الأنثروبولوجيا والإعلام

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: انثروبولوجيا اجتماعية وثقافية
كتاب: الأنثروبولوجيا والإعلام
طبع بواسطة: Guest user
التاريخ: Sunday، 25 August 2024، 2:45 PM

1. مقدمة

    تعتبر أنثروبولوجيا الإعلام Media Anthropology فرعا من فروع علم الاجتماع الإعلامي، ويعد الإعلام المرتبط بعلم الإنسان، أو بما يسمى أيضاً علم الإنسان الإعلامي،  مجالًا للدراسة داخل علم الإنسان الاجتماعي أو الثقافي، والذي شدد في بدايات اهتمامه على وصف الدراسات العرقية كوسيلة لفهم المنتجين والجمهور، والجوانب الثقافية والاجتماعية الأخرى لوسائل الإعلام، وميز استخدام الأساليب النوعية، وخاصة العرقية منها، ففي الدراسات المختصة بعلم الإنسان، اهتمت في البدايات بوسائل الإعلام التي تشكل مجالاً فرعياً متميزاً من الأساليب العرقية، ثم انتقل اهتمامها إلى الدراسات الإعلامية والثقافية في شتى المجالات.

2. البعد الأنثروبولوجي للإعلام

    فالإعلام المرتبط بعلم الإنسان هو مجال متعدد التخصصات إلى حد ما،  مع مجموعة واسعة من التأثيرات المتنوعة والمتعددة،  و تتراوح النظريات المستخدمة في الإعلام المرتبط بعلم الإنسان، من مناهج الممارسة التي ترتبط بالمنظرين أمثال: بيير بورديوPierre Bourdieu، ونظريات كمعالجة المعلومات والإثراء الإعلامي، وكذلك مناقشات حول تخصيص وتكييف التقنيات والممارسات الجديدة،  كما تم تبني مناهج نظرية من علم الإنسان المرئي ومن نظرية الأفلام،  وكذلك من دراسات الطقوس، ودراسات الأداء (مثل الرقص والمسرح)،  ودراسات الاستهلاك، والإشباع والاستخدامات واستقبال الجمهور في الدراسات الإعلامية، ونظريات الشبكات والإعلام الجديدة، ونظرية سوق الولاءات، ونظريات العولمة، ونظريات المجتمع المدني الدولي، ومناقشات حول الاتصالات الاشتراكية  والجهد الحكومي في دراسات التنمية، وتتناول أنثروبولوجيا الإعلام أيضا  دراسة  ثقافات الاتصال من خلال الوسائط الإلكترونية والراديو والتلفزة والأفلام والموسيقى المسجلة والانترنيت والوسائط المطبوعة، ولغة الإعلام، والثقافة  الإعلامية الموهمة والجاذبة للمتلقي، وإقناعه بشتى الطرق بتوظيف علم السيميوطيقا والسيميائيات  sémiotique لتحويله إلى مجرد مستهلك للبضاعة الإعلامية رغم أنفه “اللاوعي الصوري”،  فالأنثروبولوجيا واهتماماتها بوسائل الإعلام  ظهرت مع مدرسة كولومبيا بمقاربتها لوسائل الإعلام التقليدية التي سادت فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ولازالت إلى يومنا هذا، وإن تضاءل تسليط الأضواء عليها كالراديو والسنيما…، لأنه في أواخر القرن العشرين شهدت ثورة عارمة في مجال وسائل الاتصال الجماهيري باكتساح وسائل تقنية ذكية للساحة الإعلامية كمواقع التواصل الاجتماعي المعاصرة، وشبكات الانترنيت والويب والهواتف الذكية، فلم تعد الأنثروبولوجيا تدرس تأثير وسائل الإعلام التقليدية على الجماهير فقط، بل انتقلنا إلى الوسائل الحديثة، وكيفية تشكيلها للعقول وصناعة رأي العامة لما يخدم أجندات النخبة الحاكمة، ودراسة عادات وطرق التعامل الجماهيري مع هذه الوسائل الذكية “ثورة الإنفوميديا”.

    ويهدف هذا إلى تسليط الأضواء على مدى تأثيرات الإعلام على الجمهور، وتضليله بتزييف الحقائق وتشويهها وقلبها، لتعطي صورة مناقضة للواقع الحقيقي  وللدور الاصلي المعد له، وهذا الإيهام يتم بآليات ذكية، وغير مرئية يستسيغها المتلقي بوعي منه أو بدونه، وذلك  ما سأتناوله من خلال مختلف نظريات الإعلام وعلاقة الإعلام بالثقافة، ودور الدراسات الإثنوغرافية من منظور أنثروبولوجيا الإعلام، من حيث وصف مظاهر التلقي لدى المتلقي، وثقافته في التعامل مع وسائل الإعلام سواء التقليدية أو العصرية، فهو عمل يقوم به الإثنوغرافي  حيث يصف، ولا يُقوم المتلقي وعاداته والقيم التي تحكمه، بينما العمل التأويلي والتحليلي يقوم به الأنثروبولوجي، وفي التعامل مع وسائل الإعلام، وتفكيك بنياتها، يلتقي عملهما معا، فالفصل بين أدوارها مجرد إجراء ميتودولوجي، Methodology   متبعا في هذه الدراسة منهج الاستقصاء والاستنباط، وتكمن أهميتها في معالجة هذا النوع من الأنثروبولوجيا، الذي أصبح متجذرا في كل ركن من أركان الحياة الإنسانية اليومية، والقيام بطرق جنيالوجية –تفكيكية –تأويلية لأدوارها، وانعكاساتها على الإنسان بتزييف الأحداث والتاريخ والمعرفة، وأدلجة القضايا وتحريفها عن مسارها، وهذا فيه انعكاس سلبي للإعلام على ثقافة وهوية الإنسان، مع ضرورة التطرق للنظريات التي طرحت الموضوع وآليات تناولها للقضية الإعلامية ووسائلها.

