مظاهر حضارة بلاد الرافدين

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مدخل الى تاريخ الحضارات القديمة
Livre: مظاهر حضارة بلاد الرافدين
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 22 November 2024, 14:01

Description

ستجدون في هذه المحاضرة اهم المظاهر الحضارية في بلاد الرافدين (القوانين، الدين، طبقات المجمتع، الكتابة)

1. القوانين والتشريعات

يمكن تقسيم الشرائع المدونة في بلاد الرافدين إلى ما يلي:

1- إصلاحات أوركاجينا:

يعد أوركاجينا أقدم مشرع ومصلح اجتماعي في التاريخ، ويعتبر الحاكم الثامن من سلالة لجش الأولى وآخر حكامها، فقد حكم مدة ثمانية سنوات ( 2378 – 2370)، وقد وصفته إحدى الوثائق المسمارية بأنه حاكم صالح يخاف الآلهة وأنه أعاد حرية المواطنين الذين عانوا المظالم الكثيرة.

  وقد وصلت إلينا هذه الإصلاحات مدونة بالخط المسماري و باللغة السومرية على ثلاث مخاريط فخارية وعلى لوح فخاري بيضوي، اكتشفت في مدينة لجش من قبل البعثة الفرنسية وذلك عام 1878، وقام بدراستها الباحث الفرنسي "فرنسوا ثورو- دانجان" (Fransothwro-Dangin)، وتحتوي إصلاحات هذا الملك على ثلاثة نصوص يبدأ النص الأول بالمفاخرة بأعمال أوركاجينا، من خلال ذكر ما قام به من تشييد وتعمير لاسيما بناء معبد الإله "باو" (Bau) والإلهة "ننكرسوا"(Ningrsu)، وهما ألهتا مدينة لجش المحلية، وبعد ذلك يبدأ النص بذكر ما تعاني منه البلاد من أوضاع صعبة وفساد مسؤولين.

وقد جاء النص الثالث من إصلاحات أوركاجينا مشابهة لما جاء في النصيين الأول والثاني، غير أنه يحتوي على عقوبات أصدرها الملك أوركاجينا على أنواع من الجرائم كانت شائعة في ذلك الوقت مثل السرقة، وتكون عقوبتها الرجم بالحجارة، أما المواد المسروقة التي يعثر عليها فإنها ترفع أو تثبت على باب كبير ربما للإشهار بتلك الحاجيات التي سرقت بغية مشاهدتها من قبل صاحبها ومن ثم المطالبة بها.

 وتقع كذلك عقوبة الرجم على المرأة التي تتزوج رجلين في وقت واحد، أما المرأة التي تتطاول على الرجل بعبارة لا يجوز لها قولها فيكون عقابها هو سحق أسنانها بالطابوق المحترق.

 ويمكن القول أن إصلاحات أوركاجينا لا تعتبر من الشرائع التي ظهرت فيما بعد، وإنما تعد من الاعمال التي حاول من خلالها الملك أوركاجينا نشر العدالة بن الناس وردع الأقوياء ومنعهم من ظلم الفقراء.

   ولهذا فيمكن إطلاق صفة التنظيمات الإدارية التي كانت بمثابة الخطوة الأولى لظهور التشريعات والقوانين في مراحل

2- شريعة أورنمو:

   في عام 1952 استطاع عالم المسماريات صموئيل نوح كريمر من التعرف على لوح مسماري محفوظ في متحف الشرق القديم في اسطنبول يحتوي على أجزاء من الشريعة التي أصدرها الملك السومري "أورنمو" واللوح المذكور عثر في مدينة "نفر"، وبعد فترة من الزمن استطاع العالم نفسه وعالم مسماري آخر يدعى "كورني" أن يتعرفا على كسرتين لرقيم طيني من "أور" يحوي أجزاء أخرى من شريعة نفس الملك، وبعدها استطاع عالم المسماريات "فنكل شتاين" أن يقدم دراسة متكاملة عن شريعة أورنمو.

   وأورنمو هو الملك السومري الذي أسس سلالة أور الثالثة والتي عرفت باسمه، وبدأ عهده فيها حوالي (2050 ق.م.)، وأصبح ملكا على دولة سومر بتأسيس هذه السلالة التي عرف عصرها بعصر أور الذهبي، بسبب ما شهدته من تقدم ورخاء اقتصادي، وهو باني الزقورة الموجودة في أور.

