1. مدخل إلى الصفقات العمومية والمنازعات الناشئة عنها

1.2. القسم الثاني: المنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية

    يحوز قانون الصفقات العمومية أهمية كبيرة في القانون الإداري، نظرا لاحتوائه على أحكام قانونية مميزة عن أحكام القانون الخاص، إذ تتميز الصفقة العمومية بنفس مميزات العقد الإداري، لكن المتمعن للمرسوم الرئاسي 15/247 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية خاصة المادة الثانية منه،يجد أن المشرع عند تعريفه للصفقة العمومية أكتفي بوصفها بأنها عقود مكتوبة دون تحديد طبيعتها القانونية فيما إذا كانت تنمي إلى طائفة العقود المدنية والتجارية ، أو إلى طائفة العقود الإدارية، خاصة وأن الحياة القضائية في الجزائر عرفت الازدواجية منذ دستور 1996.

من جهة أخرى اقتصر تنظيم الصفقات العمومية الحالي بخصوص تسوية نزاعات الصفقات العمومية على المواد 153و154و155، دون ذكر التفاصيل المتعلقة بالجهات القضائية المختصة بالفصل في نزاعاتها بصفة صريحة.[1]وفي مواضع أخرى يحيل فض المنازعة إلى القواعد العامة المعمول بها كما جاء في نص المادة 82 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر، كل هذا جعل النظام القانوني للصفقات العمومية يتوزع بين النص العام ممثلا في القانون 08/09 المؤرخ في 15 فبراير 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية من جهة،وبين النص الخاص ممثلا في المرسوم الرئاسي 15/247، وهو أمر انعكس عن طبيعة المنازعة الناشئة عن الصفقة العمومية في حد ذاتها لذا يتعين علينا بداية ضبط مفهوم لمنازعة الصفقات العمومية ثم محاولة إعطاء تصنيف لها:

أولا: مفهوم منازعات الصفقات العمومية

إن الفصل في "منازعات الصفقات العمومية " أمر متوقف على ضرورة ضبط مفهوم لها، خاصة وأن هذا المصطلح يتشابه مع مصطلحات أخرى على غرار مصطلح "المنازعات الإدارية"،ومصطلح "منازعات العقود الإدارية" خصوصا، لذا سنحاول إيجاد تعريف لمنازعات الصفقات العمومية ثم نحاول تمييزه عن باقي المنازعات التي تتشابه معها،من خلال تسليط الضوء على جهود كل من التشريع والقضاء وكذا الفقه في محاولة إيجاد تعريف لمنازعات الصفقات العمومية.

1-  التعريف التشريعي:

نقصد من وراء التعريف التشريعي لمنازعات الصفقات العمومية ،البحث في النصوص القانونية في التشريع الجزائري لإيجاد تعريف لهذا النوع من المنازعات، ويتعلق الأمر بالنص الخاص متمثلا في المرسوم الرئاسي 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية ،والنصوص العامة ممثلة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية 08/09 سالف الذكر.

أ‌-      في النص الخاص:( ممثلا في المرسوم الرئاسي 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية).

باستقراء مواد المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر وجدنا أن  التشريع الجزائري، وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة، لم يتطرق إلى تعريف منازعات الصفقات العمومية،وإنما اكتفي بالإشارة إلى الطرق والإجراءات المتبعة في تسويتها، حيث جاء ذلك في قسم فرعي مستقل تحت عنوان:"التسوية الودية للنزاعات"،من خلال ثلاث مواد أساسية هي المواد 153،154و155. وهو ما سيتم التعرض إليه بكثير من التفصيل لاحقا في المحور الثاني من هذه المطبوعة.

ب‌-في النصوص القانونية العامة (ممثلة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية) :

    نجد أن الطابع الإجرائي لقانون الإجراءات المدنية والإدارية يحتم عليه في العديد من المواضيع عدم الخوض في إعطاء تعريفات لبعض المسائل القانونية.كذلك هو الحال بالنسبة لمنازعات الصفقات العمومية، والتي أشير إليها ضمنا بنص المادة 800 من ق إم إ المتعلقة بالاختصاص القضائي بالنسبة لأشخاص القانون العام والتي تنص: " المحاكم الإدارية هي جهة الولاية العامة في المنازعات الإدارية.

تختص بالفصل في أول درجة،بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها."