    كل هاته القضايا التي تطرحها أنثروبولوجيا الإعلام بين الامس واليوم، ودرجة  تأثيرها على  هوية الإنسان، تحتم طرح التساؤلات  التالية:  ما المسار التاريخي الذي مرت منه أنثروبولوجيا الإعلام؟ وما طبيعة علاقة الثقافة بالإعلام؟ هل الإنسان قادر على استيعاب ووعي وكشف ألاعيب وسائل الإعلام؟ وكيف تتلاعب بالعقول وتوهمها بالسعادة والرفاه ظاهريا، وفي العمق تدمر هوية وكينونة الإنسان؟ وما الدور الحقيقي الذي ينبغي أن تلعبه أنثروبولوجيا وسائل الإعلام، لخدمة الإنسان وعدم إيهامه وخداعه؟ ماذا يفعل علماء الأنثروبولوجيا لفهم ممارسات وسائل الإعلام بشكل أمثل؟  هل الأنثروبولوجيا المتجذرة في الأبعاد الصغيرة والحياة اليومية، قادرة على وصف وسائل الإعلام؟ وهل نشأت أنثروبولوجيا الإعلام كباقي العلوم الحديثة أم لها خصوصيتها واستقلاليتها؟ وهل استطاعت نظريات الإعلام دراسة الظاهرة الإعلامية بشكل علمي وموضوعي؟  وما العمل لإعادة الدور الفعال والأصيل للإعلام ليقوم بأدواره الثقافية لبناء الذات والهوية الإنسانية؟

3. الأنثروبولوجيا ووسائل الإعلام

   الأنثروبولوجيا واحدة من أحدث العلوم الاجتماعية التي دخلت على نطاق واسع وبدأت في أبحاث الاتصالات وببحوث منهجية لوسائل الإعلام خلال الثمانينيات والتسعينيات، فما هي الأخبار التي تأتي بها الأنثروبولوجيا؟ أولاً، تم العثور على معظم تأثيرات الأنثروبولوجيا على الوسائط الموجودة في أمريكا وفي أماكن أخرى مثل الصين والهند والبرازيل أو بين شعوب المايا، والسؤال الأول الذي يمكن أن يسأله شخص ما إذا كانت هذه أخبار جيدة أو سيئة، إذ تأتي الأخبار السارة من حقيقة أن البحوث الأنثروبولوجية تدعم وسائل الإعلام وتقليد الآثار.

    على سبيل المثال، الكل يعلم أن العائلات في جميع أنحاء العالم تقضي وقتًا طويلاً في مشاهدة التلفزيون، أو أن التلفزيون هو وسيلة لتكوين الهوية الوطنية، سواء المملوكة للدولة كالصين والهند، والتجارية كبورتوريكو، أو النظم الأصلية كأستراليا، والنبأ السيء هو أن الأنثروبولوجيا لم تفعل ذلك لحل مشاكل التأثيرات، إلا أنها أعطت المزيد من الشرارة الأولى للانطلاق، والآن، ما يجب على العلوم الاجتماعية أن تشرحه والأنثروبولوجيا بشكل خاص هو سبب انتشار مشاهدة التلفزيون.

إذ تؤكد معظم الأبحاث الأنثروبولوجية أن المعتقدات القديمة في أبحاث الاتصال تدحض بعض المعرفة وتضيف بعض المعرفة الجديدة، ومع ذلك، قبل الدخول في المعرفة الأنثروبولوجية، هناك حاجة أولاً إلى مناقشة نقاط الاتصال بين كلا التخصصين، ففي العلوم الاجتماعية، ناقش عدد قليل من العلماء العلاقة بين كتلة التواصل والأنثروبولوجيا، فعلى حد علم الباحثين، يتعامل مؤلفين مع هذا السؤال هم ديكي سبيتولنيك وإيزلين بيك، وهؤلاء العلماء متفائلون بشأن العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاتصال الجماهيري.

    فعلى حد تعبير ديكي سبيتولنيك، يدخل علماء الأنثروبولوجيا الدراسات الإعلامية في وقت يأتي فيه هذا المجال  للإجابة عن الأسئلة التي يمكنهم عليها، ويجادل إيزلين بيك أنه في الأنثروبولوجيا لا تتطلب دراسة الوسائط أيًا من المفاهيم أو الأساليب النظرية الجديدة، ويعتقد أنه على الرغم من أن الأنثروبولوجيا ليست منطقة مؤسسية لوسائل الإعلام الجماهيرية، فهي تنمو ويمكن أن تكون مساهمة.