3. نظرية التقسيم الإداري

المبحث الثالث :نظرية التقسيم الإداري

إن أهم ما يميز كتابات هذه النظرية هو سعيها للوصول إلى مبادئ إدارية نظرية لتكون أساساً لعمليات التنظيم والتصميم الإداري وقد جاء دعاة هذه النظرية من بلدان مختلفة حيث إن هنري فايول فرنسي، وليندال أرويك بريطاني، أما لوثر جيوليك وموني ورايلي فهم أمريكيون والذي جمعهم في مدرسة واحدة أنهم كانوا معنيين بالوصول إلى المبادئ الإدارية التي تحكم التنظيم في البيئات المختلفة، وذلك فإن أفكار هذه النظرية كانت أكثر عمقاً وتجريداً من نظرية الإدارة العلمية واسترشد كتابها بالتنظيمات الصناعية العسكرية وغيرها للوصول إلى هذه المبادئ التي اعتبروها أساساً لإيجاد علم إداري.

المطلب الأول :اسهمات هنري فايول 1841م – 1925

لقد تميز هنري فايول عن فريدريك تايلور رغم أنه كان هو الآخر مهندساً ، بأنه كان من بين الكتاب الأوائل الذين حاولوا تطوير نظرية عامة للإدارة لأنه كان يشغل منصباً إداريا، بينما كان تايلور يعمل في خط الإنتاج، ومن ثم اهتم فايول بوظائف الإدارة على المستويات المختلفة، وحاول يطور نظاماً فكرياً إدارياً يمكن تعليمه ودراسته.

فعلي حين شغلت الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا بالنتائج التي توصل إليها فريدريك تايلور لرفع الكفاءة الإنتاجية للعامل في المصنع، كانت هناك محاولات مهمة تجري على أرض فرنسا بمعرفة هنري فايول رجل الصناعة الفرنسي لوضع نظرية عامة للإدارة ، اتضحت معالمها في كتابه الذي ظهر في فرنسا عام 1916م تحت عنوان " الإدارة الصناعية والعامة ".

ولم يترجم هذا المؤلف الذي نشر بالفرنسية إلى الإنجليزية حتى عام 1929م في بريطانيا، وعام 1949م في الولايات المتحدة الأمريكية. وإن كان جانب من إنتاج فايول قد تضمنته مجموعة الوثائق التي أصدرها لوثر جوليك وليندال أرويك عام 1937م.

وقد كتب فايول كأحد العاملين بالإدارة ، ومن هنا قدم خبراته الطويلة وملاحظاته المهمة التي أسهمت في تحديد أسس الإدارة، ولعل أهمية كتاباته في الفكر الإداري الحديث تكمن في تحليلاته العميقة للنشاط الإداري، وفي إيمانه القوي بوجود مبادئ للإدارة تتميز بعموميتها ، ووجوب تدريسها. فلقد اهتم فايول بالإدارة في قطاع الأعمال، ولما كانت الأصول العامة للإدارة يمكن أن تسرى في ميداني الإدارة العامة وإدارة الأعمال، ونظراً للحقائق المهمة التي أبرزها فإننا نقدم ملخصاً لآرائه التي اثرث الفكر الإداري.

لقد وجد فايول أن النشاط في إدارة الأعمال يمكن أن يقسم إلى ستة مجموعات رئيسة وهي على النحو التالي :

- النشاطات الفنية ( الإنتاج والتصنيع).

- النشاطات التجارية ( المشتريات، المبيعات والتبادل).

- النشاطات التمويلية ( الموارد المالية , الاستثمارات والمصروفات).

- النشاطات الأمنية ( الممتلكات والأشخاص).

- النشاطات المحاسبية تقدير التكاليف والإحصاءات.

- النشاطات الإدارية ( التخطيط ، التنظيم والتوجيه، التنسيق والرقابة).

وقد بين فايول أن هذه المهام تتواجد في كل منظمة مهما كان حجمها. كما أكد على أهمية النشاطات الإدارية بالنسبة للوظائف العليا، فإذا استطاع الإداري القيام بهذه المهام الإدارية فإن قيادته ستكون ناجحة وفعالة.

ولقد تضمن مؤلف فايول موضوعات تعالج النواحي التالية:

  1. صفات الإداريين وتدريبهم.

  2. الأسس العامة للإدارة.

  3. وظائف الإدارة.


أولاً : صفات الإداريين وتدريبهم

يرى فايول أن الإداريين يحتاجون إلى مجموعة من السمات والصفات الفذة يجب توافره، وهي صفات جسمية وصفات ذهنية وصفات أخلاقية، يضاف إليها سعة إطلاع المديرين وثقافتهم العامة. وأشار فايول إلى أن أهمية هذه الصفات نسبية ، وأن القدرات والمهارات الإدارية تتزايد أهميتها كلما ارتفع المدير في السلم الإداري، في حين تكون القدرات والمهارات الفنية مهمة في المستويات الإدارية الوسطى والدنيا.