   وتعتبر شريعة أورنمو من أقدم التشريعات المكتوبة في العالم كله،  وكتب بالخط المسماري باللغة السومرية، وقد عثر كما أشرنا سابقا على نسخة من شريعة أورنمو في مدينة "نفر""نيبور"(Nippor) على شكل لوح من الطين وفي حالة سيئة، وكان هذا اللوح الطيني المجفف بالشمس بلون أسمر فاتح والكتابة التي احتوتها تحطم أكثر من نصفها، وقسم الكاتب القديم هذا اللوح إلى ثمانية أعمدة، أربعة منها في الوجه الأول والأربعة الأخرى في الوجه الآخر، واحتوى كل واحد من هذه الأعمدة على خمسة وأربعين جزءا صغيرا، والجزء الأكبر من الكتابة التي في لم تكن واضحة، وقد تمكن الباحثون من قراءة خمس مواد من الشريعة وجزء من المقدمة في هذا اللوح، بينما تمكن الباحثون من قراءة ما يزيد عن اثنين وعشرين مادة من الشريعة في اللوح الذي عثر عليه في مدينة أور.

   ويعتبر وجود نسخ من الشريعة في أكثر من مدينة دليل على أن هذه الشريعة قد أخذ العمل بها وطبقت قوانينها في المدن التي خضعت لسيطرة وحكم أورنمو.

   ويعتقد أن مجموع مواد شريعة أورنمو كانت أكثر من ثلاثين مادة، وتحتوي الشريعة في شكلها الكامل على مقدمة ونصوص المواد والخاتمة.

وتتناول مواد الشريعة قضايا الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والخطوبة والخيانة والاغتصاب، وكذلك هروب الرقيق والاعتداء على الأشخاص وشهادة الزور وعقوبتها والاعتداء على الأراضي وبقية الأمور ذات العلاقة بالزراعة.

3- شريعة أشنونا:

تنسب شريعة أشنونا إلى الملك" بلا لاما" رابع ملوك المملكة، وقد عاش هذا الملك في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت مملكة أشنونا في ذلك العهد مستقلة وظلت كذلك حتى أواخر أيام حمورابي، حيث قضى على استقلالها في عامه الثاني والثلاثين وضمها إلى إمبراطوريته.

وقد تطرقت شريعة أشنونا في موادها إلى قضايا مهمة ومختلفة في المجتمع منها تحديد الأجور والأسعار(التسعيرة)، وهذه الفكرة لم نجدها في بقية الشرائع بأسلوب الذي وجدناه في شريعة أشنونا، واهتمت كذلك بالعقوبات حيث جمعت في مجموعة من موادها بين القصاص والدية أو التعويض، فأقرت مبدأ عقوبة القتل على القاتل ومبدأ الدية على الجروحالتي تؤدي إلى الموت،وفضلا عن ذلك فقد اهتمت شريعة أشنونا بتنظيم العلاقات الأسرية مثل شروط الزواج والعقود التي تبرم لذلك والمهر و الطلاق، وما تشمله التجارة من معاملات.

-شريعة لبت عشتار:

   تنسب هذه الشريعة للملك لبت عشتار، خامس ملوك سلالة أسين، والذي حكم في النصف الأول من القرن التاسع عشر قبل الميلاد (1943 ق.م.- 1924 ق.م.)،  وتعتبر هذه السلالة من أهم السلالات التي حكمت بعد سلالة أور الثالثة وبداية العهد البابلي القديم، والطابع الذي تغلب عليها هو الحضارة السومرية ولذلك دونت هذه الشريعة باللغة السومرية، رغم أن مقننها سامي الأصل وليس سومريا وهذا في الواقع دليل على أن السومريين لا يزالون يمثلون أغلبية سكان وادي الرافدين زمن تدوين هذه الشريعة.

 وقد تم الكشف على هذا التشريع وهو مدون على كسر من الألواح الطينية، يبلغ عددها سبع، تحتوي على جزء من المقدمة والخاتمة، أما المواد التي تضمنتها هذه الألواح فهي سبعة وثلاثون مادة وهو كل ما تم التعرف عليه، وقد عثر عليها من طرف بعثة جامعة بنسلفانيا في مدينة "نفر" في السنوات الأولى من بداية القرن العشرين، ونشرت نصوصها لأول مرة سنة 1947.

