2. المبحث الثاني: أساليب ممارسة العملية الانتخابية.

2.1. المطلب الأول: أساليب الانتخاب

هناك عدة أساليب للانتخاب، منها أسلوب الاقتراع المقيد والانتخاب العام، ثم الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر.

 الفرع الأول: الانتخاب المقيد

    إن مصطلح التقييد الوارد في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب يعني وجوب اشتراط توافر أمور محددة في المترشح كالنصاب المالي أو مستوى ثقافي معين أو هما معا، إضافة إلى شروط أخرى تسمح بممارسة حق الاقتراع[1]. وانتشر هذا النوع من الاقتراع في الدساتير التي ظهرت في القرن الثامن عشر، كالدستور الأمريكي والدساتير الفرنسية حتى سنة 1848 باستثناء دستور 1793 والنظام الانتخابي الانجليزي حتى سنة 1918، وذلك لسيطرة نظرية مبدأ سيادة الأمة خلال هذه الفترة. وكانت رؤية واضعي نظام الاقتراع المقيد آنذاك هي تحقيق التوازن بين مصلحتين، هما الاختيار الأفضل لفئات الأمـــــــــــــة القادرة على التمثيل الأحسن والابتعـــــاد على النزوات الشخصية والمصالح الخاصة[2]. فشرط النصاب المالي اشترطه مختلف الدساتير والقوانين الانتخابية في وقت من الأوقات، وذلك لسعي الطبقة البورجوازية الاحتفاظ بالسلطة السياسية بعد أن انتزعتها منها الطبقة الأرستقراطية[3].

   كما ذهب رأي آخر إلى أن اشتراط النصاب المالي وامتلاك ثروة، خاصة العقارية منها، بهدف المساهمة في تحمل نفقات الدولة، وبالتالي المساهمة في الدفاع عن الوطن. كما أن امتلاك هذه الثروة دون غيره من المواطنين يعني حسن الإدارة والكفاءة في التسيير[4].

   كما ذهب اتجاه آخر لتبرير هذا الشرط آنذاك وهو أن ما دام أصحاب الثروات هم الذي يدفعون الضرائب، فهم الذين يحق لهم المشاركة في الحيــــــــــــــــــــــاة السياسية وممارسة حـــــق الانتخاب[5].

   لكن هذا القيد تعرض لعدة انتقادات، لأنه خلق فئة كبيرة من المواطنين بعيدة عن مصدر القرارات السياسية، لذلك تراجع هذا القيد مع تطور الوعي الديمقراطي وزيادة المشاركة الشعبية، وهو ما تجسد في صدور التعديل الرابع والعشرين للدستور الأمريكي سنة 1964، وصدور الإصلاح الانتخابي في انجلترا عام 1918.[6] أما شرط الكفاءة أو التعليم فمضمونه وجوب حصول الناخب على مستوى تعليمي معين أو درجة علمية أو الإلمام بالقراءة والكتابة، مثلما ذهبت بعض القوانين الأساسية لولايات الجنوب الأمريكية حينما اشترطت الكتابة والقراءة باللغة الانجليزية وتفسير الدستور الأمريكي. كما أن بعض الأنظمة القانونية خففت من شرط النصاب المالي بشرط توافر المستوى العلمي لدرجة معينة[7].

الفرع الثاني: الانتخاب العام

   يقصد بمصطلح "العام" في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب هو عدم اشتراط أي شرط في الناخب، مالي أو تعليمي أو أي شرط آخر. فبمجرد ورود شرط معين كان الاقتراع مقيدا[8]. وكان الانتقال إلى هذا النوع من الاقتراع هو التطور الديمقراطي والرغبة في توسيع القاعدة الشعبية المشاركة. غير أن عدم اشتراط النصاب المالي والمستوى التعليمي لا يعني عدم إمكانية اشتراط شروط أخرى تكون في مصلحة الناخب والمترشح في آن واحد، كاشتراط سن معينة، لأنه لا يصلح أن ينتخب الأطفال أو المجانين أو فاقدي الأهلية[9].

