3. نظرية الذات

تعتبر هذه النظریة من أهم نظریات الإرشاد النفسي وأقدمها، إذ تعود في تاریخها إلى الفكر الیوناني عند أفلاطون وأرسطو، كما أنها تعتبر حدیثة، إذ جدد مفهومها ودعا إليها في القرن العشرین كارل روجرز(Carl Rogers وترى هذه النظریة أن البشر: عقلانیون، اجتماعیون، یتحركون للأمام وواقعیون، وأن البشر بطبیعتهم متعاونون ویمكن الوثوق بهم، وعندما یتحررون من الدافعیة فإن استجابتهم تكون ایجابیة ومتقدمة للأمام وبناءة، وحینئذ لا تكون هناك حاجة للانشغال بضبط دوافعهم العدوانیة والمضادة للمجتمع لأنها سوف تنظم ذاتیا ومحدثة توازنا للحاجات في مقابل بعضها البعض، وأن المیل نحو التوافق هو المیل نحو تحقیق الذات(منسي ومنسي،، 189)

3-1- المفاهیم الأساسیة في النظریة:

تتكون النظریة من مجموعة من المفاهیم منها: المجال الظاهري والكائن العضوي وتحقیق الذات، والانسجام والتنافر.

-1المجال الظاهري: إن الفرد مركز لعالم كثیر التغیر من خلال الخبرة، والخبرة تعني الظواهر الداخلیة والخارجیة، وأن ما یدركه الفرد في المجال الظاهري هو الشيء المهم بالنسبة له ولیس الواقع الفعلي أن ما یدرك الفرد هو واقعه.

-2الكائن العضوي: وهو الفرد ككل، وهو یستجیب ككل منظم للمجال الظاهري لإشباع حاجاته المختلفة، كما أن تحقیق الذات وصیانتها وترقیتها هي دافع هذا الكائن العضوي الأساسي، وبعبارة أخرى أن الدافع الأساسي لكل نشاط الكائن هو رغبته في الوصول إلى أقصى نمو والتحرر من كافة القیود التي تعوق هذا النمو.

-3تحقیق الذات: إن السلوك هو محاولة غرضیه موجهة لتحقیق حاجات الكائن كما یفهمها أو یدركها، كما أن الانفعالات التي یعاني منها الفرد تسهل عملیة النمو في حین أن نكرانها أو تشویهها تؤدي إلى الهدم والتخریب لحیاة الفرد، وأن تحقیق الذات كما یرى روجرز یظهر بحریة أكثر عندما یكون الشخص متقبلا ومدركا بجمیع خبراته الحسیة أو الداخلیة أو الانفعالیة ، ویرى روجرز أن الكبت لیس ضروریا فالشخص الذي یستخدم حواسه وانفعالاته ویثق فیهم إلى حد كبیر هو الشخص الذي یتیح لعملیة تحقیق الذات أن تتطور.

-4 الذات: تكوین معرفي منظم ومتعلم للمدركات الشعوریة ویعتبره تعریفا نفسیا لذاته، ویتكون مفهوم الذات من أفكار الفرد الذاتیة المنسقة المحددة الأبعاد عن العناصر المختلفة لكینونته الداخلیة والخارجیة، وتشمل هذه العناصر المدركات والتصورات التي تحدد خصائص الذات والتي تنعكس في وصف الفرد لذاته كما یتصورها هو" مفهوم الذات المدرك"، والمدركات أو التصورات التي تحدد الصورة التي یعتقد أن الآخرین في المجتمع یتصورونها والتي یتمثلها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرین" مفهوم الذات الاجتماعي"، والمدركات والتصورات التي تحدد الصورة المثالیة للشخص الذي یود أن یكون"مفهوم الذات  المثالي (منسي ومنسي،، 190-191)

3-2- أشكال الذات:

 ومن أنواع الذات كما يراها كارل روجرز:

- الذات الحقيقية The Real Self: وهي الذات كما يدركها الفرد فعلا، أي كما هي في الواقع دون أي تغيير أو تشويه.

- الذات المدركة Perceived Self: وهي صورة الفرد عن ذاته كما يراها تنمو من خلال التفاعل مع الآخرين ومع البيئة، فإذا كان الفرد محبوبا أو مكروها، فإن الذات تُرى كذلك، وإذا وصف الفرد بأنه مجتهد أو ذكي أو غبي، فإنه يرى نفسه كذلك.

