا يصوت المجلس الشعبي البلدي على ميزانية البلدية، بسبب وجود إختلال يعتلي المجلس يقوم الوالي بإعتباره سلطة وصاية على ضمان المصادقة على الميزانية وتنفيذها.

حيث يعمل على إستدعاء المجلس الشعبي البلدي في دورة غير عادية لأجل المصادقة على الميزانية، مع مراعاة أحكام نص المادة (185).

غير أنه لا تنعقد هذه الدورة إلا إذا انقضت المدة القانونية للمصادقة على الميزانية، وهذا عندما يتعلق الأمر بالميزانية الأولية.

وفي حالة ما إذا لم يتم المصادقة على الميزانية في هذه الدورة من طرف المجلس الشعبي البلدي، يعمل الوالي على ضبطها بصفة نهائية.

فالهدف من مثل هذا الإجراء هو أن لا تبقى الأموال العامة قيد التعطيل لأنه سوف يؤدي إلى تعطل جميع المصالح، لذا كان لزاما على المشرع أن يمنح لسلطة الوصاية حق الحلول محل المجلس الشعبي البلدي حتى يتم المصادقة على الميزانية، وذلك لضمان سيرورة وإستمرار المرافق العامة في تقديم الخدمات بإنتظام واطراد خاصة وأن المال هو عصب الحياة.

كذلك من بين مظاهر حلول الوالي محل رئيس المجلس الشعبي البلدي هو ما نصت عليه المواد (183) و(184) و(186) من قانون البلدية (11/10)، وتتعلق هذه الحالات أيضا بالميزانية، فإذا ما قام المجلس الشعبي البلدي بالتصويت على الميزانية، ثم تبين بعد ذلك من خلال عملية الرقابة من طرف سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي، أن هذه الميزانية غير متوازنة فيما يتعلق بالنفقات والإيرادات، أو أنها لم تنص على النفقات الإجبارية فإن الوالي يعيدها خلال 15 يوما التي تلي استلامها، ليتداول المجلس بشأنها، وذلك خلال 10أيام لإعادة ضبطها والنص على النفقات الإجبارية وإعادة التوازن إليها.

غير أنه إذا صوت المجلس على الميزانية من دون أن يعيد لها التوازن أو ينص فيها على النفقات الإجبارية، يقوم الوالي بإعذاره لإعادة التصويت على الميزانية وتكون متوازنة ومدرجًا بها النفقات الإجبارية، وذلك خلال 08 أيام من الإعذار، وإذا لم يقم المجلس الشعبي البلدي بضبط الميزانية خلال هذا الأجل فإن الوالي يقوم بضبطها تلقائيا.

أما الحالة الثانية فقد نصت عليها المادة (184) من قانون البلدية، وهو عند تنفيذ الميزانية، حيث عندما ينتج عن تنفيذ الميزانية عجز، فإنه لابد على المجلس الشعبي البلدي التدخل في هذه الحالة ويعمل على إمتصاص هذا العجز ويعيد ضبط الميزانية وإعادة التوازن إليها.

فإذا لم يتدخل المجلس الشعبي البلدي أمام هذا الوضع، وترك الميزانية البلدية على حالها دون توازن ودون إتخاذ التدابير اللازمة لإمتصاص هذا العجز، فإن سلطة الوصاية والتي تتمثل في الوالي، تتدخل لإعادة ضبط الميزانية وإمتصاص العجز على (02) سنتين ماليتين أو أكثر.

ويتمثل العجز الذي يصيب ميزانية البلدية في التقدير الخاطئ للإيرادات مقابل النفقات المتوقعة، أو يكون بسبب ظهور نفقات طارئة، خاصة وأنه في الحالة الثانية تعتبر إعمال فكرة الحلول مجرد مبرر لإبقاء التنفيذ المباشر للشؤون المحلية من قبل السلطة المركزية.

وبذلك ترك المشرع المجال واسعًا للسلطة التقديرية لجهة الوصاية، مع العلم أن إحتمال ظهور نفقات طارئة بسبب توسيع صلاحيات البلدية، وهذا أمر لا يستقيم خاصة وأن المشرع في قانون البلدية الحالي نص على أن أي صلاحيات جديدة يعهد بها للبلدية لا بد لها من توفير الموارد المالية الضرورية.

وعليه فأي عجز يصيب الميزانية البلدية يستدعي تدخلاً سريعًا من المجلس الشعبي البلدي لإتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لإمتصاص هذا العجز وتصحيح مثل هذا الوضع، فإن لم يتدخل المجلس تدخل الوالي بموجب إجراء الحلول لإتخاذ الإجراءات اللازمة.

وعليه فإن سلطة الحلول تختلف عن بقية مظاهر الرقابة الأخرى كالتصديق أو الإلغاء أوالحل حيث يصدر القرار في حالة الحلول من طرف سلطة الوصاية أي الوالي باسم الهيئة اللامركزية ولحسابها، والقيام بواجب أهملته وإمتنعت عن أدائه رغم إلتزامها به قانونا.

كما أن أي ضرر قد يلحق بالغير من جراء حلول سلطة الوصاية فإن نتائجه تتحملها الهيئة اللامركزية، وذلك بالرغم من أن سبب هذه المسؤولية ناجم عن تصرفات جهة الوصاية.

وعلى الرغم من أن إجراء الحلول وإن كان يشكل أحد الإجراءات الخطيرة على إختصاصات المجلس الشعبي البلدي، حيث قد يمس بإستقلاليته، إلا أنه من ناحية أخرى يعكس مدى التوفيق أو التعاون بين المجلس الشعبي البلدي وجهة الوصاية الممثلة في الوالي، وذلك من خلال التوفيق بين الحريات المحلية التي إستلزمت إعطاء الشخصية المعنوية لهذه الهيئة، وبين فكرة الصالح العام الذي يجب أن يبقى بمعزل عن الخلافات المحلية، والتي كثيرا ما ينشأ عنها إهمال في العمل الإداري، مما يؤدي إلى شلل في المرافق العامة، في الوقت الذي ينتظر منها أن تلبي الحاجات الأساسية والضرورية للمواطنين.

وعليه نستنتج أن الحلول بإعتباره سلطة خطيرة تمارسها جهة الوصاية على المجلس الشعبي البلدي، لا تعدو إلا أن تصبّ في إطار واحد وهو التعاون من أجل تحقيق المصلحة العامة بتجاوز جميع الخلافات ووضعها بمعزل عن أي إضطرابات من شأنها أن تمس بحركية التنمية المحلية أو تمس بإستقلالية المجلس الشعبي البلدي.