     كما أن هناك شرط آخر لا يتنافى مع الاقتراع العام هو شرط الجنسية، فالانتخاب هو من أهم الحقوق السياسية لأي مواطن، لذلك فإنه من البديهي أن يقتصر على مواطني الدولة الذين يحملون جنسيتها. أما الأجانب فلا يتمتعون بهذا الحق، لأنه لا يعقل مساواة الاثنين في ممارسة الحقوق السياسية، بل هناك من الدول من تميز حتى بين المواطن الأصلي والمتجنس، حيث تشترط في هذا الأخير مدة معينة حتى يمكن قياس مدى اندماجه وولائه للدولة التي رغب في حمل جنسيتها[10]. كما أن هناك شرطا آخر أضافته بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية وهو شرط الجنس، فالانتخاب يقتصر على الذكور دون الإناث. وكان إلى وقت معين منح الإناث حق الانتخاب يعد مخالفة دستورية[11]. وكان مبرر هذا الاتجاه أن الرجال يتفوقون على الإناث بحكم التكوين الجسماني والنفسي وهو ما ينعكس على أعمالهم ومنها الانتخاب[12]. ومع انتشار الديمقراطيات الحديثة وزيادة حركات تحرير المرأة، ذهبت غالبية الدساتير في العالم إلى الاعتراف للنساء بحق الانتخاب، بل الأكثر من ذلك الحق في الترشح[13]. كما أن هناك بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية تشترط بلوغ سن معينة لممارسة حق الانتخاب، ويسمى هذا السن بالسن الانتخابي أو سن الرشد السياسي، وهو السن الذي يمكن من ممارسة الحق الانتخابي بعد استيفاء الشروط الأخرى، فسن الرشد السياسي يفترض اكتمال النضج السياسي لصاحبها، والذي يمكنه من ممارسة حق الانتخاب والمشاركة في تدبير بعض الأمور السياسية[14]. لذلك ذهبت غالبية الدول إلى فرض سن الرشد السياسي أكبر من سن الرشد المدني. وكانت غالبية الدول قد أخذت بسن الرشد السياسي بين 18 و25 سنة[15]. كما أن هناك دول اشترطت الأهلية العقلية والأهلية الأدبية، أو ما يسمى بالاعتبار الأدبي الناتج عن عدم الحكم الجزائي أو الحجر أو سلب الحرية.

  واتجه الفقه الدستوري إلى أن الاقتراع العام يتماشى مع الديمقراطية والحرية والمساواة، فهو يسمح للشعب بالمشاركة في الحياة السياسية عكس الاقتراع المقيد، لأنه يسمح بتربية سياسة جيدة ويدفع بالمواطن للاهتمام أكثر بالشؤون العامة وإصلاح الأمور السياسية والاجتماعية للشعب بالمشاركة الفعالة من خلال الاقتراع[16]. كما رأى جانب آخر من الفقه أن الاقتراع العام هو سبيل للوقاية من الثورات الناتجة عن الحقد الذي ولده الاقتراع المقيد[17]. لذلك فإن الأنظمة السياسية والقانونية التي جربت هذه الآثار لا يمكنها العودة إليه، بل وتسعى إلى توطيد أسس الاقتراع العام[18].

 

الفرع الثالث: الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر

    إن الانتخاب المباشر هو الذي يقوم به الناخبون مباشرة لاختيار ممثليهم، أما الانتخاب غير المباشر فهو الذي يقوم فيه الناخبون باختيار مندوبين عنهم يتولون بدورهم انتخاب ممثليهم من المترشحين. فالانتخاب المباشر يكون على درجة واحدة، بينما الانتخاب غير المباشر يكون على درجتين أو أكثر[19]. وأصبح نظام الانتخاب المباشر هو الشائع في مختلف الأنظمة القانونية الحديثة بسبب خدمته للديمقراطية وارتباطه بالاقتراع العام وما له من مزايا وإيجابيات. فعيوب الانتخاب غير المباشر جعلت الدول تستبعده إلا في أمور محددة كالدول التي تأخذ بنظام المجلسين في السلطة التشريعية، بحيث يكون انتخاب الأول بطريقة مباشرة، ويكون انتخاب المجلس الثاني بطريق غير مباشر[20]. كما أن الانتخاب المباشر يوسع تمثيل القاعدة الشعبية وتنمية شعورها بالمسؤولية السياسية[21].

