3. آثار الثورة البيولوجية واتجاهاتها
يقول أحد العلماء البيولوجيين بعد ما حدث من تطورات كبيرة في ميدان البيولوجيا والطب الوراثي وهندسة الوراثة والتفاعل بينهما "للمرة الأولى في الزمان بأسره،يفهم كائن حي أصله،ويستطيع القيام برسم مستقبله، وحتى في الأساطير القديمة،كان الإنسان مقيدا بجوهره ولم يكن قادرا على الارتفاع فوق طبيعته ليخطط مصيره"،فالمسائل التي نشأت تحت تأثير الاكتشافات المتوالية في علم البيولوجيا وما تركته من أبعاد بيولوجية غلى سلوك الإنسان وتركيبات مجتمعه ليست أحدث من الإنسان،وهي مشكلات مختلفة عن تلك التي كانت سائدة،والتي تعتبر عديمة الوزن مقارنة بهذه المشكلات المستجدة.
لقد أخذ الإنسان لا محالة يرسم مستقبله بكل تأكيد بعد أن كان مقيدا بمصيره وقدره بل بجوهره وطبيعته كإنسان واستطاع أن يحقق شيئا من كونه بشرا دون أن ينهزم أمام عالم مليء بالمفارقات والمتناقضات والتحديات،حيث أصبحت منجزات الثورة البيولوجية وتأثيراتها على القيم والأخلاق والقانون وحتى الوجود الإنساني حديث العام والخاص ،وأصبحت موضوع الجدالات العلمية والفلسفية بين منطوق علم متطور يفرض نفسه وبين حدود قيمية فلسفية ترفض الانصياع لهذا التطور،وهو ما أعاد ترتيب العلاقة بين البيولوجيا والقيم الإنسانية،خاصة بعد أن ساهمت-البيولوجيا- في تحسين الكثير من العيوب الوراثية،وهو ما ستعد بشكل كبير في إزالة عبء اجتماعي كبير يثقل كاهل الأسرة والدولة والمجتمع وأكبر مثال على ذلك أطفال متلازمة داون،فعلم البيولوجيا يعمل على توضيح نمو الخلية وتصحيح خطئها الوظيفي.
لكن التساؤل الأكثر إلحاحا:كيف يغير علم البيولوجيا مفهوم الإنسان لذاته؟وكيف يعمل على توجيه الغير؟وكيف يعمل على تطوير الإنسان وتطوير وضعه الاجتماعي؟فالإجهاض وإطالة العمر وتحديد نمو السكان كلها تعتبر مظاهر لاهتمامات أساسية مثل :القيمة الذاتية لحياة الإنسان،والتوازن بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع،وسلطة الأخلاقيات،والنظم التقليدية،فقد ظهر فهم معاصر لهذه الملامح الأساسية للوضع البشري بقانون عصري للأخلاقيات،فقد توطدت أركانه وفق فكرة أن تغييرا لابد من إحداثه له منجزات المعرفة البيولوجية التي أضحت حقيقة مقنعة تفرض نفسها فرضا.
وبالتالي فإن تأثير هذه المنجزات قد أضاف العديد من الأمور والتعديلات لمفهوم الإنسان ذاته،مع أنه في الوقت ذاته هناك الكثير من المعضلات المعاصرة التي تهدد المستوى القيمي والقانوني والاجتماعي:مثل الإجهاض أو قيمة الحياة ودور المرأة وحتى دور الأسرة وموقع الحقوق والواجبات في ظل التخلي عن الكثير من المسؤوليات القانونية والاجتماعية.