2. المبحث الثاني: أساليب ممارسة العملية الانتخابية.

2.2. المطلب الثاني: أساليب فرز النتائج الانتخابية

هناك أسلوبين رئيسيين لفرز النتائج الانتخابية هما أسلوب الأغلبية وأسلوب التمثيل النسبي. ويتعلق هذان النظامان بنتائج الانتخاب وليس بطريقة التصويت، فهما وسيلتين لفرز الأصوات وتحديد المقاعد التي تحصل عليها المترشحون.

الفرع الأول: نظام الأغلبية

   يقصد بنظام الأغلبية أن الفوز سيكون حليف المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، سواء كان انتخابا فرديا أو انتخابا بالقائمة. فإذا كان الانتخاب فرديا فإن المترشح الفائز هو الذي يتحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين، أما إذا كان الانتخاب بالقائمة فإن الأغلبية تعني فوز القائمة التي تحصلت على أكبر عدد من الأصوات[1].

  وتتنوع الأغلبية إلى أغلبية مطلقة (Absolue) وأغلبية نسبية أو بسيطة (Simple ou relative).

أولا: الأغلبية المطلقة

     تعني الأغلبية المطلقة حصول المترشح الفائز (سواء كان انتخابا فرديا أو بالقائمة) على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة التي انتخبت، أي نسبة 50% من الأصوات زائد صوت على الأقل، وهذا معناه أن باقي المترشحين، مهما كان عددهم، سيحصلون مجتمعين على أقل من خمسين بالمئة، لذلك يقال إنها نسبة مطلقة، أي طليقة ولا تحتاج إلى أي شرط أو سبب لتكملتها، فهي حرة من أي عامل مكمل آخر[2]، وتسمى منه الأغلبية بالمطلقة وتفترض تحقيق هذا العدد مهما كان عدد الأدوار التي تتم فيها العملية الانتخابية.

ثانيا: الأغلبية النسبية أو البسيطة

   تفترض هذه الأغلبية فوز كل مترشح (مهما كان نوع الانتخاب، فرديا أو بالقائمة) الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، مهما كان عددها، فالمهم في العملية هو فوز المترشح الذي كان نصيبه من الأصوات المعبر عنها والصحيحة أكبر، وهذا مهما كان مجموع الأصوات التي تحصل عليها بقية المترشحين. ومثال ذلك لو كان عدد الأصوات الصحيحة في العملية الانتخابية 5000 صوت، تحصل المترشح الأول على 1500 صوت، وتحصل الثاني على 1000 صوت، والثالث على 900 صوت، والرابع على 800 صوت، والخامس على 800 صوت، فإن المترشح الفائز هو الذي يتحصل على 1500 صوت ولو كان مجموع ما تحصل عليه البقية أكبر منه، وهذا مهما كان نوع الانتخاب فرديا أو بالقائمة[3]. لذلك تسمى الانتخابات التي يتم فرز نتائجها بهذه الطريقة بانتخابات الجولة الواحدة أو الجولة الأولى[4].

الفرع الثاني: نظام التمثيل النسبي

    توزع المقاعد في هذا النظام الانتخابي على الأحزاب المشاركة في الانتخابات أو القوائم الحرة بحسب عدد أصوات الناخبين التي تحصل عليها كل قائمة في هذه العملية الانتخابية. لذلك فإن هذا النظام يفترض أن تكون العملية الانتخابية بالقائمة مع تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية[5].

    ولفهم أكبر لهذه الطريقة أو هذا النظام (نظام التمثيل النسبي) نسرد هذا المثال البسيط، فلنفترض أن دائرة انتخابية ما خصص لها خمسة عشر مقعدا، وكل مقعد يحتاج إلى 1000 صوت. تحصلت القائمة (أ) على 5000 صوت وتحصت القائمة (ب) على 4000 صوت والقائمة (جـ) على 3000 صوت، والقائمة (د) على 2000 صوت، والقائمة (ه) على 1000 صوت، فيكون نصيب القائمة (أ) 5 مقاعد، ويكون نصيب القائمة (ب) 4 مقاعد، ويكون نصيب القائمة (جـ) 3مقاعد، ويكون نصيب القائمة (د) مقعدين، وأخيرا يكون نصيب القائمة (هـ) مقعد واحد[6]. فلو كان النظام هو نظام الأغلبية، فيفوز الحزب (أ) على المقاعد الخمسة عشر، فنظام التمثيل النسبي يضمن للأحزاب الصغيرة المشاركة في الحياة السياسية.

