التوسع والمواجهة في جنوب غرب آسيا

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: مدخل الى تاريخ الحضارات القديمة
كتاب: التوسع والمواجهة في جنوب غرب آسيا
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Wednesday، 3 July 2024، 1:18 PM

الوصف

.ستجدون في هذه المحاضرة الصراع  الفارسي المصري و الصراع الاغريغي الفارسي والحروب البيلوبونيزية 

1. الصراع الفارسي المصري

بدأ قمبيز ملك فارس يهدد بغزو مصر، فاستعد لها وقام بتجهيز معداتها من الرجال والأسلحة وكانت مصر منيعة بحصونها الشرقية ومن الصعب على أي جيش مهاجم اختراق هذه الحدود، فكان من الضروري معرفة أضعف  مواقع الحدود لمهاجمتها والتسرب منها، ولقد ذكر المؤرخون الإغريق أن قائدا إغريقيا اسمه فانيس Phanes أرشد مقمة الجيش الفارسي على بعض تلك النقط، فوجهت مدينة البلوزيوم من البحر وتدفقت جحافل الفرس في الصحراء، ثم سقطت مدينة منف في أيديهم، كما وقع الملك بسماتيك أسيرا في قبضتهم، فأرسلوه إلى فارس حيث قضى نحبه وبذلك انتهت أيام الأسرة 26.

اعترف المصريون بقيادة قمبيز ( 525- 521 ق.م ) ملكا عليهم سواء أرغبوا ذلك أم كرهوه، واتخذ ألقاب الفراعنة وشارك المصريين في عباداتهم ومعتقداتهم وقد عرف عنه أنه أرسل حملة للواحات الغربية ولكنها ظلت الطريق وهلكت، ولاقت حملة أخرى لإخضاع النوبة المصير ذاته، ثم عاد إلى وطنه وخلفه داريس ( 521- 486 ق.م ) واتخذ في مصر لقب ( سي توتري ) وكان حاكما حازما متنورا، فأقدم على إعادة فتح الفناة التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وفي آخر سنة حكمه ثار المصريون عليه وأجلسوا على العرش خبيبنتي ( 486- 484 ق.م ) إلى مصر وقضى عليه وأعاد البلاد إلى طاعته، ولما خلفه أتخرشش ( 466- 425 ق.م ) ثار المصريون مرة أخرى بزعامة أحد الأمراء، بيد أن سرعان ما أخمدت الثورة وأعيد الأمن إلى نصابه ويذكر معظم الباحثين أن هيرودت المؤرخ الإغريقي زار مصر في أيامه.

وهكذا توالت على أيام الفرس الأسرات 28، 29، 30، 31 وقد ظهر في أثنائها قليل من الزعماء المصريين ممن توالوا الحكم مددا قصيرة ولم يخلد المصريون إلى السكينة، بل كانوا يواصلون ثوراتهم ضد الفرس فيطردونهم أحيانا ثم يعود الفرس مرة أخرى واستمر الوضع على هذا الاضطراب بين الجانبين إلى أن استطاع الملك تأخوس طردهم من البلاد ثم غزا فلسطين.

وأخيرا جاء داريوس الثالث ( أردشير عند العرب ) فإنه لما تولى العرش ( 336- 332 ق.م ) عزم على استعادة مصر وولايتها في سورية فجمع جيشا كبيرا من المشاة الفرس والإغريق والفرسان ودعمهم بأسطول حربي وسفن للنقل، ثم زحف على صيدا ففتحها خيانة ثم عبر سيناء ووصل إلى بلوسيوم ( الفرما).

كان نقطانب ملك مصر قد أعاد تحصين بلوسيوم ومعظم ثغور مصر، وحشد جيشا قوامه 20000 من مأجوري الإغريق و 20000 من الليبيين و60000 من المصريين، ثم هاجم جيش الفرس، لكنه لم يستطع رده، ومنى ثم عاد نصف جيشه إلى منف فاستطاع الفرس محاصرة بلوسيوم، ورموا اسوارها بالمنجنيق وفتحوا ثغرات فيها واقتحم الجيش الأسوار واستولوا على المدينة ثم انتهت المعركة بضم مصر إلى فارس، وتعرف هذه المعركة بمعركة بلوسيوم الثالثة. 

