المحاضرة الثالثة

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: نظريات التنظيم و التسيير
كتاب: المحاضرة الثالثة
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Friday، 22 November 2024، 7:29 PM

الوصف

مضمون المحاضرة الثالثة

1. مشاكل التنظيم في العالم الثالث

في السنوات الأخيرة تغير اهتمام الباحثين في مجال الإدارة العامة والممارسين حيث بعد أن كان الاهتمام ينصب حول "ماذا نفعل" اليوم أصبح الاهتمام موجها نحو "كيف نفعل"، ولهذا عرفت المنظمات العامة والإدارات العمومية ثورة حقيقية في مجال تسييرها ،حيث انتقلت من عقلانية قانونية والمعروفة أكثر في الإدارة العامة التقليدية إلى العقلانية التسييرية .

أولا-مشاكل التنظيم في العالم الثالث :

1-أسباب فشل الإدارة العامة في دول العالم الثالث:         منذ نهاية الخمسينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي دار جدل حول مشاكل التنظيم وأسباب فشل الإدارة في دول العالم الثالث، وبرزت هناك ثلاث مجموعات من المدارس أو الاتجاهات التي كان لها آراء متباينة حول أسباب فشل الإدارة في الدول النامية.

         فالمجموعة  الأولى قد نسبت الفشل في الدول النامية إلى تقليد النماذج الغربية بإحضارها معه عندما كان مستعمرا لهذه الدول.

         غير أن المجموعة الثانية رفضت هذا الإدعاء وعللت الأسباب بأنها تكمن في عوامل البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول وليس لها علاقة البتة في تلك النماذج الغربية التي تم تبنيها.

         أما المجموعة الثالثة فقد أكدت أن النماذج الغربية وكذلك طبيعة العالم الثالث الخالية من التجربة في العامل أو العوامل لتخلف وفشل الإدارة في هذه الدول.

         أخذ الاختلاف في وجهات النظر يلعب دوراً هاماً في البحوث والدراسات التي تدور حول فعالية الإدارة العامة في دول العالم الثالث (الدول النامية) وانقسموا كتاب هذه البحوث والدراسات العلمية إلى ثلاث مجموعات: 

المجموعة  الأولى ويمثلها الكاتب المعروف في مجال الإدارة المقارنة "فيرل هيدي" الذي يرجع بالأساس فشل الإدارة بالدول النامية إلى تقليدها للنماذج الغربية المستوردة، لذا فإن المشكلة في نظره، أن يكون لها حل إلا بالخلاص من هذه النماذج واستبدالها بأخرى تتم صياغتها من داخل البلد نفسه.

        أما الكاتب الشهير في مجال الإدارة "فرد رجز" الذي مثل وجهة نظر المجموعة الثانية فقد قال: »إن عدم فعالية أو فشل الإدارة بدول العالم الثالث ليس له علاقة بتبني النماذج الغربية ولا بتعديل صياغتها، بل أن ذلك ناتج عن وجود عوامل بيئية لم يحددها وإنما أشار إليها على أن لها علاقة بالبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة «.

        أما وجهة نظر المجموعة الثالثة والأخيرة فيمثلها الكاتب "ميلتون أسمان" الذي آثر أن يكون بين المجموعتين في تحليله الذي وضح فيه أن إعادة صياغة النماذج الغربية وتعديلها بما ينطبق مع طبيعة البلد قد يقلل من المشكلة والسؤال الذي ينبغي طرحه على حد قوله يمكن في الكيفية التي يستطيع من خلالها الإداريين في دول العالم ثالث أن يكيفوا النماذج الغربية لتتمشى مع طرقهم وثقافاتهم المختلفة.

        وسوف نوضح بعض التفاصيل الموجزة عن كل مجموعة على حده، علما بأن لكل مجموعة من هذه المجموعات كتاب ومنظرين يؤيدون هذه المجموعة أو تلك في داخل الوطن العربي وخارجه.

