المبحث الثالث الاستقالـة التلقائيـة بصفتها مفروضة بقوة القانون

المطلب الثالث/ جهة الإختصاص بإصدار قرار الإستقالة التلقائية

ويعود إختصاص إصدار قرار الإستقالة التلقائية إلى المجلس الشعبي البلدي، الذي يُعلن عن إستقالة العضو تلقائيا لتغيبه عن حضور دورات المجلس طبقا لنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10)، ويقوم بعد ذلك بإخطار الوالي بالقرار.

ومن خلال قراءتنا لنص المادة (45) نجدها جاءت مغايرة لنصوص المادتين (43) و(44) إذ أن هاتين المادتين، جعلتا من الوالي هو صاحب الإختصاص في إصدار قرار التوقيف أو الإقصاء أي يُثبت هده الحالات عن طريق قرار، إلا أنه في المادة (45) وفي فقرتها الأخيرة جعل إصدار القرار المتعلّق بالاستقالة التلقائية، من إختصاص المجلس الشعبي البلدي ويكون الوالي في هذه الحالة جهة إخطار، أي بعد إتخاذ المجلس الشعبي البلدي للقرار فإنه يُعلم به الوالي.

ويتمثّل محل قرار الإستقالة التلقائية في وضع حد نهائي ودائم للعضو البلدي المنتخب وذلك بإلغاء عضويته من المجلس، ويترتّب على ذلك إستخلاف العضو المقال بعضو إحتياطي من نفس القائمة التي كان ينتمي إليها.

ولعلّ من أهم الضمانات التي منحها المشرّع الجزائري للعضو المنتخب والذي تمّ إعلان استقالته، هو أنه لا يتم إعلان غيابه من طرف المجلس إلا بعد أن يتم إستدعائه وسماعه لتبرير هذا الغياب.

إلا أنه وبالرجوع لقانون البلدية (67/24) المؤرخ في 18 جانفي 1967 ووقوفا عند نص المادة (90) التي تنص على ما يلي:«كل من تخلّف من أعضاء المجلس الشعبي البلدي عن تلبية (03) ثلاث دعوات حضور متتالية بدون سبب يعتبره المجلس مشروعا وصحيحا، فإنه يجوز بعد تكليفه بتقديم إيضاحاته التصريح بإستقالته من قبل الوالي إلا إذا طعن في ذلك في خلال 10 أيام من التبليغ أمام المحكمة المختصة».

ومن خلال نص هذه المادة ومقارنتها بنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد أعاد صياغة هذه المادة ولو بشكل أقل تفصيلا، وفيه نوع من الإقتضاب إلى حد ما، حيث أن المادة (90) من قانون (67/24) جاءت أكثر تفصيلا من حيث الصياغة خاصة من حيث تبيان جهة الإختصاص بالفصل في قرار الإستقالة، ومن حيث الإجراءات خاصة فيما يخص حق المنتخب في الطعن في قرار الوالي.

غير أن المشرّع تراجع عن التطرق إلى غيابات الأعضاء عن حضور الدورات في قانون البلدية (90/08) حيث جعل الإقالة الحكمية، مرتبطة بوجود العضو في حالة من حالات التنافي، أو وجوده في حالة من حالات عدم القابلية للإنتخاب، ولم يتطرق المشرّع أصلا لغيابات الأعضاء عن حضور الدورات، ليعود في قانون البلدية (11/10) ويجعل من الغيابات أحد الأسباب التي تضع العضو في خانة الاستقالة التلقائية.

 إلا أنه ما يؤخذ على المشرّع الجزائري من خلال صياغته لنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) أنه لم يتعرّض أصلا لا تصريحا ولا تلميحا ويجعل وجود المنتخب في حالة من حالات التنافي أو وجوده في حالة من حالات عدم القابلية للإانتخاب كأحد أسباب الإستقالة التلقائية ؟! وهذا ما يستدعي وضع نقطة إستفهام أمام هذا السكوت خاصة أن هاتين الحالتين وهما حالة التنافي وعدم القابلية للإنتخاب يُعتبران سببان معقولان جدا لأن يكون الشخص في حالة من حالات الإستقالة التلقائية.

 بالإضافة إلى أن المشرّع لم يتطرّق إلى هاتين الحالتين حتى في حالة التوقيف والإقصاء، وإن كان قد تدارك مثل هذا الوضع في قانون الولاية (12/07) من خلال نص المادة (44) حيث إعتبر وجود العضو في حالة من هذه الحالات يُعرّضه إلى الإقصاء مباشرة وبقوة القانون.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (11/10) وإعادة قراءة ثانية للمادة (41) نجد أن المشرّع يكون قد لمّح إلى مثل هذه الحالات حيث نص في المادة (41) منه «في حالة الوفاة أو الإستقالة أو الإقصاء أو حصول مانع قانوني لمنتخب المجلس الشعبي البلدي يتم إستخلافه في أجل لا يتجاوز (01) شهرا واحدا بالمرشح الذي يلي مباشرة آخر منتخب من نفس القائمة بقرار من الوالي» فلربما يقصد المشرّع الجزائري بحدوث مانع قانوني للمنتخب هو وجوده في حالة من حالات التنافي أو عدم القابلية للإنتخاب.

ولعل الهدف الذي يرمي إليه المشرّع من خلال إقراره لحالة الإستقالة التلقائية،  هو الحرص على جعل المنتخب أكثر إنضباطا وأكثر تحمّلا للمسؤولية وعدم التهرّب منها خاصة وأن المجلس الشعبي البلدي نصب لتلبية حاجات الجمهور، والسهر على حسن سير المرافق العامة، فلا يُتصور بأي حال من الأحوال أن الثقة التي وضعها الشعب في ممثليهم تكون نتيجتها هو عدم الإكتراث لإنشغالات ومصالح السكان إلا أنه يجب توضيح نقطة مهمة، وهو أنه لما صيغت المادة (45) من قانون البلدية (11/10) في إطار المشروع المتعلق بالبلدية، كانت صياغتها كالتالي «تنتهي بقوة القانون العهدة الإنتخابية لكل عضو بالمجلس الشعبي البلدي الذي يكون حزبه السياسي قد تمّ حله قضائيا ويثبت إنهاء العهدة بقرار من الوالي».

 إلا أن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، عملت على إسقاط هذه الصياغة من مشروع القانون المتعلّق بالبلدية والذي يتمثل أنه في حالة ما إذا تم حل حزب سياسي من طرف جهة قضائية، فإن عضوية الأعضاء بالمجالس الشعبية البلدية والتي تنطوي تحت جناح هذا الحزب تنتهي بقوة القانون، ولعلّ الحكمة في إسقاط هذه المادة هو أن مجالها هو قانون الأحزاب السياسية وليس قانون البلدية، كذلك ما ذنب العضو الذي تم انتخابه ليكون ممثلا للسكان عن أخطاء يرتكبها الحزب، كما أن المبدأ المتعارف عليه في الفقه الدستوري هو أن النائب بمجرد أن يتم إنتخابه يُصبح ممثلا للمجتمع، ويسعى وراء المصلحة العامة وليس لخدمة الحزب أو الأغراض الحزبية، والقول بخلاف هذا يؤدي إلى معنى واحد هو أن الهدف من الترشح للحصول على مقاعد بالمجالس المحلية هو خدمة المصالح الضيقة للأحزاب السياسية وليس خدمة المصلحة العامة للبلاد وهذا ما يتنافى وقانون البلدية.