ثانياً : الأسس العامة للإدارة

مع تسليم فايول بأن أسس الإدارة مرنة ولا تعبر عن قواعد ثابتة ومحددة، فقد وضع أربعة عشر ( 14) مبدأ من مبادئ الإدارة التي توصل إليها نتيجة مشاهداته وخبراته مؤكداً أنها تتضمن حسن أداء المدير لدوره إذا ما التزم بها وسار عليها, وهذه المبادئ هي:

1- تقسيم العمل : ينتج تقسم العمل عن تطبيق مبدأ التخصص الذي نادي به الاقتصاديون كضرورة للاستخدام الأمثل للقوى العاملة، ويرى فايول انطباق هذا المبدأ على جميع أنواع النشاطات الإدارية والفنية.
2- السلطة والمسؤولية : أوضح فايول الارتباط الوثيق بين السلطة والمسؤولية، وأن الأخيرة موازية للسابقة منبثقة عنها، ويرى فايول السلطة مزيجا من السلطة الرسمية المستمدة من المنصب الرسمي واختصاصاته، والسلطة الشخصية التي قوامها الذكاء والخبرات والخلق القويم والقدرة على القيادة.
3-الالتزام بالقواعد : وهي في نظر فايول احترام الالتزامات الهادفة إلى تحقيق الطاعة والتنفيذ ومظاهر الاحترام، ويقرر فايول أن تحقيق النظام يرتبط بوجود مديرين على درجة علية من الكفاءة في جميع المستويات.
4- وحدة الأمر : وهذا يعني أن يكون لكل موظف رئيس واحد يتلقى منه الأوامر والتوجيهات ويرفع إليه التقارير.

5- وحدة الإتجاه : ذلك أن كل مجموعة من النشاط متحدة الهدف يجب أن يكون لها رئاسة واحدة وخطة واحدة، وتختلف عن سابقتها في أنها تهتم بالنشاط لا بالأفراد.


6 - خضوع الأفراد للمصلحة العامة : وهذا المبدأ يتطلب من الإدارة التدخل حينما تتعارض مصالح العاملين مع المصالحة العامة أو الأهداف العامة للمنظمة، وذلك من أجل المحافظة على استقرار التنظيم واستمراريته.
7 - المكافآت : يقضى هذا المبدأ بأن تكون الرواتب والمكافآت عادلة ومجزية لجميع العاملين في جميع المستويات.
8 - المركزية : ويقصد بها مدى تركيز السلطة أو توزيعها، وهذا المدى يختلف من منظمة لأخرى، وتحكمة ظروف وعوامل متداخلة في الموقف الإداري، ويجب أن يكون هناك نقطة توازن بين المركزية المطلقة والمركزية الكاملة.

9- تسلسل القيادة : يرى فايول تدرج مستويات القيادة في التنظيم بشكل هرمي.
10 - النظام : ويقصد به فايول وضع كل شيء وكل شخص في مكانه ويقسمه فايول إلى قسمين، نظام مادي يعني بوضع الآلات والأدوات والمعدات في مكانها المناسب لمصلحة العمل، ونظام اجتماعي يتهم بوضع كل شخص في المكان المناسب، كما يتهم بتنسيق الجهود، وتحقيق الانسجام بين نشاطات الوحدات المختلفة في التنظيم.

11- العدالة : يجب أن يعامل جميع العاملين معاملة واحدة بهدف الحصول على ولائهم وانتمائهم، وأن يلتزم كل منهم بأداء واجباته وأن يحصل كل منهم على حقوقه كافه.

12- الاستقرار الوظيفي : ينص هذا المبدأ على أهمية استقرار الموظف في عملة، كما يؤكد على أن المنظمات الناجحة هي المنظمات المستقرة.

13- المبادأة : المبادأة عند فايول تعني المبادرة لإعداد الخطط وكيفية تنفيذها، ويطالب فايول الرؤساء بإعطاء الفرصة للمرؤوسين لممارسة المبادأة في العمل وأبدا المقترحات وتنمية روح الابتكار.
14- العمل بروح الفريق : يوضح هذا المبدأ أهمية العمل الجماعي وأهمية الاتصالات الفعالة، والتعاون بين الرئيس والمرؤوسين بما يكفل أداء الأعمال بكفاءة وفاعلية. وهو ما يرتبط بقدرة القائد الإداري على التأثير في سلوك العاملين.

ثالثاً : وظائف الإدارة : حيث يرى فايول أن وظائف الإدارة تشمل على :

- التخطيط

- التنظيم

- التوجيه

- التنسيق

-الرقابة

وقد كرس هنري فايول جانباً من اهتماماته كممارس للإدارة لمناقشة هذه الوظائف. وقد كان لأفكاره وما تركته من أثر مميز في الفكر الإداري – سواء في فرنسا أو غيرها – أهمية لا تقل عن أهمية الأثر الذي تركته أفكار فريدريك تايلور في الفكر الإداري الأمريكي.