2-الاطر التحليلية لأسباب فشل الإدارة في العالم الثالث:

ا-المجموعة  الأولى:

        هذه المجموعة التي يمثلها "فيرل هيدي" تؤكد أن الدول النامية جميعها سواء المستقلة منها أو التي نالت استقلالها مؤخرا من الاستعمار الغربي تتمتع بسمات عامة منها:

  • أن هذه الدول تعودت على استعمال بعض المفاهيم للإدارة البيروقراطية الغربية وعلى هذا الأساس، إن القاعدة الأساسية التي تتكون منها إجراءات وتنظم الإدارة العامة في هذه الدول مقلدة ومستوردة وليست نابعة من مفاهيم أو احتياجات البلد نفسها.
  • هذه الدول النامية تستطيع أن تختار ما يتناسب مع تاريخها وتقاليدها وعاداتها حتى لا تكون تلك النماذج سببا في فشلها، وأعطى مثال على ذلك، ما حصل من تأثير النمط الإداري للولايات المتحدة على الفلبين، ورغم المداولات والكتابات والبحوث التي دارت حول هذا الموضوع واختلاف الرأي إلا أن هيدي استمر في التأكيد على وجهة نظره من جديد ومحاولة ترسيخ هذا المفهوم مرة أخرى عند إعادة طبع كتابه الأخير عام 1991م، ففي ظل تلك الاختلافات التي ظهرت في أدبيات الإدارة العامة والتي لا تطبق لبعضها البعض مع ما أكد عليه هيدي في كتابه الأول.

         فقد حاول في كتابه الجديد أن يشير إلى أن أسبقية البيروقراطية الغربية التي شكلت البيروقراطية المتطورة في الدول النامية لا تعني أنها أقل ملائمة من تلك التي تنشأ داخل هذه الدول نفسها ولكنها تؤكد أهمية التكيف بعد الاستقلال كحالات متغيرة وخاصة لتعزيز الشرعية لتلك السلطات التي تحاول التقدم نحو تحقيق الهدف التنموي.

         لذا فإن استمرار تقليد الدول النامية – على حد قوله – لتلك النماذج الغربية قد نتج عنه عدة عوامل ومنها عجز الحكومة عن إيجاد القوى البشرية الماهرة التي يسند إليها تطوير البرامج التنموية ونقص في قدرة الإدارة وتدريبها للرؤساء الإداريين على هذه النماذج المستوردة بالإضافة إلى ظهور فساد مستفحل داخل الإدارات الحكومية في هذه الدول النامية مما أدى بالتالي إلى فشل الإدارة في هذه الدول.

         ومن رواد هذه المجموعة "أيم ايككوي" الذي نشر مقالة بعنوان (تطوير الإدارة العامة والنظام الرأسمالي)، نسب فشل الإدارة في العالم الثالث إلى الدول الرأسمالية، التي كانت هذه الدول تخضع لسيطرتها، حيث أكد في طرحه أن دول العالم الثالث كانت معاقة من قبل الدول الرأسمالي التي تمتلك القوة في تكوين النظم والأسس الإدارية داخل إداراتها لخدمة مصالحها في هذه الدول المستضعفة، لذا فإن هذه النظم والنماذج التي خلفها النظام الرأسمالي الاستعماري بحاجة إلى تغيير محتوياتها لأنها لم تعد صالحة لدول العالم الثالث المستقلة، كما أنها لم تعد فعالة في المجال التنموي لهذه الدول.

         ومن هذه المجموعة أيضا "رالف بريبانتي" الذي سبق ايككوي في بحوثه وافتراضاته التي أخذت دورها في بداية الستينات، والتي أوضحت أم المشكلة تكمن في كون الدول النامية تسرعت في عملية التنمية الشاملة للنهوض بشعوبها.

ونظرا لذلك فقد أخفقت في تحقيق ما تود تحقيقه لأسباب الآتية:

  • استعملت هذه الدول نماذج غربية معقدة.
  • ظهور فجوة كبيرة بين ما تمليه هذه النماذج من أسس وقوانين وبين الطريقة العملية لتطبيقها.
  • إن هذه الأسس والقوانين التي استعملتها الخدمة المدنية في الدول الاستعمارية المتقدمة والتي تقوم الدول النامية بتقليدها قد لا تكون صالحة من الأساس لأنها عملت تحت نظام مختلف لعلاج مشاكل مختلفة.

         ولقد كانت وجهة نظر المجموعة  الأولى معبرة عن نظريات اجتهادية واستنتاجات تقديرية باستثناء البحث "رالف بريبانتي" الذي استطاع في بحثه المكثف أن يشير إلى الفجوة بين المكونات القانونية للنماذج الغربية وطريقة تطبيقها على أرض الواقع في الدول النامية، وهو بهذا قد انفرد عن مجموعته في تلمس الحقيقة وذلك من خلال تطبيقات على نظام الخدمة المدنية الباكستاني، غير أنه لم يوضح لنا العوامل البيئية التي أدت إلى وجود هذه الفجوة، بل اعتمد التعميم إلى أن النماذج الغربية كانت معقدة وليس من السهل تطبيقها.

