2. خصائص الرياضيات في الحضارات الشرقية القديمة:

 لا مراء في أن الرياضيات بوصفها علما نظريا محضا إنما ظهرت واكتملت مع اليونان خاصة مع فيثاغورس ومدرسته في القرن السادس قبل الميلاد،لكن الأساس الذي بني عليه هذا الصرح إنما يعود إلى الحضارات الشرقية القديمة مثل المصرية والبابلية خاصة،فعند المصريين تطورت الرياضيات تحت ضغط الحاجات العملية الاقتصادية والاجتماعية،ولأن ما يميز هذه الحضارة توسط نهر النيل لأراضيها مما جعل أفرادها يبتكرون طرقا وأساليب هندسية لتحديد مساحة الحقول وتنظيم الزراعة والري ،كما أن اهتمامهم ببناء الأهرامات جعلهم يتقدمون حثيثا في استعمال الخطوط والحسابات،فكانوا يحسبون مساحات بعض الأشكال الهندسية مثل مساحة نصف الكرة،المثلث المتساوي الساقين،كما أنهم استعملوا الكسور واستخدموا العمليات الأربع،وتمكنوا من حل المعادلات من الدرجة الأولى[1].

  أما البابليين فقد استعملوا الحساب والهندسة في دراسة حركات الكواكب والنجوم وقياس الزمن وتنظيم الفلاحة والملاحة وشؤون الري،وقاموا بحل معادلات من الدرجة الثانية.

 

   لكن رغم تطور الفكر الرياضي عند هذه الحضارات إلا أنه لم يصلنا إلا القليل،مما يوحي أنهم بحثوا في المجال التطبيقي أكثر من المجال النظري،مما نتج عنه تصور كلاسيكي للعلم الرياضي قائم على التطبيقات العملية والحاجات الاجتماعية  أكثر من التصورات النظرية المجردة التي نجدها عند اليونان بعدهم،وهذا نظرا لما تمليه عليهم الظروف الاجتماعية والجغرافية وبالتالي لم يتمكنوا من إنشاء علم الهندسة كعلم نظري له قواعده وقوانينه ونظرياته ،وبالتالي كان عصر هؤلاء بمثابة مقدمة للرياضيات ومنهجها الذي اكتمل في العصر اليوناني [2]،وإن كان هذا لايمنع  وجود بعض من البحوث النظرية لديهم



[1]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص57.

[2]  كامل محمد محمد عويضة:إقليدس بين الفلسفة والمنهج الرياضي،دار الكتب العلمية،لبنان،ط1،1994،ص ص18،19.