5- شريعة حمورابي:

   اكتشفت مسلة شريعة حمورابي في مدينة سوسة عاصمة بلاد عيلام ( قلعة الشوش حاليا في جنوب غرب إيران)، بين سنتي 1901 – 1902 على يد البعثة الأثرية الفرنسية برئاسة عالم الآثار جاك دي مورغانj- de morgan ، وكان أول مننشر بحثا عن المسلة العالم الفرنسي الأب شايل v. scheil في عام 1902،ونقلت هذه المسلة من مدينة سيبار إلى سوسة من طرف الملك العيلامي " شتروك ناخونته" الذي غزا بابل حوالي 1171 ق.م.

إن مسلة حمورابي عبارة عن قطعة واحدة من حجر الديورايت الأسود بشكل شبه أسطواني، يبلغ طول المسلة 2025سم ومعدل قطرها في الوسط 60 سم، يحتل الثلث العلوي من وجه المسلة المشهد الفني المشهور الذي يصور الملك حمورابي واقفا أما الإله شمش، وقد تم نقشه وهو جالس على كرسي عرشه ويقوم بترديد القوانين على الملك حمورابي الواقف أمامه، وقفة المتعبد الخاشع رافعا يده بالصلاة وهي صلاة رفع اليد التي يطلق عليها في البابلية "نيش قاتي"(Nichq qati)، ويظهر الملك حمورابي في النقش يرتدي قلنسوة على رأسه.

 وقد رتبت مواد شريعة حمورابي في أربعة وأربعين حقلا، وكتبت باللغة البابلية وبالخط المسماري، وبلغ عددها 282 مادة، ومن المرجع أنها كانت تزيد عن 300 مادة، وبالرغم ما أصاب المسلة من تدمير فقد تم التعرف على ما تم محوه من مواد

خصائص ومميزات شريعة حمورابي:

   تعتبر شريعة حمورابي من أكمل وأنضج الشرائع الوضعية المدونة والمكتشفة لحد الآن، وقد اتسمت ببعض الخصائص والمميزات التي تميزها عن غيرها من الشرائع والقوانين الشرقية والغربية التي تزامن ظهورها معها وهي:

- تتميز شريعة حمورابي بأنها كتبت بأسلوب علمي راقي مشابه لأسلوب القوانين والشرائع الحديثة، وأنها لم تكتب بأسلوب شعري، كما تتميز موادها بوضوح عباراتها وصيغتها القانونية.

- تجاوزت الشريعة كل ما هو بدائي من الأحكام التي تخص الحالات الجنائية، من خلال وضع كل تلك القضايا ضمن اختصاصات الدولة والسلطة، وعدم فسح المجال

أمام الأشخاص الذين يرغبون في أخذ حقوقهم عن طريق الثأر والانتقام.

 -  مصدر الأحكام التي تضمنتها مواد شريعة حمورابي متعددة، فقسم منها أخذ من أعراف وقواعد قديمة متعارف عليها، وقسم آخر أخذ من ما كان يصدر من أحكام قضائية، وشملت أيضا على أشياء جديدة شرعها حمورابي نفسه بحيث أنها تتلاءم مع العصر الذي ظهر فيه ومع التطور الحاصل في العصور اللاحقة. 

- من الخصائص البارزة في شريعة حمورابي عدم تطرقها إلى العبادات و خلوها من الأحكام الدينية، فقد كانت أحكامها علمانية وتركت أمور العبادات وشؤونها للالتزامات الدينية التي كانت متبعة في ذلك الوقت.

- جاءت شريعة حمورابي في موادها ملمة بكل ما هو راقي ومتحضر، خاصة تلك المواد التي تتعلق بالتبني والأرامل، وجميعها مواد إنسانية تعي مشاكل المجتمع المهمة، كما شملت مواد شديدة الحزم وذات تأثير رادع لكل من يحاول ارتكاب جريمة أو خطأ يضر بمصلحة العامة.

- اعتمدت شريعة حمورابي على مبدأ العين بالعين والسن بالسن، واعتمدت في تطبيق أحكامها على ما هو موجود في المجتمع من طبقات، فالكل يحاسب ولكن عقوبته تكون حسب ما يتمتع به من مكانة اجتماعية.