         وهذه النظرة يختلف معه فيها "فرد رجز" الممثل لنظرة المجموعة الثانية الذي حاول أن يشير إلى العوامل البيئية في إطارها الصحيح، حيث نبه في مجادلته إلى أن الفشل في الإدارة العامة معظم الدول النامية لم يأتي نتيجة لتبنيها النماذج الغربية المعقدة كما ذكر "بريانتي" لأن هذه الدول لم تحسن الاختيار كما أشار "هيدي"، بأن هذا الفشل قد جاء نتيجة عوامل بيئية واجتماعية وسياسية واقتصادية استطاعت أن تحول دون تطبيقها الفعال، كما أن هذه العوامل تحول دون التغيير أو التكيف لكل جديد بصرف النظر من أين كان مصدره وحتى لو كان من داخل الدولة نفسها.

ب-المجموعة الثانية:

        جاء "فرد رجز" في مقدمة الناقدين لوجهة نظر المجموعة  الأولى ولم يكتفي برفض ما ذكرته هذه المجموعة من أسباب فشل الإدارة في الدول النامية بل تعدى ذلك إلى انتقادهم في استعمال التعريفات والتعبيرات السياسية الجيولوجية في المقارنة، كتعبير يشير إلى عدم ملائمة استعمالها في (East and west) المقارنة بين الغرب والشرق بخصوص هذا المجال، إلا إذا كنا كل ما يعبر عنه غربيا أو شرقيا في أساسه، لأنه يخالف الحقيقة في نظره وقد وضح ذلك في مقاله المشهور الذي أشرنا إليه سابقا والذي يقول "عندما نتتبع خلفية اكتشاف المؤسسات البيروقراطية الحديثة نجدها بالفعل ليست غربية الأصل وإنما جاءت إلى أوروبا من الصين عن طريق الهند".

        لذا فإن المجموعة الثانية يمكن اعتبارها أنها معبرة عن الغرب والشرق فهذا الافتراض يعتبر غير ملائم ويؤدي إلى ضياع المعنى وعدم جدوى المقارنة، ويرى أن الخيارات الأخرى لوضع المقارنة الصحيحة تعتمد بالدرجة  الأولى على المعرفة الشاملة للتركيبة الحكومية والعوائق البيئية التي تؤثر على الإنجازات والتنفيذ داخل أي بلد من بلدان العالم.

        بالإضافة إلى أهمية وجود إطار نظري يساعد على معرفة العوامل الكامنة والتي هي بالحقيقة سبب وراء فشل الإدارة بدول العالم النامي.

ج-المجموعة الثالثة:

        حاولت هذه المجموعة أن تكون في الوسط بين هاتين المجموعتين وفي مقدمتهم "ميلتون اسمان" الذي يرفض أن يكون هناك خطأ في تقليد دول العالم الثالث للممارسات العلمية الغربية، حيث تبلورت وجهة نظرها حول إمكانية استعمال النماذج الغربية في الدول النامية لأنها قد تساعد على التنمية في هذه الدول لكونها مناسبة وأكثر فعالية، عندما تحدد التكنولوجيا السلوكيات ويكون هناك إجماع على المعنى والهدف وتكون الفعالية والقدرة والعمل الجاد هي المسيطرة على هذه السلوكيات.

        هذه المجموعة تؤكد أن المشكلة ليست في تقليد النماذج الغربية ولكن المشكلة تكمن في صياغة المادة وتعديلها مما ينطبق مع طبيعة البلد، لقد غاب على الجهات الإدارية في دول العالم الثالث تكييف هذه النماذج الغربية مع ما يتماشى مع عاداتها وثقافاتها المختلفة، وعلى هذا الأساس فقد أخذت الدراسات والبحوث التي خصصت مجال الإدارة المقارنة في الدول العربية وخارجها في التنقيب عن بعض المشاكل التي تتعرض لها الإدارة في الدول النامية بشكل عام دون وجود دراسات ميدانية تحليلية لحالات خاصة في بلدان معينة، وفيما يلي سوف نستعرض بعض الكتابات التي تحاول التنويه عن بعض المشاكل الإدارية في الدول النامية.

        من بين هؤلاء الكتاب الذين يرجعون فشل الإدارة في الدول النامية إلى السياسة العامة لهذه الدول "ستيفن أوما" الذي فسر في مقاله بأن انتشار الفساد في الدول النامية يعود إلى استغلال البيروقراطيين في هذه الحكومات لسلطتهم النظامية أو القانونية في مكاسبهم الشخصية التي تتعارض كليا مع المصلحة العامة، هذا التصرف أدى في النهاية إلى عدم فعالية الإدارة العامة بهذه الدول.

