3. تاريخ ونشأة الديمغرافيا
من المعروف أن معظم المفكرين البارزين حاولوا التطرق، بشكل أو بأخر إلى بعض القضايا السكانية ونذكر منهم، على وجه الخصوص، أرسطو وأفلاطون وكونفشيوس وابن خلدون في القرن الرابع عشر وبوتيرو في القرن السادس عشر، إلا أن الأبحاث التطبيقية في موضوع علم الديمغرافية تعود إلى القرن السابع عشر، فقد أسهمت أبحاث " جون جرونت التطبيقية في ظهور هذا العلم وتطوره.
يعتبر العالم الانجليزي " جون جرونت" سنة 1939 أول من حاول القيام بأبحاث منتظمة في مجال علم الديمغرافيا، فقد قام بإجراء دراسة عن أسباب الوفيات ( بضمنها جدول بسيط للحياة)، كما توصل إلى مجموعة من التعميمات المحددة المتعلقة بالولادات والوفيات والزواج والهجرة واكتشف الترابط المتين فيما بينها
فلاحظ أن الوفيات لم تكن حادثاً عفويا وإنما يتميز حدوثها بنوع من الانتظام وأدرك بأن الولادات تتأثر ببعض العوامل الاجتماعية والوضع الاقتصادي العام إلى جانب كونها وقائع حيوية.
ولعل أهم ما قام به "جرونت" هم مساهمته في عمل أول جدول للوفيات الخام الذي يمثل جدول الحياة بأبسط أشكاله، كما اهتم بدراسة نمو السكان في مدينة لندن ومعرفة أثر كل من الولادات والوفيات والهجرة واهتم بتقويم البيانات الاحصائية المستخدمة في مختلف أبحاثه، وايجاد تفسيرات علمية لانتظام الظواهر السكانية التي قام بدراستها.
كما كان لوليام بيتي « William petty » (1623-1687) الأثرفي تأكيده على أهمية المقاييس الاحصائية في دراسة مشاكل الاقتصاد الوطني والسياسة والحكومة، وكان لكتابه " الحساب السياسي"(1690) أثر مهم في تطوير الديمغرافيا، حيث اهتم بدراسة التنبؤ السكاني واقتصاديات التحضر وتركيب السكان والقوى العاملة والبطالة والدخل القومي، وفي معرض تأكيده على الفوائد المالية والادارية للسكان الذين يتميزون بكثرة عددهم (قلة السكان هو الفقر الحقيقي).
أما " كريكوري كنج" (1648-1767) فقد قام بإجراء أول تقدير لسكان انجلترا مستخدماً سجلات الضرائب كما توصل إلى تعدادات جزئية للسكان سنة 1696.
ويعد " جوهان سوسملش" « Johann Sussmilch »(1707-1767) من أبرز الباحثين الديمغرافيين الألمان الذين ظهروا في منتصف القرن الثامن عشر ويعتبر ثاني مؤسس للديمغرافية بعد "جرونت"، حيث درس نمط تغير التركيب الجنسي مع تقدم العمر وقام بحسابات متعددة لمعدلات الولادة والوفاة والزواج بين سكان الحضر والريف وتابع اتجاهات الزواج والولادة مع مرور الزمن ، وتوصل بأن نسبة الذكور تزيد على نسبة الاناث عند الولادة كما لاحظ ارتفاع نسبة الوفيات بين المواليد الذكور على نظيرتها بين الاناث وذلك لحكمة إلاهية، من أجل التوازن العددي بين الجنسين كما استنتج بأن معدل الوفيات يختلف باختلاف تعاقب الأعمار وأدرك وجود زيادة مستمرة في معدل الولادات على معدل الوفيا، فاستنتج وجود ترابط بين زيادة السكان ومعدلات الولادة والوفيات والزواج، وأدرك تأثير العوامل الاجتماعية والنفسية والصحية في عدد المواليد سنة(1741).
كما يعتبر الباحث البلجيكي "أدلف كتليه" (1796-1874) من أكثر الباحثين للدراسات الاحصائية فقام بدراسة الظواهر الاجتماعية الادارية القابلة للإحصاء، سواء كانت سوية كالولادة والوفيات والزواج والهجرة، أم غير السوية كالإجرام والانتحار في مختلف الظروف والأحوال وفي شتى الشعوب وذلك من أجل التوصل إلى الكشف عن القوانين الخاضعة لها في زيادتها أو نقصها وفي تأثرها بمختلف العوامل الاجتماعية واختلاف الزمان والمكان وأطلق على هذه الدراسات مفهوم الطبيعة الاجتماعية.