- جاءت شريعة حمورابي بشكل عام بأحكام ومواد من أجل تحقيق العدالة بين الناس، ففيها أحكام صارمة لحماية الضعيف  من ظلم القوي، وجاءت بأحكام تحدد فيها أجور الأعمال وأسعار بعض الحاجيات الضرورية مثل القمح والزيت والصوف، وحدد أجرا رسميا للعامل أكثر مما كان يتقاضاه من قبل.

- أولت شريعة حمورابي أهمية كبيرة للأسرة وتماسكها، حيث منحت من خلال أحكامها مكانة كبيرة للمرأة، حيث حفظت لها حقها في حالة الطلاق ونظمت عملية الزواج ، وحددت له شروطه ونظمت أحكام الميراث.

- أقرت شريعة حمورابي ببعض حقوق طبقة العبيد مثل الزواج والتجارة والعمل والميراث

2. المظهر الديني (الالهة)

لم تكن جميع الآلهة بنفس القوة والنفوذ والفعالية، وإنما كان لكل إله مرتبة ومكانة،فمكانة إله السماء تختلف عن مكانة إله الأرض، كما كانت لديهم آلهة كبرى رئيسية مثل:  آنو وأنليل وأنكي وآلهة صغرى ثانوية.

وخصائص آلهتهم من نوع مماثل لخصائص الإنسان، فقد نسبوا إليها جميع صفات البشر الروحية والمادية، كالصورة والأعضاء والفكر والرأي والعواطف كما عند الإنسان، فالآلهة حسب عقيدتهم كانت تأكل وتشرب وتتزاوج وتنجب أولادا وما إلى ذلك ولكن مع فروق خاصة تميزها عنهم، ومن ذلك طبيعة وشكل لباس الرأس المتميز بشارات خاصة تشبه الأهلة وقرون الثور، وكلاهما يحمل صفات رمز القمر وقوة الثور كما أنها تنفرد بصفة الخلود والبقاء الأبدي ، بينما جعلت الموت من نصيب الإنسان، لذلك نلمس من الناحية الأثرية عدم إعطاء الفرد العراقي القديم الأهمية الأولى للمنازل الأبدية ( أي المقابر).

 ومثلما ينتظم المجتمع الإنساني بهيئة دولة المدينة يحكمها أمير، فقد تصور العراقيون القدماء أن الآلهة هي الأخرى قد اقتسمت المناصب والمسؤوليات فيما بينها، وأصبح كل واحد منهم مسؤول عن جزء أو ظاهرة معينة في هذا الكون، فعلى سبيل المثال بينما كان الإله "أن" إله السماء كانت ابنته "أنانا" تمثل إلهة الخصوبة بينما زوجها "دموزي" له مجال في شؤون الزراعة  والرعي والإنتاج.

أما صور معبوداتهم فقد مثلت على هيئة آدمية، إنما تختلف قليل ان البشر العاديين، فقد بولغ في سعة العيون وكبر الآذان، وكانت العلامة المميزة لها هي غطاء الرأس على شكل مخروط أو قبعة فوقها قرون ثور.

 كما رمزوا اليهم بهيئات الحيوانات فإله مدينة أور كان يصور على شكل ثور ضخم، أو بهيئات الحيوانات في صور مركبة، ومن ذلك القبيل أن رموزا إلى إله معبودهم "نينجرسو" بهيئة نسر مهيب بجناحين كبيرين و رأس أسد أو لبؤة، وكانوا اذا صوروه على هيئة بشرية جعلوا وجه الأسد شعار لردائه أو لمقعد عرشه أو لموطئ قدميه، كما توصلوا إلى تمثيل معبوداتهم عن طريق الرموز فقط، بمعنى خصوا كل معبود برموز وشارات خاصة تميزه عن غيره، حتى أصبحت هذه العلامات وحدها كافية للدلالة على المعبود المقصود، فمثل كانت لإله القمر نانا صورة الهلال، ولإله الشمس أوتو بالسومرية وشمش بالبابلية عجلة مشعة,

كما قدس السومريين مظاهر الطبيعة وعناصرها، فعبدوا القوى الكامنة ورائها كحرارة الشمس وقوة المياه، ثم جعلوا الآلهة على صورة البشر يتصفون بالقوة بالضعف لهم الحسنات ولهم السيئات فظهرت فكرة تعدد الآلهة بتعدد المدن، لكل مدينة إلهها لا تكتفي بعبادته بل تسعى لفرضه على المدن الأخرى، ونادرا ما كانت مدينة تعبد إله مدينة أخرى تلقائيا، وإن عبد لا تبرزه أولا، ويبدو هذا جليا عند البابليين الذين احتفظوا بالآلهة السومرية والأكادية، لكنهم جعلوا مردوخ إله بابل في مقدمتها جميعا والسبب يعود لقوة حمورابي فنفوذ الإله مرتبط بنفوذ الملك والملك مفروض بقوة الإله.