         أما "هرفي تيلر" الذي زار ثلاث دول إفريقية وهي "تنزانيا وكينيا وزيمبابوي" فقد أوضحت دراسته التي ركزت على الموظفين في القطاع العام لهذه الدول، أن المحادثات التي تدور بين المواطنين في هذه الدول بالإضافة إلى الإعلام بشكل عام قد عبرت عن عدم انتشار الرشوة والفساد، وعليه فقد اقترح أن يكون هناك تغيير إصلاحي لإعادة تنظيم هذه المؤسسات حتى تتساير مع متطلبات التنمية، إن افتقار معظم البلدان النامية إلى أكثر الأسس أهمية من أجل وجود بيروقراطية مهنية تستند إلى القواعد النظامية الرسمية، جعل القادة الذين يحبذون الإصلاح في هذه الدول لا يستطيعون ترجمة أهدافهم إلى واقع ملموس لأن الآلية التي تربط بيانات السياسة بالأداء الفعلي توقفت عن العمل، وكنتيجة لذلك نشأت فجوة واسعة بين ما تقوله الدولة سوف تفعله أي بين القواعد الرسمية للمؤسسات العامة وبين القواعد الفعلية، لذا فإن العبرة تكمن في كيفية إغلاق هذه الفجوة وإعادة إرساء المصداقية لسياسات الحكومة والقواعد التي تعلن أنها تطبقها والتأكد من أنه يجري تطبيقها بالفعل



 

2. نحو بناء نموذج جديد للإدارة العامة

 

 

  1-ملامح التغيير في إدارة الخدمة العمومية:

          إن الإصلاح في إدارة الخدمة العمومية في العصر الحديث، جزء من مشروع أوسع وأشمل يخضع بدوره إلى نظرية أخذت في لانتشار منذ الثمانينات، في جميع أنحاء العالم، هذا بعد موجات الإصلاح التي عرفتها دول أمريكا وأوروبا، تحث العديد من المسميات "إدارة عامة جديدة" "إعادة اختراع الحكومة هذه لأخيرة التي ظهرت في بريطانيا العظمى ونيوزلندا، واتسعت إلى دول أخرى شملت الولايات المتحدة الأمريكية في 1993، ثم انتقل المفهوم إلى مسميات جديدة شاملة "إدارة شؤون الدولة والمجتمع" أو "الحكم الراشد" أو "إدارة الحكم الصالح" من جهة وإلى تأثير تحولات ما يسمى بالتأثير العالمي القائمة على مقومات الاقتصاد الحر، فقد تنوعت مجالات التغيير التي تشهدها الدول والحكومات حاليا في القطاع العام إلا أن جميعها تسعى إلى خلق ذلك التوازن بين الفعالية التي يتطلبها الاقتصاد الحر، وبين العدالة الاجتماعية التي تسعى تحقيقها "نظرية الحكم الراشد" لهذا لا يمكننا تصور استمرار تطبيق نمط التسيير الكلاسيكي لمجتمعات في تطور وتغيير مستمرين.

            يكمن الإبداع والتحديث في الخدمات العامة في محاولة منح مستهلكي الخدمات العامة القدرة على التصرف بوصفهم زبائن، لهم حق الاختيار عن طريق استخدام الإيصالات، واستعمال التسعير وتقاضي الرسوم داخل الإدارة العامة، وبهذا يتم تحويل التنظيم العمومي من تسلسل هرمي بيروقراطي إلى تسلسلات هرمية لها أسواق والتي يسميها البعض بعملية الخصخصة الداخلية. حيث تحقيق الفعالية الاقتصادية للتنظيم العمومي مرتبط بدرجة المجهود الذي يبذل من طرف الأعوان التابعين للتنظيم المعني وبمدى احترام العقود الداخلية وتوازنها. كما تظهر أهمية الإدارة العامة الحديثة كونها تهدف إلى إنشاء الكفاءة دون اعتمادها على مبدأ صرامة القوانين بل تعتمد على مشاركة المستخدمين في التسيير، لا تعتمد على مبدأ الإنسانية بل على "التسويق العام"، المفاهيم التجارية، وتلبية احتياجات المواطنين.

وتختلف أساليب ومناهج الإدارة العامة الجديدة وفق استخدامها لنموذج" "(Economie, Efficacité, efficacité) أي الفعالية، الاقتصاد، الكفاءة، ونموذج 3D(السوق، اللامركزية، النوعية). ومحور التغيير في الإدارة العامة المسيرة بشكل مركزي هو زيادة شفافيتها، من خلال تطوير الصيغة التعاقدية للعلاقة بين مديري الإدارات والوزراء وتحديد الإنتاجية، وزيادة درجة مسائلة المسئولين إلى حد كبير، لأنهم سوف يكونون ملتزمين بأهداف معينة، وسوف يكون الوزراء مجبرين على أن يكونوا أكثر تحديدا لما يريدونه، وبهذا تتطور نظم الإدارة القائمة على الأداء.

