3. خصائص الرياضيات عند اليونان

  قام اليونان بنقل الإرث الرياضي من الحضارات الشرقية القديمة وذلك بعد زيارة كل من فيثاغورس وأفلاطون وقبلهما طاليس المالطي بلاد الشرق،لكنهم طوّروها-الرياضيات- أكثر مما كانت عليه،فأصبحت بذلك رياضيات نظرية مجردة  بعد أن كانت عملية تطبيقية مرتبطة بالحاجة اليومية ،والدليل على هذا اكتشاف اليونان لمفاهيم رياضية جديدة خاصة التجريد ،التعميم،التحليل والتركيب..الخ،يقول أفلاطون:"ليست مهمة العلم الرياضي خدمة التجارة في عمليات البيع والشراء كما يعتقد الجهال،بل تيسير طريق النفس في انتقالها من دائرة الأشياء الفانية إلى تأمل الحقيقة الثابتة الخالدة"[1].

   لقد أصبح موضوع الرياضيات الماهيات الذهنية التي تتمتع بوجود موضوعي مستقل وكامل مثلما هو الحال في عالم المثل عند أفلاطون،فكما أن العدد تصور ذهني خالص من الصعب ربطه بالمحسوسات فكذلك الأشكال الهندسية يجب أن تكون هي الأخرى تصورات ذهنية خالصة أي ماهيات عقلية،إذن فالأشكال الهندسية ماهي إلا رسوم تقريبية تحاول أن تحاكي الحقائق الهندسية  الكاملة الموجودة في عالم المثال.

  لكن اليونان اقتصروا في أبحاثهم على الهندسة المستوية فقط دون الهندسة الفراغية،لأن هدفهم تشييد صروح بسيطة ومنتظمة قائمة على التناسق والكمال والجمال،وذهبوا إلى اعتبار هذه الأشكال الهندسية من صنع الالهة،فالالهة في نظر أفلاطون هي من صنعت العالم بواسطة العناصر الأربعة وفق الأشكال الهندسية المنتظمة.

 كما اهتم اليونان في خواص الأعداد:كالأعداد المتحابة والمتكاملة،فمثلا العدد المتكامل هو ذلك العدد الذي يساوي مجموع قواسمه مثل العدد28 والذي يساوي قواسمه(1،2،4،7،14)،أما الأعداد المتحابة فهي تلك الأعداد التي يساوي كل منها مجموع قواسم العدد الآخر،مثل العددين220و280 فهما متحابان لأن مجموع قواسمهما متساويان.

  إذن ما نلحظه أن الرياضيات الاغريقية  في بدايتها ابتعدت عن التطبيقات والأهداف العملية ورفضوا كل ارتباط بين الواقع والرياضيات،مهتمين فقط بالمجال الذهني النظري المجرد بحثا عن المفاهيم والأفكار البسيطة.

  لكن مع أرسطو (384-322 ق م) وإقليدس اكتست الرياضيات طابعا منطقيا حيث تم تشييد البناء الرياضي وفق البرهنة الرياضية القائمة على قواعد منطقية صارمة:فلا توجد قضية رياضية إلا ويبرهن عليها منطقيا إما البرهان المباشر أو البرهان بالخلف بالاعتماد على مجموعة من المنطلقات والتي أسماها بالأصول وأقام النسق الاستنباطي المنطقي وفقا لتعاليم أستاذه أرسطو الذي يعتبر الرياضيات من العلوم البرهانية.



[1]  المرجع نفسه،ص57.