المحاضرة الثالثة: التطور التاريخي لمفهوم الاتصال العمومي

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: حملات الإتصال العمومي
Livre: المحاضرة الثالثة: التطور التاريخي لمفهوم الاتصال العمومي
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 23 July 2024, 00:17

1. تمهيد

ترجع نشأة حقل الاتصال العمومي إلى العقدين الأخيرين للقرن العشرين، وهي السنوات التي تبلور فيها هذا الحقل كتخصص مستقل في بحوث الإعلام والاتصال والسياسات العامة. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن هذه النشأة كانت منفصلة عن سيرورتها التاريخية التي ساهمت من خلال الكثير من العوامل في بزوغ الأفكار المبكرة للاتصال العمومي، حيث يمكن الحديث عن عوامل سياسية واجتماعية وفرت البيئة الفكرية اللازمة لكي تظهر فكرة الاتصال العمومي كحقل للبحث والممارسة يختلف عن التراث المعروف في مجال بحوث الاتصال.     

2. جهود مدرسة لافال الكندية:

ظھر الاتصال العمومي كحقل متمیز للبحث ضمن بحوث الاتصال رسمیا نھایة

الثمانینیات وبدایة التسعینیات من خلال الكتاب الذي أصدره مجموعة من الباحثین من

جامعة لافال الكندیة تحت إشراف میشال بوشون عام 1991 ، والذي یحمل عنوان

"الاتصال العمومي والمجتمع"، ویعدّ ھذا الكتاب بمثابة حجر الأساس الذي بني علیھ

كامل ھذا الحقل البحثي، ثم تلاه عام 1995 كتاب تأسیسي آخر على ید الباحث الفرنسي

بییر زیمور الذي یحمل عنوان "الاتصال العمومي". ویعتبر بییر زیمور أحد أھم الباحثین

الذین طوروا دراسات الاتصال العمومي وفتحوھا على آفاق بحثیة واسعة جعلت من ھذا

الحقل شدید التمیز والمردودیة، سواء على المستوى النظري أو على مستوى الممارسة.

قبل ذلك كان مصطلح حملة الاتصال العمومي قد برز لأول مرة في سنوات الخمسینیات

والستینیات من قبل الباحث الأمریكي ولبور شرام، وأطلق شرام اسم "حملات الاتصال

العمومي" لتسمیة الحملات التي تم إطلاقھا بالولایات المتحدة الأمریكیة بالموازاة مع

الحرب الباردة لإقناع الناس بسلوكات معینة (أشھرھا حملة تشجیع ربات البیوت على

استھلاك أحشاء الحیوانات)، ولكن ھذه الحملات كانت دعائیة أكثر منھا عمومیة تستھدف

المصلحة العامة.

3. نشأة الدولة الأمة:

لقد ظھر مفھوم الاتصال العمومي كمفھوم بحثي بھذا الشكل، ولكن فكرة الاتصال

العمومي ظھرت قبل ھذه التواریخ، إذ یرجع الباحثون فكر الاتصال العمومي إلى القرن

السابع عشر، وبالتحدید إلى الفترة التي تأسست فیھا الدولة -الأمة بشكلھا المعاصر، وذلك

عقب إمضاء معاھدة ویستفالیا عام 1648 ، حیث تمخض عن ھذه المعاھدة تأسیس الدول

ذات الحدود والمؤسسات بالشكل الذي نعرفھ حالیا، وبالتالي ظھور المواطنة الحدیثة التي

تقوم على الحقوق والواجبات، لا على الانتماء العرقي أو الدیني.

4. الدستور الأمريكي:

ومن بین أھم المحطات التاریخیة في تطور فكر الاتصال العمومي ظھور الدساتیر، ولعل

أھم تجربة في ھذا الصدد ھي تجربة الدستور الأمریكي الذي ظھر عام 1787 ناصا في

إحدى أھم مواده على ضرورة الفصل بین السلطات الثلاث، حیث جاءت الدساتیر

كقوانین أسمى لتضفي الطابع القانوني الصارم على علاقة الدولة بمواطنیھا، وكإطار

یحدد الحقوق والواجبات الناجمة عن الانتماء للدولة، ویحمي ما سیسمى لاحقا

ب"المصحلة العامة".

5. نشاة الفضاء العمومي المعاصر:

في مرحلة متأخرة، كانت قد ظھرت وسائل الإعلام، وكان لظھورھا أثر كبیر في تبلور

فكرة الاتصال العمومي، حیث ساھمت مختلف وسائل الإعلام في بروز ما أضحى یسمى

ب"الفضاء العمومي"، أي المجال الذي تناقش فیھ القضایا والشؤون العامة، وبھذا فقد

تھیأت كل الظروف لكي یتأسس الاتصال العمومي كحقل بحثي متمیز یختلف في طبیعة

اھتماماتھ وأھدافھ ووظائفھ عن بقیة أشكال الاتصال الأخرى، سواء تلك التي سبقت

ظھوره أو تلك التي لحقتھ.