كما تظهر محاولة إعطاء الأولوية لشفافية من خلال الفصل بين التدخل السياسي والمجال الإداري وفي التشغيل المستعمل لشكل الوكالة، والتي يكون تنفيذ السياسة فيها في أيدي منظمات متباعدة، ذات أهداف واضحة عليها إنجازها، ومن خلال تطوير لا مركزية الرقابة المالية. وقد انعكس هذا في إنشاء الإجارة المالية تعمل على تصميم وتطبيق إجراءات أكثر فعالية في المحاسبة والإدارة المالية. ومن الأسئلة الجوهرية التي تطرح بخصوص الإدارة العامة الجديدة، هي القضايا المتعلقة بإمكانية المحاسبة وفي أوقاتها.       

2-آليات التغيير في إدارة الخدمات العامة:

أحد الآليات المستخدمة في إجراء التغيير في إدارة الخدمات العامة والأكثر أهمية هي تطوير العقود، وتعد أبسط صورة لاستخدام العقود هي شراء الخدمات العامة ممن يوفرونها من القطاع الخاص أي التعامل مع القطاع الخاص بشكل مقاولتي، كما يسمح للمنظمة العامة أن تنافس القطاع الخاص الذي يحتمل قيامه بتوفير معظم الخدمات ضمن السوق ويستخدم العقد مع قياس الأداء من أجل تقييم الإنجاز الفردي في إدارة الخدمات العامة. ويحظى مستخدم الخدمات العامة بمكانة واضحة داخل الإدارة الجديدة، بوصفه عميل أو مستهلكا وأن للمواطنين الأفراد حقوق، ويجب أن يسمح لهم بأقصى مدى للاختيار الخدمات التي يستخدمونها. إذ قيم الإدارة العامة الجديدة هي العلاقات المقاولتية، المرونة، الإبداع وحرية المقاولين، في حين إدارة الخدمات العامة التقليدية كانت تركز على المسؤولية الوزارية، مبدأ الحذر، الإنسانية، الاستقرار..الخ. أما المضمون الفني العام للإدارة العامة الجديدة (NPM) هي تسيير ومراقبة الإدارة العمومية عن طريق مخرجاتها، النتائج في هذه الحالة مهمة، وكذا الموازية، ويتم العمل بمنطق الوكالات والتي يرتبط وجودها بعدد ونوعية المنتجات المقدمة من طرف الإدارة المعنية وفي آجال محددة، وبما أن هذه المنتجات من المفروض أن يكون تواجدها مرتبط بمدى خدمتها للمواطنين – الزبائن – والذين سيصبحون إلى حد أقصى ممكن مشاركين كاملين في هذه الإدارات التنافسية التي تحيط بهم.

3-أنماط الإدارة الحديثة: 

ا- الإدارة بالشفافية:

        إن الإدارة بالشفافية هي عدم جواز الحد من حرية التفكير داخل الجهاز الإداري لأن الإنسان له الحق في تحكيم عقله دون خوف أو تبعية ولأن المصلحة العامة تقتضي القيام بكل عمل يسهل للزبون من تلقي الخدمة المطلوبة من الإدارة.

فالمجتمع الديمقراطي نجده مجتمع مفتوح تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا تحت حماية القانون ومع المواطنين المستفيدين من الخدمات هذه هي الشفافية، ومن جهة أخرى يصبح للمواطن الحق في متابعة شؤونه وقضاياه داخل هذه الإدارات وإبداء رأيه بكل حرية، أما السرية وعدم الحوار والانغلاق فكله يؤدي إلى نتائج هزيلة ولا يخدم المواطنين بل فئة منهم فقط.

تعتبر الشفافية من المفاهيم الحديثة والمتطورة للإدارة الواعية التي تسعى إلى تحقيق التنمية الإدارية الناجحة، الوصول إلى بناء تنظيمي سليم قادر على مواجهة التحديات الجديدة والتغيرات المحيطة، فكانت الشفافية الإدارية أولى المحاولات المطبقة في العمليات الإدارية ومن الواجبات الهامة لدى ممارسي الإدارة في المنظمات العامة، ومن شروط الإدارة بالشفافية ما يلي:

  • أن تكون الشفافية في الوقت المناسب حيث أن الشفافية المتأخرة تكون لا قيمة لها.
  • أن تتاح الشفافية لكافة الجهات في نفس الوقت ودون غموض.
  • لا يجب أن تخل الشفافية بالمباد العامة كالسرية والمنافسة.
  • أن يعقب الشفافية مساءلة، فالشفافية في حد ذاتها ليست غاية بل وسيلة لإظهار الأخطاء والمتابعة الفعالة لمرتكبيها.

