1. نظرية التحليل النفسي

تمهيد:

یتفق المشتغلون بالإرشاد النفسي والتربوي على أن المرشد النفسي التربوي بحاجة كبیرة للتعرف على النظریات التي یقوم عليها الإرشاد وذلك یعود لأهمية تطبيقاتها أثناء الممارسة المهنية للعمل الإرشادي، حیث أن هذه النظریات تمثل خلاصة ما قام بها الباحثون في مجال السلوك الإنساني، والتي تبین الأسباب المتوقعة للمشكلات التي یعاني منها المسترشد، كما أن هذه النظریات لیست مبنیة على التعارض بل جاءت لتكمل بعضها البعض.

يرى جونز(Jones) نقلا عن(الخطيب،2009، 325) أن هناك ثلاث وظائف أساسية لنظريات الإرشاد والعلاج النفسي، هي:

- تزويد المرشدين بالمفاهيم التي تعد إطار مرجعيا لفهم النمو الإنساني، والعملية الإرشادية.

- تزويد المرشدين بالأساليب الإرشادية المناسبة.

- مساعدة المرشدين في إجراء البحوث العلمية وصياغة فروضها.

وأشار باروت (Parrott) إلى أن دراسة النظريات تساعد في تشكيل معتقدات وقيم المرشد حول العملية الإرشادية، وتساعده في الإجابة عن عدد من التساؤلات منها:

- كيف تتشكل شخصية الإنسان؟

- ما مسؤوليته تجاه الآخرين؟

- ما الذي يدفع الناس للتصرف على نحو ما؟

- كيف وصل الناس إلى ما هم عليه الآن من تصرفات؟

- كيف يتغير الناس؟

- كيف يؤثر التفكير على السلوك؟

- ما العلاقة بين التفكير والمشاعر والسلوك؟

- كيف يعمل الناس اختياراتهم؟

- كيف يتعلم الناس؟

- كيف يستطيع المرشد المساعدة في عملية التغيير؟

- هل الشخصية تتأثر بالبيئة أو العكس؟

01- نظرية التحليل النفسي(S.Freud)

يعتبر العلاج التحليلي واحدا من أقدم النظريات في الإرشاد وعلم النفس. توسع من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وضعت للعلاج التحليلي مفاهيم معقدة ومتعددة الأوجه للعقل البشري، وخلق تأثير على الممارسة السريرية والنظرية الأكاديمية. وقد جاء التحليل النفسي من تجارب فرويد المبكرة مع التنويم المغناطيسي، وهو ما سمح للعملاء للكشف عن مشاعرهم الداخلية وأفكارهم.( (Chu - Chao,2015, 58

ينظر فرويد(Freud) إلى الطبيعة الإنسانية نظرة متشائمة محدودة، ويرى أن الناس كائنات بيولوجية، دافعهم الأساسي هو إشباع الحاجات الجسمية بشكل عام، والإنسان مخلوق موجه نحو اللذة، فهو محكوم بقوى غير منطقية مثل: حوافز اللاشعور، والحاجات البيولوجية، والغريزة، والدوافع، وتسير حياته غريزة العدوان، فهو مدفوع بالشر من داخله.(الخطيب،2009، 328)

1- المفاهيم الأساسية في النظرية:

1-1- الغرائز(Instincts):

يرى فرويد أن كثيرا من اضطرابات الفرد ومشكلاته، ناجمة عن الغرائز، وبين أن الغريزة قوة داخلية بيولوجية في الفرد، هدفها التصدي لعوامل التوتر الناتج عن الحاجات البيولوجية، ويرى أن هناك غرائز كثيرة يمكن تجميعها في مجموعتين رئيسيتين هما:

- مجموعة إروس(Eros): وهي غريزة الحياة(Life instinct) وتسمى الغريزة الجنسية أيضا، وتعمل على حفظ الذات وحفظ الكائنات الحية.

- مجموعة ثاناتوس: ويطلق عليها غريزة الموت(Death instinct) وتسمى أيضا غريزة التدمير أو التخريب وتشمل العدوان والاندفاعات القهرية المتكررة.

2- مكونات العقل:

2-1- الشعور واللاشعور:

نتيجة لدراسة فرويد للأحلام، فقد ميز بين الشعور واللاشعور، لكنه فيما بعد أضاف إليهما ما قبل الشعور.

- الشعور(Conscious): يشير الشعور إلى وعي الفرد لمدركاته الحالية، ومشاعره وأفكاره وذكرياته وأحلامه، أو أي حادثة في عالمه الخارجي، وبهذا فإن مادة الشعور تأتي، إما من العالم الخارجي، وإما من العالم الداخلي للفرد.

- ما قبل الشعور(Pre-Conscious): يتصل بكل ما هو غير موجود في منطقة الشعور، ولكن يسهل على الفرد استدعاؤه إلى تلك المنطقة، ومن أمثلته الذكريات والمعارف.