الفرع الرابع: الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة

    يتم الانتخاب الفردي بتقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية بقدر عدد النواب المراد انتخابهم، وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، ولا يجوز لأي ناخب أن ينتخب أكثر من مترشح واحد. أما الانتخاب بالقائمة فيقلل عدد الدوائر الانتخابية ويخصص لكل دائرة عدد من النواب يتم انتخابهم في قائمة، ويقوم الناخب بانتخاب نواب الدائرة الانتخابية بواسطة قائمة يكتب فيها أسماء المرشحين الذين يختارهم بالعدد الذي يحدده قانون الانتخاب[22]. والانتخاب بالقائمة قد يكون انتخابا مغلقا بحيث يشترط على الناخب التصويت على القائمة كلها دون تغييرها أو تعديلها، أو المزج بين عدة قوائم[23].

  اختلف فقهاء القانون الدستوري في تقييمهم لكل نوع من هذين النوعين من الانتخاب. وكان لكل اتجاه حججه ومبرراته. فأما مبررات وحجج الاتجاه المؤيد للانتخاب الفردي فيرون أنه نظام يمتاز بالسهولة والبساطة، لأن الناخب يسهل عليه اختيار نائب واحد من المترشحين في دائرته الانتخابية، بينما الانتخاب بالقائمة يصعب اختيار الناخب[24]. فالانتخاب الفردي يسهل الحكم على المترشح منفردا، بالإيجاب أو بالسلب، بينما الانتخاب بالقائمة قد لا يسمح بالحكم على المترشحين ما دام أنه يمكن وضع أسماء ذات وزن وأسماء أخرى ليست كفؤة أو سمعتها لا تسمح لها بالترشح[25]. كما أن الانتخاب الفردي يحقق المساواة بين الدوائر الانتخابية ما دام أن كل دائرة يمثلها مترشح واحد، وهو النائب الذي سيمثلها. بينما في الانتخاب بالقائمة فإن النواب يختلف عددهم. لذلك يرى الفقه الدستوري أن هذا الفرق يؤدي إلى إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة في الفوز بمقاعد عكس الانتخاب بالقائمة الذي قد يجعل الفوز بالمقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية مخصصا فقط للأحزاب الكبيرة[26]. أما مبررات وحجج الانتخاب بالقائمة فيرون هذا النظام أفضل من الانتخاب الفردي، لأن الانتخاب على القائمة يعني الانتخاب على البرنامج والسياسات وليس على العلاقات الشخصية. كما أن التوسيع من الدوائر الانتخابية يوجه الاهتمام إلى المستوى الوطني بدل المستوى المحلي. فالانتخاب بالقائمة يجنب المجتمع وسائل تشويه الانتخابات كالضغط على الناخبين أو المرشحين، فقد قيل إنه من السهل تسميم كوب ماء، لكن من الصعب تسميم نهر بأكمله[27].

     إن هذا التقييم، من خلال مزايا وعيوب كل نظام، جعلت الدول مترددة في اتباع نظام معين. ففرنسا مثلا ترددت بين النظامين لمدة طويلة، حيث اتبعت نظام الانتخاب بالقائمة منذ سنة 1857، ثم رجعت إلى نظام الانتخاب الفردي عام 1889، ثم إلى نظام القائمة سنة 1919 ثم الفردي سنة 1927 ثم القائمة سنة 1946[28].



[1] نعمان احمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 281

[2] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 203

[3] كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، ص. 211

[4] سعيد بوالشعير، المرجع السابق، ص. 103

[5] أنظر:

. Duverger, M, Institutions Politiques et Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.113

[6] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 283

[7] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 305

[8] أنظر:

 Barthelemy.J et Duez. P., Traité de Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.294.

[9] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 209

[10] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 206

[11] المرجع نفسه، ص. 209

[12] محمود عاطف البنا، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 351

[13] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص.287

[14] ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، المرجع السابق، ص. 451

[15] انظر:

. Burdeau. G, Manuel de Droit Constitutionnel et Institutions Politiques., Op.Cit., p.477

[16] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 302

[17] مصطفى أبو زيد فهمي، الأنظمة السياسية، المرجع السابق، ص. 111

[18] محسن خليل، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 182

 

[19]أنظر:

. Duverger. M., Institutions Politiques et droit Constitutionnel, Op. Cit., p. 120

[20] سعيد بو الشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، المرجع السابق، ص. 109

[21]أنظر:

. Giquel.J et Hauriou. A, Droit Constitutionnel…, Op. Cit., p. 244

[22] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 318

[23] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. ص. 221-222

[24]أنظر:

 Burdeau. G, Manuel de droit Constitutionnel et Institutions Politiques, Op.Cit, p.479.

[25] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 319

[26] عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، المرجع السابق، ص. 147

[27] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 222

[28] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 321