2. الصراع الفارسي الاغريقي

ثورة المدن الأيونية ضد الفرس 499 ق.م:

كانت أثينا تمر بمرحلة تهور سياسي نتيجة لتعصبها لنظامها الديمقراطي ورغبتها في نشره بين كافة المدن الإغريقية وخاصة تلك الني كان الطغاة لا يزالون يحكمونها وثار الأيونيون ضد طغاتهم الموالين للفرس، وأرسلت أثينا قوات لمساعدتهم جيث أحرقت مدينة سارديس تماما مما أدى إلى اشتعال النيران في قلب الملك دارا الذي لم ينس ذلك وقد قيل أنه أوصى أحد عبيده لكي يهمس في أذنيه كل مساء "مولاي لا تنسى الأثينيين".

لقد عاش الأيونيون مع الفرس في سلام لمدة طويلة وتقدما حضارتهم المادية والمعنوية فقدموا للحضارة الإغريقية عباقرة مثل الفيلسوف طاليس أحد مواطني مدينة ميليتوس (640-546 ق.م) والذي سجل مواعيد خسوف الشمس ووضع أسس علم الأجرام السماوية للإغريق، ومثل العلامة فيثاغورس مواطن جزيرة ساموس وكان أحد كبار علماء الرياضيات.

وكان طاليس عالما وسياسيا فنادى بقيام إتحاد بين مدن أيونيا واقتراح أن ترسل كل مدينة ممثليها لمجلس يتكون من كافة المدن ويقرر شؤونها، بينا تبقى كل مدينة مستقلة تكاكا ولكن هذا المشروع فشل وسقطت المدن الأيونية في حوزة الإمبراطوريات الآسيوية لمملكة ليديا ثم الفرس.

وأدرك الأيونيون أن دارا قد شدد قبضته فقد أعاد عذا الملك الذي حكم بلاد الفرس حتى عام 485 تقسيم الإمبراطورية إلى عشرين سترابية ( أي مقاطعة ) يكم كل منها ستراب .

وأقام نظام المراسلات البريدية بينها ليلم بأخبارها يوما بعد يوم، وبذلك أصبح دارا يعرف أخبار سارديس مثلا بعد أسبوع بدلا من ثلاثة شهور وعي المدة التي تستغرقها الرحلة من عاصمة بلاد الفرس سوسا إلى سارديس عاصمة ليديا، كما ساد الأيونيين الذعر من نظام إقامة الطغاة الإغريق الموالين للفرس من الضرائب التي كانوا يدفعونها مما دعاهم إلى الثورة بتحريض وبمساعدة أثينا ونكلف الفرس كثيرا في احباطها والقضاء عليها في عام 494 ق.م زعندما دمروا مدينة ميليتوس وتداعت المجن الثائرة بعد ذلك، لم ينس دارا ذلك فحاول معاقبة الأثينيين عام 492 ق.م عن طريق إرسال حملة بقيادة ماردونيوس ولكن هياج البحر وقيام العواصف أعاقت استمرار الحملة فعادت من حيث أتت ولكن في عام 490 ق.م نجح إثنان من قواده في انزال الجنود في سهل المارثون الذي يبعد ست وعشرون ميلا عن أثينا وكان من بين القادمين مع الفرس هيبياس العجوز.

موقعة سهل الماراثون:

هكذا نزلت القوات الفارسية بسهل الماراثون عام 490 ق.م بقيادة الجنرال داتيس  وارتافرنيس وكانت هذه الحملة قد أبحرت من جزيرة ساموس بعد أن دمرت جزيرتي ناكسوس واريتريا في طريقها، وصمم الأثينيون والإسبرطيون على تناسي خلافاتهم والدفاع عن بلاد اليونان، فلما دهب رسول ملك الفرس إلى أثينا مطالبا أن يسلم الأثينيون أرضهم ومياههم للفرس ألقى به الأثينيون من فوق صخرة الأريوباجوس حيث كانوا يلقى المجرمين قائلين "هده هي الأرض"، ولما ذهب رسول آخر إلى إسبرطة يحمل نفس المطالب ألقى به الاسبرطيون في بئر عميقة قائلين "هذه هي المياه"، وكان التعدي على الرسل تعدي على قداسة التقاليد التي تحميهم ولو كان الاثينيون والاسبرطيون قد هزموا في المعارك التي تلت ذلك لنسبوا هزيمتهم لغضب الآلهة نظير قتلهم الرسل لأنه تعدي على حدود الآلهة.