وعليه فإن كل النزاعات بها فيها منازعات الصفقات العمومية اختصاص القضاء الإداري هذا من جهة.من جهة أخرى،نص الفصل الخامس من الباب الثالث من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  "في الاستعجال"،ومن خلال المادتين 946 و947 على الإستعجال في مادة إبرام العقود والصفقات العمومية[2]، وهي إشارة ثانية لمنازعات الصفقات العمومية. وعليه فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية أكتفي فقط بالإشارة إلى منازعات الصفقات العمومية دون إعطاء تعريف لها.

2-  التعريف القضائي:

   اجتهد القضاء الإداري كثيرا في مادة الصفقات العمومية،لكن اجتهاده لم يرق لدرجة إعطاء تعريف لمنازعة الصفقات العمومية يسد به غياب التعريف التشريعي، فقط أحاط بجوانب كثيرة لهذا النوع من المنازعات ،على سبيل المثال أشار إلى معايير المعتمدة لتحديد الاختصاص القضائي لهذا النوع من المنازعات،كقرار محلى الدولة رقم 34786 الصادر بتاريخ 09/05/2007 في قضية المؤسسة ذات المسؤولية المحددة أشغال الغرب،ضد ديوان الترقية والتسيير العقاري لبشار الذي كرس المعيار المادي لتحديد اختصاصالقاضي الإداري في نزاع يتعلق بصفته عمومية.[3]

 

3-  التعريف الفقهي:

لم يهتم الفقه الإداري الجزائري بالبحث عن تعريف للمنازعة الإدارية بقدر ما أهتم بإيجاد تصنيفات لها، فأغلب الفقهاء الجزائريين أمثال "عمار بوضياف" و"محمد الصغير بعلي" وغيرهم لم يوردوا أي تعريف لهذا النوع من المنازعات، فقط تطرقت الأستاذة "دغبار نورة"  في مقال لها إلى تعريف وجيز وعرضي للمنازعات الصفقات العمومية جاء فيه:  "يقصد بالمنازعة في مجال الصفقات العمومية تلك التي تنشأ بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد بخصوص تفسير أو تنفيذ بنود الصفقة" وأضافت بعدها:"أنها لا تشمل المنازعات التي تكون النيابة العامة طرفا فيها والمتمثلة، في قضايا الفساد في الصفقات العمومية.[4]

أما الفقه الفرنسي فقد أبدىاهتماما بضرورة وضع تعريف لمنازعات الصفقات العمومية.نذكر على سبيل المثال التعريف الذي قدمه"Xavier Boissy" "كسافي بواسي": بأنها المنازعات المتعلقة بالمساس بالمبادئ التي تحكم إبرام الصفقات العمومية ،وهي مبدأ مساواة المرشحين، ومبدأ حرية الوصول إلى الطلب العمومي،ومبدأ الشفافية في إجراءات إبرام الصفقات العمومية.[5]

نلاحظ أن التعريف الأول حصر المنازعة في مسائل التفسير والتنفيذ فقط في حين أن المنازعة قد تنشأ حتى قبل عملية التنفيذ، أما التعريف الثاني فأكد على المبادئ التي إذا تم الإخلال بها تنشأ المنازعة، وبالجمع بين التعريفيين،وتداركا للنقائص التي تشوب كل منها يمكننا اقتراح التعريف التالي:"هي تلك المنازعة التي تنشأ بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد في أي مرحلة من مراحل الصفقة العمومية"

ثانيا: تمييز منازعات الصفقات العمومية عما يشبهها من مصطلحات

إن أهم المصطلحات التي تتشابه ومصطلح منازعات الصفقات العمومية هي مصطلح "المنازعة الإدارية"،وكذا مصطلح "منازعات العقود الإدارية".

1/-تمييز منازعات الصفقات العمومية عن المنازعات الإدارية:

لا يمكننا تمييز مصطلح منازعات الصفقات العمومية عن مصطلح المنازعة الإدارية إلا بعد إعطاء تعريف للمنازعة الإدارية،وأمام كثره التعاريف وتنوعها سنستشهد فقط بالتعريف الذي قدمه الأستاذ رشيد خلوفي، والذي جاء فيه:"المنازعة الإدارية هي كل القضايا الإدارية التي يعود النظر فيها للقاضي الإداري الذي يطبق قواعد القانون الإداري."[6]

يظهر للوهلة الأولى أن هناك تشابه كبير بين المنازعتين، باعتبار أن كلاهما يشكل ما يسمى الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، لكنهما يختلفان من حيث أن كل منازعات الصفقات العمومية ليست بالضرورة منازعات إدارية،ذلك أن بعض منازعاتها تخضع للقانون العادي،هذا لأن نطاق المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247،أشمل من نطاق المادة 800 من ق إم إ، وهو أمر ستناوله تفصيلا عند التطرق إلى الاختصاص القضائي لمنازعات الصفقات العمومية لا حقا.

