مفهوم قانون الإجراءات القضائية الإدارية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: محاضرات حول قانون الإجراءات القضائية الإدارية
Livre: مفهوم قانون الإجراءات القضائية الإدارية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 3 May 2024, 18:58

1. تعريف قانون الإجراءات (الإدارية)

       لم يتصد المشرع الجزائري لتعريف قانون الإجراءات بصفة عامة نظرا لطبيعة تدخل وعمل وظيفة التشريع، فالتعريفات لا تدخل في صميم عمله، لذلك لا يرد ذكرها إلا ناذرا، لذلك فمهمة وضع تعريف إجرائي لمتغير معين عادة ما تناط بالفقه، لذلك سنتناول هنا بعض التعريفات التي وضعها الفقه المقارن لقانون الإجراءات المدنية بشكل عام ومنه نصل أيضا إلى تعريف قانون الإجراءات الإدارية مادام أن المشرع الجزائري قد أدرج قانونا للإجراءات الإدارية متصلا بقانون الإجراءات المدنية (قانون 08-09 مؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية).

   من التعاريف التي يمكن أن نذكرها في هذا المجال أن قانون الإجراءات المدنية هو «مجموعة القواعد القانونية التي تنظم السلطة القضائية وتبين اختصاص المحاكم والإجراءات الواجب اتباعها للوصول إلى حماية حق مقرر...»[1]، وعرفه جانب فقهي آخر على أنه «مجموعة القواعد المتعلقة بتنظيم القضاء وسيره»[2]، وعرفه البعض الآخر على أنه «مجموعة القواعد التي تنظم المحاكم وسير المحاكمة أمامها منذ رفع الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وتنفيذه، مرورا بإجراءات المدافعة والتدخل عند الإقتضاء وبإجراءات الإثبات التي يقتضيها فصل النزاع»[3].

   بقي التأكيد على أن حداثة وجود قانون مستقل ينظم الإجراءات القضائية الإدارية أدى إلى عدم وجود تعريف فقهي له، غير أن الأمر لا يثير أي إشكال مادام أن التعاريف الموضوعة لقانون الإجرءات المدنية تصلح لأن تكون تعريفا إجرائيا لقانون الإجراءات الإدارية، مع تخصيص طبيعة الجهة القضائية الملتمسة إلى "جهة قضائية إدارية".

    وبصدور القانون الجديد المنظم للإجراءات المدنية (المذكور أعلاه) تبين بأن المشرع الجزائري قد خص المنازعات الإدارية بأحكام (وليس تقنين) مستقلة جزئيا، ينظم أهم الأحكام المتعلقة بالتنظيم القضائي الإداري والإجراءات المتبعة أمامه، مع بقاء التبعية للقانون الأم (قانون الإجراءات المدنية) مادام أنه صادر في نفس القانون، والتبعية منوطة بالأحكام المشتركة·.

[1]. د. جعفور، محمد سعيد (2002). مدخل إلى العلوم القانونية : الوجيز في نظرية القانون، الجزائر : دار هومة، ص 98.

[2]. فيلالي، علي (2010) . مقدمة في القانون، الجزائر : موفم للنشر،  ص 118.

[3]. غصوب، عبده جميل (2010). الوجيز في قانون الإجراءات المدنية : دراسة مقارنة، بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ص 13.

  • · فأحكام الشريعة العامة (تقنين الإجراءات المدني) يتبقى سارية، وهكذا فإن المادة 816 المتعلقة بعريضة افتتاح الدعوى الإدارية تحيل فيما يتعلق بالبيانات المطلوبة إلى المادة 15 التي تنظم بيانات عريضة الدعوى المدنية.

2. طبيعة قانون الإجراءات الإدارية

   من المهم بالنسبة للحقوقي الذي يتعامل مع قانون الإجراءات الإدارية أن يكون ملما بكل ما يتعلق بطبيعة هذا القانون، لا لشيء إلا للنتائج الحاسمة والمؤثرة على مستقبل المراكز القانونية، لذلك سنتناول أدناه

المطلب الأول : قواعد نظام عام؟

   لمعرفة مدى تعلق قواعد قانون الإجراءات المدنية (والإدارية) بالنظام العام لا بد من معرفة أقسام هذا القانون والوقوف بالتالي على مدى ارتباطها بفكرة النظام العام، وهكذا فإن هذا القانون الإجرائي ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية[1] كما يلي :

القسم الأول مخصص لقانون التنظيم القضائي.

القسم الثاني مخصص لقانون الإختصاص.

القسم الثالث مخصص لقانون الإجراءات (المعنى الدقيق).

    يتضح إذن أن القسم الأول (قانون التنظيم القضائي)يعتبر متعلقا بالنظام العام مادام أنها تهدف إلى تنظيم المرفق القضائي ومنه لا يجوز أبدا للأفراد الإخلال بتلك الأحكام[2].