وهناك عدة طرق لدعم وتحسين الإدارة بالشفافية في أداء الوحدات والمؤسسات الإدارية (السياسية، ولاقتصادية...الخ)، في مجتمع ما طالما توافرت الإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك وأهم هذه الطرق ما يلي:

  • دعم وتطوير النظام القانوني والجهاز القضائي بالمجمع وذلك بتفعيل مواد القوانين الموجودة والعمل على القيام بدراسات حول ما يعوق المنظمات ومحاربة الفساد.
  • الالتزام بالقيم في أداء الوظائف المختلفة والنزاهة وتفعيل اللجان المسؤولية بالإجراءات التأديبية والتكفل بالمشاكل التي تحدث بسبب سوء استخدام السلطة والفساد الإداري.
  • فتح الإدارات على المواطنين ولجان ووكالات محاربة الفساد وأمام الجمعيات الحكومية والأهلية المختصة ومنحها الصلاحيات التي تمكنه من القيام بمهامها.
  • تنمية القيم الجماعية، والدينية والتركيز على البعد الأخلاقي في العمل وتهيئة بيئية عمل تقوم على (إرضاء العاملين، الزبناء، المتابعة، المراقبة الموضوعية، روح الجماعة).
  • دراسة وتطبيق آليات المكاشفة والمصارحة من خلال التأكد على التزام موظفي القطاع الحكومي بمسؤولياتهم عن نشر المعلومات للمواطنين عبر آليات منظمة قانونا والرد على استفساراتهم.
  • تنمية وعي موظف القطاع العام والمتعاملين معه بمختلف مخاطر الفساد وأشكاله ومعرفة الأدوات والأساليب اللازمة لمكافحة وأهمية بناء الشفافية في الأنظمة الإدارية والمالية.
  • دعم أجهزة الرقابة العليا والأجهزة الرقابية على مستوى المنظمات الإدارية وضمان حسن استخدام الموارد والارتقاء بالأداء في المؤسسات.

        من خلال توضيح مهام هذه الأجهزة بدقة خلال وضع الميزانيات ومراقبة إنفاقها والضبط الداخلي، غير أن هذا النوع من الإدارة يتطلب إرادة قوية وظروف مواتية للعمل الإداري الشفاف ومن الصعب تحقيقه في نظم الإدارة في العالم الثالث.

ب- الإدارة بالأهداف:

        الإدارة بالأهداف أسلوب إداري حديث يهدف إلى تركيز جهود المنظمة إلى بلوغ أهدافها، والفلسفة الأساسية التي تقوم عليها الإدارة بالأهداف هي الإدارة التشاركية، بمعنى أن تحدد كل مؤسسة أهدافها بمعية العاملين فيها ثم توضع مخطط العمل اللازم لبلوغ هذه الأهداف، ومن بين أهم مبادئ الإدارة بالأهداف زيادة التزام الموظفين في إنجاز العمل ومشاركتهم فيه.

ب.1-تعريف الإدارة بالأهداف:

        يعرفها بيتر داركر: "أنها نوع من الإدارة تتخذ الأهداف منهجا لها في العمل الإداري، كما أنها في نفس الوقت، إدارة تقوم على أساس إنجاز الأهداف والالتزام بالعمل وأنها العملية التي يتكامل فيها الناس داخل التنظيم فيما بينهم فيوجهون أنسهم نحو تحقيق أهداف المؤسسة وأغراضها.

        أما جون هميل فيعرفها: "بأنها النظام الديناميكي الذي يوجد بين حاجات المؤسسة لبلوغ أهدافها في الإنتاج والنمو وحاجات الإداري وتطويره".

        أما شيروود (Cher wood) فيعرف الإدارة بالأهداف "نظام إداري يهدف إلى زيادة فعالية كل من المنظمة الإدارية والإداري عن طريق مشاركة جميع أعضاء التنظيم في وضع الأهداف المرجو بلوغها بحيث تكون هذه الأهداف محددة زمنيا وقابلة للقياس".

