4. الفيزياء النيوتونية

4.4. قانون الجاذبية

وصل نيوتن من خلال هذه القوانين إلى تقرير واقعة أساسية هي أن كل جزيء مادي به قوة سمّاها "قوة الجاذبية":فكل جزيء مادي يجذب أي جزيء مادي آخر،وهذه القوة ليست موجودة فقط في الأجسام الكبيرة ،وإنما هي موجودة أيضا في كل جزيء مهما صغر حجمه[1].

   وهنا وضع نيوتن قانون الجذب العام الذي ينص على أن"أي جسمين يتجاذبان فيما بينهما بقوة تتناسب طردا مع مضروب الكتلتين وعكسا مع مربع المسافة بين الجسمين".وبهذا القانون تمكن نيوتن من شرح عدة ظواهر طبيعية كانت محط اهتمام العلماء في عصره،حيث تمكن من حساب قيمة سرعة الجسم المنجذب نحو سطح الأرض وشرحه لحركة القمر الدائرية والمتسارعة نحو الأرض ،وما ينتج عنها من ظواهر كالمد والجزر،هذا بالإضافة إلى تفسيره للانحرافات الدقيقة في حركات الكواكب حول الشمس،وصياغة كل ذلك في صورة رياضية دقيقة[2].

  لكن رغم ذلك فنيوتن لم يتردد في إقحام الميتافيزيقا في تفسير طبيعة الجاذبية نفسها حول ما إن كان الجذب خاصية ذاتية للمادة مثل :الامتداد والحركة والصلابة أم أنها شيء خارج عن صفاتها الأساسية هذه،وهنا نجد نيوتن ينساق مع الطرح الميتافيزيقي للمسألة:وهو أن الجاذبية ليست صفة ذاتية ولا ضرورية للمادة،بل أن الله عندما خلق المادة خلقها مع صفاتها الأساسية(الامتداد والحركة) وهو الشيء الذي نتج عنه عالم يسير سيرا ميكانيكيا آليا وفق التصور الديكارتي،ولكي يكون العالم كما هو عليه فعلا أضاف الله إلى هذه الطبيعة الميكانيكية للعالم خاصة جديدة بموجبه تنجذب الأشياء إلى بعضها البعض،وهكذا يكون العالم خاضعا عند نيوتن لقوتين هما:قوة القصور الذاتي وقوة الجذب.

   يقول نيوتن 'إن القول بأن الجاذبية خاصة ملازمة للمادة وضرورية لها،بحيث يمكن لجسم ما أن يؤثر في جسم آخر عن بعد وفي الفراغ،وبدون توسط جسم ثالث ينقل التأثير إليه في نظره على سخافة هي من الوضوح بحيث لا يمكن أن يقع من كانت له القدرة على البحث الفلسفي(أي البحث في فلسفة الطبيعة:الفيزياء)،إن الجاذبية يجب أن يكون سببها فاعل يمارس فعله دائما حسب بعض القوانين،وأن أترك للقرّاء أن يقرروا فيما إذا كان هذا الكائن ماديا أو غير مادّي'[3].

  ومن بين الأفكار الميتافيزيقية الفلسفية التي بثّها نيوتن ضمن نسقه الفيزيائي ما يسمى بفكرة الدفعة الأولى،والتي أجاب من خلالها على التساؤل القائل:كيف وُضعت هذه الأجرام السماوية في أماكنها إبان بدء حركتها،معتبرا أن المادة والحركة منفصلين ،والحركة عنده حركة خارجية[4].

  بالإضافة إلى افتراضه لفكرة الأثير التي تخترق جميع الأجسام وتنساب فيها،و زعم أنه بواسطة تأثير هذه المادة اللطيفة تنجذب الأجسام إلى بعضها البعض في المسافات القصيرة جدا،فتتماسك تلك الجسيمات عندما تكون متشابهة،فتتشكل بذلك الأجسام المادية المعروفة،وبواسطة هذه المادة ينتشر أيضا الضوء وينعكس وينكسر،وتُشحن الأجسام وتُنبه الأعضاء والحواس،وينتقل الإحساس إلى الدماغ،الشيء الذي يجعل الأثير أشبه لما يكون بمادة سحرية.

  ضف إلى ذلك افتراض فكرة المطلق فلقد أسس نيوتن فكرته عن الزمان المطلق والمكان المطلق والحركة المطلقة،فقد تصور أن الكون يسبح في فضاء محيط هو عبارة عن بحر من الأثير و فضاء ساكن سكونا أبديا،فاعتبره المكان المطلق،واعتبر حركات الأجسام بالنسبة إلى هذا المكان المطلق عبارة عن حركات مطلقة،والشيء الذي يؤدي إلى القول بوجود زمان مطلق[5].

  وهكذا استعمل نيوتن الخطوط العامة للفيزياء التقليدية وهي عبارة عن أرضية مطلقة من الزمان والمكان،تتحرك فوقها كتل من المادة تدفعها قوى يمكن صياغتها صياغة رياضية حاسمة،فيبدو الكون كأنه آلة عملاقة تعمل بانتظام[6].



[1]  محمود فهمي زيدان:الاستقراء والمنهج العلمي،ص165.

 

[2]  صلاح عثمان:الاتصال واللاتناهي بين العلم والفلسفة،مرجع سابق،ص59.

[3]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص273.

[4]  المرجع السابق،الصفحة نفسها.

[5]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص274.

[6]  صلاح عثمان:الاتصال واللاتناهي بين العلم والفلسفة،مرجع سابق،ص ص 61،62.