   أما فيما يتعلق بالقسم الثاني (قانون الإختصاص) فقبل معرفة مدى تعلق أحكامه بالنظام العام من الضروري معرفة أنواع الإختصاص، فهو اختصاص ينقسم إلى :

  1. الإختصاص النوعي : ويقصد به وهو اختصاص من النظام العام، وعلى ذلك تنص المادة 807 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية«الإختصاص النوعي ...للمحاكم الإدارية من النظام العام»، وبالتالي يجوز إثارته من أحد الخصوم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، فضلا عن إثارته تلقائيا من طرف القاضي.
  2. الإختصاص الإقليمي : ويقصد به «نصيب كل محكمة من حيث موقعها من إقليم الدولة، فقواعد الإختصاص الإقليمي أو المحلي هي التي تهتم بتوزيع القضايا على أساس جغرافي أو إقليمي بين مختلف المحاكم من نفس النوع»[3].

   استعان بعض الفقه بالإجتهاد القضائي الجزائري من أجل معرفة مدى بطلان مخالفة قانون الإجراءات، وهكذا فإن الإجتهاد القضائي الجزائري استقر على أن "لا بطلان إلا بنص صريح"، وقضى بأن مخالفة أشكال متعددة لا ينجم عنه بالضرورة القضاء بالبطلان[4]، ومن الأمثلة التي أوردها الأستاذ بوبشير محند أمقران حول الإجتهاد القضائي المذكور ما يلي :

  1. إغفال توقيع عريضة افتتاح الدعوى، أو عريضة الإستئناف، أو عريضة الطعن بالنقض لا يؤثر على صحتها (مخالفة المادة 14).
  2. إغفال ذكر يوم صدور الحكم بعد إقفال باب المناقشة وإحالة الدعوى للمداولة لا يترتب عنه البطلان (مخالفة المادة 276).
  3. إغفال التأشير على جميع الوثائق المقدمة (مخالفة المادة).
  4. عدم ذكر قضاة المجلس القضائي للنصوص القانونية المطبقة في منطوق قرارهم (مخالفة المادة)  لا يعد سببا من أسباب البطلان مادام أنهم طبقوا مضمون النصوص تطبيقا سليما.
  5. إغفال بيان صدور الحكم باسم الشعب الجزائري (مخالفة المادتين 38 و144 من قانون الإجراءات المدنية القديم وكذا المادة 132 من الدستور)، ولكن لم يعد هذا الإجتهاد القضائي ساري المفعول بدخول قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد من خلال نص المادة 275 التي نصت صراحة على بطلان الحكم الذي لا يراعي هذه العبارة.

   ما عدا ذلك، فالأمر منطقي أن يكون البطلان جزاء مخالفة النص الصريح، فيلتزم القاضي بالحكم بالبطلان إذا ما كان متعلقا بالنظام العام مثل مخالفة قواعد الإختصاص النوعي  (م 36)، أو نص المشرع صراحة على بطلان مخالفة الإجراء[5]، وبالتالي تفعيل نتائج القواعد الآمرة من خلال عدم جواز مخالفتها.

   ورغم غياب النص الصريح فإنه لا يعد بالضرورة ملازما لعدم البطلان، وهكذا فإذا كان الشكل جوهريا فإن القاضي سيحكم لا محالة ببطلان الإجراء، وإلا فإن المصير هو الطعن بالنقض، وأشار الأستاذ بوبشير محند أمقران أن الشكل يعد جوهريا في ثلاث حالات كما يلي :

-        أن يكون لازما لوجود الإجراء القضائي.

-        أن يكون متعلقا بالنظام العام.

-        أن يشكل ضمانة لللخصوم.

   وساق أستاذنا أمثلة عن هذه الحالات الثلاث كما يلي :

  1. أمثلة ملازمة الشكل لوجود الإجراء القضائي :

-        التوقيع على أصل القرار الذي يصدر عن المجلس القضائي من الرئيس وأمين الضبط والمستشار المقرر إن اقتضى الأمر (م 555).

-       لا يكون التبليغ صحيحا ولا ينتج آثاره القانونية إلا إذا وقع بواسطة سند يحرره المبلغ ويشير فيه إلى أن المبلغ له تسلم نسخة رسمية من الحكم أو الأمر، أو نسخة مطابقة للأصل.

-       يترتب البطلان في حالة عدم ذكر الأطراف في الأحكام القضائية ، إلا إذا ذكر بيان يسمح بالتعرف عليهم، ولا يغني ذكر إسم المحامي عن بيان أسماء الأطراف (اجتهاد قضائي).

  1. أمثلة الشكل المتعلق بالنظام العام :

-        وجوب إطلاع النيابة العامة على القضايا المذكورة في المادة (م 260)[6].