المطلب الثاني :لوثر جوليك

أسهم الكاتب الأمريكي لوثر جوليك في تطوير الإدارة من خلال تقديمه لنموذج Posdcorb والذي يرمز إلى المهام التي يمارسها القائد الإدارية . وكلمه (Posdcorb) تمثل الحروف الأولى من الكلمات الآتية : تخطيط ، تنظيم ، إدارة أفراد، توجيه ، تنسيق، عمل التقارير، عمل إعداد الميزانية.
ويرى البعض أنه إذا أحسن المدير استخدام هذه المهام الإدارية كان قائداً إداريا ناجحاً ، فإذا أحسن التخطيط على أساس من بعد النظر وسعة الأفق وحسن الاختيار بين الوسائل المتعددة والحلول الممكنة، وتوافرت لديه ملكة التنظيم التي تجعل منه منظماً ماهراً، وكان تعامله مع مرؤوسيه على أسس سليمة قوامها التنسيق التام بين نشاطاتهم ومهامهم، وأقام نظاما للاتصالات يسهل نقل المعلومات والبيانات من خلال نظام محكم للتقارير، وأحسن التصرف في الإعتمادات المالية وأوجه صرفها ... كان قائداً إدارياً ناجحاً.

المطلب الثالث: سهمات ليندال أرويك

تمثل أسهامات عالم الإدارة الانجليزي ليندال أوريك في تطور الإدارة من خلال عرضه لأفكار كتاب الإدارة وماتوصلوا إليه من مبادئ إدارية، وصياغة هذه المبادئ وعرضها في صورة مبادئ عامة لتحقيق الكفاية الإدارية وخاصة في مجال الإدارة العامة.

وقد حرص كل من لوثر جوليك وليندال أرويك على التأكيد على أهمية بعض المبادئ في عملية التنظيم ، ومن هذه المبادئ:

- وحدة الأمر.

- الاستعانة بالخبراء الاستشاريين.

- تقسيم الإدارات والأقسام بأسلوب يحقق الهدف من التنظيم.

- توازن السلطة والمسؤولية.

- نطاق الإشراف.

- تناسب الأشخاص مع الوظائف في الهيكل التنظيمي.

ويعتبر كتابهما (أبحاث في علم الإدارة) من أكثر الجهود العلمية تعبيراً عن المنهاج التقليدي في بحث وتحليل موضوع الإدارة والتنظيم.

المطلب الرابع: اسهمات جيمس موني و آلان رايلي

كان كل من جيمس موني وآلان رايلي من رجال الأعمال الأمريكيين، وقد كانا أيضاً معنيين بالوصول إلى المبادئ الإدارية العامة حيث اعتمدا على خبرتهما في مجال الصناعة، وعلى دراستهما للتنظيمات الميدانية والعسكرية لاستخلاص مبادئ التنظيم الرسمي التي وجدا أن تطبيقها لا ينحصر فقط في إدارة الأعمال بل يشمل المجالات المختلفة.

وتعكس هذه المبادئ التنظيمية والخبرة العلمية وأسلوب التكفير التطبيقي، وتكون في مجموعها تمثيلاً حياً على نظريات التقسيم الإداري وهذه المبادئ هي :

- مبدأ التنسيق : ويقوم هذا المبدأ على أساس توفير وحدة العمل في سبيل تحقيق هدف محدد، ويعتمد على نجاح هذا المبدأ ليس فقط على استخدام السلطة فحسب، بل أيضاً على وجود روح التعاون والحالة المعنوية بين أفراد التنظيم.

- مبدأ التدرج الهرمي : ويؤكد هذا المبدأ على تدرج السلطة والمسؤولية من القمة إلى القاعدة في شكل هرمي. وينطوي هذا المبدأ على العمليات الفرعية التالية : القيادة-تفويض السلطة – تحديد الوظائف.
-
المبدأ الوظيفي : ويشير إلى أهمية التخصص الوظيفي ويمكن على أساسة تقسيم العمل وتنظيمه.
-
المبدأ الاستشاري : وهو يعنى بالاستعانة بأهل الخبرة، وتحديد دور الاستشاريين في تقديم النصح والإرشاد. بينما يتحمل التنفيذيون المسؤولية عن النتائج وبالتالي تفوض لهم السلطة التنفيذية.

يتضح مما سبق أن نموذج موني ورايلي يتبع الأسلوب الكلاسيكي في تركيزه على الأركان التنظيمية الأساسية التالية :

  • الهيكل الرسمي .

  • التخصص وتقسيم العمل.

  • تدرج السلطة.

  • نطاق الإشراف.

وهكذا يتضح أن نظريات التقسيم الإداري قد ركزت على تقسيم التنظيم إلى إدارات وبالتالي فهي تهتم بتكوين الهيكل التنظيمي ولا يزال هدفها هو تحقيق الكفاءة.

وتتفق نظريات التقسيم الإداري مع نظرية الإدارة العامة العلمية في الأساس الفكري، إلا أنها تختلف عنها في نطاق التطبيق حيث ركزت على المستوى الإداري للتنظيم، بعكس نظرية الإدارة العلمية التي ركزت على المستوى الفني أو الإنتاجي.