المبحث الأول الإيقــاف كتجميد مؤقت لعضوية المنتخب

المطلب الثالث/ جهة الإختصاص بإصدار القرار

 ويعود إصدار قرار التوقيف إلى الوالي الذي يعتبر جهة الوصاية على المجلس الشعبي البلدي، أي أنه متى وصل إلى علم الوالي بأن عضواً من أعضاء المجلس محل متابعة جزائية طبقا للحالات المذكورة في نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10) فإنه يُصدر قراراً بتوقيف هذا العضو، وبالرجوع إلى نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد وضع فرضية على أساسها يتم توقيف العضو المنتخب، وهو أن تحول هذه المتابعة أو التدابير القضائية بين العضو وبين ممارسة مهامه الإنتخابية، ومنه نستنتج أن فحوى هذه الفرضية هو وضع المنتخب رهن الحبس المؤقت، إذ لا يُتصور أن يمارس العضو مهامه وهو داخل المؤسسة العقابية ولو بعنوان الحبس المؤقت، وفي حالة ما إذا تم صدور حكم أو قرار عن الجهة القضائية، يقضي ببراءة المنتخب عمّا كان متابعا من أجله، فإنه يستأنف ممارسة نشاطه فورا وبقوة القانون ودون الحاجة إلى إثبات ذلك بمداولة من المجلس الشعبي البلدي ولا حتى بقرار من الوالي.

أما عن كيفية إتصال الجهة الوصية الممثلة في الوالي بموضوع المتابعة للعضو، فإنها تعود إلى مهام النيابة العامة، التي قد تتصل أو تخطر إما المجلس الشعبي البلدي والذي بدوره يقوم بإخطار الوالي، أو يتم إخطار الوالي مباشرة.

 ويهدف إجراء توقيف العضو المنتخب المتابع قضائيا إلى المحافظة على نزاهة ومصداقية التمثيل الشعبي، كما يُحافظ المجلس على شفافيته وحسن سمعته ولا أدلّ من ذلك على قوله عز وجل: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَويُّ الأَمِينُ».

أما إذا كان حق التوقيف الذي إتُخذ في حق العضو المنتخب، الغاية منه هو من أجل أغراض سياسية وحزبية، أو بغرض الإنتقام أو تصفية حسابات، فإنه يكون معيب بعيب الإنحراف بالسلطة ممّا يجعله قابلاً للإبطال.

وعليه نستنتج أن التوقيف وإن كان مظهرا من مظاهر الرقابة الإدارية، التي تمارسها الجهة الوصية على عضو المجلس الشعبي البلدي و الذي يكون سببه المتابعة الجزائية لهذا العضو المنتخب، والتي تحول دون ممارسته لمهامه الإنتخابية، أما جهة الإختصاص في إصدار قرار التوقيف فإنها تتمثل في الوالي على اعتباره سلطة وصاية، أما محل قرار التوقيف هو عدم تمكن المنتخب البلدي من ممارسة مهامه الإنتخابية على الأقل لفترة مؤقتة، إلى حين صدور قرار من الجهة القضائية المختصة يقضي ببراءة المتهم مما نُسب إليه، أمّا عن الهدف وإلغاية من هذا الإجراء  هو المحافظة على نزاهة ومصداقية وحسن سير المجلس الشعبي البلدي.

إلا أنه وبالرجوع إلى نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08) ومقارنتها بنص المادة (43) من قانون البلدية (11/10)، نجد أن المادة (32) قد جاءت أكثر تفصيلا وتدقيقا من حيث إجراءات التوقيف التي تمارسها سلطة الوصاية، فمن حيث جوازية اتخاذ إجراءات التوقيف، جاء في نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08): «عندما يتعرّض منتخب إلى متابعة جزائية تحول دون مواصلة مهامه يمكن توقيفه...»، وعبارة يمكن هنا جاءت على سبيل الجواز أي يمكن للوالي أن يتّخذ قراراً بتوقيفه كما يمكن أن لا يتّخذ هذا القرار، أي حسب السلطة التقديرية له، في حين نجد أن قانون البلدية (11/10).

ومن خلال نص المادة (43) منه جاء بغير هذه العبارة، حيث جاء فيها: «يوقف بقرار من الوالي...» وكأن بالنص يقيّد الوالي في إصدار قرار التوقيف، خاصة وأنه حصر حالات التوقيف ومن ثمة لا يمكن له أن يوقف عضواً خارج هذه الحالات، إلا أنه إذا نظرنا لهذا النص من زاوية أخرى نجده قد وسّع من صلاحية الوالي في مواجهة أعضاء المجلس الشعبي البلدي، بإعتباره يمثّل جهة وصاية، حيث يقوم الوالي بإصدار قرار التوقيف متى ثبتت له المتابعة القضائية مباشرة.

أما من حيث الشكل والإجراءات فإن نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08) جاءت أكثر تفصيلا من حيث إجراءات التوقيف، على غرار نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10)، الذي شابه بعض الغموض، بالإضافة إلى أنه خلى من أكبر ضمانة للمنتخب البلدي في مواجهة السلطة الوصائية، وتتمثل في تعليل أو تسبيب القرار، فمن حيث الإجراءات مثلا، نجد أن الوالي لا يتّخذ قرار توقيف عضو المجلس الشعبي البلدي إلا بعد إستطلاع رأي المجلس الشعبي البلدي، وإن كان رأي المجلس غير ملزم إلا أنه يعكس مدى التنسيق بين المجلس وسلطة الوصاية، كما لم يُلزم قانون البلدية (11/10) الوالي بتسبيب قرار التوقيف على عكس قانون البلدية (90/08)، الذي كان يُلزم الوالي بتسبيب قرار التوقيف، وهذا حتى لا يتعسّف الوالي في ممارسة مثل هذا الإجراء لأن التسبيب يُعتبر أهم ضمانة قانونية، حيث يسمح سواء لجهة الإدارة أو للجهة القضائية أو حتى للمجلس الشعبي البلدي من معرفة السبب الذي من أجله تم توقيف العضو، وهذا ما يؤخذ على المشرّع الجزائري في عدم إلزام الوالي بتسبيب القرار، لأن التسبيب أنجع الضمانات ضد التعسف لأن عدم التسبيب سوف يضع المنتخبين أمام نوع من الغموض والحيرة، بالإضافة إلى أن المشرّع في نص المادة (43)، سكت عن لجوء من إتخذ قرار التوقيف ضده إلى الطعن فيه سواء بالطرق الإدارية كالتظلم أكان تدريجيا أو رئاسيا أو باللجوء إلى جهات القضاء الإداري المختصة بواسطة دعوى الإلغاء، ولا يُفهم من سكوت المشرّع عن أحقيّة الطعن أنه غير جائز، فالسكوت في معرض البيان بيان، طالما أنه لا يوجد نص يمنع اللجوء إلى الطعن.