2. عناصر البيئة

2.1. العناصر الطبيعية

وهي مجموع العناصر التي لا دخل للإنسان في إحداثها ، بل إنها سابقة في إقامتها على وجود الإنسان على سطح الكرة الأرضية ، وتتمثل هذه العناصر في ما يلي :

أ/ الهواء : يعد الهواء أثمن عنصر من عناصر البيئة ، فهو روح الحياة وسرها ولا يمكن الاستغناء عنه إطلاقا ، ويمثل الهواء الغلاف الجوي المحيط بالأرض ، ويسمى علميا بالغلاف الغازي لكونه يتكون من غازات تعد أساسيات لحياة الكائنات الحية ، أبرزها غازات النيتروجين والأكسجين وأرجون خامل وثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى نادرة كالهيوم والهيدروجين والميثان والزينون والكبريتون.

        وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المشرع الجزائري لم يعرف الهواء وهو حال جل التشريعات المقارنة المتعلقة بالبيئة ، غير أنه بين مقتضيات حماية هذا العنصر الهام ، وأدرج تدابير هامة لحماية الهواء والجو كما هو جلي من خلال المواد من المادة 45 إلى المادة 47 من القانون رقم 03-10 .

ب/ الماء : يعد الماء أساس الحياة لقوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شيء حيا "[1]، وتغطي المياه 70 % من سطح الكرة الأرضية ، وهو عنصر ذو أهمية بالغة بالنسبة للكائنات الحية وبالأخص الإنسان ، ولا يمكن تصور بقاء واستمرار الحياة على الكوكب الأرضي من دون وجود الماء ، ولكن هذا العنصر وإن كان موردا متجددا باستثناء معظم المياه الجوفية ، فلا يمكن استخدامه أو التعامل معه دون حدود أو قيود ، فالماء أصبحت موارده شحيحة أحيانا وتعرضت إلى شتى أنواع الفساد و التلوثات[2].

        وقد أولت التشريعات اهتماما كبيرا  لهذا العنصر ومكوناته من أجل المحافظة عليه وحمايته من التلوث ، ومنها المشرع الجزائري الذي خصص الفصل الثالث من الباب الثالث من القانون رقم 03-10 لمقتضيات حماية المياه والأوساط المائية ، محددا تدابير وآليات مختلفة لحماية المياه العذبة ، وأخرى لحماية البحر ، وهذا من أجل المحافظة على هذا العنصر الحيوي والهام لحياة كل الكائنات[3].

كما أورد جملة من النصوص القانونية تعنى بحماية هذا العنصر الهام وترشيد استعماله وتسعى للحفاظ عليه[4]، كما انضمت الجزائر لجملة من الاتفاقيات الدولية المتضمنة حماية مياه البحر من التلوث[5]. لاسيما وأن هذا العنصر الحساس والضروري لحياة واستمرار كل الكائنات ، حظي بحماية قانونية دولية مميزة عن طريق الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة لحمايته من التلوث ومكافحته[6].

ج/ التربة : يقصد بها ذلك الغطاء الرقيق الذي يكسو سطح الأرض ، وهي أهم مورد طبيعي للإنسان ، أو هي الطبقة الهشة التي تغطي صخور القشرة الأرضية وتتكون من مزيج معقد من الموارد المعدنية والمواد العضوية والماء والهواء ، وهي مورد طبيعي من موارد البيئة التي تتجدد وتعد أحد المتطلبات الأساسية للحياة على كوكب الأرض ، وهي أكثر حيوية من الماء والهواء ، لكونها أساس الدورة العضوية التي تجعل الحياة ممكنة .

        ونظرا لأهمية وحيوية هذا العنصر البيئي فقد أولى المشرعون في العالم اهتماما وافرا لحمايته ، حيث خصص المشرع الجزائري في قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، فصلا كاملا لمقتضيات حماية الأرض وحتى باطن الأرض من أجل الحفاظ على هذا المعطى الطبيعي الهام ، ضمانا لاستمرار عيش الكائنات الحية[7] .

        وباعتبار أن البيئة الأرضية وعناصرها الحية تتعرض إلى أخطار كبيرة ومحدقة عن طريق الأنشطة الملوثة أو عن طريق الاستهلاك، سارع المجتمع الدولي إلى معالجة هذا التلوث عن طريق القواعد القانونية الاتفاقية[8]. ومن أهمها اتفاقية الجزائر عام 1968 للحفاظ على الطبيعة ومواردها ، والتي أكدت على التزام الدول الأطراف باتخاذ تدابير حفظ وتنمية التربة والمياه والموارد النباتية [9].

د/ التنوع البيولوجي للأحياء : ويشمل النباتات والحيوانات التي تعيش على الموارد الطبيعية المتجددة ( الماء ، الهواء و التربة ) ، لذا فإن الكثير من المؤلفات المتعلقة بالبيئة لا تدرجها كعنصر مستقل من عناصر البيئة الطبيعية ، باعتبارها مرتبطة وجودا وعدما بالعناصر الطبيعية الأساسية المشكلة للبيئة وهي جزء منها.

