2. مسؤولية الإدارة المشروطة بوجود المخاطر

2.2. أسلوب الإدارة المباشر وتلوث البيئة ( الأشياء الملوثة بطبيعتها

تختلف الأشياء الملوثة بطبيعتها باختلاف استخدامها وتنوعها بتنوع المرافق العامة ، فقد تمارس هذه المرافق نشاطا خطرا ، أو قد تستعمل من الآلات والأدوات ما تكون خطرة بطبيعتها ، إذ يحصل أن تمارس الإدارة نشاطا مشروعا تتطلبه ضرورات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، لكنه يكون خطرا بذاته أو من جراء استعمالها لأدوات وآلات ميكانيكية خطرة بطبيعتها. فإذا ما ترتب على هذا النشاط ضرر بالبيئة والإنسان فإن ذلك يدعو إلى إثارة مسؤولية الإدارة لجبر الضرر الناجم عن نشاطها الخطر ، و من أمثلة هذه الأنشطة ما يأتي :

أ/ نشاط المرافق العامة المكلفة بحماية النظام العام الداخلي ورد العدوان الخارجي : عندما تقوم هذه المرافق بحماية النظام العام عن طريق رد العدوان الخارجي وعودة الاستقرار للاضطراب الداخلي أو لأزمات الهيجان الشعبي ، تمارس نشاطا يتسم بالخطورة ، مما يعرض حياة الأفراد وممتلكاتهم والبيئة لمخاطر غير عادية .

مثال :ومن الصور المتعددة لهذا النشاط خزن الأسلحة و الذخيرة الحربية داخل الأحياء السكنية أو نقل المواد الكيميائية والمتفجرات السامة ، أو إخفائها وسط المدن لمنع اكتشافها ، ومثال ذلك لو قامت بعض المرافق بتخزين كمية كبيرة من النفط في صهاريج قرب المنشآت التي تستخدمها كوقود تحسبا لظروف طارئة كوقوع عدوان أو التلويح به ، وحصل أن انفجرت هذه الصهاريج وأحدثت أضرارا بالبيئة وأملاك الناس ، فإن الإدارة يجب أن تلتزم حيال الأفراد المتضررين بالتعويض على أساس المخاطر. أو قام مرفق الدفاع ببعض المناورات العسكرية وترتب على ذلك إحراق غابة نتيجة لبعض المقذوفات الصادرة من طائرة حربية وقد حكم مجلس الدولة الفرنسي بالتعويض دون الإشارة إلى ركن الخطأ[1].

ب/ نشاط مرفق النقل والمواصلات : يمارس هذا المرفق نشاطا يعد خطرا بذاته أو يستعمل من الآلات و الأدوات الميكانيكية ما تنطوي على قدر من الخطورة بطبيعتها ولا يمكن الاستغناء عنها ، ولعل في مقدمة هذه الأدوات وسائل النقل البرية والبحرية والجوية التي ساهمت بشكل كبير وعلى يد مجلس الدولة في تطوير قواعد المسؤولية المبنية على أساس المخاطر .

        إذ أن كثيرا من حوادث التلوث الحاصل بسبب نشاط مرفق النقل والمواصلات ترجع إلى خطورة هذا النشاط ، كما في حوادث غرق السفن والبواخر المحملة بالزيت أو البترول في الموانئ أو المياه الإقليمية التي تؤدي لتلوث البيئة المائية ، وإلحاق الضرر بالثروة السمكية وبالتنوع البيولوجي وغيره . 

مثال وعلى أساس ذلك بني صدر و حكم لمجلس الدولة الفرنسي  بتاريخ في 15 جوان 1950 في قضية        (Ville de Belfort) ، والتي تتلخص ظروفها في أن الإدارة قامت بنقل العربات والدبابات المحطمة التي تخلفت عن الحرب العالمية الثانية ، والقريبة من بلدة Belfort ، فنجم عن ذلك إتلاف طرق تلك البلدة دون خطأ من جانب الإدارة ، وبالرغم من ذلك فإن مجلس الدولة قضى للبلدة بالتعويض نظرا لخطورة نشاط الإدارة في ذاته ، وما يسببه من أضرار جسيمة [2].

ج / نشاط مرفق الصحة : يعد مرفق الصحة من المرافق المهمة والمهتمة بحماية البيئة والصحة البيئية ، غير أن ذلك لا يمنع من استخدامه لأشياء وأدوات خطرة بطبيعتها ، والتي يمكن أن تلحق أضرار بالأفراد والبيئة مما قد يثير مسؤوليتها ويوجب عليها التعويض .

        علما وأن مسؤولية المرافق الصحية قد طرأت عليها تطورات بفضل القضاء الفرنسي ، حيث كانت في البداية لا تقوم مسؤوليتها عن تعويض الأضرار الناجمة عن الأنشطة الطبية كمبدأ عام إلا إذا نسب إليها خطأ جسيم ،

مثال : تثار مسؤولية المرافق الصحية على أساس المخاطر كما لو تعاقدت أحد المستشفيات مع مورد للدم ، أو مورد للآلات والأدوات التي تستعمل لإجراء العمليات الجراحية ، وبعد فترة على استعماله تبين أن عددا من الأشخاص الذين كانوا يتعالجون في هذه المستشفى مصابين بمرض نقص المناعة المكتسب . وقد حكم القضاء الفرنسي في قضية مماثلة بمسؤولية المستشفى ، على الرغم من عدم توفر الخطأ في جانبه في أثناء عملية نقل الدم الملوث ، في الفترة التي لم يكشف فيها الدم الملوث فإن مسؤولية المرفق الصحي تقام على أساس المخاطر[3] .

د/ نشاط المرافق الإقتصادية :  و هي أكثر الأنشطة تأثيرا على البيئة لأنها تستعمل من الأشياء الخطرة بطبيعتها، كما أن مبدأ دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد يؤدي إلى حصول التلوث بشكل غير مباشر ، وإلحاق أضرار بالإنسان وماله و بالبيئة إجمالا . الأمر الذي قد يثير مسؤوليتها عن عملها الضار أمام القضاء المختص بناء على المخاطر والأضرار التي تنتج عنه .

        ومثال ذلك الدعوى التي رفعت ضد شركة إنتاج الألمنيوم في فرنسا حيث تطاير من مصانعها الغازات ذات التأثير الملوث للتربة وعلى المحاصيل الزراعية، طلب المزارعون المجاورون لهذه المصانع أمام محكمة استئناف تولوز بإلزام الشركة بتركيب أجهزة ومعدات فنية لمنع بث هذه الغازات في الجو ، وحكمت المحكمة بأنه كان من المستحيل في ضوء أحدث ما وصلت إليه صناعة المعدات أن تتخذ الشركة من الترتيبات لتحاشي انبعاث هذه الغازات ، أفضل مما اتخذت ، ورغم ذلك ألزمت المحكمة الشركة بأن تدفع لهؤلاء المزارعين تعويضات سنوية بقدر الضرر الذي يصيبهم ، محسوبا في ضوء الأسعار السنوية للمحاصيل الزراعية[4] .


[1]  د/ سليمان محمد الطماوي ، نفس المرجع ، ص 203 .

[2]  د/ سليمان محمد الطماوي ، المرجع السابق ، ص 203 .

[3]  د/ عارف صالح مخلف ، المرجع السابق ، ص 379 .

[4]  د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، المرجع السابق ، ص 472 .