  يمتاز نظام الأغلبية بالبساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة وقوية لتشكيل حكومة متجانسة تضمن استقرارا في الحكم، خصوصا في الدول التي تعتنق النظام السياسي البرلماني. كما يمتاز هذا النظام أيضا ببساطة الإجراءات والسرعة في فرز النتائج الإيجابية.

   وإذا كان من إيجابيات نظام الأغلبية أنه يضمن تشكيل حكومة متماسكة، خصوصا في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني، فإن هذه الإيجابية قد تتحول إلى سلبية إذا ما استبدت هذه الأغلبية وواجهت الأقلية ولم تحترم الرأي الآخر، أو لم تشكل الحكومة إلا من حزب واحد، فقد نكون أمام فساد سياسي يؤدي إلى فساد النظام النيابي ككل[7]. كما رأى غالبية الفقه الدستوري أن نظام التمثيل النسبي أكثر الأنظمة قربا واتفاقا مع الديمقراطية، لأنه يسمح بتمثيل كافة شرائح الشعب واتجاهاته، ويسمح لأكبر عدد ممكن من الوصول إلى المراكز والمناصب السياسية، فهو، في رأي الفقه الدستوري، الأكثر عدالة من ضمن بقية الأنظمة[8]. يشجع النظام الانتخابي المبني على التمثيل النسبي الناخبين على كما أنه لن تكون هناك أغلبية تؤدي إلى استبداد واحتكار للممارسة السياسية، فهو يحافظ على التنافس السياسي من خلال الحفاظ على الأحزاب الموجودة في الدولة الكبيرة منها والصغيرة.

   بينما لنظام التمثيل النسبي عدة سلبيات، رغم الإيجابيات التي سبق التفصيل فيها. ومن هذه السلبيات كثرة وتعقيد إجراءاته، فهو نظام معقد في العملية الانتخابية وفي تحديد وفرز الأصوات وإعلان النتائج[9]. كما يؤدي نظام التمثيل النسبي إلى تعدد الأحزاب السياسية وكثرتها، مما قد يشتت الحياة السياسية ويجعل من الصعب اختيار الحزب الأجدر بتمثيل الشعب[10]. ثم إن نظام التمثيل النسبي يجعل من وصول عدد أكبر من الأحزاب إلى البرلمان (الانتخابات التشريعية)، وهي ميزة من ميزات هذا النظام. لكن قد تنقلب هذه الميزة إلى سلبية وعقبة في الحياة السياسية للدولة، وربما الوصول إلى حالات فراغ دستوري يهدد الدولة، وذلك من خلال عدم حصول أي حزب على أغلبية تسمح له من تشكيل الحكومة بمفرده، مما يجبره على اللجوء إلى بقية الأحزاب أو القوائم الحرة، ربما لم تحصل على أصوات كثيرة، وذلك لتشكيل حكومة تسمى حكومة "ائتلافية". وإذا ما تشكلت هذه الحكومة الائتلافية فإنها تكون ضعيفة في مواجهة القرارات والوضع ما دامت ستكون مبنية على تعدد الآراء وبالتالي قد تكون نتيجة مجاملات سياسية، ربما نتجت عن مساومات خاصة دون مراعاة للصالح العام. وإذا لم يكتب لهذه المساومات أن تحققت، فإن مآل الحكومة هي الفشل وبالتالي الانهيار، مما يجعل الحياة السياسية مهددة في كل مرة[11]. كما أن هذا اللا استقرار الحكومي يؤدي إلى عدم الاستقرار الوزاري، ما دام كل حزب أو قائمة حرة يساوم على الحقائب الوزارية التي يرى أنها تخدم مصالحه بغض النظر عن المصلحة الوطنية، فهو يرى أن الذين لجأوا إليه هم في حاجة ماسة إليه، ولو لم يتحصل على عدد كاف من المقاعد النيابية[12].

 

 



[1] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 231

[2] محسن خليل، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص.193

[3] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 325

[4]أنظر:

 Duverger. M, Op. Cit., p.130.

[5] محسن خليل، النظم السياسية...، المرجع السابق، ص. 195

[6] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 327

[7] انظر:

 Barthelemy et Duez, Traité de droit Constitutionnel, Op.Cit, p. 345.

[8] نعمان الخطيب، المرجع السابق، ص. 331

[9] نعمان الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 332

[10] حامد ربيع، علم النظرية السياسية، القاهرة، 1980، ص. 314

[11] عبد الحميد متولي، أزمة الأنظمـــــــــة الديمقراطية، دار المعارف، 1964، ص. 46،

     ونعـــمان الخطيـــب، المرجع السابق، ص. 333

[12] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 267