2/- تمييز منازعات الصفقات العمومية عن منازعات العقود الإدارية:

سبق وأن انتهينا في القسم الأول إلى نتيجة هامة مفادها أنه ليست كل العقود والإدارية صفقات عمومية لان المشرع الجزائري اشترط ضرورة توافر معايير وضوابط خاصة لإصباغها بهذه الصفة. وعليه لا يمكن اعتبار كل منازعات الصفقات العمومية خاضعة للقضاء الإداري،إذ تكيف بعض منازعاتها على أنها منازعات عادية تخضع للقضاء العادي.

    بعد هذا العرض الموجز لماهية المنازعة في مادة الصفقات العمومية وتمييزها عما يتشابه معها من مصطلحات،بقي علينا أن نحاول إعطاء تصنيف لمنازعات الصفقات العمومية وهو ما سنتعرض إليه لآن.

ثالثا: تصنيف المنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية

إن الصفقة العمومية شأنها شأن باقي العقود الإدارية الأخرى تمر بعدة مراحل وإجراءات. ومادامت تتم بين طرفين مختلفين:المصلحة المتعاقدة التي تسعى إلى تحقيق الصالح العام، والمتعامل المتعاقد الذي غايتهمصلحة خاصة هي تحقيق الربح،فإن هذا العقد لا يخلو من الوقوع في النزاع ، الذي قد يحدث في مرحلة الإبرام أو في مرحلة التنفيذ.[7] ( أنظر المخطط التوضيحي-1- في الملحق).

1-  المنازعات الناشئة عند إبرام العقد:

تختلف الأحكام التي تحكم المنازعات الناشئة عند إبرام الصفقة العمومية عن تلك المتعارف عليها في عقود القانون الخاص،بل وحتى في باقي العقود الإدارية الأخرى،ذلك أن المرسوم الرئاسي 15/247 أعاد النظر في اختيار المتعامل المتعاقد، بتبنيه نظام طلب العروض (عوض المناقصة) كقاعدة، وإجراء التراضي كاستثناء بنص م 39.كما حدد إجراءاتوشروط إبرام خاصة بكل نوع منها،التي في حال مخالفتها بحق للمتضرر استعمال الوسائل القانونية المتاحة لحماية حقوقه.

وعادة ما يكون سبب نشوب النزاع بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد في هذه المرحلة بسبب عدم احترام المبادئ التي تحكم عملية الإبرام،كمبدأ العلنية المحكوم بنص المادة 461 من المرسوم الرئاسي 15/247 ، ومبدأ المنافسة العامة المكرس بنص المادتين 40و78 ،والذي عادة ما يكون سببا في نشوب النزاع في هذه المرحلة بسبب الإخلال به. وكذلك بسبب عدم احترام مبدأ المساواة والشفافية المنصوص عليه في المادة 09. كما قد ينشأ النزاع بسبب الطريقة التي اختارتها المصلحة المتعاقدة لإبرام الصفقة العمومية، كاعتماد أسلوب التراضي على حساب طلب العروض.[8] وعليه يمكن تصنيف منازعات الإبرام إلى ثلاثةأصناف:

أ‌-      المنازعة بسبب سحب دفتر الشروط وإيداع العروض.

ب‌-المنازعة بسبب فتح العروض وتقدمها.

ت‌-منازعات المنح المؤقت للصفقة.

أ‌-      المنازعة بسبب سحب دفتر الشروط وإيداع العروض:

Les Contentieux  sur les opérations de retrait des cahiers des charges :

تتعدد أسباب نشوب منازعة بسبب سحب دفتر الشروط وإيداع العروض، ومن أكثرها شيوعا:

  • طبع عدد محدود من دفاتر الشروط، أو وضع عراقيل تمنع المتنافسين من سحبها.
  • تحديد مدة قصيرة لسحب دفتر الشروط أو إيداع طلب العروض أو تمديده دون مبرر.
  • تعديل محتوى دفتر الشروط بعد عمليات السحب دون إعلام من سبق وأن سحبوه أوإنقاص بنود أو صفحات من بعض النسخ.
  • غياب السجل الخاص بإيداع العروض ،أو التلاعب في تواريخ الإيداع وسلامة الأظرفة من الفتح المسبق.[9]

ب‌-    منازعات يسبب فتح العروض وتقييمها:

وتنقسم بدورها إلى قسمين:

  • منازعات بسبب فتح العروض.
  • منازعات بسبب تقييم العروض.