-        النص في القرارات الصادرة عن المجلس القضائي على أن المستشار المقرر قد تلا تقريره المكتوب (وفقا للمادة549 والمادة 553-3).

  1. أمثلة الشكل المقرر ضمانة للخصوم :

-        تبليغ عريضة الطعن بالنقض إلى المطعون ضده (م 563).

-        إحترام مبدأ المواجهة.

المطلب الثاني : قواعد قانون عام أو خاص؟

   اختلف الفقه حول مسألة طبيعة قواعد قانون الإجراءات هل هي قواعد قانون عام أم قواعد قانون خاص، فذهب جانب فقهي إلى اعتبار قواعده جزءا من القانون الخاص من ناحية أنه يهدف إلى حماية الحقوق الفردية، وانتقد هذا الإتجاه بالرد أن قانون الإجراءات يشتمل أيضا على قواعد تدخل في نطاق القانون العام مثل أحكام التنظيم القضائي، أحكام الإختصاص، أحكام الإثبات وإصدار القرارات كأعمال مرفق عام[7].

   صحيح أن الدعوى ملك للخصوم يجوز لهم التحكم في سيرها أو التخلي عنها فهي في النهاية تمثل حماية لمصالحهم الفردية (الوجه الخاص)، ولكن للقاضي دور في تسيير هذه المكنة بما يراه سبيلا لتحقيق حسن سير العدالة تنفيذا للمرفق القضائي الذي يشكل أحد المرافق العامة (الوجه العام) حيث يكون القاضي فيه ممثلا للدولة[8].

المطلب الثالث : قواعد تحقيقية أم اتهامية؟

   تتصف الإجراءات القضائية الإدارية وجوبا بالطابع التحقيقي كنتيجة لتباين صفة أطراف الدعوى الإدارية، فوسائل الإثبات التي يحتاجها أحد طرفي الدعوى (الشخص العادي) متاحة فقط لدى الطرف الآخر (الشخص غير العادي)[9]، وبالتالي فإن الطابع التحقيقي يسمح للقاضي الإداري بإعادة التوازن بين الخصوم[10]، غير أن تطبيق مخرجات النظام الإتهامي متاحة، كما أن تطبيق مخرجات النظام التحقيقي مشروطة أيضا.

   تطبيق قاعدة «البينة على المدعي» كأحد مخرجات النظام الإتهامي متاحة أيضا في القواعد الشكلية الإدارية، فيقع عبئ الإثبات على المدعي (حالة الشخص العادي) حال الطعن في مشروعية العمل الإداري، فمن المنطقي أن يقدم الدليل هنا، وتكفي في ذلك التبريرات الواضحة ليقبل القاضي دعواه[11].

   وهكذا فإذا ما تمت المبادرة بالدليل من (الشخص العادي) من خلال فقط التبريرات الهامة Argumentation sérieuse فإن القاضي سيساهم في البحث عنه[12]، وهنا بالذات تبدأ سلطات القاضي الإداري التحقيقية في توجيه الدعوى مثل التبليغ أو الإتصال بالإدارة العامة وأمرها بتقديم مستندات (وهي في الغالب في مركز المدعى عليه)[13].

[1]. غصوب، عبده جميل، مرجع سابق، ص ص 14، 15.

[2]. نفس المرجع، ص 19.

[3]. فريجة، حسين (2010). المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، ص 38.

[4]. بوبشير، محند أمقران (2008). قانون الإجراءات المدنية : نظرية الدعوى-نظرية الخصومة-الإجراءات الإستثنائية، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، ص 187 وما بعدها.

[5].  بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق، ص 188.

[6]. تتمثل في الحالات الآتية :

-          القضايا التي تكون الدولة أو إحدى الجماعات الإقليمية أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها،

-          تنازع الإختصاص بين القضاة،

-          رد القضاة،

-          الحالة المدنية،

-          حماية ناقصي الأهلية،

-          الطعن بالتزوير،

-          الإفلاس والتسوية القضائية،

-          المسؤولية المالية للمسيرين الإجتماعيين.

[7]. غصوب، عبده جميل، مرجع سابق، ص 22.

[8]. نفس المرجع، ص ص 22، 23.

[9].  بدران، مراد (2009). «الطابع التحقيقي للإثبات في المواد الإدارية»، مجلة مجلس الدولة، ع 9-2009،ص ص 9، 10.

[10]. خلوفي، رشيد (2013). قانون المنازعات الإدارية (ج 3) : الخصومة الإدارية-الإستعجال الإداري-الطرق البديلة لحل النزاعات الإدارية، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، ص 48.

[11]. نفس المرجع، ص 13، 16.

[12]. نفس المرجع، ص 16.

[13]. أ.د. بعلي، محمد الصغير (2005). الوجيز في المنازعات الإدارية، عنابة : دار العلوم، ، ص 124.