ولما سمع الاثينيون بوصول الفرس أعدوا جيشا سريعا بلغ تعداده ما بين تسعة آلاف وعشرة آلاف مقاتل بقيادة القائد كاليماخوس يساعده الجنرال مليتياديس والذي كان يقود فرقة تتكون من ألف متطوع جاءوا من بؤتيا، كما أرسل الاثينيون عداء اسمه فيديبيديس ليقطع رحلة طولها مائة وأربعين ميلا عبر مناطق وعرة وعي المسافة بين أثينا وإسبرطة، وتقول الروايات الشعبية أن هذا العداء قطع الرحلة في يومين أي سبعين ميلا في اليوم الواحد ولكنه عاد يخفي حنين لأن الاسبرطيين كانوا يحتفلون بأعياد دينية تحرم القتال وتسيير الجيوش، وقبل الاثينيون التحدي والمقامرة بمواجهة الجيوش الفارسية وحدهم معتمدين على أنفسهم وبعض حلفائهم وقاتلوا بشراسة منقطعة النظير وأنزلوا بالفرس خسائر فادحة بلغت 6400 قتيل بينما خسروا عم 192 قتيلا فقط حسب ادعائهم لقد كان انتصار الاثينيين ناتجا عن ارتفاع روحهم المعنوية إذ أنهم كاموا يخوضون حربا دفاعية عن نسائهم وأولادهم وبيوتهم وبالقرب من موطنهم، كما كانوا يحاربون وهم يدافعون عن نظامهم "الديمقراطي" الذين التفوا حوله لحمايته لأنهم أدركوا أن الفرس إذا ما انتصروا سوف يقيمون هيبياس طاغية عليهم وبذلك يفقدون حريتهم ونظامهم الديمقراطي.

وبالرغم من هزيمة الفرس في البر إلا أن أسطولهم كان لا يزال متأهبا بالقرب من الشواطيء الأثينية وكان هيبياس على ظهر إحدى سفنه ينتظر إشارة للنزول وجاءت إشارة من إحد عملاء هيبياس إلى الأسطول الفارسي أن "اهجموا على أثينا فورا" وأبحر الأسطول الفارسي ولكن الأثينيين كانوا في انتظاره وأدرك الفرس أن القوات الأثينية قد انتقلت بسرعة من سهل الماراثون إلى العاصمة وحصنتها، فتردد الفرس في النزول واستدار أسطولهم عائدا وهكذا ضاعت أحلام هيبياس في العودة إلى الحكم  مرة أخرى وأعلن الأثينيون النصر وهتفوا ببطل المعارك ميليتياديس ولكن هذا  البطل تهور وأسرع في حملة ضد جزيرة باروس فشلت تماما وعند عودته حوكم بسبب ذلك ولكنه لم يعش طويلا بعد محاكمته

الحملة الفارسية الثانية ضد بلاد اليونان:

مات دارا الأول عام 486 ق.م وهو لم يشف غله من الأثينيين بعد وكان قبل موته بدأ الإعداد لحملة حربية ثانية تفوق الأولى عددا وعدة وبعد موته أشرف ابنه كسيركسيس  والذي يعرف بالفارسية باسم خشيارشاي على هذه الحملة التي شملت جيشا وأسطولا جمع من كافة الأجزاء التي تتكون منها الإمبراطورية الفارسية بما في ذلك قوات من إغريق أيونيا الموالين للفرس، كما شملت أثيوبيين في زيهم الوطني الذي يتكون من جلد الفهود وهنود من أقصى حدود الإمبراطورية بزيهم القطني الأبيض الخفيف ومن الشمال جاء أهل سكيثيا بجواربهم الطويلة وخوذاتهم المدببة ونبالهم الشهيرة وسار كسيركسيس في المقدمة ممتطيا عربة حربية تحيط به كوكوبة من الفرسان المعروفين "الخالدين" وكان واثقا من نفسه فقد أعد لكل شيء عدته حتى المؤن والعتاد فقد أمن وصولها بقواته وأقام جسرا من السفن عبر مضيق الدردنيل ولكن العواصف دمرته ما أثار غضب الملك الفارسي فلم يستطع السيطرة على عواصفه الشرقية فأمر بجلد البحر ثلاثمائة جلدة وأن تصب عليه لعنات كهنة الفرس، أما الذين أشرفوا على بنائه فقد أمر الملك بقطع رقابهم جزاء فشلهم.