ب/1 منازعات بسبب فتح العروض:

أهم أسباب هذا النوع من المنازعات يتجسد في:

-      الفتح المسبق للأظرفة أو قبول عروض خارج الآجال المحددة.

-      وضع عراقيل أمام المتنافسين لحضور جلسات فتح العروض.

-      التلاعب في إمضاء محضر فتح العروض كتوقيع الصفحة الأخيرة فقط أو غياب توقيع بعض الأعضاء.

ب/2 منازعات بسبب تقييم العروض:

أهم أسباب هذه المنازعات يمكن عرضها كما يلي:

-      عدم التأكد من أن المتعاقد المختار لا يقع تحت طائلة الأشخاص الموقعة ضدهم عقوبات أو حالات الإقصاء.

-      إلغاء أو توقيف الصفقة دون مبررات.

-      عدم تحديد أو  عدم إمضاء محاضر التفاوض.[10]

ويصنف هذان النوعان من المنازعات ضمن منازعات المراحل التمهيدية للصفقة العمومية.

ج‌- منازعات المنح المؤقت للصفقة : Les Contentieux  sur l’avis d’attribution provisoire

يعتبر المنح المؤقت للصفقة إجراءا إعلاميا، تحظر بموجبه المصلحة المتعاقدة المتعهدين والجمهور باختيارها المؤقت وغير النهائي لمتعاقد ما، وهذا وفقا لأحكامنص المادة 65 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

ويجب أن يتضمن الإعلان كل البيانات والعناصر(المعلومات الشخصية، آجال التنفيذ مبررات الاختيار) للفائز المعلن عنه مؤقتا، ولا يعتبر الحائز حائزا للصفقة بصورة نهائية إلا بعد دراسة الطعون إن وجدت. وعادة ما تبنى هذه الطعون بسبب:

  • مخالفة أحكام دفتر الشروط المنصوص عليها قانونا.
  • عدم وضوح معايير الاختيار أو غموضها (كعدم تحديد درجة الجودة أو النوعية المطلوبة).[11]

2-  المنازعات الناشئة عند تنفيذ العقد:

إن الغرض الأساسي من إبرام الصفقة العمومية هو تنفيذها،  و هو ما يرتب آثار قانونية بالنسبة للمصلحة المتعاقدة وكذا المتعامل الحائز على الصفقة.حيث تتولد حقوق والتزامات متبادلة بين الطرفيين ، لكن قد يتعثر هذا التنفيذ فتنشأ نزاعات بين الطرفين عند البدء في التنفيذ أو أثناء التنفيذ أو عند التسليم النهائي للصفقة.[12] وعليه يمكن تقسيم المنازعات الناشئة عن تنفيذ عقد الصفقة العمومية إلى قسمين:

v  المنازعات الناشئة بسبب إخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته.

v  المنازعات الناشئة بسبب إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها.

أ‌-     المنازعات الناشئة سبب إخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته:

ينشأ هذا النوع من المنازعات في مرحلة تنفيذ الصفقة العمومية،بسبب إخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته التعاقدية، إما بالامتناع عن التنفيذ،أو أن الأداء جاء مخالفا لبنود العقد،أو الخروج عن الآجال المحددة لتنفيذ الصفقة ،وهو ما يدفع المصلحة المتعاقدة إلى التدخل إما بالمتابعة القضائية،أو استعمال امتيازاتها كسلطة عامة إما بتوقيع جزاءات على المتعامل المتعاقد المخل بالتزاماتهو التي قد تكون طبيعة مالية أو غير مالية .

