4. التقويم الذاتي وتقويم الأقران
كانت المسؤولية في التقويم منذ سنوات عديدة ملقاة على عاتق المعلمين لإصدار الأحكام حول أداء الطلاب، وارتبطت عملية التقويم من جانب واحد، فالمعلم هو الذي يقوم بتكليف الطلاب بإنجاز المهمات، وتطبيقها، وتصحيحها، وإعداد محكاتها، وإصدار الأحكام، واتخاذ القرارات حول تحصيل الطلاب. ولكن تغيرت هذه النظرة التقليدية الضيقة لعملية التقويم وأصبح للطالب دوراً مشاركاً فاعلاً في وضع الأهداف، وتحديد المحكات، وتحمل مسؤولية تقويم أعماله، وتقويم أعمال زملائه.
فالتقويم الذاتي وتقويم الأقران يعززان منظور التقويم الجديد لأن الطلاب يتعلمون من خلال مشاركتهم الفعالة في المهمات الأدائية، كما أن تقويم أدائهم بأنفسهم، وبواسطة أقرانهم يعدّ جزءا لا يتجزأ من عملية التدريس والتعلم؛ وأصبح التقويم والتدريس كنشاط يتم تصميمهما بشكل متكامل.
يتضمن هذا النوع من التقويم مشاركة الطلاب في عملية التقويم، حيث يمكنهم تعلم إصدار الأحكام المتعلقة بعملهم (التقويم الذاتي) وعمل زملائهم الطلاب (تقويم الزملاء). فمن خلال التقويم الذاتي يمكن للطلاب المشاركة في التحليل والنقد البناء لعملهم، وقد تكون المشاركة في ممارسات التقويم الذاتي وتقويم الأقران أيضاً بمثابة فرصة تعليمية للطلاب، وهذا يساعدهم على تطوير فكرة عن محكات العمل التي يتوقعها معلمهم، وتثقيفهم في عملية التقويم(Harrison, 2010) .
1. التقويم الذاتي:
التقويم الذاتي يعدّ مكونا أساسيا من مكونات التعلم المستقل للطالب يسمح بزيادة دافعيته، وتقديره لذاته، ويوجه نظره بدرجة أكبر إلى ما يقوم بأدائه، وكيف يؤديه، مما يُنمى لديه القدرة على التفكير الناقد، والتأمل الذاتي، والمراقبة الذاتية لتعلمه وتقدّمه (علام، 2004).
يعدّ التقويم الذاتي استراتيجية للتقويم من أجل التعلم، فتقويم الطالب لأعماله بنفسه، ووضعه لأهداف تعلمه يساعده على الإجابة عن السؤال: "أين أنا الآن؟"، فهو جزء ضروري من عملية التعلم، بحيث يتم تعليم الطالب تحديد نقاط القوة والضعف لديه، ووضع أهداف لمزيد من التعلم، ويساعده للإجابة على الأسئلة، "ما الذي أجيده؟"؛ و"ما الذي أحتاجه للعمل؟"؛ "ماذا علي أن أفعل بعد ذلك؟ ".
التقويم الذاتي هو عملية يقوم خلالها الطلاب بجمع معلومات حول أدائهم أو تقدمهم، ومقارنتها بالمحكات أو الأهداف أو المعايير المنصوص عليها بوضوح، وتنقيحها وفقًا لذلك، ومن أغراضه تحديد جوانب القوة والضعف في عملهم من أجل إجراء تحسينات عليه وتعزيز التعلم والانجاز (Andrade & Valtcheva, 2009). يتصف التقويم الذاتي بأنه إشراك الطلاب في تحديد المحكات والمستويات لتطبيقها على عملهم، وإصدار أحكام حول مدى تحقيقهم لهذه المحكات والمستويات، فهو عملية ونشاط يقوم به الطلاب بتقويم تعلمهم وإنجازاتهم بأنفسهم على أساس الأدلة، ومن الآخرين، وقد تكون الأحكام التي يصدرونها حول ما قاموا به، وما يجب عليهم القيام به أو لماذا يجب عليهم القيام به؟(Boud, 1995) .
يحدث التقويم الذاتي عندما يقوم الطلاب بتعيين درجاتهم بأنفسهم، وكعملية مستمرة يتأمل الطلاب في جودة تعلمهم، ويتم الحكم على الدرجة التي يتأمل في الأهداف والمحكات المحددة بوضوح، ومراجعتها وفقاً لذلك(Andrade, 2010). ومن خلال المشاركة في التقويم الذاتي يقوم الطلاب بتنظيم تعلمهم بطريقة ذاتية، ومن أجل تحقيق ذلك يحتاج الطلاب إلى ثلاث خطوات أساسية للتقويم الذاتي التكويني إلى فهم أهداف ومحكات التعلم، ونقد تعلمهم من تلك الأهداف والمحكات، ومراجعة أفكارهم أو عملهم التي تتيح فرص لتجديد استيعابهم للمفاهيم والمهارات، ومراجعة تحسين أدائهم.
في تقويم الأداء يمكن أن يطلب المعلم من الطلاب استخدام قواعد التصحيح لتحديد نقاط القوة لديهم ومجالات التحسين، فإذا قدّم المعلم تغذية راجعة وصفية بناءً على قواعد التصحيح، فقد صمم لهم نموذجاً لنوع من التفكير يتطلب منهم فعله عند التقويم الذاتي، ويمكن للمعلم تعليمهم وضع أهداف محددة مرتبطة بالإنجاز ووضع خطة لتحقيقها (Chapuis et al., 2014).