وأخيرا في ربيع عام 480 ق.م تمكن الجيش الفارسي من عبور البسفور والدردنيل واخترق إقليم تراقيا وعند وصوله إلى ثرما في مقدونيا انظم إليه الأسطول وكانت ذلك في أوائل شهر أغسطس من العام نفسه.

تبالغ الرويات والأقاصيص الإغريقية في تعداد الجيش الفارسي وتتحدث عن الملايين التي تكون منها ولكن المؤرخين المعاصرين يعتقدون أن هذا الديش لم يزد عن 300000 مقاتل وأن أسطوله لم يزد بأي حال من الأحوال عن 800 قطعة حربية.

وعندما أدرك الإغريق أن الخطر محدق بهم جميعا عقدوا اجتماعا عاما قرب خليج كورنثا عام 481ق.م تصالحوا فيه، وسمحت أثينا بعودة المنفيين السياسيين وعلى رأسهم أريستيديس العادل وانتخبت أسبرطة لما لها من قوة عسكرية رئيسا للحلف الدفاعي الجديد وحاولوا ادخال إغريق صقلية في هذا الحلف أيضا ولكن جيلون طاغية سيراكوزا أصر على أن يكون هو على رأس هذا الحلف الدفاعي وهذا لم يعجب لا الأثينيين ولا الإسبرطيين، وعلى أي حال يبدوا أن جيلون فتح جبهة جديدة صد الفرس في صقلية بإعلان الحرب ضد الفينيقيين والقرطاجيين في صقلية، وكان الفينيقيون حلفاء مخلصين للفرس ويمتون بصلة قرابة وثيقة للقرطاجيين، وقد أقام الفينيقيون مستوطناتهم في صقلية منذ وقت سابق على المستوطنات الإغريقية في هذه الجزيرة، ومن الغريب أننا لا نسمع عن مبادرة من جانب إغريق أيونيا لمساعدة وطنهم الأم بل تسمع عن مساعداتهم للجيش الفارسي الغازي لبلاد اليونان.

أدرك الإغريق أن المضايق والممرات الجبلية التي تمتلأ بها بلادهم سلاح دفاعي فعال إذا ما استخدم جيدا فبدأوا في تحصينها، فحصنوا ممر تمبي الشهير الذي يربط بين تساليا ومقدزنيا، وعند مضيق ثرموبيلاي الذي ينحصر بين الجبل والبحر وعسكر الملك الإسبرطي ليونيداس ومعه وقوة مكونة من 7000 رجل منهم 4000 من البيلوبونيسوس في انتظار الفرسن بينما وقف الأسطول الإغريقي الذي كان يتكون من 300 قطعة حربية متأهبا عند رأس أرتيميسيوم في شمال جزيرة يوبويا لحراسة الممر المائي بين القارة والجزيرة.

معركة مضيق الثرموبيلاي:

حاول الإغريق منع الفرس من اختراق المضايق الجبلية التي تربط بين تساليا شمالا وبلاد اليونان جنوبا، وبدأ الإلتحام بمعارك بحرية بين الطرفين لم يعرف نتائجها ولكن العواصف فتكت بجزء كبير من أسطول الفرس عند خليج مجنيزيا.

ثم حاول الفرس احتلا مضيق ثرموبيلاي الجبلي بالتسلل عن طريق ممر آخر حيث فاجأوا القوة الأسبرطية هناك والتي قاتلت حتى آخر رجل فيها ومن الواضح أن الخيانة لعبت دورا كبيرا في دذه الهظيمة لأن الفرس استعانوا بعدد كبير من المرشدين الإغريق هكذا سقط هذا الممر الحصين في أيدي الفرس ومجدت الروايات فيما بعد بطولة الملك الاسبرطي ليونيداس وتضحيته بنفسه وبرجاله من أجل الواجب.