أ/1الجزاءات المالية:

نص المرسوم رئاسي 15/247 في مادته 147 على سلطة المصلحة المتعاقدة في توقيع جزاءات مالية في حال إخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته في التنفيذ في الأجل المحدد،أو التنفيذ غير المطابق لما جاء في دفتر الشروط ،وتسمى هذه الجزاءاتبالجزاءاتالاتفاقية، لأنه يتم النص عليها في بنود العقد ،وهي عبارة عن جزاءات جزافية أو تأتي في صورة مصادرة مبلغ الضمان (ضمان التعهد)،كفالة حسن التنفيذ،كفالة رد التسبيقات وهي كلها عبارة عن ضمانات تضمن تنفيذ الصفقة في أحسن الظروف[13]

أ/2 الجزاءات غير مالية: وتنقسم إلى ثلاثة أنواع جزاءات ضاغطة،الفسخ، الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية

1/ الجزاءات الضاغطة:الهدف من هذه الجزاءات هو ممارسة الضغط على المتعامل المتعاقد قصد تنفيذ التزاماته التعاقدية،وهي ليست جزاءات اتفاقية.لأن المصلحة المتعاقدة يمكن أن توقيعها حتى في غياب النص عليها في العقد[14]، إلا أن ذلك مقيد بتوافر شروط محددة هي:

  • ارتكاب خطأ جسيم عن جانب المتعامل المتعاقد.
  • وجوب أعذار المتعامل المتعاقد بذلك.
  • منح المتعامل مهلة لتسوية الوضع.

من أهم صور هذه الجزاءات،الشراء على حساب المورد،وضع المتعامل تحت الحراسة،وضع المقاولة تحت الإدارة المالية وغيرها. وتجدر الإشارة انه في حال تنفيذ عقد مناولة المنصوص عليه في المواد من 140 إلى 144 الذي يمكن اللجوء إليه من طرف المتعامل المتعاقد لتنفيذ جزء من الصفقة لا يتجاوز 40 يبقي هذا الأخير هو المسؤول عن عمل المناول اتجاه المصلحة المتعاقدة[15]

2/ فسخ العقد:

نصت عليه في المواد من 132 إلى 149 من المرسوم 15/247 في حال عدم تنفيذ المتعامل المتعاقدة لالتزاماته التعاقدية في الأجل المحدد ويتخذ الفسخ شكلين:

  • ·       الفسخ من جانب واحد:

يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تفسخ عقد الصفقة بإرادتها المنفردة،عندما يكون هناك مبرر بسبب المصلحة العامة ،وحتى من دون ثبوت وجود أي خطأ من جانب المتعامل المتعاقد حسب المادة 150 من المرسوم الرئاسي 15/247[16]،وهذا بعد توجيه أعذار له ومنحه أجلا لاستكمالالتزاماته[17]. وهذا الفسخ يمكن أن يكون فسخا كليا أو فسخا جزئيا في جانب واحد فقط من جوانب التنفيذ، طبقا لأحكام المادة151.

  • ·       الفسخ التعاقدي:

يسمى كذلك لأن إرادة الطرفين (المصلحة المتعاقدة، والمتعامل المتعاقد) يشتركان في إقراره عندما يكون المبرر لا يد للمتعامل المتعاقد فيه،لظروف تخرج عن إرادته. وهو ما تم النص عليه في المادة 151 من المرسوم 15/247 وهو يعتبر إمتياز مقرر لحماية المصلحة العامة الأمر، الذي يمنح المصلحة المتعاقدة حق مباشرته حتى لو لم يتم النص عليه في دفتر الشروط الذي يحكم الصفقة.

3-  الإقصاء من المشاركة:

وهو جزاء نصت عليه 75 من المرسوم 15/247 يؤدي إلى الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية بشكل نهائي أو مؤقت ،وفقا للسبب الذي لأجله فرض الإقصاء بحسب الحالات التي حددتها هذه المادة.

ب/المنازعات الناشئة بسبب إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها:

قدلا يكون المتعامل المتعاقد هو المقصر الوحيد في عقد الصفقة،بل قد يكون هو نفسه ضحية عدم وفاء المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها المنصوص عليها في عقد الصفقة العمومية،هذهالالتزامات قد تكون من طبيعة مالية أو غير مالية، وعليه يمكن تقسم المنازعات الناشئة سبب إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها في تنفيذ الصفقة إلى قسمين: إما بسبب الإخلال بالتزاماتها المالي أوالإخلال بالتزاماتها غير مالية.

ب/1- إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها المالية:

إن تنفيذ المتعامل المتعاقد لموضوع الصفقة على الوجه المنصوص عليه في دفتر الشروط يقتضي حصوله على المقابل المالي، قصد تغطية الأعباء المالية لتنفيذ الصفقة والحصول على الأرباح المحققة بهذه الطريقة المشروعة.

