2. طبيعة الضوء

  لقد كان الرأي السائد إلى حدود نهاية القرن 19م أن تجليات الطاقة في مختلف الميادين تتم يشكل متصل ،فالطاقة الكهربائية تسري في الأسلاك بشكل متصل مثلها مثل أنواع الطاقة الأخرى،وهذا يعني أنه من الممكن تخفيض شدة التيار الكهربائي إلى أقصى حد دون أن يحدث أي انقطاع،ومثال ذلك الطاقة الحرارية،فلقد كان الإعتقاد السائد :أن درجة حرارة جسم ما يمكن رفعها أو خفضها بكيفية متصلة ،أي بكميات يمكن الزيادة فيها أو النقصان منها،دون التقيد بكمية محددة لا تقبل التجزئة[1]،فظهرت بذلك النظرة الجسيمية للضوءla theorie corpusculaire والتي تذهب إلى أن الضوء مكون من جسيمات ،لكنها فشلت في تفسير انعكاس الضوء على الأجسام،وانعكاس ضوء القمر،لكنها سرعان ما فشلت،لتظهر على إثرها النظرية الموجية مع كريستيان هوجينز الذي أعلن أن الضوء عبارة عن موجات،وهكذا تم استبدال الجسيمات بالموجات، فقُدّر لهذه النظرية أن تنتصر ،كونها تُشبّه الضوء بموجة تنتشر على صفحة الماء،بحيث يكون المصدر الضوئي مركز الذبذبة(الاهتزاز) الذي تتولد عنده الأمواج ،فتنتشر بعد ذلك في كل اتجاه.

   لكن هذه النظرية على الرغم من كونها تقدم تفسيرا معقولا لكثير من الظواهر الضوئية ،إلا أنها لقيت معارضة شديدة من طرف نيوتن،لأنه لا تتفق مع النظرية الميكانيكية العامة التي تُرجع جميع أنواع الحركة إلى الفعل وردّ الفعل.

   لكن مع نظرية أينشتاين وفكرته القائلة بأن شعاع الضوء ذو الترددات يتكون من حبات من الطاقة مقدارها   ثا.ز  والتي توصل من خلالها إلى أن الفوتونات وهي جسيمات تتضمن كذلك صفات شبيهة بموجات الضوء،وتوصل إلى أن طاقة هذه الجسيمات تتحد بواسطة صفة من صفات الموجات-التردد-،وهو ما يبين أن للضوء خواص مثل كل من الموجات والجسيمات ،ويتطلب العالم الميكروسكوبي أن نحشد حدسنا حول وجود وجود شيئ هو إما موجة أو جسيمة أو احتمال وجود الصفتين معا.



محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص365.[1]