- اللاشعور(UnConscious): يكون اللاشعور معظم الجهاز النفسي، ويعد خارج الوعي، لكنه قوة محركة للسلوك، ويقوم بخزن التجارب والذكريات والرغبات والأفكار التي لا تتوافق مع الشعور وتحويلها إلى اللاشعور إما بسبب كبتها، أو لأن وجودها في الشعور يسبب ألما للفرد، ويصعب استدعاء هذه الخبرات إلى الشعور، لكنها تحاول التسلل أو إيجاد منفذ لها نحوه، ولو بصورة رمزية كما يحدث في الأحلام(الخطيب،2009، 330)

3- بنية الشخصية (Structure of  Personality):

تتكون الشخصية من ثلاثة أجزاء لكل جزء منها خصائصه ومميزاته، وهي:

- الهو(Id): أشار باترسون(Patterson) إلى أن الهو تمثل الحقيقة النفسية الصحيحة، حيث تمثل عالم الخبرات الداخلية للفرد وليس لديها أي معرفة بالحقيقة الموضوعية وتعمل على تحقيق الرغبات دون الاهتمام بالقيم أو العادات والتقاليد والأعراف، أو بما هو خير أو شر ولا يحكمها المنطق.

- الأنا (The Ego): يشير باترسون(Patterson) إلى أن الأنا هي الجزء المنفذ في الشخصية وتحول احتياجات الهو القوية(الغريزية- الفطرية) بمساعدة الأنا الأعلى إلى حاجات ضعيفة مقبولة، عن طريق إعادة تنظيمها لكي تتمشى مع متطلبات الأنا الأعلى، ويظهر من ذلك أن الأنا تستمد طاقتها من الهو وتعمل لخدمته.

- الأنا الأعلى(Super Ego): يمثل الجانب الأخلاقي للشخصية ويمثل ما هو مثالي وواقعي ومحاولة الوصول بالفرد إلى الكمال بدل اللذة.عن طريق:

- كبح جماح الهو وخاصة العدوانية والجنسية.

- محاولة الوصول بالفرد إلى الكمال.

- تعمل الأنا الأعلى على إمكانية إقناع الأنا بأن تحل الأهداف الأخلاقية محل الأهداف الواقعية. (الزيود،2008، 23-24)

4- النظرة إلى الاضطراب النفسي:

يرجع فرويد الاضطرابات النفسية والعصاب إلى الصراع بين الأنا و الهو، فالأنا يحاول أن يقمع بعض أجزاء الهو بما يتناسب مع متطلبات العالم الخارجي، ويرى فرويد كذلك أن التكوين البيولوجي والوراثي والنفسي للطفل يمثل العوامل التي تسهم في نشأة الاضطراب النفسي، وتعود أسباب الاضطرابات النفسية إلى ما يلي:

- إحباط الرغبات الجنسية عن طريق الأنا الذي مازال ضعيفا في مقابل الرغبات الجنسية، وينشأ الإحباط كرد فعل للقلق، حيث يتوقع الأنا أن إشباع الرغبة الجنسية البازغة سيؤدي للخطر فيكبت هذه الرغبة الخطيرة في الطفولة، وعن طريق الكبت يستعيد الأنا جانبا من تنظيمه، وتبقى الرغبة المكبوته غير متاحة.

- التحويل الممكن للرغبات الجنسية المحيطة إلى أعراض عصابية، والتي تعتبر إشباعات بديلة للرغبات الجنسية المحبطة.

- عدم ملائمة الكبت مع استيقاظ وشدة الجنسية عند البلوغ بعد أن كان فعالا خلال الطفولة وفي أثناء فترة الكمون، وبذلك يعيش الفرد صراعا عصابيا مركزا.

- الطريقة غير المرضية التي ينظم بها المجتمع الأمور الجنسية ومن شأن الأخلاق أو الأنا الأعلى أن يطلب التضحية بالرغبات الجنسية لصالح المجتمع.

- الصراع بين الأنا والأنا الأعلى والهو، وتقع مسؤولية القيادة على الأنا التي تحاول حل الصراع بين الهو والأنا الأعلى وإقامة التوازن بينهما.

- أساليب التعلم الخاطئة في مرحلة الطفولة (الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل).(بلان،2015، 94).

5- آليات الدفاع: ومن أبرز هذه الآليات:

( الكبت- الإسقاط- الإزاحة- التبرير- النكوص- الإنكار- التقمص- التعويض- التحويل العكسي- التسامي)

6- نقد نظرية التحليل النفسي: التحليل النفسي كنظرية وكطريقة علاج له مزايا أهمها:

- الاهتمام بعلاج أسباب المشكلات والاضطرابات.

- تناول الجوانب اللاشعورية إلى جانب الشعورية في الحياة النفسية للعميل.

- تحرير العميل من دوافعه المكبوتة وإعلائها واستثمار طاقتها.

- الاهتمام بالسنوات الأولى من حياة العميل.

- الاهتمام بأثر الوسط الاجتماعي والثقافي للفرد في نموه وسلوكه.

ومع ذلك فقد لاقى هذا الاتجاه معارضة ونقدا شديدين خاصة في ميدان الإرشاد، على أساس:

- أن التحليل النفسي يهتم بالمرضى والمضطربين أكثر من اهتمامه بالأسوياء والعاديين.

- أن عملية طويلة وشاقة ومكلفة في الوقت والجهد والمال ويحتاج إلى خبرة واسعة.

- أن هناك خلافات نظرية ومنهجية بين طريقة التحليل النفسي الكلاسيكي وبين طرق التحليل النفسي الحديث والمعدل.(زهران، 1977، 136)