ولما كانت الغلبة للآشوريين برز في مقدمة الآلهة الإله آشور وكانت الإلهة عشتارت ملازمة له، ولكن شهرة مردوخ من جهة والكره المكبوت للآشوريين جعل مردوخ يبقى معبودا ولو سرا وبعد سقوط أشور وطلوع نجم الكلدانيين برز الإله "نبو" إبن مردوخ.

إضافة إلى الآلهة كرم سكان العراق القديم أنصاف الآلهة والعمالقة مثل جلجماش، كما أن الأشوريين اعتقدوا بوجود الروح "الروخا" وقسموها إلى روح الخير وروح الشر.

كدلك الاعتقاد بسلطان السحر والشياطين قديم في بلاد الرافدين، حيث اعتقدوا بوجود صلة بين الآلهة والشياطين، فقد يدفع الإله شيطانا إلى المضرة بالناس لذا اعتنى البابليون بالتنجيم والعرافة واستخدموا الطلاسم.

3. طبقات المجمتع الرافدي

 1-طبقة الأحرار:

 الطبقة العليا هي التي تضم أحرار المجتمع من الذين يمتلكون الحرية الكاملة، ويتمتعون بكل حقوق القانون العام المقرر للمواطنين وتثبت لهم الشخصية القانونية منذ ولادتهم وحتى مماتهم، كما أفرادها يتقدمون عامة الشعب ويحتلون مراكز اجتماعية مرموقة قد تكون سياسية أو إدارية أو اقتصادية.

   ويأتي الملك وأسرته في مقدمة تكون هذه الطبقة ويحتل مركزا مقدما لدى العراقيين القدماء باعتباره ممثل الآلهة على الأرض ونائبها.

   وتتكون أيضا هذه الطبقة من الكهنة و أصحاب الإقطاعيات الكبيرة وقادة الجيش وضباطه وكبار موظفي الدولة من حكام وقضاة وكتبة ومفتشين ومراقبين وغيرهم من الموظفين، كما ضمت هذه الطبقة كبار التجار والصناع وأصحاب رؤوس الأموال.   

2-الطبقة الوسطى(مشكينوم):

    تحتل هذه الطبقة مركزا أوسطا بين الطبقة العليا من جهة وطبقة الأرقاء من جهة أخرى، وكان أفرادها أحرارا يتمتعون بالحرية ولكنها مقيدة ولا يجوز بيعهم من قبل الغير.

   وبسبب وضعهم الاجتماعي والاقتصادي الخاص فرضت عليهم قيود قانونية معينة، هذه القيود جعلت الباحثين يختلفون في تسمية أفراد هذه الطبقة فقد ذهب صبيح مسكوني إلى اعتبار اللفظ البابلي "مشكينوم" أساس التسمية وقاربه إلى اللفظ العرب "مسكين"، بينما نعتهم طه باقر بـ"المقيدة حريتهم"،وأطلق عليهم آخرون "الشخص الذي ينفى" أو " المرؤوس، الوضيع"، كما أطلق البعض عليهم بـ" طبقة العامة" أي عامة الشعب من الأحرار. 

   ومن الباحثين من قال أنصاف أحرار ومنهم من قال أنهم عبيد الأرض،  ذكر آخر على أنهم موالي أو فقراء، مما كانت الآراء في ذلك فإنهم في الراجح يشكلون طبقة وسط بين طبقة العلياوالأرقاء، على أساس أن الفرد من هذه الطبقة كان عمليا نصف حر ونصف عبيد وبذلك يحتل مركزا أوسطا بين طبقة الأحرار وطبقة العبيد، فهم بذلك يتألفون من المواطنين الأحرار غير كاملي الحقوق إذ كانت امتيازاتهم الاقتصادية والقانونية أقل بكثير من امتيازات طبقة الأحرار كاملي الحقوق.