وبعد سقوط هذا الممر أصبح وسط بلاد اليونان تحت رحمة الفرس وتقدم كسيركسيس وجحافله جنوبا، وقرر الأثينيون اخلاء عاصمتهم ونقلوا النساء والشيوخ والأطفال إلى الجزر المجاورة مثل سلاميس وإيجينا حتى لا يسبيهم الفرس، وتقدم الفرس جنوبا محاولين احتلال دلفي ونهب خزائن معبد الإله أبوللون، ولكن كهنة هذه المنطقة المقدسة نظموا مقاومة عنيفة ساعدهم عليها هبوب عواصف شديدة مما جعل الفرس يولون الأدبار، أما أهل منطقة بيويتيا فقد سلموا عاصمتهم طيبة للفرس دون مقاومة بينما هجر الأثينيون عاصمتهم وانتظروا ماذا سيفعل بهم تميستوكليس وأسطوله الذي وضعوا فيه كل آمالهم. 

معركة سلاميس:

بينما كان أسطول الفرس راسيا عند رأس فاليروم قرب أثينا كان الأسطول الإغريقي المتحد يراقب المضيق المائي بين جزيرة سيلاميس وشواطيء أتيكا.

تقدمت جحافل الفرس واستولت على إقليم أتيكا ودخلت أثينا وأحرقتها بينما كان ثمستوكليس يحاول عبثا إقناع قائد الأسطول الأسبرطي بالهجوم على أسطول الفرس ولكن الحلفاء الاسبرطيين كانوا مهتمين بالدفاع عن البيلوبونيسوس بالرغم من أن أثينا ساهمت بمائة وثمانين سفينة من مجموع الأسطول المتحد البالغ 378 سفينة، وكان على تمستوكليس أن يفعل شيئا  فأرسل رسولا إلى ملك الفرس ليبلغه أن أسطول الإغريق واقع في مصيدة وأنه سوف يفلت منها بالهروب، واسرع ملك الفرس وأرسل قوة من فرقة مصرية كانت مع جيشه لتسد المضيق بين سلاميس وسواحل أتيكا لكي لايخرج منها أحد ودخل الجيش الفارسي المصيدة وهو لا يدري، فبالرغم من كثرة عدده إلا أن ضيق المكان وخفة حركة السفن التجارية حقق للإغريق نصرا كاملا في سبتمبر عام 480 ق.م، لقد كان انتصار الإغريق في سلاميس عظيما، واندفع المنفيون عائدين وعلى رأسهم أرستيديس العادل وتغنى الشاعر ايسخولوس بهذا الإنتصار في رواية سماها "الفرس" تحدث فيها عن عناية زيوس رب الأرباب وانتصاره على الفرس ولم يذكر شيئا عن ثمستوكليس على الإطلاق.

معركة بلاتيا البرية وموكالي البحرية:

انسحب ماردونيوس شمالا إلى طيبة عاصمة بيوتيا ولاحقته القوات الإغريقية المتحالفة وقرب مدينة بلاتيا تمكنت القوات الأسبرطية بالذات من اللحاق هزيمة ساحقة بالفرس عام 479 ق.م قتل فيها ماردونيوس وانسحب الجيش والحاميات الفارسية من بلاد اليونان كلها وكانت المرة الثانية والأخيرة التي حاول فيها الفرس وإن شئت فقل بلاد الشرق المتحد غزو أوروبا.

بعد ذلك تحالف ملك اسبرطة مع الفرس مما ادى بمحاكمته من طرف الاسبرطيين والتفافهم مه اثينا التي خرجت من معارك الفرس منتصرة وأصبحت سيدة على مياه بحر إيجه بلا منازع وجنت ثمار الصراع الطويل وحجها دون اسبرطة التي كلفها خيانة وغباء ملكها دماء رجالها بل واحترامها بين سائر الدويلات الإغريقية وسلطت الأضواء على أثينا كزعيمة لحرية بلاد الإغريق ضد الإستعباد الشرقي الفارسي، كما أن تحصين المدينة ومينائها جعلها تنافس اسبرطة في القوة البرية، في نفس الوقت الذي راحت فيه أساطيلها تحرس بحر إيجه وتحتكر التجارة فيه.