        إن نمط الإدارة بالأهداف يقوم على العمل الإستراتيجي، أي وضع مخطط إستراتيجي ديمقراطي يحمل بدائل لأي خلل قد يواجه أو يعطل بلوغ هذه الأهداف.

ب.2.مبادئ الإدارة بالأهداف فهي:

- مبدأ المشاركة:

يتصل هذا المبدأ بضرورة المشاركة في تحديد أهداف المنظمة بين الرئيس والمرؤوسين والعمل على استغلال أفضل السبل وطرق التقويم المناسبة والحث على (الالتزام، تحمل المسؤولية ورفع معنويات العمال).

- مبدأ تحديد الأهداف:

بمعنى وضع أهداف المنظمة الإدارية على شكل نتائج عامة مبدئية والمرجو تحقيقها من طرف الرؤساء والمرؤوسين حيث يحددون مسؤولياتهم في بلوغ تلك الأهداف مع مراجعة دورية من لدنهم للتقويم.

  • تحليل المشكلات والفعالية والكفاية للفريق أو الجهاز الإداري.
  • خطة العمل ووضوحها: ماذا؟ ومتى؟ ومن؟ وكم؟ إذن مع التعديل والتقويم المستمرين.
  • الإدارة الذاتية اللامركزية مع الرقابة الذاتية (العامل بنفسه)، والإدارة الجماعية من خلال جهد تعاوني وعمل جماعي تعاوني بينهم.
  • النظرة الإدارية المتكاملة بمعنى التكامل بين الأهداف عن طريق إسهام العاملين في مختلف المستويات وإبداعاتهم لتحقيق أهداف التنظيم.
  • مساندة المسؤولين لهذا النوع من الإدارة في سائر مراحل العمل.
  • فعالية عمليات الاتصالات والتغذية الراجعة.

ب.3.إيجابيات الإدارة بالأهداف:

  • هي كفيلة برفع الكفاية الإنتاجية للمنظمة لأن الفرد رقيب على نفسه في تحقيق أهداف محددة.
  • وسيلة نافعة لتوفير أساس لقياس الإنجاز وإسهام كل عامل وأعماله لتحقيق الأهداف.
  • وسيلة مناسبة لتفويض السلطات وتحديد المسؤوليات وتوزيع الأعمال.
  • تساعد الإدارة بالأهداف على أن تكون أهداف المؤسسة واقعية إذا يضعها الرؤساء والمرؤوسين في ضوء معرفتهم لطبيعة عملهم الذي يمارسونه.

ب.4.سلبيات الإدارة بالأهداف:

  • تركز الإدارة بالأهداف على النتائج أكثر من تركيزها على الوسائل اللازمة لتحقيقها.
  • تركيزها يكون على الأهداف قصيرة المدى إذا كانت الموارد محدودة.
  • صعوبة تحديد أهداف بعض المؤسسات بشكل محدد وواضح.
  • صعوبة تطبيق أسلوب إداري فيه تحدي لبعض الموظفين.
  • تتطلب الإدارة بالأهداف قدرة على تحقيق أهداف واقعية مناسبة لإمكانيات وقدرات المؤسسة وهذا لا يمكن تحقيقه دائما.

ج- التسيير العمومي الجديد: 

        ج.1.تعريفه:

      لقد تم وضع تعاريف عديدة للتسيير العمومي الجديد في عديد الكتابات الخاصة بأنماط الإدارة الحديثة، ومن هذه التعاريف نجد تعريف الأستاذ Fran9ois Xevier Merrien "حيث يعرف التسيير العمومي الجديد بأنه "إدخال قيم وأنماط على الإدارة العامة من عمل المؤسسة الخاصة وأساليب وتقنيات مستوحاة أساسا من السوق".

        ويعرف Jacques Chyiner "التسيير العمومي الجديد يهدف إلى نقل أساليب التسيير الخاصة إلى المجال العمومي وتحويل نمط الإدارة وتقوية مسؤولية المسيرين وتحسين العلاقة مع المواطنين".

أما W.Bernrath فيعرف التسيير العمومي الجديد على أنه "مجموعة من العوامل المبتدعة في تسيير الإدارات العمومية تتصف أساسا بمقترب تسييري بعيد عن المقترب القانوني، وإرادة حول تركيز التسيير حول النتائج وإدخال عوامل تنافسية والأداء وتخفي النفقات والجودة. ويحدد الأستاذ W.Bernrath عناصر التسيير العمومي الجديد في:

  • اتجاه نحو الأهداف والنتائج.
  • تحديد كاف للأهداف وتحديد المنتوجات وطلب تعاقدي.
  • مقارنة الأداء Banchaming وسيلة فعالة للأداء ومقارنة الأداء بين الإدارات العمومية.
  • مراقبة وتحليل (الاقتصاد – الفعالية – الكفاية) للإدارة العامة.
  • الأخذ بعين الاعتبار للوسائل (المدخلات Input) والنتائج (المخرجات Out put).
  • مسؤولية ميزانية قطاعية، استقلالية ورقابة داخلية.
  • لا مركزية تسيير المواد.
  • تحديد واضح للصلاحيات بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الإدارية.

