1. تمهيد
1.1. البرهنة والتعريف:
من خلال ما سبق نقده بالنسبة للتعريفات والبديهيات، كان من المفروض أن نضع في نقطة انطلاق أي نظرية استنتاجية مجموعة من القضايا غير المبرهنة – أو اللامبرهنات – بالإضافة إلى مجموعة من اللامعرفات يتم فيما بعد البرهنة على نظريات وقضايا جديدة من خلالها، وبالتالي فإن البرهنة والتعريف هما العمليتان الأساسيتان اللتان تتطور بواسطتهما النظرية الاستنتاجية .
لكننا إذا بحثنا في الشروط الضرورية لإقامة التعاريف الجيدة والمبرهنة الجيدة، لابد وأن نلحظ قصر الهندسة الإقليدية عن بلوغ الدقة للوصول إلى ذلك وهذا راجع إلى دعوى الجمع بين الصدق المادي في القضايا والصحة الصورية في ترابطها وبين المطابقة التجريبية والدقة المنطقية،ولعل هذه الازدواجية هي السمة الأساسية الغالبة على هذا النسق الهندسي، وبالتالي فإنه – النسق – يجمع ويدمج عملين منفصلين تماما، علم المنطق، وعلم التجريب " فيمكنك أن تقرأ كتابا في الهندسة التقليدية بصفته بناءا مصادراتيا خالصا تفقد فيه حدوده معناها الحدسي وتقاس صحته بتماسكه المنطقي فقط أو على العكس من ذلك، أن يعيده لحدوده وقضاياه ولدلالتها الحدسية الأولى، لكن عند ذلك نكون أمام علم من علوم الواقع: بديهياته وبرهناته هي في الواقع قوانين فيزيائية "(1).
إلا أن هذه العيوب والانتقادات يجب أن لا تغفلنا عن قيمة الهندسة الإقليدية والاستدلال الهندسي والذي اعتبره باسكال (Pascal) نموذجا لفن الإقناع، دون أن نعتبرها من الوظائف الجوهرية له" فإقليدس يرجع إليه الفضل في كونه أول من طبق نسقا منطقيا على النظريات الهندسية التي كانت مبعثرة آنذاك وأكسبها صفة العلم، فكان له ذلك، وهو ما يقصده أغلب الرياضيين المعاصرين اليوم وإن كانت الوجهة تختلف.
ولقد استفاد الرياضيون المعاصرون من هذه الانتقادات، ومن ثمة كان هذا القصور والنقص في الجهاز الأقليدي محل بحث ونقاش دائم بين الرياضيين من مختلف العصور، وبطريقة غير مباشرة أساسا لقيام هندسات لاإقليدية تحاول تفادي ما وقع فيه إقليدس من عيوب.