خريطة توضيحية حول الصراع والحروب بين الفرس والاغريق

3. الحروب البيلوبونيزية

بدأت الحرب في عام 431 ق.م واستمرت حتى عام 404 ق.م تخللتها فترة هدنة استمرت بين 421 و 414 ق.م وهي الفترة التي ساد فيها صلح نيكياس، وكانت هذه الحرب بمثابة حرب أهلية اشترك فيها كل العالم الإغريقي ودارت معاركها في البحر وعلى البر.
وقد بادرت المدن والجزر الإغريقية – عندما أصبحت الحرب الشاملة على وشك الوقوع- أقول بادرت إلى تحديد هويتها وأخذت  تعلن نصرتها لأحد الفريقين، وعند اندلاع القتال كانت اسبرطة ومعها كافة مدن البيلوبونيز فيما عدا أرجوس زإقليم أخايا في الشمال والإقليم الأخير أثر البقاء على الحياد، كما كانت تتمتع بتأييد كورنثا وميجارا وكذلك تعاطفت معها طيبة عاصمة إقليم بيوتيا في شمال أتيكا وأيدها إقليم لوكريس و فوكيس الواقعتين في شمال غرب بيوتيا وبذلك قطعت
.اسبرطة الطريق على أثينا من ناحية الشرق
لمرحلة الاولى

بدأت المعارك في ربيع 431 ق.م بهجوم ليلي شنته طيبة على بلاتيا ولكن أعل بلاتيا استطاعوا طرد المهاجمين واستعدوا لمواجهة حصار يضرب عليهم، أما اسبرطة فقد حركت جيوشها حتى وصلت إلى منطقة دكيليا على بعد 20 كلم من أثينا وذلك في ربيع عام 431 ق.م وكانت القوات الاسبرطية تحت قيادة الملك أرخيداموس، نجحت القوات الاسبرطية في حرق واتلاف المزروعات والأشجار في اتيكا بينما كان الأثينيون داخل أسوارهم المحصنة يتميزون غيضا بسبب هذه الخسائر ومضى العام الأول للحرب كئيبا بالنسبة للأثينيين بل وأصاب الاسر كثيرا من الانحلال الخلقي الذي أصاب الرومان أثناء حروبهم مع هانيبال، وقد تعرض بريليكس لهجوم أعدائه السياسيين الذين تجمعوا للإطاحة بحكمه، أما العام الثاني للحرب فقد بدأ بهجوم قوات البيلوبونيز على أراضي أثينا وردت هذه بهجوم بحري على شواطيء البيلوبونيز تماما مثل ماحدث خلال العام الأول، ولكن تميز العام الثاني بانتشار وباء في أثينا يرجح بأنه الطاعون وقد ساعد عن انتشار الوباء تكدس السكان في المدينة والظروف السيئة التي كانوا يعيشون فيها، وسقط ثلث سكان أثينا تقريبا صرعى بسبب هذا الوباء وكان من بين الذين ماتوا بالوباء ابني بريليكس فعم القنوط واليأس فس قلوب أبناء أثينا.

وفي عام 425 ق.م استطاع الأسطول الأثيني أن يحقق انتصارا رائعا بانقضاضه على ميسينيا  في الجنوب الغربي من شبه جزيرة البيلوبونيز واحتل مدينة بيلوس وفشلت اسبرطة في طرد الجنود الأثينيين من هناك بل نجح الأثينيون في حصار 400 جندي اسبرطي، وأمام هذه الهزيمة قبلت اسبرطة التفاوض لكي تنقذ جنودها ولكن كليون عمل على افشال التفاوض متهما القواد العشرة_ خاصة نكياس_ بالتخاذل، وقاد المعركة بنفسه بعد أن وعد الشعب بإنهائها لصالحه خلال عشرين يوما فقط، وقد استطاع بمساعدة ديموثينيس أن يأسر الجنود الاسبرطيين وأن يعود إلى أثينا في الموعد الذي حدده، ولذلك استقبلته أثينا استقبالا رائعا، نتج عن هذا الانتصار تزايد نفوذ أثينا حتى أنها زادت قيمة اشتراك حلفائها في نفقات القتال.

اضطرت أثينا نظرا لسوء أوضاعها العسكرية _ أن تدخل في محادثات للسلام، وقد أسفرت محادثات عام 422 ق.م من عقد هدنة لمدة عام دون اشتراط وقف العمليات العسكرية في تراكيا التي اتجه إليها كليون على رأس قواته حيث حرر توروني ولكنه سقط قتيلا هو وقائد الاسبرطيين براسيداس في معركة أمفيبولس.