   وقد كانت مصالح هذه الطبقة تقع ضمن اهتمامات الملك وتحت حمايته من خلال ما سنه من قوانين ونظم، وفي بعض الأحيان يعبر عن تلك المصالح بأنها مصالح القصر نفسه، فقد كانت لأبناء هذه الطبقة الحق في امتلاك البيوت والحيوانات، والأموال ولهم الحق في التصرف بها بكل حرية،  وملك بعضهم الرقيق ولكن بعدد قليل، ولذلك فإن العمل الاقتصادي وحده لا يمكن اعتباره السبب الرئيسي أو الوحيد المؤثر في نشأة هذه الطبقة، إذ كان للتطور الاجتماعي والسياسي دور في حصول التمايز الطبقي في المجتمع، وإعطاء هذه الطبقة معالم خاصة بها، فبالرغم من تمتع أبناء هذه الطبقة بالحرية إلا أنهم خضعوا بشكل كبير جدا إلى أفراد الطبقة العليا لحد قيامهم بأعمال السخرة التي يتكفلون بها، وفي كثير من الأحيان كانوا يجبرون على المساهمة في القيام بأعمال الري والبناء، وينفذون أوامر الدولة فيما يخص التجنيد للخدمة العسكرية كواجب عليهم.

3-طبقة العبيد:

العبيد هم الطبقة الدنيا والأخيرة من طبقات المجتمع في بلاد الرافدين، وهم الأقل حظا من الناحية  الاجتماعية والاقتصادية، وقد ازدادت أعدادهم نتيجة تطور المجتمعات وازدياد الحروب والظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، الأمر الذي جعل القوانين السومرية والبابلية تخصص لهم مواد قانونية تعالج فيها مختلف القضايا المتعلقة بهم.

 ويتم الحصول على العبيد من عدة مصادر منها الأسر من خلال الحروب، أو استرادهم من البلدان المجاورة أو من خلال تحول أشخاص أحرار إلى عبيد بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية قاسية وعجزهم عن دفع الدين إلى الدائن، أو لأسباب قانونية.

ورغم الامتيازات والحقوق التي تحصل عليها أفراد طبقة العبيد في شريعة حمورابي، إل أنهم كانوا في مركز السلعة لا البشر،فالرقيق كأي سلعة تخضع للمعاملات اليومية المختلفة كالبيع والرهن وغيرها، كل ذلك من دون الالتفات إلى رأي الرقيق نفسه لأنه يعد قانونيا معدوم الإرادة.

صورة تجسد الازياء والملابس التي كان يرتديها ابناء الطبقة العليا

4. المظهر الثقافي (الكتابة)

من أهم مظاهر حضارة بلاد الرافدين اختراع الكتابة التي كانت بمثابة علامة بداية العصر التاريخي، ولم تكن هذه الكتابة متشابهة تماما في كل المدن وفي مختلف العصور بحيث احتفظت كل مدرسة بنمط معين من صور العلامات، فمثلا خطوط مدارس "أوما" تختلف عن غيرها من المدن المجاورة اختلافا واضحا.

لقد ظهرت الكتابة عند السومريين حوالي منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، وفي ذلك الوقت كانوا يستعملون حوالي 2000 حرف تصويري إلا أن هذا العدد أخذ يقل تدريجيا نتيجة لتزايد نرابط الحروف بالأصوات حتة وصل إلى ما بين 600 و500 حرفا أو علامة خلال الألف الثانية قبل الميلاد، بعضها صور تعبر عما ترمز إليه والعض الآخر علامات صوتية للتدليل عما مثله كحروف نطق فمثلا لفظ "تي" استخدمت لتدل على سهم وفي الوقت نفسه على الحياة وللتمييز بين المعنيين كانت تضاف إلى علامة سهم رسم يرمز لقطعة خشبية لكي تدل على المقصود هو السهم المصنوع من الخشب وليس الحياة، لقد استطاع الكتبة الأقدمون أن يدونوا بهذه الكتابة التصويرية الأشياء المادية، أما المعاني المجردة فكان يصعب عليهم التعبير بالطريقة التصويرية المحضة، فاهتدوا بمرور الزمن إلى ابتكار الطريقة الرمزية أي طريقة التعبير عن الأفكار والمعاني المجردة بالصور بأن يرسموا الصورة المادية بهيئة مختصرة، ولا يردون بها صورة الشيء المادي، وإنما المعاني والأفكار المشتقة منه أو المتعلقة به، فمثلا أصبحت صورة القدم بحسب الطريقة الرمزية لا تستخدم لتدوين القدم أو الرجل بل للتعبير عن المعاني المتعلقة بعضو القدم مثل: القيام والمشي والوقوف والدخول والخروج، وصارت صورة الشمس لا تعني كوكب الشمس وإنما المعاني المشتقة منها كالحرارة والضوء، وبجمع الطريقة التصويرية المحضة والطريقة الرمزية صار بالإمكان التعبير بها عن المعاني المضبوطة لاحتمال التفسيرات وراءتها وتأويلها بحسب القراءة، فمثلا رسم العين لا يعني فقط جهاز البصر وإنما يعني أيضا مفاهيم اشتقاقية أخرى مثل وجه وأمام وسابق.