        وقد عرف المشرع الجزائري التنوع البيولوجي بموجب المادة 4 من القانون رقم 03-10 بأنه : "قابلية التغير لدى الأجسام الحية من كل مصدر ، بما في ذلك الأنظمة البيئية البرية والبحرية وغيرها من الأنظمة البيئية المائية والمركبات الإيكولوجية التي تتألف منها ، وهذا يشمل التنوع ضمن الأصناف وفيما بينها ، وكذا تنوع النظم البيئية "[10].

        ونظرا لأهمية هذا العنصر الهام من العناصر الطبيعية المشكلة للبيئة ، فقد تبنى المشرع مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي ، وأدرجه ضمن المبادئ العامة التي يتأسس عليها القانون أعلاه، فأفاد أنه ينبغي بمقتضى هذا المبدأ على كل نشاط تجنب إلحاق ضرر معتبر بالتنوع البيولوجي[11].

        لذا كان من الواجب إحاطة هذه الأحياء بنوع من الحماية من أجل توازن البيئة وحماية الإنسان ، فوضع المشرع الجزائري في القانون أعلاه مجموعة من التدابير و التراتيب التي من شأنها تحقيق هذا المقصد البيئي الهام [12]. كما صادقت الجزائر على اتفاقية ريو دي جانيرو بشأن التنوع البيولوجي لسنة 1992[13]، وكذا على بروتكول قرطاجنة بشأن السلامة الإحيائية التابع للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي[14] .



[1]  سورة الأنبياء ، الآية 30 .

[2] د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، نفس المرجع ، ص 48 .

[3] راجع المواد من المادة 48 إلى المادة 58 من القانون رقم 03-10 .

[4] القانون رقم 05-12 المؤرخ في 4 أوت 2005 المتعلق بالمياه ، ج ر 50 . وكذا المرسوم الرئاسي رقم 07-399 المؤرخ في 23 ديسمبر 2007 المتعلق بنطاق الحماية النوعية للموارد المائية ، ج ر 80 . وكذا المرسوم التنفيذي رقم 08-148 المؤرخ في 21 ماي 2008 الذي يحدد كيفيات منح رخصة استعمال الموارد المائية ، ج ر 26 . وكذا المرسوم التنفيذي رقم 10-01 المؤرخ في 4 جانفي 2010 المتعلق بالمخطط التوجيهي لتهيئة الموارد المائية والمخطط الوطني للماء ، ج ر 1 .

[5] وعلى سبيل المثال نذكر الاتفاقيتين التاليتين :

- الاتفاقية الدولية حول مكافحة تلوث مياه البحر بالوقود المنضمة إليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 63-344 المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 والمتضمن انضمام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية للاتفاقية الدولية حول مكافحة تلوث مياه البحر بالوقود، ج ر 66 .

- اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث ، المبرمة ببرشلونة في 16 فيفري 1976 ، المنضمة إليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 80-14 المؤرخ في 26 جانفي 1980 والمتضمن انضمام الجزائر إلى اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث ، ج ر 5 .

[6]  ولأكثر توضيح راجع : علي عدنان الفيل ، المرجع السابق ، ص 30 وما بعدها .

- Jean-François  Neuray , Droit de l’environnement , Bruxelles , Bruylant , 2001, pp 442.

[7]  راجع المواد من المادة 59 إلى المادة 62 من القانون رقم 03-10 .

[8]  راجع : علي عدنان الفيل ، المرجع السابق ، ص 25 وما بعدها .

[9]  والتي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 82-440 المؤرخ في 11 ديسمبر 1982، والمتضمن المصادقة على الاتفاقية الإفريقية حول المحافظة على الطبيعة والموارد الطبيعية ، الموقعة في 15 سبتمبر 1968 بمدينة الجزائر .

[10]  ولأكثر تفصيل حول مفهوم التنوع البيولوجي راجع : السعيد حداد ، " الآليات القانونية الإدارية لحماية التنوع البيولوجي  في الجزائر " ، مذكرة مكملة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية ، تخصص قانون البيئة ، قسم الحقوق ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة سطيف 2 ، 2014/2015 ،  ص 11 وما بعدها .

[11]  راجع المادة 3 من القانون رقم 03-10 .

[12]  راجع المواد من  المادة 40 إلى المادة 43 من القانون رقم 03-10 .

[13]  وهذا بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95-163 المؤرخ في 6 جوان 1995 ، يتضمن المصادقة على الاتفاقية بشأن التنوع البيولوجي ، الموقع عليها في ريو دي جانيرو في 5 جوان 1992 ، ج ر 32 .

[14]  وهذا بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04-170 المؤرخ في 8 جوان 2004، يتضمن المصادقة على بروتوكول قرطاجنة بشأن السلامة الإحيائية التابع للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي ، ج ر 38 .