1. المحور الثالث : الآليات القضائية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

منح المشرع للمتضرر من الصفقات العمومية في حال فشل التسوية الودية التي سبق تناولها في المحور الثاني، وسائل قانونية أخرى لتسوية النزاعات الناشئة عنها، من خلال حقه في اللجوء إلى التسوية القضائية. التي تعني اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع وهي جهة مستقلة تماما عن الإدارة النزاع.

     لكن المتتبع لحركة تطور القضاء في الجزائر خاصة بعد الإستفتاء الدستوري لشهر نوفمبر 1996، يلاحظ أن الدولة ومنذ هذا التاريخ دخلت في مرحلة الازدواجية القضائية، حيث تم فصل جهات القضاء الإداري عن جهات القضاء العادي. وتحقيقا لهذا الغرض تم تنصيب مجلس الدولة والمحاكم الإدارية ومحكمة التنازع، كما تم تكريس هذا التوجه إجرائيا تماشيا مع هذه الازدواجية، من خلال صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09 المؤرخ في 25 فيفري 2008.

    وكما هو معروف في كل الدول التي تتبني الازدواجية القضائية، يتعين تحديد معيار لتوزيع الاختصاص القضائي بين جهات القضاء العادي والإداري. هذا المعيار لا يخرج عن كونه معيار مادي (يعتمد على طبيعة النزاع القائم) ، أو معيار عضوي (يعتمد أساسا على طبيعة طرفي النزاع القائم). وكما هو معروف، فإن المشرع الجزائري كرس المعيار العضوي اعتمادا على نص المادة 800 ق إ م إ، المستوحاة من النص القديم في المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية[1].

     وما يهمنا في هذا المقام، هو السعي من أجل تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا بنظر منازعات الصفقات العمومية ،وهل هناك تنازع في الاختصاص بين القاضي المدني والقاضي الإداري في هذا المجال. كما يتعين لدينا تحديد الدعاوى القضائية التي يمكن رفعها في مجال الصفقات العمومية من جهة، وكذا قضاء الاستعجال في مجال الصفقات العمومية قصد تبيان نوع المنازعة التي يمكن إخضاعها لهذا النوع من القضاء.



[1]-إن معيار توزيع الاختصاص القضائي في الجزائر هو معيار تشريعي ،حيث نص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ،و أخذ بالمعيار العضوي كأصل، والمعيار المادي إستثناءا كما جاء في نص المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأغلب الدول التي تنتهج نظام قضائي مزدوج تأخذ بالمعيارين معا احدهما كأصل و الآخر كاستثناء.