لكن قد يحدث أن تخل المصلحة المتعاقدة بالتزامها المالي بعدم تسديد المبلغ المالي المتفق عليه كليا أو جزئيا،أو عدم تسديده في الأجل المتفق عليه[18]ما يسبب أضرار للمتعامل المتعاقد،ومن أهم صور إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها المالية،عدم الوفاء بثمن السلع والبضائع في عقود التوريد ،وقد يكون ثمن العمل المقدم في عقود الأشغال العمومية[19]،رفض مراجعة الأسعار أثناء التنفيذ أو بسبب حجز مبلغ الضمان بعد التسليم.

ب/2-إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها غير المالية:

يتخذ عدم التزام الإدارة بالوفاء بالتزاماتها غير المالية عدة صور أهمها:

1/ منازعات بسبب الإخلال بالالتزامات غير المالية العقدية:

وهو يتمثل هذا الإخلال في عدم التزام المصلحة المتعاقدة بتنفيذ التزام معين تم النص عليه في عقد الصفقة، كأن تمتنع عن تقديم المواد الضرورية لتنفيذ الصفقة.

2/ منازعات بسبب ممارسة المصلحة المتعاقدة لامتيازاتها:

قد تستعمل المصلحة المتعاقدة الامتيازات الممنوحة لها كسلطة تتمتع بامتيازات السلطة العامة تحقيقا للصالح العام على نحو غير مشروع (تعسفي) ،ما يسبب أضرار للمتعاقد معها.بل وقد تستعمل هذه الامتيازات بصفة مشروعة ومع ذلك تتسبب في ضرر للمتعاقد معها. وفي كلتا الحالتين بحق التعويض للمتعاقد معها.[20]

3/منازعات بسبب ظروف خارجة عن إرادة الطرفين:

قد يكون مصدر المنازعة الناشئة بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد ظروف خارجة عن إدارة الطرفين، بسبب وقائع وأحداث غير متوقعة تؤدي إلى استحالة تنفيذ الصفقة وهي بدورها تأخذ عدة أشكال:

  • ·    حدوث ظرف طارئ:

الظرف الطارئ هو ظرف غير متوقع لا يؤدي إلى استحالة التنفيذ وإنما يؤثر على خطة وشروط التنفيذ،ما قد يوقع المتعامل المتعاقد في خسارة كبيرة مع بقاءه ملزما بمتابعة التنفيذ:كارتفاع أسعار أوندرة المواد الضرورية للصفقة. في هذه الحالة ،ووفقا لنظرية الظروف الطارئة للمتعامل المتعاقد الحق في الحصول على تعويض جزئي، يكون بمثابة تحمل المصلحة المتعاقدة لجزء من هذه الخسارة،ويتم التعويض تحت رقابة القضاء[21].

  • ·    حدوث قوة قاهرة:

    هو في العادة مستقل عن إرادة طرفي العقد ويصعب توقعه مسبقا، يحول دون تنفيذ الصفقة جزئيا أو كليا.[22]

  • ·    حدوث صعوبة مادية:

الصعوبة المادية التي قد تطرأ على موضوع الصفقة العمومية هي أيضا من طبيعة غير متوقعة ،تكون بسبب استحالة مادية ما ،كأن تكون أرضية تنفيذ الصفقة من طبيعة استثنائية غير متوقعة، فتزيد من الأعباء المالية على المتعاقد مما يؤدي إلى تعويض المتعاقد المرهق ماديا[23].

كان هذا تصنيف للمنازعات التي تثيرها الصفقات العمومية في الواقع العملي، سواء في مرحلة إبرامها أو تنفيذها، محدثة عراقيل تحول دون ذلك ،مما يؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية ، ما يستوجب البحث عن آليات من أجل إزالة هاته العراقيل،وتسوية المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية في أقرب الآجال، وضمان السير الحسن للحياة التنموية واستمرار تقديم الخدمات وتنفيذ المشاريع على أكمل وجه ،وهو ما سنتطرق إليه في المحور الثاني.