هيأ مقتل الزعيمين فرصة نادرة للسلام وجاءت المبادرة من ثرى أثيني تولى منصب القيادة من قبل يدعى نكياس.

استطاع هذا الرجل التوفيق بين أثينا وإسبرطة وعقدت معاهدة سلام بينهما في عام 421 ق.م ونصت على أن يحتفز كل من المتحاربين بالأراضي التي يحتلها وقت توقيع الإتفاقية مع بعض الإستثناءات وأن يتبادل الطرفان الأسرى، وقد وقعت أثينا واسبرطة على إثر ذلك على معاهدة دفاع مشترك مدتها خمسن عاما، لقد كانت نتيجة الجولة الأولى من الحرب لصالح أثينا بصورة عامة فلقد صمدت للوباء وللأزمات الاقتصادية التي واجهتها أثناء الحرب.

المرحلة الثانية:

ولدت معاهدة نكياس ميتة فقد تمت لصالح أثينا واسبرطة وحدهما دون حلفائهما مما أدى إلى بعض الثورات في نطاق الحلف البيلوبونيزي فثارت أرجوس وأليس ومانتيميا وسرعان ما كون حلفاء ابرطة حلفاء برعاية كورنثا أبعدوها عنه، أما الجانب الأثيني فقد تزعم نيكياس يؤيده ملاك الأراضي تيارا سلميا ولكن فئة أخرى من الأثينيين اعتبرت المعاهدة انتصارا لاسبرطة وكان يتزعم التيار الأخير نجم السياسة الأثينية الجديد الكبياديس وسرعان ما انقلبت السياسة الأثينية ضد المعاهدة بفعل فريق المعارضة هذا، ولقد تميزت اسبرطة من الغيظ لتدخل أثينا في أرجوس وقامت الحرب من جديد في عام 418 ق.م عندما أرسلت اسبرطة حملة هزمت أثينا في القتال ووقعت اسبرطة معاهدة مع أرجوس.

 وقد انتهت هذه المرحلة بتوجه جيش بري من حلفاء اسبرطة لاحتلال أثينا قاده الملك الاسبرطي بنفسه، ووجد الأثينيون أنفسهم محاصرين برا وبحرا ولكنهم ظلوا يرفضون الاستسلام حتى انتهى مالديهم من مخزون الطعام، عرض الأثينيون الصلح على اسبرطة على أن يبقوا حلفاء لها وعلى أن يحتفظوا بتحصيناتهم العسكرية خاصة الأسوار العالية التي تربط بين أثينا وبيرايوس ولكن عرضهم رفض.

وقد حاول الأثينيون مرة أخرى وجاءوا هذه المرة دون اقتراحات وحضروا مجلس حلف البيلوبونيز حيث استمعوا إلى كلمات مندوبي كورنثا وطيبة محرضين اسبرطة على أن تدمر أثينا تماما، ولكن مندوب اسبرطة ذكر لهم أنهم لا ينون تدمير قطعة عزيزة من بلاد هيلاس وأنهم لن يبيعوا سكانها في أسواق الرقيق فقد قاموا بدورهم في حماية بلاد الإغريق من الغزو الفارسي فيما سبق وأنهم سوف يقبلون انهاء الحرب ÷ذا ماقبلت أثينا هذه الشروط:

- أن تقتصر السيادة الأثينية على إقليم أتيكا  وجزيرة سلاميس فقط.

- أن تزال التحصينات الدفاعية خاصة بين العاصمة والميناء.

-  أن يسلم الأثينيون أسطولهم ماعدا اثني عشرة سفينة.

-  أن يسمح لجميع المنفيين السياسيين بالعودة إلى أثينا.

-  أن يعلن الأثينيون اعترافهم بقيادة اسبرطة لبلاد الإغريق في السلم والحرب وأن تتخذ "نفس الأصدقاء والأعداء مثل اسبرطة".

قيل الأثينيون هذه الشروط في أفريل عام 404 ق.م وانتهت الحروب البيلوبونيزية.

ومن الواضح أن هذا الصلح لم يكن نهاية أثينا ولكنه كان نهاية لإمبراطوريتها.

تحالفات الحرب البيلوبونيسية في 431 ق.م. البرتقالي: الإمبراطورية الأثينية وحلفاء، الأخضر: الكونفدرالية الإسبارطية