من خلال التقويم الذاتي يمكن تعزيز معنويات الطلاب ومشاركتهم وتحفيزهم على التعلم، وتشجيع مفهوم الذات لديهم، وتشجيعهم على التفكير الايجابي في تعلمهم وملاحظة تقدمهم فيما يتعلق بإنجازاتهم السابقة، فقد يصل الطلاب إلى مفهوم ذاتي أفضل للتقدم الذي يحرزونه، ومساعدة الطلاب على رؤية قيمة في ما يفعلونه، وبالتالي تحمل المزيد من المسؤولية عن تعلمهم، واستخدام الاستراتيجيات التأملية، وطرق التعلم الذاتي، وأنشطة التفكير النقدي (Boud, 1995).
مشاركة الطالب في التقويم تتطلب أن يعرف بوضوح الموضوع المطلوب تقويمه، وتكون محكات واضحة في أعينهم، ويشغل المعلمون تفكيرهم حول جودة شبكات التقويم، ومشاركة الطالب في تقويم تعلماته سوف يؤدي إلى اقتراح شبكات تقويم واضحة تسمح له بإصدار حكم على تعلماته وتعلمات أقرانه. ولأن التقويم الذاتي يسمح له تحديد بوضوح جوانب قوته وصعوباته، يمكنه أن يشارك مباشرة في القرارات التصحيحية المطلوب تطبيقها Leroux, 2010))..
تتمثل الأغراض الأساسية لإشراك الطلاب في التقويم الذاتي الدقيق في تعزيز التعلم والإنجاز، وتعزيز التنظيم الذاتي الأكاديمي، أو الميل إلى مراقبة وإدارة التعلم الشخصي، فالطلاب الذين يضعون أهدافًا، ويضعون خططًا مرنة لتحقيقها، ويراقبون تقدمهم يميلون إلى التعلم أكثر ويقومون بعمل أفضل في المدرسة. فالتقويم الذاتي يعدّ عنصرًا أساسيًا في التنظيم الذاتي للتعلم لأنه يتضمن الوعي بأهداف المهمة، والتحقق من تقدمه نحوها، ويزداد التنظيم الذاتي والإنجاز (Andrade & Valtcheva, 2009).
يستخدم التقويم الذاتي لتحقيق أغراض وأدوار متعددة أثناء التعلم، وهي: (Boud, 1995)
. للمراقبة الذاتية الفردية والتحقق من التقدم.
. كوسيلة لتعزيز ممارسات التعلم الجيدة ومهارات تعلم كيفية اكتساب المهارات.
. للتشخيص والعلاج.
. كنشاط تعليمي مصمم لتحسين الممارسة المهنية أو الأكاديمية.
. لتعزيز التعلم عبر مجموعة واسعة من السياقات.
. لمراجعة الإنجازات كمقدمة للاعتراف بالتعلم السابق.
. للمعرفة الذاتية والفهم الذاتي.
2.تقويم الأقران:
يُعد تقويم الأقران أداة مهمة لإشراك الطلاب في تقويم تعلمهم، ويمكنه أن يدعم أهداف التعلم الخاصة بهم عندما يُنظر إليها على أنها "عملية البحث عن الأدلة وتفسيرها لاستخدامها من قبل المتعلمين (ومعلميهم) لتحديد موقع المتعلمين في تعلمهم، والموقع الذي يحتاجون إلى الوصول إليه وأفضل طريقة للوصول إلى ذلك (Assessment Reform Group, 2010).
يسمح تقويم الأقران للتلاميذ بالعمل معا في تقويم أعمال بعضهم البعض، مما يسمح لهم بتأدية دور ايجابي نشط في تعلمهم، وتقويم أعمالهم بأنفسهم (علام، 2004). ويفيد تقويم الأقران في استكمال الجوانب التي قد لا يغطيها التقويم الذاتي تغطية جيدة، وخاصة فيما يتعلق بتقديم تغذية راجعة خارجية للمتعلم، ويلبي تقويم الأقران الرغبة التربوية في زيادة قدرة المتعلّم على الاستقلالية في تقويم أعماله وأعمال الآخرين، وتطوير المسؤولية والتفاعل الاجتماعي، وتشجيع الطالب على التفكير التحليلي الناقد، وتنمي بعض مهارات الحياة المهنية.
كما يسمح تقويم الأقران للطلبة بالعمل معاً في تقويم أعمال بعضهم البعض، وبذلك يصبح للطلبة دور ايجابي نشط في تعلمهم، وتقويم أعمالهم بأنفسهم، فيقوم الطلبة بالمعل معا من أجل تقويم كل منهم لأعمال زملائه من أجل مراجعة أعمال أقرانه لتحديد ما تعلموه، وما يحتاجون من مساعدة (علام، 2004)
يمكن أن يقدّم تقييم الزملاء للمتعلم لتمكينهم من إصدار أحكام حول عملهم لمساعدتهم على "فهم أكثر، وفرض التحكم بشكل أكبر على تعلمهم، ويصبحون أكثر رقابة ذاتية"، فالرغبة في مشاركة محكات التقويم بين المتعلمين جانبًا مهمًا من ممارسات تقويم الأقران، فتوصيل التعليقات المفيدة أيضًا عنصرًا أساسيًا في ممارسات تقييم الأقران، فهو كأداة يتم فيها نشر المحكات ذات الصلة لقياس تحصيل الطلاب، نشرها لمساعدة الطلاب على إصدار أحكام وتقديم ملاحظات حول عملهم وعمل زملائهم (Tillema et al., 2011)
تفيد التغذية الراجعة التي يقدمها الأقران كلاً من الشخص الذي يتلقى التغذية الراجعة والشخص الذي يقدمها، ويتم إجراؤه بطريقة بناءة، وهو يدعو الطلاب لإجراء حوارات مع أقرانهم حول أهداف التعلم المشترك، ويساعد على تعميق فهم كلا الطرفين لتلك الأهداف (Issaacs, Zara, Herbert, Coombs & Smith, 2013).