 



[1]- جاءت المواد 153و152و154 ضمن القسم الحادي عشر المعنون بـ"التسوية الودية للنزاعات" ضمن الفصل الرابع المعنون بـ"تنفيذ الصفقات العمومية وأحكام تعاقدية" من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[2]- جاء في نهاية المادة 946 ق إ م إ :"... التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية وهو دليل آخر على أن المشرع الجزائري لا يعتبر كل العقود والإدارية صفقات عمومية

[3]- قرار مجلس الدولة رقم 34786 الصادر بتاريخ 09/05/2007 ،صادر عن الغرفة الأولى لمجلس الدولة (قرار غير منشور).

[4]- نورة بن بوزيد دغبار، مرجع السابق،ص441

[5]-Xavier Boissy, Nicolas Cros, Les litiges des marchés publics, 1ér édition, Berger, Levrault, 2010, p29.

[6]3- رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري، الجزء الأول ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 2011، ص 04

[7]-Michel Rousset et Olivier Rousset ,Droit administratif : Le contentieux administratif, 2 iéme édition ,Presse Universitaire de Grenoble, 2011, p 09

[8]- للمزيد أنظر: عبد العالي حاحة،منازعات الصفقات العمومية، مجلة المنتدى القانوني،العدد 03،جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر،2006، ص40.

[9]- للمزيد أنظر: النوي حرشي،تسيير المشاريع في إطار تنظيم الصفقات العمومية،دار الخلدونية ،القبة القديمة الجزائر،طبعة 2012، ص 401.

[10]- Voir : OunissiLayachi, La procédure de passation des marchés publics : Etude analytique et réflexions a la lumière du code des marchés publics 2015, journée d’étude portant sur les marchés publics, Faculté de droit et des science politiques, Université de Biskra, 17 décembre 2015.

[11]- Josef Disahabe, Les Pratiques frauduleuses dans la phase d’attribution des marchés publics, Institut Supérieur de Commerce de Kinshasa , Université de Liége ,2014,p28

[12]- أنظر: محمود عبد المجيد المغربي، المشكلات التي يواجهها تنفيذ العقود الإدارية و آثارها القانونية، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس.1998، ص 126.

[13]- تم النص على الضمانات في المواد من 124 إلى 134 من المرسوم 15/247 سالف الذكر.

2-انظر: إبراهيم السيد احمد، الحماية الجنائية للعقود الإدارية و المدنية طبقا لأحكام الفقه و القضاء، الطبعة الأولى، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2000، ص 14.

[15]-  أورد المرسوم الرئاسي 15/274 سالف الذكر التعاقد من الباطن ،أو ما يعرف بالمناولة، ضمن القسم السادس من الفصل الرابع تحت تسمية "المناولة" .و خصص لها المواد من 140 إلى 144 ،و اعتبرها عقد من الباطن يتم بين المتعامل المتعاقد و المناول بموجب عقد المناولة . للمزيد انظر: عمار بوضياف، شرح تنظيم الصفقات العمومية طبقا للمرسوم الرئاسي 15/247 المؤرخ في 16 سبتمبر 2015، جسور للنشر والتوزيع،2017،ص28.

[16]- أورد المشرع الجزائري مصطلح الفسخ في نص م 150 والأصح هو الإنهاء لأن الفسخ يتم في حال إخلال المتعاقد بالتزاماته أما لإنهاء فيكون لسبب لهذا الأخير فيه.

[17]3- نظرا لخطورة الفسخ فان المصلحة المتعاقدة ملزمة بأعذار المتعامل المتعاقد، و هو أمر تم إقراره في اغلب التشريعات المقارنة، للمزيد انظر: سليمان محمد الطماوي،الأسس العامة للعقود الإدارية، دراسة مقارنة،  دار الفكر العربي، القاهرة ، 1991، ص 195.

[18]- للمزيد أنظر: اسكندر لحماري. هشام قندوزي،منازعات الصفقات العمومية،مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء دفعة 16، الجزائر،2008، ص31و مابعدها

[19]- انظر ياقوتة عليوات،تطبيقات النظرية العامة للعقد الإداري الصفقات العمومية،رسالة دكتوراه دولة في القانون العام ،كلية الحقوق  جامعة منتوري قسنطينة، 2008/2008 ،صص174-190

[20]- Voir : Josef Dizahane, Op.Cit, p31.

[21]- أنظر: محمود عبد المجيد المغربي، مرجع سابق, ص 126.

[22]- وهو ما أ ورده المشرع بنص المادة 147 فقرة 3و4 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.

[23]-نواف كنعان. القانون الإداري (الوظيفة العامة،القرارات الإدارية، الأموال العامة) الجزء الثاني،دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007. ص375.