وقد أدى تعدد المعاني للرمز الكتابي الواحد إلى صعوبات كبيرة، فدعت الحاجة إلى تطوير الكتابة وتبسيطها وذلك استخدام أصوات الأشياء المادية المكتوبة بالصور وأصواتها لا لتدل على الأشياء المادية المكتوبة بالصور لكتابة الكلمات المختلفة وهذه هي الطريقة الصوتية فقد استخدم العراقيون الصور وأصواتها لا لتدل على الأشياء المادية التي تمثلها تلك الصور كما في المرحلة التصويرية، ولا على الآراء والأفكار المشتقة منها كما في الحالة الرمزية بل لاستخدامها في كتابة الكلمات والجمل على هيئة أصوات فإذا أرادوا مثلا أن يكتبوا اسم شخص مثل "كوراكا" فإنهم يرسمون صورة مختصرة للجبل ولفظه بالسومرية "كور" ثم يرسمون بجنبها صورة مختصرة من خطين تمثل موجات الماء للتعبير عن صورة "أ" وهو الماء باللغة المسمارية، ثم صورة مختصرة للفم ولفظه بالسومرية "كا" فيحصلون بذلك على كلمة " كور-ا- كا".

فقد كانت الكتابة على ألواح من الطين بقلم من الخشب أو القصب ثم تطورت بعد ذلك إلى الكتابة على الأحجار والمعادن بالنقش أو النحت، ولما كان القلم مثلثا أصبحت العلامات تنتهي بما يشبه المسمار لذلك يطلق عليها الكتابة المسمارية، ولم تتطور الكتابة المسمارية قط فتصبح أحرفا هجائية، بل ظلت إلى النهاية مألفه من مقاطع واستمرت بعض علاماتها صور رمزية تدل على الشيء الذي تمثله في الأصل.

وعلى ذلك فبالإمكان القول بأن الخط المسماري بدأ تصويريا ورمزيا يغبر عن فكرة ثم تطور بمرور الوقت إلى الكتابة التصويرية .

وبفضل الكتابة المسمارية ظهرت الإنجازات الأدبية السومرية، نذكر منها  الأساطير التي تعود أصولها إلى عصر بداية الأسرات، ولعل أشهر تلك الأساطير "أسطورة الطوفان" والتي تعتبر من أهم الأساطير العالمية، وقد عثر على اللوحة تصف أحداث الفيضان في مدينة "نيبور" وتوضح هذه الأسطورة كدى تأثير الفيضانات في نهري الدجلة والفرات على مشاعر الإنسان العراقي القديم، وقد ورد في النص شخصية ملك حكيم يسمى "زيوسدرا" وقد اصطفاه الإله "أنكي" إله الأرض لينتقده هو وقومه من خطر الفيضان، ومن الأساطير الهامة كذلك "أسطورة الملك ايتانا" الذي لم يكن له أولاد وعلم بوجود نبات في السماء خاص بالولادة وكان عليه أن يصعد إلى السماء بنفسه ليحضر ذلك النبات فتضرع للإله "شمش" ليساعده فدله الإله على مكان نسر جريح في حفرة وأرشده أن يعمل على انقاذ ذلك النسر ليجلب له النبات بعد يحمله إلى السماء وتمضي الأسطورة لتصف كيفية الصعود إلى السماء وكيف أصاب الدوار "ايتانا" مما أدى إلى سقوطه هو والنسر.

ومن الأساطير المشهورة في بلاد الرافدين " أسطورة جلجامش" وأسطورة دلمون" أو كما تسمى أحيانا "أسطورة الفردوس".

لوح طيني مكتوب بالكتابة المسمارية