ج.2.عوامل ظهوره:

         تعود تسمية العمومي الجديد New public Management إلى الأستاذ chrestopherhood وذلك في كتابه بالاشتراك مع الأستاذ Jackom.M عام 1991، تحت عنوان Administrative argument ويمكن القول أن بريطانيا تحت إدارة السيدة مارغريت تاتشر margarette tatcher في الثمانينات، كانت لها دور أساسيا في إعداد وصياغة، بطريقة إمبريقية القواعد الأساسية للتسيير العمومي الجديد. ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور السير العمومي الجديد نذكر:

ü     تراجع دور الدولة:

         كان دور الدولة يقوم على تأمين خدمات الأمن والدفاع الخارجي والقضاء وهذا ما يعرف بالدولة الحارسة وازداد دورها في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فمثر في منتصف السبعينات حدثت أزمة اقتصادية حادة، ورغم السياسات المطبقة إلا أنها لم تعطي أي تحسن هذا ما أدى إلى تجديد الفكر الليبرالي الذي كان يقوم على تعاظم دور الدولة هو السبب في زيادة الأزمات الاقتصادية، كانت أولى الإصلاحات هو تقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، لإعطاء المبادرات الخاصة أكثر مساحة للنشاط وكان لآلية السوق والمنافسة دورا متزايدا في ضبط الاقتصاديات وبهذا أصبحت الدولة تعرف بالدولة الحامية.

- ضعف الأداء والفعالية:

         نظرا لتأثير العديد من العوامل كان من الضروري رفع كفاءة أداء المرافق والقطاعات العمومية، لأن التغيير في مستوى تدخل الدولة أصبح غير كافي بالنظر إلى عدم كفاءة القطاع العمومي من حيث مستوى الأداء وكفاءة استخدام الموارد المتاحة، ونجد أن التكنولوجيات الحديثة العولمة، أزمة المالية للدولة والأنماط الجديدة في التسيير وتجديد الفكر الليبرالي، فقد لعبت دورا كبيرا في حث القطاع العمومي على كفاءة استخدام الموارد المتاحة بالإضافة إلى الرغبة في تحسين ومعالجة التي ميزت التسيير العمومي التقليدي والتي من أهمها البيروقراطية.

ج.3.مبادئه ووظائفه:

يتركز التسيير العمومي الجديد على أربعة مبادئ أساسية هي:

  • حل المشاكل في مستواها.
  • المواطن الزبون.
  • إرضاء الحاجات وتحسين الإجراءات.
  • دور العوامل السياسية في توجيه وإعداد الشروط الضرورية للأداء.

ونجد للتسيير العمومي الجديد له عديد من الوظائف أهمها الوظيفة الإستراتيجية والوظيفة المالية، والوظيفة التسويقية ووظيفة الموارد البشرية.

- الوظيفة الإستراتيجية: تتمثل في:

  • التسيير عن طريق الأهداف.
  • التخطيط الإستراتيجي.
  • الشراكة ما بين القطاع العام والخاص.
  • الفصل ما بين الوظائف.
  • اللامركزية.
  • تعميم عمليات التقويم.

- الوظيفة المالية: تتمثل في الاهتمام بالنفقات والميزانية على أساس وضع برامج واضحة ودقيقة.

         كذلك نجد أن هناك شفافية أكثر في المحاسبة خاصة التحليلية وتوضيح النفقات حيث لابد من التوضيح بين النفقات المباشرة وغير المباشرة وكذلك الخفية.

- الوظيفة التسويقية: عن طريق التسويق العمومي ومحاولة معرفة العلاقة بين الوحدة الإدارية والعالم الخارجي.

 

-وظيفة الموارد البشرية:

         أصبح ينظر إلى التسيير العمومي الجديد على أنه مورد أو طاقة لابد من استغلالها على أحسن وجهة مثلا الاهتمام بالعاملين عن طريق تحفيزهم.

         من خلال هذه الوظائف نجد أن التسيير العمومي الجديد لا يبحث عن ما هو كائن، وإنما يبحث عن إعطاء معنى محدد لهذا العامل.