- الذات الاجتماعية Socail Self: وتعني إدراك الفرد لتقييم الآخرين له، أو أفكار الآخرين عن الفرد كما يتصورونها، فالفرد يحاول أن يعيش في مستوى توقعات الآخرين منه، فقد يتوقعون منه أن ينجز إنجازا كبيرا أو إنجازا ضعيفا، وتنشأ الصراعات الداخلية والاضطرابات النفسية عندما تكون الفجوة واسعة بين الذات المدركة والذات الاجتماعية.

- الذات المثالية Idéal Self: وهي تمثل طموحات الفرد والمستويات التي يرغب في الوصول إليها، أو ما يود الفرد أن يعمله أو يتمنى أن يكون عليه، فالشخص يتمنى أن ينجز إنجازا معينا، أو يدرس تخصصا محددا(الزعبي، 2005، 83) 

3-3- تطبيقات نظریة الذات في الميدان المدرسي.

من منظور نظرية الذات، تؤدي عملية الإرشاد إلى فهم واقعي وإلى زيادة التطابق بين مفهوم الذات المدرك ومفهوم الذات المثالي الذي يعني تقبل الذات وتقبل الآخرين والتوافق النفسي والصحة النفسية، وان الأفراد ذوي مفهوم الذات الموجب يكونون أحسن توافقا من الأفراد دوي مفهوم الذات السالب. يشير كوري(Corey) من بين أهداف استخدام هذه النظرية في الإرشاد المدرسي، ما يلي:

- مساعدة الطالب لأن يصبح أكثر نضجا وتحقيق لذاته.

- مساعدة الطالب على أن يتقدم بطريقة ايجابية بناءة.

- يستطيع المسترشد تقبل نفسه وذاته.

- يصبح أكثر مرونة وتعقلا بأفكاره.

- يعرف نفسه أكثر، فيتخلص من تدخل الآخرين.

- يتقبل الآخرين.(أبو أسعد و عريبات،2012، 267)

ويمكن للمرشد التربوي إتباع الإجراءات التالية:

1- اعتبار المسترشد كفرد وليس مشكلة ليحاول المرشد التربوي فهم اتجاهاته وأثرها على مشكلته من خلال ترك المسترشد يعبر عن مشكلته بحرية حتى يتحرر من التوتر الانفعالي الداخلي.

2- المراحل التي يسلكها المرشد في ضوء هذه النظرية تتمثل في الآتي:

   2-1- مرحلة الاستطلاع والاستكشاف: ومن خلالها يمكن التعرف على الصعوبات التي تعيق المسترشد وتسبب له القلق والضيق والتعرف على جوانب القوة لديه لتقويمها والجوانب السلبية من خلال الجلسات الإرشادية، ومقابلة ولي أمره ومدرسيه وأصدقائه وأقاربه وتهدف هذه المرحلة إلى مساعدة المسترشد على فهم شخصيته واستغلال الجوانب الإيجابية منها في تحقيق أهدافه كما يريد.

  2-2- مرحلة التوضيح وتحقيق القيم: وفي هذه المرحلة يزيد وعي المسترشد ويزيد فهمه وإدراكه للقيم الحقيقية التي لها مكانة لديه من خلال الأسئلة التي يوجهها المرشد والتي يمكن معها إزالة التوتر لدى المرشد.

  2-3- المكافأة وتعزيز الاستجابات: تعتمد على توضيح المرشد لمدى تقدم المسترشد في الاتجاه وتأكيده للمسترشد بأن ذلك يمثل خطوة أولية في التغلب على الاضطرابات الانفعالية.(سعيد صالح، حسين عباس،2015، 120).

  3-4- نقد نظرية الذات

يوجه إلى نظرية الذات بعض الانتقادات(زهران،1977، 104)، ومن هذه الانتقادات ما يلي:

- أن النظرية لم تبلور تصورا كاملا لطبيعة الإنسان وذلك لتركيزها الكامل على الذات ومفهوم الذات.

- يرى روجرز أن الفرد له وحده الحق في تحقيق أهدافه وتقرير مصيره، ولكنه نسي أن الفرد ليس له الحق في السلوك الخاطئ.

- يؤكد روجرز أن الفرد يعيش في عالمه الخاص ويكون سلوكه تبعا لإدراكه الذاتي أي أنه يركز على الأهمية الذاتية وذلك على حساب الموضوعية.

- يضع روجرز أهمية قليلة أو ثانوية للاختبارات والمقاييس كوسيلة لجمع المعلومات للإرشاد النفسي وأشار أن الاختبارات يمكن استخدامها حين يطلبها المسترشد.